الثمن الاقتصادي الذي تدفعه إسرائيل على موجة الإرهاب الحالية يمكن أن نلمسها في هذه الأيام، في المراكز التجارية التي أصبحت شاغرة بسبب مخاوف المواطنين ومزاجهم العام السيء. وقريباً، كما يحدث عقب أي انفجار للعنف، ستأتي أيضاً الإحصائيات لتحصد كل تلك المشاهد في بيانات. يقول “شراجا باروش”، رئيس اتحاد الصناعيين في حديث صحفي للمونيتور: “أضيفوا إلى ذلك حقيقة أنه على كل حال هم يقاطعوننا في دول معينة على خلفية سياسية-أيديولوجية، لذلك فالتأثير السلبي على الاقتصاد قد يصبح كبيراً جداً”. كما يدعو “باروش” الحكومة إلى إشراك رجال الأعمال في جهاز الإعلام الرسمي في الخارج، مثلما تم بنجاح، على حد زعمه، في الانتفاضة الأولى والثانية.

“باروش” هو أيضاً صاحب مصنع أقمشة صناعية في المنطقة الصناعية “باركان” في الضفة الغربية، الذي يعمل فيه عشرات الفلسطينيين. وفي تلك الأثناء الأمور تسير بشكلها الطبيعي في المصنع. هكذا عندما يكون هناك حوافز اقتصادية وإعالة أسر – يتم تنحية السياسية جانباً.

المونيتور: هل يمكن أن نقدّر تأثير موجة الإرهاب على الاقتصاد؟

باروش: بكل تأكيد، هذا موجود على كافة النواحى: في تصديرنا إلى الضفة والسلطة [الفلسطينية]، وفي السياحة التي تضررت، وفي استهلاكنا المحلي الذي انخفض، لأن الأشخاص يتجولون بصورة أقل في الأماكن المزدحمة. يجب أن نضيف إلى ذلك حقيقة أن محرك التصدير خاصتنا قد انخفض، بشكل ينذر بأن الوضع من شأنه أن يسوء أكثر. عندما نرى عمليات الطعن والإضطرابات، هذا أمر فظيع، لكن تأثيراتها على المدى البعيد من الممكن أن يكون أكثر عمقاً. إلى ذلك يجب أن نضيف حقيقة أنه على كل حال هم يقاطعوننا في دول معينة على خلفية سياسية-أيديولوجية، لذالك فالتأثير السلبي على الاقتصاد قد يصبح كبيراً جداً.

المونيتور: هل لديكم بيانات بخصوص تأثير حركة BDS على الاقتصاد الإسرائيلي؟

باروش: نحن لا نعلم إلى أي مدى وصل تأثير حركة BDS. والسبب في ذلك يرجع إلى أن المقاطعة تنقسم إلى شقين: BDS رسمية، مثلا محل تجاري في السويد يقاطعنا. وهذا الأمر يمكن أن نعالجه عن طريق السفارة أو عن طريق المكاتب الإقتصادية، لأن المقاطعة في هذه الحالة ليست شرعية. مشكلتنا الكبرى هي المقاطعات التي لا نعلم بأمرها، مثلاً يأتي شخص ما في مجلس الإدارة ويقول: “لدينا مشكلة مع إسرائيل”، وحينها يقررون بأنهم لن يشتروا منا دون ذكر السبب أو إعلان ذلك. في هذه الحالة، لسنا بصدد محل تجاري كبير هو الذي استبعد انتاج شخص ما. إنهم ببساطة اتخذوا قراراً بعدم الشراء من أي مزود إسرائيلى ليس إلا.

لحسن الحظ، تصديرنا يعتمد على التكنولوجيا والحداثة، وعلينا أن ندفع في تلك الاتجاهات، لأن المتجر الذي لا يشتري منا، في الحقيقة هو الخاسر. إنهم يشترون منا ليس لأنهم يحبوننا، بل لأنهم يعتقدون أن منتجاتنا أفضل، وأعلى جودة وتقدماً وتطوراً. إن أغلب ما نبيعه ليس هو آخر منتج لدينا على الرف – إنها التكنولوجيا بصفة عامة. فعلى سبيل المثال، في صناعة السيارات نحن نبيع بأكثر من مليار دولار في التصدير، وهو في النهاية حاسوب صغير داخل محرك السيارة. لذا يتحتم علينا أن نصل إلى وضع يستحيل فيه الاستغناء عن منتجاتنا.

