منظمة يهودية – أمريكية تمنح تشجيعاً ودعماً لخراب إسرائيل، وفى الوقت نفسه تصف نفسها بأنها مؤيدة لإسرائيل’ – هذه فكرة من الممكن أن تُعرض في مسرحية هزلية لا أساس لها من الصحة، لكنها أيضا بارعة ومتألقة. فإن كانت دخلت عليها مسرحية هزلية أخرى، تُستضاف فيها سياسية كبيرة من حزب ‘المعسكر الصهيوني’ إلى ندوة نقاشية تدعو إلى القضاء على الصهيونية – لكان على الأرجح قد انقطع البث عن المسرحية، انطلاقاً من الإفتراض بأنه حتى اليسار لديه خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها.

قبل حوالي ثلاثة أسابيع، أثبت اللوبي اليهودي الأمريكي “چي ستريت”، وعضوة الكنيست “ستاڤ شابير” أن السخافة ليس لها حدود، حيث نجحوا في خلق واقع لا يمكن لأي ساخر، مهما كان يمتلك من براعة، أن يخلق واقعاً مماثلاً. “علينا أن نفصل العلاقة بين مصطلح “الصهيونية” وجوهر فكرة “الدولة اليهودية”، هذا ما قالته “مرشا فريدمان”، عضوة الكنيست السابقة من قبل الكتلة الحزبية “راتس”، في إطار إحدى ندوات مؤتمر “چي ستريت”، اللوبي اليهودي الأمريكي الذي يسمي نفسه “مؤيد لإسرائيل”. “فريدمان” (تبلغ من العمر 77 عاما)، تسكن اليوم في الولايات المتحدة، أثبتت لاحقاً خلال كلمتها عقيدتها المعادية للصهيونية، في حضور عضوة الكنيست “شابير” الجالسة على مسافة مقعدين فقط من الجهة اليسرى لـ”فريدمان”.

وقد أوضحت قائلة: “لا ينبغي أن ننسى أن إسرائيل قد ظهرت بعدما سلبنا من الفلسطينيين أرضهم واقتلعناهم منها. ستتحول إسرائيل إلى ديموقراطية حقيقية، بخلاف ما هي عليه اليوم، فقط حين تصبح دولة لكافة مواطنيها، وتهتم على حد سواء بأقلياتها”. في هذه المرحلة، بعدما رسمت رؤية خراب إسرائيل، أخرجت فريدمان من جعبتها قولها الصاعق “من الممكن أن نتخيل وضع يمثل فيه اليهود في إسرائيل أقلية محمية، بصرف النظر عن من يتولى السلطة”.

نالت تصريحات “فريدمان” غير الواقعية تصفيق وهتافات عالية من حضور مؤتمر “چي ستريت”، الذين تثور ثائرتهم كعادتهم في الأيام العادية من أجل دحض، إذا جاز القول، الإدعاءات التي تزعم بأنهم معاديين لإسرائيل. أنصتت “شابير” – التي احتلت المركز الرابع في قائمة المعسكر الصهيوني، والتي أثبتت خلال المؤتمر أنها لا تواجه مشكلة في أن تعبر عن نفسها وآرائها جيداً بالإنجليزية – إلى “فريدمان” وهي تصف إسرائيل كدولة ديموقراطية مُقَنَّعة أقيمت بالإثم واليهود الذين يقطنون فيها سيكونوا خاضعين تحت سلطان أجنبي – وهي صامتة كالجماد.

