يوحاي عوفر، جدعون دوكوڤ

“ألون نيستان” يترك قيادة  المنطقة المركزية: بدأوا في في الجيش الإسرائيلي وفي جهاز الشاباك بداخل غرفة القيادة المرتجلة التي افتُتحت في منطقة “شعاري تيكڤا”، يوم السبت الموافق 20 سبتمبر 2013، يدركون أن هناك تفاصيل تتصل بالبلاغ الأولي الذي تلقوه قبل ساعات من وقوع عملية اختطاف الجندي “تومر حازان”، يؤكد هذه المعلومات. وكان هناك ضابطاً في الغرفة يتظاهر بضبط النفس – لقد كان قائد المنطقة المركزية اللواء “نيتسان ألون”. وأثناء العملية الإرهابية تمت عملية اختطاف واغتيال جندي في منطقة الضفة الغربية التي تعتبر أبشع سيناريو يمكنهم أن يتخيلوه في قيادة المنطقة المركزية، لكن “ألون” بث في نفوسهم الطمأنينة، وأبى أن يدخل في حالة من الاكتئاب.

حتى عندما نعته بعض نشطاء اليمين بـ”الخائن”، أو عندما وُجِّهت له انتقادات لاذعة في قضية الاستيطان، لم يفقد رباطة جأشه. وفي الوقت الذي جلسنا معه في مكتبه، قبل أن يسلم مقاليد قيادة المنطقة المركزية إلى اللواء “روني نوما”، بأربعة وعشرين ساعة، حاولنا أن نسمع قصة واحدة، وأن نحرك من عاطفة هذا الضابط  صعب المراس لكن دون جدوى، في ختام ست سنوات في القطاع الملتهب.

رد علينا الرجل الذي أقض مضجع زعيم “حزب الله” في جنوب لبنان، في محاولة لتسليط الضوء قليلاً على لغز الطيار “رون أراد”، رد بابتسامة قائلاً: “ليس دوري هو أن أروى القصص، وإطلاق النوادر بل دوري هو الفعل، وينبغي أن نترك الفعل يتحدث”. وفي نهاية فترة قيادته المعقدة، يرحل بجعبة ممتلئة من القصص والمشاعر. كما أضاف قائلاً: “بعضها تجارب وصور تجول في رأسي، وبعضها إنجازات ونجاحات، وبعضها إخفاقات أو عقبات”.

قص علينا من فضلك إحدى هذه النجاحات وإحدى هذه الإخفاقات.

“إنني اتذكر جيداً غرفة الأطفال في منزل أسرة “بوليج” الكائن في مستوطنة “إيتمار”، حيث كنت على مقربة من المذبحة. ومن ناحية أخرى، لديّ العديد من تجارب الرضا النفسي لنجاحنا في إحباط عمليات إرهابية عدة في اللحظة الأخيرة، وأعتقد أن الحفاظ على استقرار أمني والسماح لمئات الآلاف من الإسرائيليين والفلسطينيين للعيش في وضع مقبول نوعاً ما تحت منظومة من الضغوط المستشرية هنا ليس بالأمر العادي.

يتحدثون في وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة أن “نيتسان” كان يشعر بالتخبط في بداية مشواره.  وقد رفض “نيستان” الحديث عن وسام التقدير الذي حصل عليه نظير عملية سرية أنجزها في بداية مشواره في وحدة الاستطلاع. وتحدث الأشخاص الذين اجتمعوا معه في الغرف المغلقة عن أن المباحثات التي تجري داخلها تسير بانضباط، ويفترضون أيضا أن هذا الرجل الذي قام بمهام معقدة طوال حياته، وقضى ساعات خارج الحدود الإسرائيلية في عمليات سرية، يحافظ على ما يبدو على حد كبير للغاية من الإثارة.

أنهى “ألون” يوم الأربعاء الماضي مسيرته في مناطق الضفة الغربية، بعدما تولى قيادة اللواء العملياتى “عتسيون”، وفرقة منطقة الضفة الغربية وقيادة المنطقة المركزية. كما كان يأمل قبل نحو عام أن يشغل منصب رئيس شبعة الاستخبارات، الذي انتُخب لرئاستها في نهاية الأمر اللواء “هرتسي هليڤي”، وفي شهر مايو أمل أن يتولى منصب رئيس شبعة العمليات العسكرية. وقبل منصبه اللاحق انطلق في عطلة قصيرة إلى هضبة الجولان وأوروبا مع زوجته “مور” وأبنائه الأربعة. وعندما ترك فرقة منطقة الضفة الغربية وجّه انتقادات لظاهرة “تاج محير” “الجماعات الانتقامية” وفي خطاب الوداع الذي ألقاه بمناسبة مغادرته لقيادة المنطقة المركزية لم يتردد في أن يعرب عن مخاوفه من تصعيد محتمل من شأنه أن يحدث في الشارع الفلسطيني، على خلفية المواجهة السياسية بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية.

