بقلم نير شوالف

يبدو أن التهديد الديموغرافي يمثل ثقلاً كبيراً في تشكيل حالة المزاج الوطني ووفقاً لذلك فهو يشكل جزءاً من منظومة الاعتبارات الإسرائيلية والفلسطينية فيما يتعلق بحل الصراع بين الطرفين.

وتنتشر في إسرائيل الشائعات والأرقام الجزافية والعديد من الحقائق التي يطرحها دائرة الإحصاء المركزية منذ زمن. إن الصورة الديموغرافية في الضفة وشرق القدس يشوبها بعض الغموض حيث امتنعت السلطة عن إجراء أي تعداد سكاني على مر عقود من الزمن، وهنا يستعرض الدكتور نير شوالف معطيات كلا الجانبين في محاولة منه أن يجعل تلك الصورة أكثر وضوحاً.

يقوم دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية بإجراء استطلاع ديمغرافي شامل كل عقد تقريباً، وفي التقرير المتعلق بالسكان في إسرائيل والذي صدر دون ماهية اعتبار الوضع في الضفة تمت الإشارة إلي أن اليهود يشكلون حالياً 75% من إجمالي عدد السكان (وقد تم ذكر هذا الرقم أيضاً في عدة مصادر آخري) وفي عام 2035 من المتوقع أن يشكل اليهود 73% من السكان في إسرائيل. وذلك إذا افترضنا أنه لن تكون هناك موجه هجرة جديدة أو بكلمات آخري أنه بغض النظر عن التقلبات غير المتوقعه مثل الهجرة أو الاتجاهات المعاكسة التي تستطيع أن تغير الأرقام فإن الصورة مستقرة بشكل جيد.

ويقدم التقرير أيضاً بيانات عن متوسط عدد مرات الولادة لكل أم في إسرائيل، بشكل سيفاجئ الكثيرين، حيث تتقارب الأرقام للغاية بين السكان اليهود والمسلمين وقد تنغلق هذه الفجوة تماماً بحلول 2018 وبعبارة آخري فإن عدد السكان اليهود الموجودين داخل حدود 1967 سيحافظون على المعدل المحسوب من بين إجمالي عدد السكان في إسرائيل.

هذا بالإضافة إلي أن إسرائيل هي الدولة ذات أصغر عدد سكان في دول OECD (منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية)، وقد تدعو الأرقام التالية العديد من الإسرائيليين إلي الافتخار حيث أن معدل الخروج من إسرائيل منخفض للغاية (وهذا يعني أن معدل الهجرة منها لازال أقل من أعداد المهاجرين إليها) وهو اليوم أقل نسبة منذ عشرين عاماً ولا يتعدى الـ 5000 شخص سنوياً.

يتم هذا في الوقت الذي تنشر فيه دائرة الإحصاء المركزية التابعة للسلطة الفلسطينية بيانات خاصة بها، تقرير كهذا والذي يتماثل مع التقرير الذي تُصدره الـ CIA  يوضح أن عدد المواطنين الفلسطينيين في الضفة هو 2.5 مليون نسمه، كما أن عدد السكان الفلسطينيين في 2012 بشرق القدس وصل إلي 300 ألف شخص، بينما أظهر الاستطلاع أن 31% يفضلون العيش كمواطنين في دولة إسرائيل عن كونهم مواطنين فلسطينيين، ومن ناحية آخري  يقطن في الضفة حوالي 350 ألف شخص يهودي وفي القدس 200 ألف يهودي “هذه الأرقام هي ما أعلنته الأمم المتحدة في وقت سابق”.

إلا أن الوضع في الضفة أكثر غموضاً، حيث لم تُجرى السلطة الفلسطينية أي تعداد سكاني منذ عشرين عاماً (وفي هذا التعداد تم إحصاء 1.9 مليون مواطن بما في ذلك شرق القدس وغزة). إن الإحصاء الذي يعتمد على عدد المواطنين اليوم يستند على هذه المعطيات وبإجراء حسابات بسيطة سنجد هناك زيادة سنوية بنسبة 4% في المتوسط عن هذا العدد، وتعد هذه الزيادة من أكبر الزيادات السنوية عالمياً، بينما تزعم السلطة الفلسطينية وبالأخص دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن هناك زيادة تقدر بنسبة 170% في عدد سكان كل من الضفة الغربية وقطاع غزة خلال العشرين سنة الأخيرة وهذه النسبة تعد أضعاف أكبر النسب العالمية للدول الرائدة في هذا المجال مثل أفغانستان وأريتريا وأثيوبيا والنيجر.

وتحاول دراسة صادرة عن مركز بيجن السادات للدراسات الاستراتيجية حسم هذا النقاش. حيث تشير إلي أنه يوجد تناقض بين معطيات دائرة الإحصاء المركزية وبين معطيات وزارتي التعليم والصحة الفلسطينية بنسبة تصل إلي 20%، إن هذه الدراسة أو البحث وتقرير الـ CIA يشيران إلي أن متوسط عدد الأولاد في السلطة الفلسطينية هو 2.38 مما يعد انخفاضا فعلياً منذ التسعينات حيث وصل ذلك الرقم إلي حوالى 6 .

ويشير بحث مركز بيجن السادات إلي أنه تم إحصاء حوالي 400 ألف مواطن فلسطيني يعيشون في الخارج منذ أكثر من عام (وهذا على الرغم من القواعد الديموغرافية الدولية التي تحظر ذلك).

هذا الرقم الكبير جاء على ضوء أنه في السنوات الأخيرة يوجد معدل ثابت للهجرة تصل إلى 17 ألف فلسطيني سنوياً إلى أوربا.

هذا وعلاوة على ذلك توجد فجوة تصل إلى 113 ألف نسمة بينها إحصاء لجنة الانتخابات الفلسطينية عند محاولة حصر من تخطوا سن الـ 18 عام أمام أعداد من بلغوا سن الـ 18 التي أعلنتها دائرة الإحصاء المركزية التابعة للسلطة الفلسطينية، حيث أظهر التقرير أيضاً فجوة تتراوح بين 40 ألف و60 ألف حالة مواليد سنوياً مقارنة بين عملية التوثيق التي تجريها كل من وزارتي التعليم والصحة الفلسطينية (والذي يقوم بإحصاء دقيق يشمل العمليات التي تقوم بها القابلات القرويات) وبين عدد الولادات التي أحصتها دائرة الإحصاء المركزية.

ولذلك فقد تم إحصاء عدد السكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع (باستثناء شرق القدس) ليصل ما بين 1.7 مليون و2 مليون نسمة (وذلك وفقاً لحساب معدلات الزيادة السنوية للولادات على مدار عقدين كاملين وكذلك مع إخراج المقيمين في الخارج من عملية الإحصاء).

إن الوضع الديموغرافي في منطقتنا هلامي للغاية، فعلى سبيل المثال في عام 2011 وبعد اندلاع الربيع العربي قامت محكمة مصرية في عهد مرسي باعتبار كل فلسطيني من أم مصرية هو مواطن مصري، وبنهاية عام 2012 استطاع أكثر من 500 ألف مواطن غزاوي الهجرة إلى مصر، وفي عام 2013 قام قرابة الـ 100 ألف بالهجرة إلى هناك أيضاً.

دكتور: شوالف هو أحد كبار المحاضرين في جامعة أريئيل في مجال الروبوتات. ويحمل درجة الماجيستير في الفيزياء، ودرجة الهندسة الميكانيكية، والدكتوراه في الرياضيات، والأستاذية في الهندسة من معهد التخنيون، ويتخذ من دراسات الشرق الأوسط هواية جدية.