صحيفة معاريف : أمنون لورد

التعيينات الجديدة في وزارة الخارجية تُنبئ بتغيير في الاستراتيجية الإسرائيلية، واستبدال أوراق العمل الروتينية في صراع مصيري. هذه هي، علي ما يبدو، “المذبحة” التي يتحدث عنها ليبرمان، الا أن الأمر كله لا يعدو كونه مجرد “زحزحة”

ان تعيين “فياما نيرنشتاين” سفيرة لإسرائيل في ايطاليا، يعرض للجمهور صورة مألوفة للغاية في أوربا وأمريكا، لكن بشكل مُميز- غير معروفة في اسرائيل. ذلك التعيين، الذي من المفترض أن يخرج الي حيز التنفيذ في الصيف القادم، هو جزء من الهدم الذي يقوم به رئيس الوزراء لوزارة الخارجية. يعد هذا أسلوب تفكير جديد سواء علي المستوي الاستراتيجي السياسي أو فيما يتعلق بأسلوب التعامل الدبلوماسي الإسرائيلي. داني دانون، ميخال أورن، رون درمر، داني ديان، فياما نيرنشتاين و”دوري جولد” مديراً لوزارة الخارجية- ان هذه، علي ما يبدو، هي “المذبحة” التي اتهم ليبرمان نتنياهو بها.

لا شك في أننا لا نتحدث هنا عن مذبحة، بل زحزحة، وهو ما يعد بديلاً لنظرية الاعتذار والتبرير التي تحاول استبدال التنازلات بأوراق مبتذلة متعلقة بالشرعية- ونقصد هنا: صراع مصيري. كل هؤلاء الأشخاص يتميزون بأنهم لا يتعاملون مع أوراق العمل الروتينية التي يتم تسريبها من السفارات المختلفة لوسائل الإعلام، قبل وقوع الكوارث السياسية والدبلوماسية التي لا مفر من حدوثها. كما يؤمن هؤلاء الأشخاص بضرورة الثبات في المعركة الدبلوماسية علي جميع الجبهات، عن طريق تلخيص التبريرات القانونية والتاريخية والسياسية التي تدعم اسرائيل.

بخلاف معظم سفراء اسرائيل في العالم، ان “فياما” شخصية مميزة فى ذاتها. فهي تمتلك حضوراً مستقلاً، ولم تصنع مسيرتها الدبلوماسية عن طريق تسلق درجات السلم البيروقراطي المهني الخاص بوزارة الخارجية. “فياما” حاصلة علي درجة الدكتوراه في التاريخ اليهودي، وهي صحفية بارزة محنكة للغاية. يبحث رئيس الوزراء منذ فترة طويلة للغاية عن منصب مناسب لها، لما تمتلكه من قدرات غير عادية. ورد اسمها مؤخراً كمرشحة للانضمام للكنيست عن حزب الليكود. كان هناك أيضاً حديث حول أنها ستكون سفيرة اسرائيل في الاتحاد الأوربي في بروكسل، أو حتي سفيرة في الأمم المتحدة.

ان “فياما” ينطبق عليها معني اسمها بالفعل: شعلة من الحماس. ان التفكير في العُرف الأحمر، الذى يرفرف في أروقة النفاق في مبني الأمم المتحدة والإدانة من منظور صهيوني مشحون للمعاناة التاريخية الأخلاقية، كان أمراً يبعث علي السعادة. هذا علي ما يبدو لن يحدث، ربما لأسباب عائلية. الا أن التعيين في ايطاليا تحديداً، التي تعد ساحة لعب “فياما”، يشير الي التفكير الاستراتيجي الذي يوليه نتنياهو للدولة المهمة في القطاع الجنوبي لأوربا، التي تقع علي سواحل البحر المتوسط، مثل اليونان.

صار الاتحاد الأوربي ضعيفاً في أعقاب الأزمة المتواصلة مع اليونان، ويبدو أنه يمكن التغلغل الي الاتحاد الأوربي عبر ايطاليا التي تمتلك سياسي مثل “رينزي”. ان تعيين أشخاص مثل نيرنشتاين، وجولد ودرمر، يجب أن يثير حيرة الخبراء من جيل الصابرا. اتضح أنه قد ظهر مع مرور الوقت نمط من الأشخاص المحترفين في المجال القانوني والدبلوماسي، يتسمون، قبل أي شئ، بالتواضع والروح المتسامحة.

ان السفيرة المستقبلية هي واحدة ضمن مجموعة من النساء اللاتى يتمتعن بالذكاء الخارق، وصوتهن يدوي في ساحة نضال الوعي الدولي. من ضمن النساء اللائي ينتمين الي نفس المجموعة أيضاً، “كارولين جليك”، الصحفية فى جيروزاليم بوست، والكاتبة الأمريكية المقيمة في باريس، “نيدرا بولار”، والصحافية “روتي بلوم”، ابنة “نورمان بودهورتس”. وماذا عن “ميلاني فيليبس”، هل ذكرناها؟ أولئك هن النساء الصهيونيات المتقاعدات. بسبب التعددية والانفتاح المعروف للإعلام الإسرائيلي، لا يحظى أولئك النساء بالشهرة في بلادنا. لكن المتابع لنشاطهن الصحفي البارز والغزير، سيُدرك أن كل واحدة منهن هي بمثابة منظومة سترات واقية يستخدمها لواء مدرعات.

تربت “فياما” في منزل ايطالي يساري للغاية، لكنه ذو جذور يهودية. هي نفسها كانت شيوعية في شبابها. بدأ نشاطها الصهيوني عندما زارت اسرائيل أثناء حرب الأيام الستة عام 1967. انها تاريخ صهيوني يسير علي قدمين. أبيها، هو “أهارون نير”، كان عضو في حركة “هشومير هتساعير”، وهاجر الي اسرائيل في الثلاثينيات.
أثناء الحرب العالمية الثانيةـ تطوع “أهارون” للقتال في الفيلق اليهودي الذي يحارب ضمن صفوف الجيش البريطاني، وعندما استقر الفيلق في نهاية المعركة في ايطاليا، التقي هناك فتاة يهودية ايطالية لا يمكن مقاومتها، واستقر بعدها في فلورنسا. عندما كانت “فياما” لا تزال صغيرة، عاد الأب الي بولندا لإجراء أبحاث علي “المحرقة النازية”. كان هذا في ذروة الفترة الستالينية، وعندما انكشف هدف زيارته، مُنع “أهارون” من العودة مرة ثانية الي ايطاليا. بقي الأب في بولندا عاملاً بالسُخرة، ثم عاد الي ايطاليا بعد بضع سنوات، بعد وفاة ستالين. ولسنوات عديدة، كان مراسلاً لجريدة “عَل همشمار” في ايطاليا.

ان “نيرنشتاين” مقرّبة للغاية من دوائر المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك من رئيس الوزراء الإيطالي السابق بيرلسكوني. اعتادت “فياما”، في صالون منزلها في حي “جيلا” في القدس، علي اعداد وجبات عشاء ايطالية، كان يحضرها دائماً خيرة العقول في شئون الشرق الأوسط مثل برنارد لويس وأوري لوبراني، سفراء سابقين وباحثين ينتمون الي معاهد بحثية محافظة. بطريقة ما، كان من الممكن استيعاب جميع الأخبار السيئة أثناء شرب نبيذ الكيانتي الإيطالي.