في الجيش الإسرائيلي يتأهبون منذ عدة أسابيع للمواجهة، التي تأتي، من بين أمور عدة، على خلفية تجميد نحو 1.5 مليار شيكل خاصة بالسلطة الفلسطينية، والتي تم تعليقها في إسرائيل بإيعاز من رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” نظراً للتحرك السياسي المتآمر الذي تسلكه السلطة الفلسطينية. وفي الوقت الحاضر يبدو أن تهديد الانتفاضة الثالثة قد أسقط قليلاً من جدول الأعمال، بعد أن تلقى “نتنياهو” توصية من وزير الدفاع والشاباك، في يوم الجمعة الماضي، ولا سيما تقدير “ألون”، بأن استمرار تجميد أموال الفلسطينيين سيؤجج المنطقة.

وقد أوضح لنا الضابط رفيع المستوى تقديرات الجيش الإسرائيلي قائلاً: “لقد قمنا بتشخيص توجهات وعوامل من شأنها أن تؤثر على الاستقرار في المنطقة، وحددنا عملية استعداد الجيش الإسرائيلي، التي بعضها يتألف من رفع درجة الجاهزية، ونحن نبذل كل ما في وسعنا حتى نتدارك التصعيد، ولا نقف مكتوفيّ الأيدي”.

هل من الممكن أن يكون ذلك مجرد استعراض للقوة، وفي نهاية الأمر لا يحدث شئ؟

“نعم، من الممكن، وأنتم تعلمون لمن توّجه التنبؤات ونحن لا ننشغل بها. ومن جانبنا كجيش يجدر بنا أن نستعد لحالات الطوارئ والتصعيد، وهذا افتراضنا العملي. إننا نعتبر ذلك نجاح للقيادة إن تمكنا من تدارك التصعيد.

هناك عامل آخر من شأنه أن يؤجج المنطقة ألا وهو انضمام الفلسطينيين إلى المحكمة الجنائية الدولية في “لاهاي” بدءاَ من الأسبوع الجارى، والقدرة على مقاضاة إسرائيل بسبب تنفيذ ممارسات على حد زعمهم “جرائم دولية”. في الجيش الإسرائيلي لديهم تقدير للوضع يقضى بأن الإرهاب من شأنه أن يعود ليطال الضفة الغربية والمستوطنات اليهودية. يخشى “ألون” أن هذه المرة قد يكون لذلك تأثيراً أكبر حتى من الناحية السياسية.

“من الممكن أن يكون هناك بُعد أكثر توسعاً يعمل على خلق خيوط تربط بين الأحداث التي تجري في المنطقة على أرض الواقع وبين الجوانب المرتبطة بالبعد التوعوي، وبعد الشرعية. قد يحدث استغلال للأحداث في المنطقة لتضخيم حجم الضغوط على إسرائيل في الجوانب القضائية السياسية وإحداث نزع للشرعية أمام الجيش الإسرائيلي أو أمام سياسات الحكومة الإسرائيلية في الجوانب غير المتعلقة بالضرورة بالجيش”.

 

 

التنسيق الأمني مستقر، رغم التصريحات الفلسطينية بأنه سيتوقف، فما رأيك في هذا الكلام؟

“إن التنسيق الأمني في هذه اللحظة مستقر. ويدرك الفلسطينيون جيداً أهمية التنسيق الأمني بالنسبة لاستقرارهم، ومن ناحية أخرى يلوحون به ويهددون بإيقافه بالرغم من أن أمر كهذا سيسبب لهم ضرراً. لدينا مسئولية كبرى للغاية وهي لا تنحصر فقط على قضية التنسيق الأمني. إننا نسعى إلى استخدام كافة الوسائل التي نلمكها بما فيها الوسائل القضائية والمدنية، أحيانا متساهلة وأحيانا غليظة بهدف خلق استقرار أمني. كذلك القيادة السياسية ليست معنية بالمواجهة – بل على العكس، إنها معنية بالحفاظ على الإستقرار وعلى حد فهمي إنها ترد في الأساس على الخطوات التصادمية التي اتخذها الفلسطينيين”.