نؤيد الضغط الذى تتم ممارسته على إسرائيل

 

تأسس اللوبي “جي ستريت” في 2008 من قبل “چيرمي بن عامي”، وهو يهودي أمريكي كان مستشاراً للرئيس “بيل كلينتون” في السابق، والمدير الإعلامي السابق للصندوق الجديد لإسرائيل، الذي يدير معه اللوبي علاقات ودية وتعاون وثيقين. يعتبر “عامي” على علاقات وثيقة أيضا مع الرئيس الأمريكي الحالي “باراك أوباما”. يتكون “چي ستريت” بالكامل تقريباً من يهود أمريكان ينتمون إلى الجانب اليساري من الخارطة السياسية في الولايات المتحدة، ويمثل اللوبي ثقل موازن للـ”أيباك”، وهو اللوبي العريق بالغ النفوذ المؤيد لإسرائيل، والذي يؤيد بشكل وثيق الحكومات الإسرائيلية على اختلافها.

يُعرِّف لوبى “چي ستريت” نفسه بأنه منظمة يهودية “تؤيد إسرائيل”، وتسعى إلى الدفع بحل الدولتين. ولكن عندما نتابع أنشطته فعلياً، من الصعب لنا أن نقتنع بذلك. “بن عامي”، مؤسس ورئيس اللوبي، اعترف في الخطاب الافتتاحي للمؤتمر الأخير أن منظمته تؤيد بشكل قاطع اليسار الإسرائيلي، بل ولم يتوانى فى أن يدعو إلى تشكيل معارضة للحكومة الإسرائيلية الحالية تتألف من يهود العالم.

“قال “نتنياهو” إنه يمثل سائر يهود العالم، لكنه لا يمثلنا”، هذا ما قاله “بن عامي” في خطابه الافتتاحي للمؤتمر. مضيفاً: “أن تكون مؤيد لإسرائيل هذا لا يعني أن علينا أن نكون معادين للفلسطينيين. إننا نرى إن من دورنا أن نشجع زعماء آخرين للجالية اليهود بأن يصرحوا أيضا بأنهم لا يشعرون بأن “نتنياهو” يمثلهم”.

يعد الشيطان الأعظم في الشرق الأوسط، بحسب “چي ستريت”، هو المستوطنات – بما فيها الأحياء اليهودية في القدس التي أقيمت بعد حرب الأيام الستة (جيلا، راموت، هار حوما وغيرها). واصل “بن عامي” طريقه في دفع الإدارة الأمريكية بعدم الإكتفاء بانتقادات إسرائيل على بنائها في المستوطنات – ثم أكمل “بن عامي” حديثه قائلاً: “بل ويجب أن تُتخذ خطوات من شأنها أن تعطي تأثيراً لتلك التصريحات”، كما دعا الولايات المتحدة إلى ممارسة ضغوطات على إسرائيل في القضية الفلسطينية عن طريق “تأييد أمريكي لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لوضع حد للصراع”.

علاقات متأزمة

تقاطع الحكومة الإسرائيلية “چي ستريت” بشكل دائم، وفي ديسمبر 2009، وصف السفير الإسرائيلي في الولايات المتحدة في حينه، “مايكل أورن”، (عضو كنيست عن حزب ‘كولانو’ اليوم) “چي ستريت” بأنها «مشكلة استثنائية»، زاعماً أن هذا اللوبي يعارض أيضا فرض عقوبات على إيران. في السابق، تلقى أيضا “چي ستريت” تبرعات من قبل شخصيات مثيرة للجدل، وهذا أقل ما يُقال، مثل المستشار القانونى الخاص بالسفارة السعودية في الولايات المتحدة ومدير المجلس الأمريكي الإيراني، اللوبي الموالي لإيران في واشنطن.

وإيان عملية “الجرف الصامد” قرروا في “چي ستريت” مقاطعة المظاهرة الكبرى المؤيدة لإسرائيل التي نُظمت في “بوسطون” بحجة “أنه لم يظهر فيها اهتمام بسقوط الضحايا من قبل الطرفين”، وبحجة أنه لم تُذكر فيها الإشارة إلى أن السبيل الوحيد للإنتصار على حماس “هو عن طريق الحل السياسي”.

