لماذا لايصنع اليهود السلام …. دراسة إسرائيلية تؤكد عدم استعداد المجتمع الإسرائيلى للإتجاه نحو تحقيق السلام

منذ وقت قريب، أرسل البروفيسور “دانيال بر طال”، من كلية التعليم في جامعة تل أبيب بريداً إلكترونياً إلى مجموعة من معارفه يتضمن بداخله مقالاً وينوي زملاؤه نشره في مجلة “بوليتكا” (السياسة) بعد عدة أشهر. يحاول المقال أن يتعاطى مع المسألة التي تؤرق الكثير من رجال اليسار: يتحدث “بر طال” بتفصيل متسائلاً: “لماذا يستصعب بشدة على الجمهور اليهودي في إسرائيل أن يتحرك في طريق عملية السلام؟. يسأل كثير من الناس أنفسهم كيف وصلنا إلى هذا الوضع، وهل الوضع يمكن أن يتغير؟”، لذا هو وزملاؤه دكتور تامير ميجال وبروفيسور “عيران هلبرين”، عميد كلية علم النفس في المركز متعدد المجالات، اجتهدوا في البحث بعمق من أجل محاولة فهم كيف من الممكن ألا يكون هناك سلام، ولماذا الجمهور اليهودي مذنب فى ذلك.

كتب المؤلفون: “وماذا عن الفلسطينيين؟ إذا كان الأمر كذلك، “فتحليلنا يركز على المجتمع الإسرائيلي اليهودى”، لما كان له من مكاسب ينبغي تقسيمها في حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وهو صاحب النفوذ والموارد التي تحدد بقدر لا بأس به اتجاه الصراع”. باختصار، في هذه النقطة اليهود هم المشكلة.

على حد زعمهم، ترجع العقدة اليهودية التي تعرقل السلام إلى عدة عوائق توعوية تلازم اليهود حتى فترة أحداث النازي. تلك عوائق نفسية خاصة “بمجتمع يعيش في حصار” ويشعر بالاضطهاد من قبل العالم أجمع، مجتمع زعماؤه – كما يدعي المؤلفين – يعظّمون من مشاعر الخوف والرعب. عمليات تخريبية بالحافلات؟ قذائف صاروخية؟ عمليات اختطاف؟ أمور لا يصح ذكرها. ومن أجل أن نتبين المقال علينا أن نعتاد مصطلحين متكررين كثيراً: “صراع مُنفلت” (تنفيذ اعتداءات إرهابية على مواطنين أبرياء) و”سرد أنصار الصراع” (كل من يعتقد أن العرب لديهم يد في فشل عملية السلام).

يجزم المؤلفون بالفعل أن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع مغسول الدماغ منذ حرب الاستقلال. يكشف الباحثون: “منذ لحظة إقامة دولة إسرائيل في 1948 وحتى أوائل السبعينيات، كان السرد المناصر للصراع هو الغالب تماماً”، هذا السرد يتجلى في “كافة القنوات والمؤسسات، الرسمية وغير الرسمية، بما فيها خطب الزعماء، والرأي العام، والأدب، والمراسم، والكتب الدراسية، والأخبار وتحليلات الصحف والمحطات الإذاعية، وفي الأفلام، وعروض المسرح، واللغة وما شابه”.

في الواقع، حتى في هذا المجتمع مغسول الدماغ، بدت من آن لآخر مبشرات مضيئة خلقت نوافذ عقلانية و”رؤية بديلة للصراع”. لحظات كهذه كانت في عهد السلام مع مصر وبالطبع في اتفاقيات أوسلو. لكن سرعان ما عاد المجتمع الإسرائيلي إلى عادته السيئة حين بدأت اتفاقية السلام تلفظ “أنفاسها الأخيرة مع اغتيال “رابين” وتولي “بنيامين نتنياهو” الحكم”. من يرى أن للإرهاب يد في ذلك، ينطبق عليه بالطبع “سرد مناصر الصراع”.

“أنصار الصراع”: “يائير”، و”بوچي”، و”تسيبي”.

كتب المؤلفون: “إذاً، ما هو “السرد الجماعي المناصر للصراع؟ مثلاً، حقيقة أن حتى رجال اليسار يعتقدون أن أراضي الضفة الغربية هي جزء من التاريخ: “أغلبية الجمهور الإسرائيلي اليهودي (55%) يؤمنون بأن أراضي الضفة الغربية وغزة هي أراضي “مُحررة” وليست “محتلة” (استطلاع رأي مؤشر السلام، مارس 2008). فضلاً على ذلك، تؤمن الأغلبية (64%) أن أرض إسرائيل أيضاً تُنتمى فقط للشعب اليهودي”.