وكما ذكرنا مسبقاً، أنه في الغرف المغلقة وفي مباحثات المجلس الوزاري المصغر قد أعرب ضباط الجيش الإسرائيلي عن موقف واضح حيال تجميد أموال السلطة الفلسطينية. فـ”ألون” نفسه كان يعتقد في الماضي أن تجميد الأموال لا يمثل خطوة سديدة، من ضمن تلك الخطوات زيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين داخل الأراضي الإسرائيلية، بهدف التخفيف قليلاً على الوضع الاقتصادي في مناطق السلطة الفلسطينية. رفض “نيستان” التطرق إلى القضية بصورة مباشرة وما قيل وراء الستار، لكنه أعرب بحرص عن مواقفه، انطلاقا من مراعاته لعدم انتقاد رئيس الوزراء ووزير الدفاع علانية.

“نحن من نمنح التوصيات للقيادة السياسية، ولن اتطرق إليها خارج المباحثات المغلقة. إن تجميد الأموال ما هو إلا خطوة قامت بها دولة إسرائيل رداً على خطوات السلطة الفلسطينية، خاصة توجهها إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي مع وجود نية لممارسة الضغط وإحداث ردع، كونها وسيلة شرعية. نحن ندرك تأثيرات تلك الخطوات. هذه التأثيرات ليست مباشرة، بل متراكمة وقد تستغرق وقتاً، لكن يمكنني القول إن من وجهة نظري وبشكل عام هناك علاقة بين الإستقرار الإقتصادي والاستقرار الأمني”.

تحدث رئيس الأركان السابق “بيني جانتس” عن أهمية المفاوضات السياسية مع الفلسطينيين من أجل الحفاظ على الاستقرار في المنطقة. ما موقفك بالنسبة لهذه القضية؟

“فلترجعوا إلى رئيس الأركان السابق، لن اتطرق إلى هذا الجانب”.

هل سنشهد إقامة دولة فلسطينية في المنطقة، أم أن هذا الأمر غير وارد؟

“هناك سلطة فلسطينية تستمد صلاحيتها من الاتفاقيات المؤقتة التي كان من المفترض أن تكون مؤقتة قبل عشرين سنة، وفي الواقع لم نمضي قدماً منذ ذلك الحين. لقد قامت السلطة الفلسطينية بشتى أنواع الخطوات على فترات متفاوتة، بعضها دفعها في تلك الجوانب من ناحية بناء المؤسسات، وبعضها رجع بها إلى الوراء، مثل أنشطة “عرفات” لتشجيع الإرهاب واندلاع الإنتفاضة. أتصور أن هناك تأثير حاسم من قبل القيادة السياسية الإسرائيلية، والآن أجد أنه من الصعب رؤية إقامة دولة فلسطينية في ظل هذه الظروف.

رغم الاستثمارات الضخمة التي بذلها الإتحاد الأوروبي؟

إن المليارات التي ضخوها هنا على شكل تبرعات ذهبت في الأساس لدفع الرواتب والإدارات العامة الواسعة. هناك أيضا استثمارات في مؤسسات الدولة، وبنى تحتية لا يستهان بعددها، وليس لذلك بعد سياسي حقيقي”.

هل يتحرك الجيش الإسرائيلي بمطلق الحرية في المناطق (أ)؟

“نحن نتحرك عندما تستدعي الضرورة لذلك. هناك الكثير من الإفتراءات ضدنا من قبل الجانب الفلسطيني والدولي. ونتمتع بمطلق الحرية في التصرف والتحرك ونعمل من أي مكان إذا لزم الأمر. وبالنسبة لنا، في الجانب الاستخباراتي – العملياتي نحن نتغاضى عن مسألة إن كانت هذه المنطقة بنية، أو صفراء، أو بيضاء، والاعتبارات هنا فقط تمليها الحاجة الإستخباراتية والعملياتية”.