هذه ليست المرة الأولى التي لا يقف فيها أعضاء “چي ستريت” إلى جانب إسرائيل في الوقت الذي تتعرض فيه إلى هجمة دعاية كاذبة. في يونيو 2010، على سبيل المثال، رفضوا في “چي ستريت” التوقيع على خطاب بعثه “أيباك” إلى أعضاء الكونجرس الأمريكي من أجل إدانة أسطول الحرية الذي اتخذ سبيله إلى شواطئ غزة، وقد أسفرت هذه الحادثة عن مقتل عشرات المخربين الأتراك وإصابة جنود الأسطول، من بينهم حالتي إصابة بالغة. حينها برّروا في “چي ستريت” خطوتهم هذه بأن هذا الخطاب “لم ينظر تماماً إلى الحصار المفروض على غزة”.

يسعون في “جي ستريت” إلى الرقص على الحبلين – فمن جانب، يربطون أنفسهم بتيجان الصهيونية ومحبي إسرائيل ومن جانب آخر، يخلقون خلال المؤتمر الأخير طابع ثابت من طرح الموضوعات للمناقشة واستضافة أعضاء للمناقشة ذوي سيرة ذاتية زاخرة وثرية بالتصريحات المعادية للصهيونية.

إلا أن نشاط المنظمة أخطر بكثير، نظراً لأن سياسيين إسرائيليين كبار من مختلف الأحزاب اليسارية، يتدفقون بأعداد كبيرة (في طائرات، وليس في حافلات) للمشاركة في مؤتمر المنظمة اليسارية، وعلى مسافة تبعد بعشرات آلاف الكيلومترات عن الوطن، ويصفون إسرائيل بأنها دولة ظلامية، عنصرية، فاسدة، متعطشة للدماء وتتصنع الديموقراطية – بعدما لم يفلح مواطنيها الجهلاء في أن يأتوا، بالمستنيرين، إلى سدة الحكم.

“المشكلة ليست مع الفلسطينيين، بل مع نتنياهو”

أثار “حيليك بار” – الأمين العام لحزب العمل، الذي احتل المركز السابع في قائمة المعسكر الصهيوني” – الحماسة في نفوس حاضري المؤتمر بخطاب حماسي مؤيد للفلسطينيين. وقال “بار” خلال خطابه “المشكلة ليست مع الشريك الفلسطيني بل مع نتنياهو!”، أثار “بار”، دهشة رئيس الطاقم الفلسطيني للمفاوضات، “صائب عريقات” الذي كان عضواً في الندوة، بل ونال تصفيق حار من قبله. من خلال إغفاله حقيقة أن “نتنياهو” هو الذي جمّد البناء في المستوطنات وأفرج عن السفاحين الملخطة أيديهم بالدماء، بينما كان يشكل “أبو مازن” حكومة وحدة مع حماس ويبادر بخطوات لمحاكمة ضباط الجيش الإسرائيلي على ارتكاب جرائم حرب. وقال ايضاً ” تحت حكم اليمين أصبح الصراع دينياً ونحن على أعتاب انتفاضة ثالثة، هم يريدون أن يؤيد الشريك الفلسطيني نظرية جابوتينسكي، وأن يعلّق في مكتبه صوراُ لهرتسل وبن جوريون وأن يُرفع علم إسرائيل من وراءه”.

حظى، “بار” بإعجاب الحضور في القاعة، كما تطرق إلى إحدى تصريحات “نتنياهو” بأنه ليس مستعداً بأن يدخل في مفاوضات مع “أبو مازن” بوساطة أمريكي، في خيمة تنصب بين القدس ورام الله. “نتنياهو”، يخاطب “بار” رئيس الحكومة، بعدما بنيت الآلاف من الوحدات الإستيطانية، فجأة بدت لك مشكلة في بناء هذا الخيمة الصغيرة بين رام الله والقدس؟ لم عسانا أن نصدق شيئا مما تقول؟ نحن على استعداد أن نبني لك خيمة، وأن نزوّدك بقلم حالما أردت أن توقع على اتفاق، بل ونوفر لك المثلجات التي تعشقها. سنعمل على الإطاحة بك في الإنتخابات القادمة وبمشيئة الرب سنحقق السلام مع الفلسطينيين!”.

