بقلم بن كاسبيت

على الرغم من كافة التقارير السابقة قرر رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال جادي أيزنكوت إقامة قيادة السايبر في الجيش الإسرائيلي والتي من شأنها توحيد كل قدرات إسرائيل في مجال السايبر في جبهة واحدة، وستقوم هذه الشعبة بإختيار المرشحين للخدمة في هذا التخصص وتقوم بتدريبهم وتأهيليهم وتخصيصهم في المهام الموكلة إليهم، كما ستتضمن الشعبة الجديدة جميع القدرات العملياتية في مجال السايبر: الهجوم والدفاع وجمع المعلومات مثلما يفعل سلاح الجو الإسرائيلي ويقدم خدماته لكافة أفرع وقيادات الجيش الإسرائيلي وبذلك ستستطيع شعبة السايبر تقديم خدماتها لكل هيئة أو وحدة في الجيش الإسرائيلي تحتاج إليها.

فعلى سبيل المثال: نفترض أن الجيش الإسرائيلي يخطط للقيام بغارة سرية في عمق دولة معادية فإن ممثلين من القيادة الجديدة سيشاركون في الإعداد لهذه العملية.

إن مجال السايبر اليوم موزع في الجيش الإسرائيلي بين العديد من الشُعب والوحدات داخل الجيش من بينها شعبة التنصت ووحدة جمع المعلومات الإستخبارية الإسطورية 8200 بينما لدى كل من الشاباك والموساد الإسرائيلي وحدات خاصة بهم، ويمكن أن يتم في المستقبل جمع كل هذه الوحدات تحت سقف واحد لمنع الإزدواجية وتشير التقديرات إلي أن هذه الوحدة سيترأسها ضابط برتبة لواء.

وفي هذا الصدد يقول أحد المصادر العسكرية رفيعة المستوى أمس”16 يونيو” ( إن هذا القرار الذي تم إتخاذه يعد أهم قرار قد يتخذه رئيس الأركان الحالي إذا لم تندلع أي حروب في فترة ولايته وهذا يبلور الأهمية المركزية في الوقت الحاضر لمجال الإنترنت وكذلك في الحروب المقبلة).

وتُعد إسرائيل من الدول العظمي المعروفة في هذا المجال، وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي قد أنشأ “قيادة سايبر وطنية” في عام 2012 وتعمل في إسرائيل حالياً حوالي 250 شركة تجارية في مجال السايبر ومعدل الشركات الناشئة في هذا المجال من أعلى المعدلات العالمية وكانت قيادة السايبر القومية قد نشرت مؤخراً معطيات مدهشة وهي أن 10% من صفقات شركات السايبر في العالم تتم مع شركات إسرائيلية. كما تشير التقديرات إلي أن صناعة السايبر الإسرائيلية تسيطر على 6 مليار دولار من إجمالي 60 مليار دولار سنوياً هى حجم التعامل السنوي العالمي في مجال السايبر.

وفي هذا الصدد قام رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكين بإقامة شركة سايبر جنباً إلي جنب مع مجموعة من متقاعدي الشاباك ومثله فعل العديد من المسئولين رفيعي المستوى في المؤسسة العسكرية وكذلك “ن” أحد قادة الوحدة 8200.

حاييم تومير الذي تقاعد من الموساد الإسرائيلي منذ أكثر من عام (بعد خدمة رائعة في الموساد الإسرائيلي على مدار 30 عام) يُعد أحد نجوم مجال السايبر الإسرائيلي في العام الحالي 2015 ويترأس إحدى أكبر شركات الإنترنت الإسرائيلية والتي تعمل على توفير حلول دفاعية ضد الهجمات الإلكترونية، وكان تومير حتى وقت قريب رئيس فرع الإستخبارات في الموساد وشغل أيضاً منصب رئيس شعبة تفال “المسئولة عن العلاقات الإستخبارية والدبلوماسية الخاصة بالموساد” وقد وافق تومير على التحدث مع المونيتور في هذا الصدد.