إن سُحب من الجيش الإسرائيلي حقه في التحرك في منطقة A هل سنرى تصاعد حماس، والجهاد أو داعش في المنطقة؟

“هذا مرهون بمن سيكون هناك ومن سيسيطر على المنطقة. وما سيكون أداء وحافز السلطة الفلسطينية وما ستكون مصلحتها، ونحن نعتقد أن حرية التحرك العملياتي الخاص بنا، والمتصل أيضاً باستخبارات على قدر عالٍ من النوعية، تمثل الآن عاملاً ملحاً في حفظ الأمن”.

ما هي فرص تواجد داعش في المنطقة؟ وكيف تستعد قيادة المنطقة المركزية لهذه الظاهرة، حتى من منطقة الأردن؟

“كانت هنا وهناك خلايا مصغرة تابعة لداعش، ولكن على نطاق ضيق، كما أن السلطة الفلسطينية مدركة لهذا التهديد وتتعامل معه بجدية. فنحن لم يسبق لنا أن رأينا ظواهر كبرى مماثلة”.

هل ستعيق إقامة دولة فلسطينية قدراتكم في العمل داخل المنطقة؟

“هذا مجرد مسألة افتراضية واعتقد أنه لا داعي لمناقشتها”.

اليوم ما بعد رحيل “أبو مازن”

كانت الانتخابات الأخيرة للسلطة الفلسطينية في 26. هل مازالت تنجح في الحفاظ على شرعية عامة؟

“إنها تؤدي مهام رئيسية متعلقة بالآداء المدني وتوفر للسكان الفلسطينيين درجة معقولة بلا شك من الأمن الشخصي، ومن القانون والنظام، بالطبع بالمقارنة لما يحدث في الدول العربية الأخرى، وفي نفس الوقت تعتبر متعاونة مع إسرائيل ويسود الإنطباع عنها بأنها لم تنجح في الدفع بالتطلعات القومية الخاصة بالفلسطينيين. هذا الأمر ينخر في شرعية السلطة، ومع ذلك فهي مستقرة، ومسيطرة، وأنا لا ألاحظ وجود عامل يهددها في الوقت الحالي.

هل يُنظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها تعتمد على الجيش الإسرائيلي؟

“في الشارع الفلسطيني يُنظر إلى ذلك على أنه تعاون وثيق بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وبلا صلة للجيش الإسرائيلي، لا يوجد تهديد ملموس على السلطة الفلسطينية لا تعرف التعامل معه الآن، ولو حتى من قبل حماس”.

حتى في يوم ما بعد رحيل “أبو مازن”؟

“ربما بعد عصر “أبو مازن”، ينبثق عصر جديد. ليس لديّ علم من سيصعد على الساحة لتولى الحكم خلفاً له. وعلى حد تصوري “أبو مازن” يفكر بشكل صادق ومن منطلق شعور داخلي بأن الإرهاب والعنف سيضران بالمصالح الفلسطينية، ولنظرته هذه تأثير إيجابي بشكل كبير ونموذجي، بالرغم من التصريحات التي تُصدر من كل حدب وصوب حيال الحرم القدسي أو حول موضوعات أخرى. ومبدئياً، هو لا يشجع الإرهاب والعنف ولا يدعمهما، بل على العكس، يعطي رجاله توجيهات واضحة بتفادي ذلك”.

هل ستصبح السلطة الفلسطينية مستقرة أيضا من بعده؟

“هذا متعلق بمن سيخلفه في الحكم”.

شهدت سنوات “نيستان ألون” في الفرقة وفي القيادة تصاعداً وهبوطاً في منحنى أحداث الإرهاب، إلى جانب حدثين رئيسيين – مقتل أبناء أسرة “بوجيل” في مستوطنة إيتمار في عام 2011، واختطاف الشبان الثلاثة في الصيف الأخير. بالإضافة، إلى إصابة طفلتين جرّاء رشق حجارة وقذف زجاجات حارقة، في الإعتداءات التي أطلق عليها لسبب ما لقب “إرهاب شعبي”.

قبل نحو شهر ونصف توفيت الطفلة “أديل بيتون” متأثرة بجراحها إثر حادثة طرق وقعت نتيجة رشق للحجارة قرب “أريئيل”، وفي مطلع هذا العام الميلادي تعرضت “إيلا شابيرا” من “إيل ماتان” لحروق بالغة، جراء قذف زجاجة نارية على سيارة كانت تقودها بجانب أبيها. وبالمقارنة بعام 2012، تشير بيانات قيادة المنطقة المركزية حول ارتفاع يصل لأربعة أضعاف في عدد العمليات الإرهابية. وفي العام الأخير ارتفع عددها بنسبة 33%. وقد زعم مسئولون عسكريون أن بيانات العمليات الإرهابية كما عُرضت في ملخص عام العمل الماضي،  لم يُشهد مثلها على مدار عقد من الزمان.