وكيف يمكن ذلك دون الثناء على شرف الوطن (الولايات المتحدة)؟ “أوباما” – أنت صديق حليف حقيقي لإسرائيل ونحن نكنّ كل الاحترام لكل ما قمت به من أجل إسرائيل!”، أثنى “بار” على الرئيس الأمريكي، وحرص على ألا يغفل مجهودات وزير خارجيته “جون كيري” حيث قال “لقد قالوا أنكم متسلطين لأنكم أردتم السلام .. رجاءاً كونوا متسلطين!”.

يبدو أن “بار” قد حرق في خطابه كافة الطاقات التي جمعها بداخله، فليس هناك أي تبرير آخر للصمت الذي فرضه على نفسه حينما زعم “صائب عريقات – رداً على السؤال عن التوجه الفلسطيني إلى المحكمة الجنائية الدولية في “لاهاي” – أنه “إذا كانت الحكومة الإسرائيلية في غاية القلق من المحاكم، فلتكف عن ارتكابها لجرائم حرب”. إن الإثم العظيم الذي اقترفه “عريقات”، في رفضه لحق دفاع إسرائيل عن نفسها، لم يُقابَل بالتجاهل من قبل عضو الكنيست “بار” فحسب (ومن قبل “مارتن إينديك” الذي شارك هو أيضا في الندوة)، بل أيضا قوبل بهتافات وصيحات الحضور في القاعة.

شابير: “إسرائيل خدعت الفلسطينيين”

“ستاڤ شابير”، التي احتلت المركز الرابع في قائمة المعسكر الصهيوني، لم تنوي أن تترك في أيدي الأمين العام لحزب العمل، الأسبقية في المنافسة غير الرسمية على تلطيخ إسرائيل بالطين. انتقدت “شابير” نتنياهو، قائلة: “عندما كانت تدير الحكومة الإسرائيلية مفاوضات مع الفلسطينيين، كانت تتدفق في الخفاء أموالاً إلى المستوطنات على حساب الضواحى”. إن استخدام “شابير” للبلاغة تذكرنا ببرتوكولات حكماء صهيون – اليهود الذين يمكثون في غرق معتمة، بعيداً عن أنظار العامة، ويصدرون أحكاماً عن طريق نقل أموال محرمة من مكان إلى مكان- كانت ملحوظة كعامل رئيسي طيلة خطاب عضوة الكنيست الشابة.

“إن اليمين يمثل أرض الفساد”، مقولة أوضحتها “شابير” مخاطبة الجمهور الامريكي، “أرض العنصرية، والاحتلال وسرقة أموال عن طريقها يدخلون مدارسنا ومعابدنا بهدف فرض تلقين مذهبي يلائم وجهة نظرهم”. ثم تتحمس للجمهور المستمتع بكلامها، وكتشفت “شابير” أن عضوة الكنيست الشابة قد تصاب بنسيان لحظي حيث قالت “إننا لا نريد نهج اليمين”، قالتها بحزم، بعد أيام معدودة فقط بعد أن قال الشعب كلمته في الانتخابات ومنح “نتنياهو” فارق يفوق أكثر من 200.000 صوت على اليسار.

