بقلم: عقيڤا بيجمان

كان مطعم “العجوز والبحر” في يافا مكتظاً عن بكرة أبيه بالمحامين الذين اجتمعوا للاحتفال بمناسبة عيد الأضحى. بين المأدبة المحاطة بالضيوف يتمشى ضيف شرف المناسبة، التي على شرفها اجتمع بالفعل كافة المدعويين:

المحامي “إيفي ناڤيه”، رئيس نقابة المحامين في منطقة تل أبيب، المرشح اليوم لرئاسة النقابة. بين محادثة حماسية مع هذا المحامى من الطيبة وحديث خطير عن “وضع المهنة” مع ذاك القاضي من رام الله، “ناڤيه” لم يغفل عن باله ضيف الشرف الثاني لهذه الأمسية: عضو الكنيست “أحمد الطيبي”، الذي حضر أيضاً ليهنئ المحتفلين.

لم يكن حضور “الطيبي” من قبيل الصدفة. “دار المحامين بالطيبة ورام الله” – بمثابة فرع للنقابة يهدف إلى خدمة المحامين العرب – على صلة وثيقة مع “الطيبي” وكتلته الحزبية. رئيس المجموعة، المحامي “رضا جابر” كان مساعد “الطيبي” البرلماني في الكنيست الـ 18، و”الطيبي” جاء بنفسه ليحاضر أمام الأعضاء، ويجري في المكان مؤتمرات انتخابية.

إذاً ما الذي دفع محامٍ مبجل في إسرائيل ليشارك مع مجموعة عربية متعصبة؟ السياسة والنفوذ، بكل تأكيد.

“دار المحاميين بالطيبة ورام الله” أقيمت في عام 2012 بمبادرة من “ناڤيه” من باب النية لتوطيد علاقته مع المحامين العرب في المنطقة، على ما يبدو انطلاقاً من فكر استراتيجي عن السباق الرئاسي المخطط له للنقابة.

“النقابة برئاسة رئيس نقابة المحامين في منطقة تل أبيب المحامي “إيفي ناڤيه”، استجابت لرغبتنا”. كتب أعضاء دار المحامين، مشيرين إلى أنه “أيضاً يؤيد بلا حدود ويدعم كما تعهد نشاط دار المحامين في الطيبة مالياً”.

في مسعى لتعزيز صلته بجمهور الناخبين العرب، “ناڤيه” لا يكل ولا يمل ولا يهدأ للحظة: الهيئة القطرية التابعة للنقابة برئاسته دعمت موائد الإفطار، والتدريبات المهنية، بل ونظمت – بحسب شهادة “ناڤيه” – تدريب مهني خاص في القضاء الإسلامي في أنطاليا جنوب غرب تركيا. إذاً، عن كم من الأموال نتحدث؟ كم منها قد دُعِم من ميزانية منطقة تل أبيب، ومن مصاريف الأعضاء المحامين؟ هذا ما لن نعرفه. كشفت مصادر في المنطقة قد تحدثنا معهم أن “ناڤيه” بصفة عامة قد نظم هذه الفعاليات بنفسه، عندما علمت نقابة المنطقة بالأمر لاحقاً. وكما نعلم، هناك على الأقل حالة واحدة – الدورة التدريبية في أنطاليا – لم تعلم النقابة بأمرها مطلقاً.

إذاً ما الذي تعلّمه المحامون مؤيدي التجمع الوطني الدّيمقراطي في العاصمة العثمانية السابقة؟ مع من التقوا على حساب مصاريف الأعضاء في بلاد “أردوغان” وهيئة الإغاثة الانسانية وحقوق الانسان والحريات؟ الجمهور، في تلك الأثناء، ليس لديه فكرة. المهم هو أن حملة “ناڤيه” الانتخابية هي “تقليص مصاريف الأعضاء”.

يبدو أن الإنفاق يأتي بثماره: فدار المحامين تدفع بكل ما أوتيت من قوة بترشيح “ناڤيه” لرئاسة النقابة. أحاديث صحفية ولقاءات بالعربية متعاونة معه مراراً وتكراراً؛ إعلانات انتخابية، ومؤتمرات ودوائر نقاش تنتشر بقدر الإمكان. بالنسبة لـ “ناڤيه”، دار المحامين كانت استثماراً مجدياً للغاية.

“دار المحامين بالطيبة ورام الله يجن جنونها – إلى كل من لا يعجبه أنني أنشر دعاية انتخابية من أجل “ناڤيه” أقول لكم موتوا بغيظكم. “أڤي”، هو رئيس النقابة شئتم أم أبيتم، وسأواصل نشر دعاية لـ”أڤي” مثلما فعلت من قبل بل وبوتيرة أسرع مما كان في الماضي، هذا ما كتبه “جابر” على صفحة الفيسبوك الخاصة بالمجموعة.