كيف توقفون اعتداءات الحجارة والزجاجات النارية؟

“لقد لاحظنا إلى أي مدى ممكن أن تكون هذه العمليات قاتلة. إننا نعتقل الأشخاص الذين ينفذون عمليات مثل هذه، ليلاً ونهاراً، ويوجد هنا آلاف الجنود الذين تقتصر مهمتهم علي توفير الأمن الجاري، وحماية السكان، والمحاور والمستوطنات هي مهمتهم الأساسية على مدار الساعة. هناك أحداث عصيبة، لكنني أعتقد أن السكان يمارسون حياتهم العادية. إنني هنا منذ ست سنوات وأقطع بسيارة غير مصفحة مسافات لعدد من الكيلو مترات في العام. السكان هنا يستحقون الأمن وهناك الكثير من الجنود الذي يركزون في هذه المهمة.

هل تعكس الزجاجات الحارقة والحجارة مستوى قدرة المخربين في الضفة الغربية اليوم؟

“هناك حجارة وزجاجات حارقة، ما يسمى بالـ”الإرهاب الشعبي”، فأي شخص بإمكانه أن يرفع حجر وأن يلقيه على الطريق. وما يحول دون تنفيذ أمر كهذا، هو أحياناً الحافز وأحيانا جنود الجيش الإسرائيلي. وللإرهاب قدرات أخرى، وقد رأينا هنا وقوع عمليات إرهابية. فمسألة تنفيذ عملية إرهابية لا تستلزم الكثير من المجهود، ولا يتطلب الأمر حفر نفق على طول أربعة كيلو مترات على مدار عامين. فهناك أسلحة لدى عناصر الإرهاب في المنطقة، ولديهم قدرات تخربيبة بشكل أو بآخر، لكننا لا نتصور أن هناك معاقل إرهابية، ومختبرات تفجيرية، أو قدرات إرهابية مثلما كانت متواجدة هنا قبل عشر سنوات. وفي كل ليلة تتم عمليات اعتقال لمخربين يخططون لتنفيذ عمليات إرهابية، وهذا يحول دون تطور الإرهاب.

“الآراء السياسية غير معنية”

منذ بداية منصب “ألون” في فرقة منطقة الضفة الغربية رآه بعض من المستوطنين على أنه يحمل وجهات نظر يسارية. وإدعّوا أنه يُقحم أجندة وآراء سياسية فى منصبه، وكذلك دخل اسم زوجته حيز الجدل، بزعم أنها ناشطة على ما يبدو مع نساء “حاجز ووتش”. وحينما ترك فرقة منطقة الضفة الغربية، أصدرت لجان المستوطنين في الضفة وفي بنيامين بيان إدانة ضده للإعلام، وبالأخص في الأسبوع الذي اقتحم فيه عشرات الشباب لقاعدة اللواء العملياتى “إفرايم” (ديسمبر 2011)، وقتها أعلن كل من وزير الدفاع في حينه “إيهود باراك” ورئيس الأركان السابق “بيني جانتس” أن “ألون” سيُعين فى منصب لواء قيادة المنطقة المركزية. وكان هناك من أعطى لهذه الخطوة تفسيراً على أنها ظاهرة شبيهة بـ”تاج محير” تجتاح منظومة الأمن ضد الإستيطان، بهدف إثبات من المالك.

مهمته سيتذكرها في الأساس الأشخاص في دوائر اليمين المتطرف في الضفة الغربية، بعدما تلقى العشرات منهم أمر عزل عن منزله وعن المنطقة لمدة شهرين كاملين، وكذلك بسبب خطوة واسعة النطاق نفذها في شهر أبريل الماضي والتى سيطر فيها ” بامر قيادى” على المدرسة الدينية في يتسهار التي أدُعيّ ضدها أنها مركز الإرهاب. وفي قيادة المنطقة المركزية يشخصون من 20 إلى 30 صبي من جيڤعوت تُدار معهم مواجهة منتظمة، وقد خرج “ألون” ضدهم أيضا علانية أكثر من مرة. ولكن، تتفق النواة الأساسية للإستيطان على أنه لم يُشعر بتغيير سلبي في تناول السكان للعمليات العسكرية في الضفة الغربية بسبب من ترأس القيادة في السنوات الثلاث الأخيرة.