من بين الإسرائيليين الذين حضروا المؤتمر، “نوعام شيزاف”، الصحفي الذي يصف نفسه بأنه “معادي للصهيونية”، ويدير مواقع يسارية راديكالية مثل “972+” و”سيحا مكوميت”، وكان لاذعاً أكثر في انتقاداته. انفعل “شيزاف” صارخاً “لا أحد يتحدث عن غزة”، وبالطبع لم يتطرق إلى نظام حماس القمعى والسفاح، أو حاشا لله، إلى الحصار التام الذي فرضته مصر على غزة. “بينما كان تقصف إسرائيل غزة، فتحت الولايات المتحدة ملاجئها أمام إسرائيل. وهذا الذي يجب أن يدور عنه الحديث!”. أوضح “شيزاف” أيضا إلى جمهور الحضور المؤيد، حتى لا يسيئوا الفهم، أن “فكرة أن الدولة اليهودية هي أيضا ديموقراطية هي خدعة”، ونال الهتافات العالية من أعضاء “چي ستريت” المؤيدين لإسرائيل.

كان العامل الآخر االذي أضفى على المؤتمر السنوي لـ”چي ستريت” أجواء المؤتمر العالمي ضد الصهيونية أكثر من كونه مناسبة مؤيدة لإسرائيل، هو اختيار الضيوف والمنظمين من غير الإسرائيليين أو غير اليهود في مختلف الندوات. في الندوة التي شارك فيها كل من “فريدمان”، و”شابير”، و”شيزاف”، شاركت أيضا الحاخام الإصلاحية الأمريكية “شارون كلاينباوم”، وقالت “إسرائيل تمارس الإرهاب ضد اليهود غير الأورثوذكس، ولكوني حاخام أمارس المثلية، ومؤيدة للحقوق النسوية وإصلاحية، إن كانوا يتعاملون معي في فرنسا مثلما يتعاملون معي في إسرائيل – لكانوا أطلقوا على ذلك معاداة للسامية”.

بعدما عرضت إسرائيل كدولة تضطهد حقوق مجتمع المثليين، تفرغت “كلاينباوم” أيضا لتبدي دعمها نزع الشرعية عن دولة إسرائيل بين يهود العالم. حيث أوضحت قائلة “إن دخلت كنيس يهودي وقلت أنك تكره الله، سيحاول الحاخام أن يوضح لك أنك مخطئ. إذن لماذا إن كنت يهودياً معروف أنك معادي للصهيونية، سيقوم على ما يبدو نفس الحاخام بطردك من المعبد ويقول لك أنت غير يهودي؟!!. ولا داعي أن نشير إلى أن الحضور قد فُزعوا من قدر الهتافات بعد سماع كلمة “كلاينباوم”.

إذاً ما الذي حلّ بنا؟ “مارشا فريدمان” تدعو إلى إقامة الأقلية اليهودية المحصنة؛ “شيزاف” يصف الديموقراطية الإسرائيلية بالخدعة؛ “شابير” تتهم إسرائيل بخداع الفلسطينيين؛ والحاخام “كلاينباوم”، تزعم أن إسرائيل تمارس الإرهاب الديني – رغم أن العنوان الذى وضعه “چي ستريت” لهذه الندوة؟ هو “دعم قوي لإسرائيل”. إن كان الإنفصال التام عن الواقع لعبة من الألعاب الأوليمبية، لحاز مؤلفيّ عناوين ندوات “چي ستريت” بلا منازع على الميدالية الذهبية باكتساح.

وفي ندوة أخرى، أبدى معلقون آخرون استياءاً وسخط على عجز الإدارة الأمريكية، ليس في قضية إيران أو داعش أبداً، بل في مسألة أكثر حساسية لمستقبل الشرق الأوسط – البناء الإسرائيلي في المستوطنات. “لارا فيردمان”، ناشطة في الفرع الأمريكي لحركة “السلام الآن” ، أشارت بأن “قلبها ينفطر ويحترق” كلما تفرض الولايات المتحدة حق الڤيتو في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على مقترح إدانة إسرائيل بسبب البناء في المستوطنات.

