3-4-2015

جيلي كوبر

يمكننا ملاحظة فتحة في الجانب الأيمن من السيارة الهامر فقط إذا أدرت رأسك بشكل كامل إلى الجانب. وسيلة الرؤية الليلية ثقيلة على الرأس وتقيد حركته، لأن نطاق الرؤية له مدى محدد، ويمكنك رؤية الطريق يلتوي أمامك فقط. فترى كل شئ بألون الأخضر والأسود ومن الصعب ملاحظة تفاصيل الأرض الصخرية، ما هو بارز فيها وما هو غائر – خطأ واحد صغير من السائق – ستهوي السيارة إلى الأسفل، من ظلمة الليل إلى ظلمة أحلك بكثير.

تعلم العريف “حاييم عطية” معلم في وحدة القيادة العملياتية، القيادة الدقيقة في الظلام. وقد سرد قصة فى فتور قائلاً “كانت الساعة الأخيرة في التدريب النهائى حين أدركت فجأة الحفرة. نظرت إلى السائق لاحظت أنه لم ينتبه – فحذرته، ولكن كانت سرعة المركبة كبيرة فإنزلقت عجلة واحدة إلى الحافة”. وبدت التجربة القاسية التي مر بها معتادة بالنسبة له. وأوضح “لايجب الوقوع فى ضغط في مواقف كتلك، لقد قلت له على الفور توقف – وفي تلك اللحظات تكون نسبة الأدرينالين عالية، وأن أعرف أنني إذا ضغطت عليه سيدخل في مرحلة الضغط – وحينئذ ستكون فرصتنا في السقوط كبيرة”. وبعد التعايش الدقيق مع الموقف، ينجح راكبي السيارة في إنقاذ أنفسهم، ويستمرون في مسيرتهم ليلاً.

مر رجال وحدة القيادة العملياتية أكثر من مرة بمواقف كهذه، ليجدوا أنفسهم يتأرجحون على الحافة – بالمعنى الحرفي للكلمة. الوحدة مسئولة عن تدريب وتأهيل السائقين في الجيش الإسرائيلي عامة على أنواع مختلفة من المركبات وعلى تنفيذ المهام الخطيرة في حالة الطوارئ بشكل سريع وسري جداً، مع الحفاظ على ارواح كل المتواجدين في المركبة. ويتم تنفيذ التدريب على القيادة على اراضي غير ممهدة وفي حارات ملتفة ومتعرجة في القرى وحتى الغابات والصخور الطبيعة الجبلية. وأحياناً يتمكن رجال الوحدة من القيادة لساعات متواصلة وطويلة. وعلى كل هذا، يتوجب على السائقين البقاء يقظين ومنتبهين، وإن كان هذا غير كافي – الغالبية الكبيرة من العمليات تنفذ ليلاً، في الظلام الدامس.

للوصول لأقرب ما يمكننا من العدو

يوضح معلم الدورة التدريبية للقيادة العملياتية رقيب أول (إحتياط) “بار كوهين”، “عندما تجلس على عجلة القيادة بعد 72 ساعة دون نوم، في حالة الحرب – يحرص رفقائك على أن تكون مستيقظ وهم أيضاً، فهم يساعدونك ببعض المياه، لترطيب رقبتك، ويتحدثون همساً على هذا وذاك. ولمرات كثيرة يكون الأدرينالين كافي لإبقائك يقظاً ومنتبهاً”.

يتعلم رجال الوحدة خلال فترة التدريب والتأهيل أسلوب معين يتحرك فيه الرتل. تكنيك ينعكس علي الحركة على مدار اليوم، ولكنه يتغير في الليل ليتلائم مع الظروف المحيطة والظلام الدامس. ويشير رقيب أول (إحتياط) كوهين “الهدف من ذلك في نهاية الأمر هو مفاجأة العدو والوصول إلى أقرب ما يمكن إليه”. وأضاف “المسافة بين المركبات في الرتل أقل بكثير عن السير في الطريق عامة، فلا يقوم السائقين بزيادة السرعة أو التوقف بشكل مفاجئ، ويكون صوت سياراتهم أثناء السير مناسباً للبيئة المحيطة”.

يتسللون سراً، تحت سمع وبصر المخربين

وحدة مكافحة الإرهاب متخصصة أيضاً في القتال سراً في الظلام. ويقول قائد فريق في الوحدة “نحن يمكننا التسلل سراً تحت سمع وبصر المخربين”. وبالفعل الغالبية العظمى من عمليات وحدة مكافحة الإرهاب تنفذ في الظلام. ويقول “التحرك في الظلام أكثر فعالية في عملياتنا، وعلى سبيل المثال عملية السيطرة على مبنى فيه رهائن. ففي وضع كهذا، الهدف هو الوصول إلى أقرب نقطة دون أن يشعروا، وفي الوقت المناسب نبدأ العملية وننهيها بأسرع ما يمكننا”.

