إيتاي شيلخ

إن الحواجز في ميادين القتال ثابته منذ المعارك الأولى وحتي يومنا هذا وقدد صممت هذه العقبات لعرقلة التحركات الأرضية للعدو ومنعه من تحقيق هدفه بالسيطرة وغزو المزيد من الأراضي، ولن أثقل كاهل القراء بالوصف التفصيلي لأنواع العوائق والحواجز والغرض منها وسأكتفي بتصنيف الحواجز الطبيعية (استغلال طبيعة الأرض) والصناعية التي يبنيها الإنسان وفي أثناء ذلك تكمن قضية مركزية ألا وهي العوائق المتفجرة
( الشحنات المتفجرة، الألغام، الشراك، الحفر المفخخة. إلخ) التي تعد المكون الأكثر أهمية اندماجاً مع العقبات التي ذكرت سلفاً.

والمثال المثير للاهتمام هو المزج بين المكونات الطبيعية والصناعية والمتفجرات مما يخلق نوع من (المحميات الطبيعية) في مكان ملائم طوبوغرافياً من حيث حفر مناطق محمية وإنشاء منظومات محصنة بالإضافة إلى التوجه العملياتي للمزج بين أنواع شتى من الشحنات المتفجرة والألغام. إن المحميات الطبيعية شأنها شأن المناطق الريفية والمدن لديها من الخصائص التي تدل على الإنتقال من خطوط الحواجز إلي نقاط الحواجز المخصصة لحماية الممتلكات والمناطق المستهدفة.

وكما ذكرنا سلفاً فإن دور الحاجز تأخير الخصم وتصعيب الأمر عليه وعرقلة حركته، ومن المعروف أن الحاجز يتم بناؤه وفقاً لطبيعة العدو الموجود أمامك، والأدوات الأخرى الموجودة لديك وتستخدمها كدرع واقي، وفي الماضي الذي ليس ببعيد بُنيت معظم الحواجز لحماية حدود الدول الموجودة فيها خوفاً من غزو الجيوش الأجنبية التابعة للدول الأخرى وبالتالي فمن الواضح أن طبيعة الحواجز كانت تنبع من الحاجة إلي حماية الدول ضد الدول الغازية وكان هذا هو الحال في حواجز أوروبا قبل وأثناء وبعد الحرب العالمية الأولى والثانية وهكذا بُنيت منظومات آخري أكثر تكاملاً أثناء العقود التي تلت ذلك.

وفي ذلك قامت دولة إسرائيل ببناء العديد من الحواجز على طول حدودها المحيطة ووفقاً لأنواع أعدائها وطبيعة التهديدات من اجتياح الدول العربية لأراضيها، وبذلك يمكن أن نتبين أن طابع الحواجز كان ينبع من حماية الدول من الدول الأخرى وكانت تختلف في قوتها وعمقها وفقاً للأولويات، حيث كانت تتنوع ما بين محصنة، وذات بنية صعبة، وعلى أعماق مختلفة، وعلى خطوط منتظمة وعندما ننظر إلي ما خلفها في عمق الدولة نجد مساحات شاسعة خالية بشكل نسبي.

مم يتكون الحاجز القديم الثابت؟ يتم بناؤه من خلال خطوط من حقول الألغام (مزيج من الألغام المضادة للأفراد والدبابات) ومسارات مضادة للدبابات ومنظومات أسوار ذات أنواع متعددة وحواجز أخري وظيفتها الدفع بالخصم نحو مسارات ومدقات مكشوفة للمراقبة والقدرة النارية ويتم بناء هذه الحواجز بناء على توقع الاتجاه الذي يتحرك فيه الخصم.

وفي العقود الأخيرة وخاصة خلال العقدين الماضيين اختفت تماماً الحدود المشتركة بين الدول وتوجد مساحات مشتركة بين الدول والمنظمات غير السياسية مثل حزب الله في لبنان أو حركة طالبان داخل أفغانستان أو حركة حماس داخل غزة ومؤخراً تخضع مساحات من الأراضي لسيطرة التنظيمات الإرهابية الخالصة مثلما يحدث على الحدود الغربية لسوريا (الحدود الشمالية الشرقية لإسرائيل)، وشبه جزيرة سيناء والعديد من المناطق الأخرى في العالم.