“فريدمان”، التي تصف أيضا حي “جيلا” المقدسي على أنه مستوطنة، شبهت العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية بالوالدين الذين يتوعدا فقط أولادهما، من دون تنفيذ هذا الوعيد. “طالما أن الطفل يشعر بأن تهديدات والديه فارغة، فلن يأخذها على محمل الجد وسيواصل أفعاله. يجب أن نوضح لإسرائيل أن مواصلة البناء في المستوطنات سيترتب عليه انعكاسات واضحة ومباشرة، مثل خفض المعونة الأمنية”. لحسن حظنا، أن “فريدمان” صرحت بأنها لا تدعم حركة BDS، بل فقط تدعم مقاطعة المنتجات التي تأتي من المستوطنات.

وفي ندوة أخرى، بعنوان “إلى أين تسير القيادة الفلسطينية؟”، نالت حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية بالتعاون مع حماس ترخيصاً في المؤتمر “المؤيد لإسرائيل”، استُضيفت الناشطة الاجتماعية، القاطنة في مدينة “الخليل”، “هدى أبو عرقوب”. في السابق، دعت “أبو عرقوب” الأمريكان “بأن يتوقفوا عن دفع الضرائب طالما أن الولايات المتحدة تساعد إسرائيل”، وكذلك ادعت أن نظام حماس في غزة “ليس حكومة إرهابية”، وأننا أمام “منظمة سليمة وشرعية”. في تلك الندوة أيضا استُضيف “سام بحور”، رجل أعمال أمريكي فلسطيني، والذي كتب في سبتمبر الأخير أن عملية “الجرف الصامد” كانت “مذبحة رمضان” الخاصة بإسرائيل.

في هذه الأثناء سنبقى مع الدولة اليهودية

يجب أن يمثل المؤتمر الأخير لـ”چي ستريت” نقطة تحول داخل علاقات الدولة الإسرائيلية واليسار اليهودي في الولايات المتحدة وفي إسرائيل. إن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة، حتى وإن كان أعضاء “چي ستريت” والسياسيين الإسرائيليين قد شاركوا في المؤتمر بصدق وإخلاص لأنهم صهيانة بارزين، وخلاصة القول أنهم قد زادوا نار العداء الإسرائيلي إشتعالاً. إن الذين ألقوا خطابات في المؤتمر تحدثوا باستخفاف واضح عن رئيس الحكومة الإسرائيلي، وتصرفوا بوصاية تجاه الجمهور الإسرائيلي بأسلوب: “نحن نعلم مصلحتكم أكثر منكم”.

إن انتقادات سياسة إسرائيل هو أمر شرعي وأحيانا ضروري، لكن في وسط عالم جنوني فيه كراهية متقدة لدولة اليهود تنجح في أن تجمع بين الإسلاميين راجميّ النساء وأنصار الحقوق النسوية الراديكالين؛ والمعاديين؛ والنازيون الجدد والفوضويين؛ والليبراليين والشيوعيين – يجب أن يكون الأشخاص الذين يصفون أنفسهم “مؤيدين لإسرائيل” حريصون بصفة خاصة حينما ينتقدون إسرائيل.

لا بأس إن كان المتحدثون في المؤتمر يرددون وجهات نظر أصلية وتدعو للتحدي، لكنهم فعلياً لم يختاروا التودد، والتغزل وأحياناً أيضاً جعل سقف الرسائل الخاصة بهؤلاء القراء أكثر تطرفاً ليعيدوا عدّ سنوات شتات الشعب اليهودي. ويا لحسرة “مرشا فريدمان”، الشعب يعيش في جبل صهيون يقرأ خريطة الشرق الأوسط الدامية جيداً، ويرجح أنه لن ينطلق قريباً إلى مقترحها المغري هذا، إذا جاز القول، وأن يتحول إلى أقلية محصنة في أيدي حماس وحزب الله أو داعش. في تلك الأثناء، على الأقل، نحن نفضل أن نبقى مع الفكرة الفوضوية والقديمة خاصة بدولة سيادية بأغلبية يهودية متماسكة وجيش قوي يحميها.