بعد اغتيال أسرة “بوجيل” في إيتمار نُسِبت إلى “ألون” مقولة قاسية بحسبها تردد على مسامعيّ مراسلين عسكريين افتراض أن المذبحة في إيتمار تمت على خلفية أحداث “تاج محير”. بعد مضي أربع سنوات على الحادث قال أن هذا ما هو إلا كذب كبير. “من الجيد أنك منحتني فرصة للتطرق إلى هذا الموضوع. لم يسبق لي أن أوليت إلى المذبحة التي وقعت في إيتمار أي تبرير كرد فعل لـ”تاج محير”. بل على العكس، قلت على الهواء مباشرة أن المذبحة في إيتمار وقعت كنتيجة لغريزة القتل التي تسيطر على القتلة وليس كنتيجة لأي شئ آخر. والأشخاص الذين تحدثت معهم مباشرة ونفيت أمامهم هذه التصريحات، استمروا في نشر هذا الكذب.

كيف ترد على اعتبارك حاملاً لوجهات نظر يسارية؟ 

“أشك في أن هناك شخص من المستوطنين يعرف آرائي السياسية أو لصالح لمن أدليت بصوتي في صندوق الإقتراع. على أي حال لا علاقة لهذا بالموضوع. فلديّ إيمان برسالتي هنا، وفي مهامي كقائد في الجيش الإسرائيلي، وفي حماية دولة إسرائيل والسكان في المنطقة. وأسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى تحقيق سياسات رئيس هيئة الأركان العامة والقيادة السياسية، وأرجو أن أكون قد وُفِقت في القيام بأفضل ما لديّ”.

هل أشعرتك المظاهرات التي كانت أمام منزلك بالتخبط حيال مسألة الاستجابة لمقترح أن تكون قائد قيادة المنطقة المركزية؟

لم أتردد للحظة في أن أتولى مهام هذا المنصب. وعن شتى صنوف الأقاويل التي صدرت ضدي عليّ أن أؤكد أن هناك قضاء عادل من أجل من أهينوا وشهر بسمعتهم ولم يردوا الإساءة بالإساءة، وأنا أحرص على أن التزم بالإجراءات القانونية اللازمة بموجبه.

هل يمكن مساواة اعتداء برشق الحجارة وبين حرق مسجد؟ 

“هذا رشق للحجارة، وهذا حرق مسجد. أيهما أكثر خطراً؟ من الممكن أن يكون هذا أو ذاك. للأسف الشديد لقد شاهدنا تطرفاً في عمليات إرهاب يهودي، وكان هناك مؤخراً على الأقل حادثين من قذف للزجاجات الحارقة داخل بيوت آهلة بالسكان. وقد احترقت أسرة في سيارة بالقرب من “بت عاين”، وبالطبع هذه عمليات إرهابية يتخللها خطر كبير. وفي النهاية، الزجاجات الحارقة التي تشعل النيران في سيارة، لا تعرف إن كان داخلها يهود أم عرب، و يجب في كل حادث أن نتحرى الدقة إلى حيثياته.

إلى أي مدى تشعر بالانزعاج من هذا الأمر؟

كظاهرة، بالتأكيد لا أقوم بالمقارنة بين الأمور. وأنا لا اعتقد أن حجم دافع القتل لدى الإرهابيين الفلسطينين كبير إلى هذه الدرجة كما إنني أضع الأمور في تناسب صحيح. ولكل حادث على حدى، أيضا كونه ظاهرة تمس بشرعية دولة إسرائيل، يوجد احتمال بأن يتفاقم ويطور إلى التصعيد وأن يحدث معارك دامية. هذه الظاهرة في غاية الخطوة وانا أشعر بالقلق حيالها. وعلى الشخصيات العامة في الضفة العربية والمسئولين أن يشعروا بالقلق حيالها وأن يتصدوا لها”.

زُعم ضدك أن أمر عزل النشطاء اليمين كان يُتخذ بشكل تعسفي.

“انا لا أقبل هذا الإدعاء. ومن يزعم هذا الزعم لا يعرف الوقائع والمعطيات. في بعض الحالات كان يجب أن تكون الأوامر أكثر غلظة وتقييداً.