وحسب قوله، كل جندي يمر بفترة تدريب وتأهيل أساسية يتعلم ما يخص القتال ليلاً. وكما يتم خلال التدريب الميداني للجنود تعلم وسائل الكشف، مثل لمعان بعض الأدوات التي يرتديها الجندي على جسده أو حركة حادة جداً. ويواصل القائد حديثه “وخلال فترة التدريب يمرون ببرامج متقدمة جداً”. ويوضح “الخطة هي الحفاظ على الهدوء والتواصل كلٍ مع الآخر بالأيدي، والتي تمثل لغة مشتركة بين القوات. فأعضاء الفريق يجب أن يعرفوا بعضهم، حتى تكون الإشارة البسيطة كافية”. التماسك بين المقاتلين موجود أيضاً في وحدة مكافحة الإرهاب، والتي تحاول أن تغير صورة شعبة الطاقة البشرية. وأوضح ملازم أول جولان “هذه صورة يمكن تحديدها بسهولة في الليل أيضاً”. “نحن نهتم بتقليل المسافات بيننا في العمليات الميدانية”.

القتال في الليل أكثر تعقيداً من عدة نواحي، على الرغم من انه يفقد حاسة الرؤية، ويعزز من قوة الحواس الأخرى مثل الشم والسمع. يقول قائد الفريق “في الليل يكون التركيز أكثر بكثير على الضجيج الذي تُحدثه القوات أثناء التحرك، ويجب أن تكون الخطوات محسوبة بدقة وليست حادة. المشي في الأدغال على سبيل المثال يحدث الكثير من الضجيج أكثر من النهار”.

بخلاف الصعوبات المادية، هناك أيضا تحدياً عقلياً وهو الإقتراب إلى حد السنتيمترات من العدو خلال الحفاظ على الهدوء الشديد. ويقول ملازم أول جولان “هذا ليس مخيف، ولكن التدريبات الأولية مؤثرة، ومن الممكن أن يمر بجوارك أناس ولا يرون انك هناك إذا كنت تعمل بشكل صحيح. فبعد التدريبات كل فرد يستطيع تمويه نفسه. حينما ينجح الفريق في التحرك دون أن يلاحظه أحد، فهو يعرف أنه مستعد لتنفيذ مهمة”.

هكذا يعمل (نظام الرؤية الليلية)

لم تكن كل العمليات الميدانية والتدريبات والتي نُفذت في الظلام لتنجح من دون العتاد التنكولوجي الذي يستخدمه المقاتلون. يتم تصميم وتطوير وسائل الرؤية الليلة في شعبة التكنولوجيا التابعة للقوات البرية. يوضح رئيس قسم التصوير وهو المسئول عن هذا الأمر رائد “شالوم بنحاس كوهين” قائلاً “تستطيع العين البشرية أن ترى فقط لمدى محدد من الإشعاع – بين 300 إلى 700 نانومتر”. ويوضح “العين لا ترى كل الشعاع الصادر في هذا المجال، كما في الليل مثلاً. البيئة المحيطة تشع موجات أخرى، مثل الموجات الحرارية الصادرة من أجسامنا”.

هكذا يعمل – الموجات الحرارية التي تستقبلها المستشعرات التي تحويها أجهزة الرؤية الليلية الحرارية، وهذه المعالجات هي التي تشكل الصورة، والتي تصل في نهاية الأمر إلى عيون المقاتل الذين يستخدمون الجهاز. يواصل الرائد كوهين حديثه “في نهاية الأمر تتشكل صورة من الموجات الحرارية ذات لون أخضر أو اسود أو أبيض”. ويشرح “تبين أن العين البشرية ترى بشكل واضح هذا اللون، والذي يكون في نطاق الـ 550 نانومتر. والعناصر التي تصدر حرارة أكثر ستكون باللون الأخضر، ولون الأغراض التي تصدر حرارة أقل سيكون أكثر قتامة”.

حسب كلامه، كلما كان الفارق بين العناصر نفسها وبين البيئة المحيطة المتواجدة فيها كبير جداً، كلما كانت الصورة أكثر وضوحاً. يوضح الرائد كوهين “في نهاية الأمر أي غرض سيصدر حرارة، حتى إذا كان لا يصدرها بنفسه”. ويشير “الصخور على سبيل المثال تمتص الحرارة من الشمس خلال النهار وتخرجها في الليل. وهذه كمية أقل من كمية الحرارة التي يصدرها جسم الإنسان، فعلى سبيل المثال، أيضاً في ألاسكا البيئة المحيطة شديدة البرودة – ويمكن رؤية الأثنين. فسيرى الإنسان في ألاسكا من خلال الجهاز سطوع أكثر وضوحاً”.