وكدليل على صحة كلامهم يقتبس المؤلفون من برامج أحزاب اليسار والوسط الذين يكتبون بشكل صريح ومباشر أن الضفة الغربية هي أراضي يتوق إليها الشعب اليهوي. فمقولات مثل “إننا نعتبر المستوطنين الذين يعيشون في تلك المقاطعات صهاينة بصدق” هذا من ضمن برنامج حزب “يش عتيد”؛ أو تصريح “يائير لابيد” أن الضفة الغربية هي “المناظر الطبيعية التي نبت من أحضانها الشعب اليهودي”، هي المشتبه به الرئيسى. كذلك مقولة مثل “تدعيم القدس ومكانتها كونها العاصة الأبدية لدولة إسرائيل من ضمن برنامج حزب المعسكر الصهيوني، هي بالطبع “مناصرة للصراع”. كذلك مطلب “نتنياهو”، الذي ينادي باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل كدولة يهودية، يحوي في طياته بكل تأكيد دلالة الإضرار بالسرد الفلسطيني”. عذراً!.

هناك عامل يرسخ الصراع ألا وهو المفهوم اليهودي بأن عليهم أن يعتمدوا فقط على أنفسهم من ناحية التهديدات الخارجية. “على الرغم من المفهوم اليهودي، تنجح إسرائيل في البقاء فقط بسبب الاستخدام العسكري المفرط على مدار سنوات”. ليس هذا فحسب: “فاليهود يؤمنون بأنهم لا يمكنهم الاعتماد على أية دولة (سوى الولايات المتحدة) بسبب المعاداة للسامية السائدة”، وعليه فاليهود قد تبنوا هذه الفكرة الجدلية لأن هذه “مسئوليتهم في مواجهة التهديدات حتى من دون مراعاة رأي المجتمع الدولي”.

هكذا يواصل المؤلفون وصف المجتمع الإسرائيلي المنشغل في نزع شرعية الفلسطينيين والعالم العربي، الذي لا يعتمد على العرب حتى أنها تعتقد أن الفلسطينيين ليسوا جديرين بالثقة. يلخص المؤلفون: “ونتيجة لذلك، هناك نحو 70% من الجمهور الإسرائيلي اليهودى يعتقد أنه لا يوجد خيار لحل السلام مع الفلسطينيين”. يزعم المؤلفون قائلون: “وماذا عسانا أن نفعل مع حقيقة أنه لا توجد استطلاعات رأي توضح أن اليهود يدعمون السلام ومستعدون لعمل تسويات إقليمية؟ الجمهور اليهودي لا ينوي حقاً الدخول في تسويات مؤلمة تقود إلى السلام”. وعلى عكس تصريحات الفلسطينيين الصادقة والجريئة، تصريحات اليهود عن السلام هي فقط مداهنات.

العقدة تبدأ من رياض الأطفال

وفقاً للدراسة، فإن إحدى المشكلات مع مجتمع يدفع بسرد مناصر للصراع هو ممارسته من نعومة أظافره. لذا في مرحلة الاستنتاجات يقترح المؤلفون تغيير الرسائل المُرسلة في الأعياد مثل عيد المساخر، والفصح وأعياد أخرى. حتى التراث، هكذا تبيّن، هو “سرد مناصر للصراع”.

وعلى حد زعم المؤلفين، تثبت الأبحاث أنه أيضاً حينما يتمكن الأشخاص من التحرر من الرسائل التي تُفطن في مرحلة رياض الأطفال – ونجحوا على الرغم من كل شيء فى أن يصبحوا يساريين متشددين – فإن رسائل معلمات الروضة اليمينية قد تتبدد لاحقاً: “حتى لدى هؤلاء الذين يغيرون رأيهم، لأسباب مختلفة، هذه الذخيرة – التي كرّروها كثيراً جداً والتي يمكن الوصول إليها بسهولة في المجتمع – تؤثر عليهم بشكل خفي لاسيما في أوقات الشدة”.

إن استنتاجات مؤلفي المقال قاسية بشدة. يستعصي عليها أن ترى المجتمع الإسرائيلي يخطو نحو السلام من دون تعقيدات. واستنتاجهم الرئيسي، بشكل غير مفاجئ، هو أن اليهود هم نفس اليهود والبحر هو نفس البحر: يختم المؤلفون “في الوقت الحاضر تعمل قوى شديدة تنشر وتحفظ السرد المناصر للصراع بين المجتمع اليهودي الإسرائيلي. فلتذهب لتصنع سلاماً مع اليهود.

شاي فريدمان