ومن أهم ما يميز التنظيمات الإرهابية أنه لا توجد لديها حدود لتحميها، لأن ممتلكاتها ومراكزها منتشرة وليست مركزة في منطقة واحدة وعلاوة على ذلك فإن هذه المنظمات أقل نسبياً في المستوى الحربي من الدول التي تقوم بمهاجمتها وكي تعوض هذا النقص عند مواجهة الدولة فهي تقوم بالهجوم على المناطق المبنية وتتجنب على قدر الإمكان الحرب النظامية في المناطق المفتوحة حيث ستعرف الدولة من هو عدوها ولن يكون هناك خوف من الأضرار الجانبية خوفاً على حياة المدنيين في البيئة المحيطة أو على الممتلكات.

أحد أهم الظواهر الهامة التي تطورت مؤخراً في العقود الأخيرة وأطلق عليها الكثيرين الحرب غير المتكافئة التي غيرت بشكل كبير في تنظيم وشكل الحواجز.

إذا ماذا سيحدث للحواجز؟ ما هي فائدتها الحقيقية؟ وما هي التغييرات وما هي التحديات المركزية؟

وبذلك فإن التغيير الأساسي هو أنه لم يعد هناك مفهوم الحاجز وفقاً للتعريف الكلاسيكي القديم وهذا يعني أنه لم يعد هناك ما يطلق عليه (الحل المدرسي) مثلما عرفنا نحن والعديد ممن حولنا ما هي إنجازات الحرب واختراق الحواجز وهذا يعني أننا مطالبين أن نعرف أن الخصم يستدرجنا إلي هناك، وهذا يعني أن صندوق الأدوات الذي صنعناه في وقت سابق وفقاً لقواعد معينة، لم يعد متوافقاً بصورته الحالية مع الوضع الحالي. وعلى سبيل المثال عمل الجيش الإسرائيلي ولازال يحرص على إيجاد حلول لاختراق حقول الألغام المعروفة سلفاً أو التي يمكن اكتشافها. هذه الحلول لم تعد مستخدمة في الوقت الحالي فلم تعد هناك خطوط ألغام، حيث تتوزع النقاط الحصينة والمساحات المتفرقة المحصنة التي يتم الوصول إليها من العديد من الاتجاهات وتتوزع الحواجز هناك وبذلك فإنها كالكرة تحيط بها الحواجز من كافة الجهات من أجل زيادة الفاعلية.

وهنا الأمر المثير للاهتمام والذي يستحق التفكير من الناحية التكنولوجية هو أن الجيوش ومن بينها الجيش الإسرائيلي تطورت بشكل غير مسبوق خلال العقود الأخيرة واستثمرت مبالغ ليست بالقليلة في الجانب التكنولوجي للتعامل في المناورات مع الحواجز الأرضية، والآن ومع الانعدام شبه التام للحواجز المنتظمة فإن العدو يرتجل حلولاً لحواجز الخصم ذات الأنواع المختلفة ويترك التقدم التكنولوجي العسكري دون وجود رد مناسب عليه على الرغم من التقدم التكنولوجي في هذا المجال بل وتوجد بعض الحواجز البدائية تؤدي المطلوب منها وبفاعلية. إن الساحة الحضرية المعقدة التي تشمل الريف والمدن تخلق نوعاً من ساحات القتال ذات أنواع الحواجز العديدة التي لا تخضع لتعريفات محددة مما يتطلب منا تغيير نمط تفكيرنا لنتوائم معها.

إن نمط التفكير الذي يجب أن يتم ينبغي أن يحتوى على عنصرين رئيسيين، مزيج من علم القتال والوسائل القتالية، ومن ناحية العقيدة فإن الأولوية العليا هي التعامل مع منظومة الحواجز المحمولة والمنتشرة ذات النظام المتغير والتي لا يتم وضعها بشكل متماثل طيلة الوقت. علي سبيل المثال ووفقاً لمفاهيم تكريس القوة لا يوجد ضرورة للاستثمار في التدريب على اختراق الحواجز على جبهة القتال مثلما اعتدنا على فعل ذلك في زمن التدريب الماضي الذي لم يمر عليه الكثير من الوقت، والسبب الكامن في ذلك أن الأمثلة الحية التي تحيط بنا مثل تفكك سوريا (انهيار حاجز الجبهة الأخير) بالإضافة إلي عدد غير قليل من الحروب المستمرة منذ 2006 حتى اليوم والتي شارك فيها الجيش الإسرائيلي (في لبنان وغزة) وعمل فيها ضد الحواجز المتناثرة ذات الطبيعة المختلفة، وحتى يتم التعامل مع هذه النقاط المحصنة كان لابد من قوة مكثفة وعقيدة تدريبية وباستخدام القوة والتأكد بأن الوحدات الهندسية المختلفة بما فيها وحدات المتفجرات في سلاح المشاة الإسرائيلي متواجدة دوماً على الساحة وذلك لإتاحة المناورة البرية والتقدم لضمان التفوق واجتياز الحواجز حيث أن أي باب (مفخخ) يستخدم كمدخل رئيس لمبني يمثل عائقاً وليس فقط حقل الألغام أو المساحات المفخخة.