كذلك وبالنظر في مضامين المنشورات التي تُطلق على صفحة الفيسبوك “”دار المحامين بالطيبة ورام الله”، تظهر شعوراً بأننا أمام فرع للتجمع الوطني الدّيمقراطي وليس فرعاً لنقابة المحامين. قبل أسبوعين، على سبيل المثال، قامت الصفحة بمشاركة مقطع فيديو خاص بمنظمة “كسر الصمت”، مصحوب بمنشور كُتب فيه “هذا هو الوجه الحقيقي لجيش الاحتلال” بالعربية والعبرية. عندما أُعلن عن وقف إطلاق النار مع نهاية عملية “عامود السحاب”، ابتهج الأعضاء بشدة: “وأخيراً تقهقرت إسرائيل وعلم “نتنياهو” حجمه الحقيقي وكم هو ضعيف”.

مفتاح للتأثير

حتى المحامين العرب يعلمون سبب قدومهم. أوضح المحامي “رضا جابر”، مدير دار المحامين، في مقال نشره على الموقع العربي “بكرة”. “نقابة المحامين هي هيئة مركزية ورئيسية في اتخاذ القرارات السياسية، وفي التغيير والتأثير. بوسع نقابة المحامين أن تُحدث تغييرات كبرى في كل ما يتعلق بأسلوب التعامل مع المحاكم بل وحتى أكثر من ذلك، بتعيين القضاة وشئون أخرى”. ومن ثم يوضح “جابر”: “أننا من جانبنا نرى أهمية كبرى في الفعاليات التي تُجرى في إطار النقابة”.

وفي مناسبة أخرى، أُجريت في أكاديمية القاسمي بالباقة الغربية، أوضح زعماء القائمة العربية “النزاهة المهنية وحقوق الإنسان” أهمية التصويت لصالح المحامين العرب: أوضحت رئيسة القائمة، المحامية “فاتن جزماوي”: “إن ارتفاع نسب التصويت للقائمة ستؤدي إلى زيادة تأثير المحامين العرب على النقابة وخارجها”، كما أوضح زميلها المحامي “نبيل عثمانة”، أن “هدفهم الرئيسي هو رفع مكانة المحامين العرب في إسرائيل وزيادة التمثيل في الهيئات والجهات القطرية في النقابة، وفي مؤسسات الدولة وتوصيل المحامين العرب إلى كرسى القضاء”.

من المثير للاهتمام أن نذكر أن أكاديمية القاسمي قد تصدرت موجة الغضب في نقابة المحامين، عندما طلب مؤيدي “إيفي ناڤيه” في لجنة الانتخابات التابعة للنقابة فتح صناديق اقتراع خاصة فيها تخالف لوائح النقابة، مبادرة تم التصدي لها بالكاد على ضوء موقف المستشار القانوني الخاص باللجنة.

في الفعاليات التأييدية لـ”ناڤيه” التي أجراها المحامين العرب، هذه المرة في قرية الرامة في الجليل، أوضحت المحامية “فاتن جزماوي”، المرشحة في قائمة “التغيير” العربية، سبب دعمها لـ”ناڤيه”: “إنني عازمة على التصدى بكل قوة للعنصرية وللقانون التعسفي أو العنصري الذي يُميّز على أساس العرق”.

يحرص “ناڤيه”، من جانب، على ألا يصاب بخيبة أمل: “نحن على اتصال مع أعضاء الكنيست من أجل معارضة أي قانون عنصري يقوم الكنيست بتشريعه”. عندما سُئل بشكل محدد عن قانون القومية قال “ناڤيه”، “إنه يعارض هذا القانون لأنه يمس بقطاعات واسعة من المواطنين في الدولة ويمس مواطنين أصحاب ديانات وقوميات مختلفة في الدولة”. قانون القومية هو القانون الوحيد الذي ينوي “ناڤيه” الاعتراض عليه: أوضح “ناڤيه” لموقع العرب: “عندما يكون هناك موضوعات جوهرية ويتوجب سماع صوت النقابة، علينا أن نُسْمِع أصواتنا”، مسهباً في الحديث: “في موضوعات مثل مادة مسألة زيادة أو تحديد نفوذ لجنة تعيين القضاة في الهيئة الحالية للكنيست. مازال يتعين على النقابة أن تُسمع صوتها”.