“خلال السنوات الخمس الماضية تم إستخدام هجمات السايبر على نطاق واسع وابلغ مثال على هذا كانت روسيا أمام دول البلقان حيث تمت مهاجمة شبكات حكومية وإختراقها وتضررت بالفعل جراء ذلك كما حدث هجوم مركزي إيراني على إحدى شركات النفط السعودية العملاقة مما أدى إلي شلل تام في إدارة الشركة لمدة أربع وعشرين ساعة، وكذلك الهجوم على سوني اليابانية من جانب كوريا الشمالية وكذلك مهاجمة البني التحتية في كوريا الشمالية والتي تم نسبتها إلي الأمريكيين” .

وبطبيعة الحال لم يتطرق تومير إلي الهجمات التي تم نسبتها إلي إسرائيل بما في ذلك إدخال دودة كومبيوترية “ستاكس نت” إلي المواقع النووية الإيرانية والإضرار بأجهزة الطرد المركزية بواسطة ذلك وزرع فيروس في أجهزة الفنادق في النمسا وسويسرا بغرض جمع معلومات عن المفاوضات بشأن المشروع النووي الإيراني، ويضيف تومير ” العديد والعديد من الدول لديها قدرات عالية وأصبح هذا الوضع شائعاً للغاية في العالم السيبراني” .

ووفقاً لتصريحاته فإن السايبر يمكن إستخدامه بشكل مزدوج مستقبلاً من ناحية الدفاع والهجوم ” ففي هجمات السايبر يوجد مجالين للتشغيل العملياتي الأول هو مجال جمع المعلومات. والدخول بواسطة أحصنة طروادة لمنظومة تشغيل الكمبيوتر مثل البنك أو البنتاجون وهذا الطروادة يستطيع التخفي كأحد مشغلات أنظمة التشغيل ويقوم بفتح الملفات المشفرة والوصول إلي المعلومات المصنفة وهذه القدرة موجودة منذ ما يزيد عن عشر سنوات لدى الدول المتقدمة في مجال الحاسب الآلى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وإسرائيل أيضاً” .

ويقول تومير “الأفضلية في هذا المجال ترجع إلي حقيقة كون الإحتكاك يكاد يكون منعدماً والمخاطرة صفرية. فحائط الصد للموقع الذي يتم مهاجمته تستطيع أن تصد الهجوم وتمنعه من التسلل إلي داخل الجهاز، بينما قد يصبح للمهاجم فرصة كبرى في أن المنظومات قابلة للإختراق ” .

وفيما يتعلق بالجانب الهجومي على سبيل المثال الهجمات بواسطة السايبر يقول تومير ” يمكن أن نتحدث اليوم عن إحداث شلل تام في إحدى المستشفيات مما قد يؤدي إلي خسائر في الأرواح، كما يمكننا أيضاً تعطيل شبكات الكهرباء والبني التحتية القومية، فعلى سبيل المثال شركة الكهرباء الإسرائيلية تتلقى ما يزيد عن 200 هجمة سايبر في اليوم وجزء منها هجمات طروادة عرضية تقوم بالإنتقال من شبكة إلي أخرى وتشير التقديرات إلي أن دولاً مثل الولايات المتحدة والصين لديها من القدرات ما يمكنها من تطوير أدوات هجوم سيبرانية إستراتيجية تستطيع بواسطتها تعطيل أي بني تحتيه خاصة بالدول المعادية، فإذا كان تشرشل وهتلر يحتاجون إلي ملايين الأطنان من المواد المتفجرة لتدمير المدن فإن هذا غير ضروري في الوقت الحالي الذي يتم فيه التحكم بالمدن بواسطة منظومات الحاسب. وبذلك يمكن إغلاق الإشارات وقطع الكهرباء وإيقاف المراقبة وتعطيل المستشفيات وبذلك لا تقوم بأداء وظيفتها على أكمل وجه … إن هذا هو ميدان القتال المستقبلي” .

ورداً على سؤال هل يمكن الإضرار بالبنية التحتيه العسكرية على سبيل المثال تعطيل قدرة إطلاق الصواريخ يقول تومير ” إن منظومة إطلاق الصواريخ ما هى إلا سلاح أحمق لا يتم توجيهه أو تشغيله بواسطة الكمبيوتر وهذا يمثل نقطة ضعف وقوة في الوقت ذاته فعندما نتحدث عن دولة مثل إيران ، فالمنظومات هناك محوسبة ويوجد لديهم صواريخ ذكية تعمل بواسطة الحاسب، ولكن هذه الصواريخ لا تستطيع توقع كل شيء، تخيل أننا إستطعنا الدخول إلي المنظومة المحوسبة الخاصة بالبنوك في إحدى الدول وألحقنا بها ضرراً إستراتيجياً وفوضى غير عادية .. هذا هو الإتجاه الذي يسير فيه العالم الآن” .