أليس صحيحاً بانه قد حان وقت رفع السيطرة عن المدرسة الدينية فى يتسهار ؟

“نحن ننظر في هذه المسألة. فقد أثبتت تجربتنا أنه منذ السيطرة على المدرسة الدينية في يتسهار انخفض مستوى العنف هناك بشكل ملحوظ وكذلك الاعتداءات على قوات الجيش الإسرائيلي أو الفلسطينيين في المنطقة، وبالتالي بالنظرة في وقت لاحق نرى الآن أن هذه الخطوة كانت خطوة سديدة، لكن ذلك جزء من تقديرات الوضع وقد نتخذ قرار مختلف حيال هذا الصدد”.

كيف تشعر لدى مشاهدتك للتسجيلات المرئية التي ترصد فرار الجنود من أمام رشق الحجارة، وماذا تقول للجنود بعد ذلك؟

“هناك القليل من الأحداث المماثلة، القليل جداَ. فأي حادث مماثل يتم التحقيق فيه ويتعاملون معه على أنه إثم عظيم. هناك أهمية كبرى لردع القائمين بأعمال الإخلال بالنظام وراشقي الحجارة، ولدى الجنود وسائل، وتجهيزات، وتوجيهات ولديهم من حكمة القادة ما يكفي ليتداركوا وقوع مثل هذه الأحداث. إن هذه الأحداث هي في الحقيقة نادرة وغير عادية، حتى وإن كانوا يركضون في أي حلقة إعلامية. فالتوجيهات تقضي بإظهار الحزم وتفادي مظاهر سيئة مثل هذه، بمقدورها أن تهز مفهوم الردع. لكنني مسرور وأرى من خلال الفلسطينيين الذين نعتقلهم ونحقق معهم أن الردع على قدر كاف من الإستقرار والقوة – سواء من الناحية الاستخباراتية  أو من ناحية نشاط القوات”.

لقد تحولت كاميرات التصوير إلى نوع من السلاح. هل لديكم حل لذلك؟

هذا هو المجال الذى نحتاجه طوال الوقت، أن نطورّ من أنفسنا فيه، وأنا اعتقد أن المنظومة العسكرية دائما ما تكون أبطأ ولا تواكب التطورات الثقافية – التكنولوجية – المدنية. يجب أن نبذل المزيد من الجهود في هذا المجال التوعوي الذي يعتبر في غاية الأهمية. لقد قمنا بتوزيع الكثير من أجهزة التوثيق والتصوير بين الجنود ويجب تعلم استخدامها، لدحض الإدعاءات وتفنيد الشائعات والإدعاءات من قبل الجانب الفلسطيني. هذا أيضا يعتبر آداة عملية ونحن ننجح كثيراً للغاية في ضبط مخالفي النظام وراشقي الحجارة عندما نقوم بتصويرهم، وفي الليل نقوم بإلقاء القبض عليهم ونحيلهم للمحاكمة، ويمكثون لفترات طويلة في السجن”.

كانت هناك إدعاءات لمقاتلين حول “سياسة تطويق”. هل كان هناك خطأ في تعليماتكم؟

“لم يسبق أن كان هناك على المستوى التكتيكي توجيهات بالتطويق. لا يوجد أمر مماثل – “طوّقوا”. على المستوى التكتيكي، التطويق هو مفهوم استراتيجي حربي، وأنني أتوقع من أي قائد فرقة أو قائد كتيبة في قطاعنا، لديه توجيهات لما يفعله ومهمة واضحة لحماية المستوطنة أو المحور أو مفترق الطرق، أو أي شئ آخر –  أن يكون لديه أدوات ووسائل للتعامل مع منتهكي النظام، وهذا ما هو متوقع منه أن يفعله. كانت هناك حالات منفردة وغير عادية حاولوا خلالها أن يفرضوا عدم المهنية أو الإدعاء ضد التوجيهات. من الممكن أن نكون قد اقترفنا أخطاء في محاولة توضيح الأمر، وكان هناك جمع من قوات الاحتياط الذين لم ندربهم جيداً بما فيه الكفاية. لكنني أعتقد أننا تعلمنا الدرس وأحدثنا تغييراً مع التركيز على التوجيهات. إنني أكاد لا أرى أحداث مماثلة ومتحمس بأن التعلم من الدروس السابقة أتى بثماره الجيدة”.