كذلك المبادرة الأخيرة لـ”شاكيد”، بدفع إصلاحات في نقابة المحامين التي بدأت بها “ليڤني”، ينظر إليها المحامين العرب على أنها إجراء يهدف إلى إضعاف نفوذهم في النقابة. أُطلق على صفحة الفيسبوك الخاصة بالقائمة العربية “النزاهة المهنية وحقوق الإنسان”: “أعلنت وزيرة العدل الحرب ضدنا … في يوم الأحد … تطرح مشروع قانون لحلّ نقابة المحامين وإعادة تشكيلها من خلال إلغاء المناطق والمجالس القطرية” الأمر الذي سيؤدي إلى “إبطال نفوذ المحامين العرب وحلفاؤهم غير العنصريين من المحامين اليهود”. في رأيهم، يدور الحديث عن ما لا يقل عن “كارثة قضائية ودستورية”، لأن النقابة سيتم تغييرها بحيث تخدم “المشروع اليميني الاستعماري”.

“ناڤيه” كالعادة، لا يصاب بالإحباط، حيث أوضح: أن “هناك ضرورة للحفاظ على مكانة الهيئات القطرية التابعة للنقابة”، معلناً أنه سيعمل على التصدي لتلك الخطوات لأن “المساس بالمناطق يعني المساس بنقابة المحامين”.

وفي تلك الأثناء في اليمين: القضاة والشريعة اليهودية

إن الجمهور العربي ليس هو القطاع الوحيد الذي يستثمر فيه “ناڤيه”. فممثلو الصهيونية الدينية، يحظون بمعاملة خاصة، حيث عمل “ناڤيه” كثيراً لصالحهم في فترة ولايته الأخيرة: لقد نظم لهم النصاب الشرعي لصلاة العصر في مكاتب النقابة؛ وأجرى لهم دورات تدريبية مهنية في الشريعة اليهودية؛ بل وحرص على توفير أجواء السبت في المؤتمرات السنوية للنقابة. كذلك الأمر مع ممثلي القائمة الإقطاعية “العدالة والقضاء” برئاسة المحامي “يتسحاق نتوڤيتش”، منعمون بفضل “ناڤيه”، ويدعون جمهور أتباعهم بالتصويت لصالحه في الانتخابات.

ولكن يفاجئنا حزب “البيت اليهودي” بصفة خاصة – فهو الحزب الوحيد من بين الأحزاب التي تدخلت بشكل مباشر في الانتخابات التي أجريت في النقابة – حيث أعلنت رسمياً دعمها لقائمة “نتوڤيتش”، وفي الواقع دعمها لترشح “ناڤيه”. هذا البيان يثير الدهشة حتى في نظر عضو الكنيست “بتسيلئيل سموتريتش” النائب عن البيت اليهودي، الذي يزعم بأنه لم تُجرى مناقشة هذا الموضوع في كتلة الحزب. أوضح “سموتريتش” في بيان نشره الأسبوع الماضي، أنه بحسب رأيه “طالما أن القوائم الدينية القومية تدعم “إيفي ناڤيه” وشريكة في الصفقة مع العرب واليسار المتطرف فمستحيل أن يدلي بصوته لصالحها”.

لذا، في الوقت الذي يدرك فيه المصوتون العرب، القوة السياسية التي تتمتع بها النقابة، يهتمون بالصورة العامة لدولة إسرائيل ويديرون معركة استراتيجية ضد المساس بنفوذ محكمة العدل العليا، وضد قانون القومية وضد التغييرات في لجنة تعيين القضاة؛ يكتفي ممثلو اليمين الأيديولوجي في النقابة ببعض من الصغائر الإقطاعية، ويدعون الحشود للتصويت لصالح الشخص الذي سيعمل على التصدي لأهدافهم على المستوى القومي.

هل المحامون القوميون سيعودون إلى صوابهم هذا الأسبوع ويسيروا وفقاً لجدول أعمال قومي استراتيجي؟ بعد بضعة أيام سنعلم ذلك. في أسوأ الحالات، يمكننا دائماً أن نعزي أنفسنا بتناول قطع البوريك الحلال طبقاً للشريعة اليهودية في مؤتمر يناقش موضوع “سيطرة اليسار على المنظومة القضائية”.

لم يصدر رد عن “إيفي ناڤيه” حتى نشر هذا التقرير.

وقد صدر عن حزب “البيت اليهودي” هذا البيان: “يدعم الحزب قائمة العدالة والقضاء المؤلفة من رجال البيت اليهودي. ولا يبدي الحزب موقفاً بخصوص الانتخابات الرئاسية الخاصة بالنقابة ولا يدعم بأي حال من الأحوال مرشح بعينه”.