ويتفق تومير مع التقديرات التي تقول بأن إسرائيل هي بالفعل قوة عظمى سيبرانية وقال أن نائب رئيس المجلس الوطني الألماني للسايبر قد قال له قبل عدة أسابيع ” أن إسرائيل تعد إحدى الدول الرائدة في مجال السايبر الدفاعي إلا إنني لا أعتقد أننا في المجال الهجومي قد وصلنا إلي مكانة كل من الولايات المتحدة والصين وروسيا” وأضاف قائلاً ” لا أستطيع أن أصنف وجودنا في المركز الأول أو الثاني في هذا المجال ولكننا متفوقون في مجال الحلول الدفاعية كما توجد لدينا أفضلية أستطيع أن أطلق عليها “تأثير سنودن” وهو ما تم الكشف عنه بواسطة إدوارد سنودن حيث إستغلت وكالة الإستخبارات الأمريكية بروتوكولات شركات السايبر الأمريكية الكبرى في أغراض التنصت الأمر الذي أضر للغاية بجاذبية الأمريكيين كأناس ذوي مقدرة على توفير الحماية المناسبة في مجال السايبر بينما تتمتع أوربا وإسرائيل من الحماية الكافية في هذا المجال.

هذا وقد وافقت مصادر أمنية إسرائيلية فضلت عدم الكشف عن هويتها أن تتطرق لهذا الموضوع قائلة ” إن إسرائيل تتحرك بشكل أكثر تواضعاً في إتجاه السايبر الهجومي وبطبيعة الحال لا يمكن الحديث عن ذلك، ولكن ليس لدى إسرائيل ما تخجل منه فقد وصلت إلي إنجازات غير مسبوقة في هذا المجال ” .

ووفقاً لرؤية رئيس الأركان اللواء جادي أيزنكوت فإن حروب المستقبل مختلفة كلياً عما إعتدنا عليه، ففي أحد الأيام كانت هناك حاجة إلي الطيران كي نقوم بتدمير مطارات كل أسلحة الجو المجاورة وان نقوم بمهاجمة كل الطائرات (حرب الأيام الستة) وفور توليه منصب رئاسة الأركان في فبراير الماضي قام أيزنكوت بتشكيل طاقم خاص برئاسة رئيس شعبة الإستخبارات العسكرية الجنرال هرتسي هاليفي كي يقوم بفحص موضوع السايبر برمته ويقوم بتقديم توصياته بهذا الشأن، وبعد تقديم هذه التوصيات تقرر إقامة السايبر في الجيش الإسرائيلي .

وسيستغرق الأمر عامان كي يزال الغبار ونستطيع أن نرى قوالب البناء قد إستقرت في مكانها وبعد هذه الفترة سيتم من جديد تحديد المسئولية في هذا المجال حيث سيتم تفكيك وحدات كاملة ودمج أخرى، ويمكن أن يتم تفكيك الوحدة 8200 وفصلها عن إدارة السايبر أو تعريف دورها من جديد وليس من المستبعد أن يتم تفكيك وحدة التنصت وتغيير القوة البشرية بشكل دراماتيكي، ومما يذكر أن الوحدة 8200 تقوم حالياً بإدارة مدرسة في إسرائيل لتعليم السايبر تقوم فيها بإكتشاف الشباب الموهوبين في هذا المجال وتربيتهم وتنشئتهم في هذا المجال منذ الصغر.

وقد قال لي مصدر عسكري رفيع المستوى هذا الإسبوع ” إن إيران لديها باع طويل في هذا المجال فهم متطورين ورائدين في العديد من المجالات بما في ذلك الرياضيات ولا نستطيع أن نسمح لأنفسنا بعدم تخطيهم في هذا المجال، وإذا قام بالفعل الإتفاق المتبلور بتحييد قوتهم في الوصول إلي قدرة نووية خلال العقد القادم فأن السايبر سيظل مجالاً قابلاً للإختراق ويمكن أن يصبح تهديداً إستراتيجياً لذا يجب أن نكون في الملعب لأنه ببساطة ليس لدينا خيار آخر” .