“على الجمهور أن يبقى قوياً”

ظل “ألون”حتى المهمتان الأخيرتان منذ سنوات عدة بعيداً عن الأضواء، بسبب خدمته في وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة – بما في ذلك قيادته للوحدة في الفترة ما بين 1998 – 2001. وفي وقت لاحق تولى قيادة لواء احتياط خاص وأنشأ “قسم التشغيل” في شبعة الاستخبارات بناء على طلب رئيس شعبة الاستخبارات اللواء احتياط “عاموس يدلين”، كجزء من الدروس المستفادة من حرب لبنان الثانية.

وإبان الحرب استُدعي “ألون” لتولي قيادة العمليات الخاصة في عمق لبنان، كما كان في تلك الفترة قائد لواء “عتسيون”، وتطلب منه أن يقود عملية متداخلة من وحدة استطلاع هيئة الأركان العامة ووحدة النخبة “شالداج” في بعلبك. وقبلها بأكثر من عشر سنوات كان مشاركاً في محاولة إنقاذ الراحل “نحشون ويكسمان” في منطقة بلدية بير نبالا قرب رام الله. فقد “ألون” الذي تولى قيادة إحدى الفرق الأربع التي اقتحمت المنزل، هناك صديقه المقرب “نير بوريز”. وقبل عام واجه مجدداً حادثة اختطاف حينما تلقى بلاغ من قائد فرقة منطقة الضفة الغربية، اللواء احتياط “تمير يدعي”، عن اختطاف الشبان الثلاثة “جلعاد شاعَر”، و”نفتالي فرنكل” و”إيل يفراح” في جوش عتسيون.

قام “مروان القواسمة” و”عمار أبو عيسى”، ناشطا حماس من منطقة الخليل، باختطاف الشبان واغتالوهم رمياً بالرصاص عن قرب. وبعد 18 يوم من وقوع عملية الإختطاف انتهت عمليات البحث بالعثور على جثث الشبان التي دُفنت في منطقة حلحول. وبعد ثلاثة أشهر تم تصفية الخاطفين في عملية قامت بها قوات الشرطة الخاصة والشاباك، بعدما عثر عليهم في شقة مختبئين في الخليل.

هل كان بوسعهم أن ينهوا هذا الحادث بشكل آخر وتجنب هذا الضرر؟

“من كل حادث يجب أن نستخلص الدروس ونتعلم كيف ننفذ الأمور القادمة بشكل أفضل. علينا أن ندرك أن واقع مثل هذا نعيش فيه، وبالطبع طوال الوقت، سنحرز نجاحات وسيكون أيضا للجانب الثاني نجاحات. يجب أن نظهر صلابة وصمود، وهذا صحيح ليس تجاه الجيش بل أيضا تجاه السكان. علينا أن لا ندع جزء كبير جدا في محاربة الإرهاب أن يؤثر على نهجنا. وسنبذل قصارى جهدنا حتى نتفادى العمليات الإرهابية.

وسنقوم بعمل أفضل مايمكن لمنع وقوع هجمات، وبالطبع ماهو صعب منها مثل خطف الشبان الثلاثة ويجب أن يتعلم الإسرائيليين كيف يكونوا أقوياء ومتروين، وأن يتعاملوا مع الأحداث فور وقوعها ويحاولون قدر الإمكان العودة إلى الحياة الطبيعية.

هل كان من الصواب أن تقولوا للشعب أنهم أحياء على الرغم من علمكم بالتسجيل الخاص بالشرطة وعلمكم بأنه كان هناك إطلاق نار ؟

نحن لم نعلم يقيناً أنهم قد قتلوا، وقد سمعنا التسجيل وسمعنا صوت إطلاق النار لكن لم يكن لدينا أى تأكيد على أنهم قتلوا، لذلك تعاملنا على أنهم إما أحياء أو أموات، وعلى ذلك قمنا بعمليتنا التنفيذية.

كيف تلخص الفترة الأخيرة؟ وماذا ستأخذ منها للأمام؟

لقد تركت رؤساء المجالس منذ أقل من أسبوع فى لقاء ودى ومثير وأعتقد أن هذه العلاقة متبادلة. لدى هنا العديد من الأصدقاء والصديقات عرفتهم على مدى السنوات وعندما يتعلق الأمر بالبشر فهناك نوعيات مختلفة.