إن المناطق الريفية والحضرية المبنية توفر فرصاً لا تحصى للخصم كي يزرع المنطقة بمئات الأنواع من الفخاخ الملغمة والمفاجئات وكذلك أيضاً في ساحات القتال المعقدة ذات التحصينات الطبيعية والتي اعتدنا أن نطلق عليها (المحميات الطبيعية) في لبنان وكذلك ساحات القتال المفتوحة، إن أي أرض خصصها التنظيم كي يسيطر على كافة نشاطاته أو يحمي ممتلكاته أو يطلق منها صواريخاً على إسرائيل لابد ان يقوم بتفخيخها أو أن يضع الحواجز فيها بأي شكل كان في مداخلها في وسطها ومداخل الممتلكات دون أن نتطرق للحديث عن المنظومات العاملة تحت الأرض(المقصود هنا الأنفاق).

المكون الثاني في الحل هو الاستمرار في تطوير التكنولوجيات المختلفة حتى يكون لدينا صندوق أدوات مليء بالحلول الجديدة التي تواكب القوات العاملة في ساحات الألعاب (القتال) المعاصرة ولا أريد أن أطيل في هذا الصدد لذا سأسوق مثالاً واحداً أو إثنين فيما يتعلق بهذا الموضوع.

على مدى السنوات الماضية استثمر الجيش الإسرائيلي في تطوير وتجهيز منظومات اختراق طائرة لحقول الألغام في الجبهات، معظم هذه المنظومات ذات التكلفة العالية غير دقيقة بالشكل المطلوب، حيث يجب تطوير منظومات طائرة فعالة وأقل نشاطاً وأكثر دقة حتي يتم التعامل كما يجب مع منظومات الحواجز المنتشرة في ميادين القتال المختلفة التي اشرنا لها سلفاً ومثال آخر وهو النشاطات المتعددة التي تتم في المناطق المبنية الريفية أو الحضرية حيث يتم العمل بحذر لتجنب أي أضرار في الأرواح غير المتورطة أو في الممتلكات وهنا يجب تطوير وسائل قتالية مختلفة للتغلب على مثل هذه العوائق المتفجرة المزروعة في المناطق الخفية وأن تكون دقيقة بشكل كبير دون قوة كبيرة كي تكون قادرة على حل مشكلة الحاجز دون التسبب في إحداث ضرر كبير.

وإجمالاً لقد كانت الوحدات الهندسية في الماضي جزءاً في بناء القوة وتشغيلها كي تعطي رداً فورياً على الحواجز على الجبهات الواسعة ذات البنية المعروفة، وكذلك تم تشكيلها في معظمها وفقاً لعقيدة علم القتال بالتغلب على الحواجز، وليس أكثر من هذا. اليوم يجب أن تنتشر قوات المهندسين في أرض المعركة وبغزارة في أُطر أصغر ولكن ينبغي أن تكون مجهزة بوسائل قتالية قادرة على الرد وبشكل فوري على أي تحدى يواجههم، ونعتقد أن هذه الظاهرة آخذة في التوسع نتيجة ازدياد التعامل مع المنظمات الإرهابية واشباهها في أرجاء العالم الذين يستغلون طبيعة ساحة القتال لصالحهم وكذلك استغلال السكان الموجودين في المنطقة واستغلال حقيقة أنهم يعملون ضد جيش نظامي يعمل في فرق منتظمة بكل ما تحمله الكلمة من معني لذا يجب كسر هذا النموذج بالمعنى الإيجابي كي نقوم بتغيير طريقة التفكير والعمل وان ننسق بين تركيب القوة وطريقة استخدامها كي تتوافق مع الواقع الحالي والذي يتطور دائماً أمام ناظرينا.

الكاتب إيتاي شيلخ: عقيد متقاعد في الجيش الإسرائيلي عمل قائداً رفيع المستوى في سلاح الهندسة كما عمل كقائداً للوحدة الهندسية للمهام الخاصة، وقائداً لوحدة تأمين الشخصيات وقائداً لمركز مكافحة الهجوم النووي والبيولوجي والكيميائي ويعمل حالياً كمدير عام لشركة ESG ((Engineering Solutions Group.