علينا أن نستمر في الاستثمار بكل قوة في الحداثة، وبالتوازي مع ذلك أن نروّج في الإعلام. ففي النهاية، يمكن أن نغيّر تحديداً بواسطة الإعلام الاقتصادي الذي سيقوم به رجال أعمال يلتقون زملاهم في الخارج. ما شأننا بالسياسة؟ نحن ننتج منتج جيد، نحن لسنا ضد السلام ولسنا ضد الفلسطينيين، ونريد أن نعيش في سلام. إن تلك اللقاءات الشخصية ممتازة. لقد أجرينا لقاءات مماثلة إبان الانتفاضة الأولى. أرسلنا وفود من ثلاثة أو أربعة رجال أعمال إلى العواصم في العالم. وقد مكثوا هناك يومان أو ثلاثة، وقابلوا رؤساء تحرير الصحف، وأجروا أحاديث صحفية، ونقلوا رسالة عملية والتقوا بوزراء الاقتصاد.

المونيتور: السؤال هو هل مثل هذه النشاطات الإعلامية تحل محلّ السياسات؟.

باروش: كلا. مستحيل بأي شكل من الأشكال. إنني أتحدث عن قدرتنا على التأثير. إنني لا أعلم دائماً من يقاطعني لكنني أعرف أن عليّ أن أكون متواجداً في جبهة الإعلام. والأكثر من ذلك، نحن طوال الوقت نسافر إلى الخارج – إذن فليستخدمونا. ليس من العيب أن نقوم بما فعلناه من قبل في الماضي مجدداً وأحرز نجاحاً. ذات مرة كان هناك سفراء تجاريين على هذه الشاكلة: كل واحد منا، قبل أن يسافر إلى الخارج، كان يهاتف سفيراً في الدولة نفسها ويسأله إن كان في حاجة إلى مساعدة، وإن كان يُمكن ترتيب حديث صحفي أو لقاء معه.

يقولون إن للفلسطينيين إعلام جيد في العالم، لقد بُني بالتدريج، وببطء شديد. نحن علينا أن نقوم بما لا يكلفنا المال: علينا أن نعلّم إسرائيل في العالم بعلامة التفوق التكنولوجي، حتى لا يربطونا فقط بالانتفاضة والقتل.

المونيتور: إلى أي مدى تترابط الاقتصاديات الإسرائيلية والفلسطينية؟

باروش: اقتصاد الفلسطينيين يرتكز علينا. إنهم ينتجون هناك الكثير، ويشترون منا الكثير جداً، أغذية ومنتجات استهلاكية أخرى بحجم يصل إلى قرابة الأربعة مليارات دولار في العام. في الحقيقة لديهم أيضاً صناعة، لكنها ليست بنفس مستوانا. كذلك أماكن العمل – يعمل هنا عشرات الآلاف من الفلسطينيين، ونحن أيضاً نريد أن يعملوا هنا. لأنه كلما عملوا هنا أكثر، سيكون لديهم ما يخسرونه، وتقبل رغبتهم فى العنف أو الحروب. إنني بالطبع لا أريد أن أكون الشخص الذي يضيق عليهم الخناق، لكن المصلحة مشتركة. إن ارتزقوا هنا، فسيتعلمون أن يعرفوا بعضهما البعض. ليس جميعهم هناك قتلة، مثلما لسنا جميعاً قتلة. هناك أقلية في هذا الجانب، وأقلية في جانبنا، إذن لنلتقى الأغلبية وليس الأقلية. والأغلبية تلتقيها في أماكن العمل.

المونيتور: أنت بنفسك تشغل فلسطينيون في المصنع بالضفة. هل بعد اندلاع موجة الإرهاب تضرر العمل؟

باروش: لدينا عشرات العمال الفلسطينيين. نستمتع معاً. نقدّر بعضنا البعض. يربح الفلسطينيون لديّ مثل الإسرائيليين. ولديّ مدير عمل من السلطة الفلسطينية يتقاضى أكثر من 18 ألف شيكل. إنهم جزء من العائلة. يعملون لديّ منذ سنوات. وليس من اليوم. لا يمكنني أن أقول إن الأجواء الآن جيدة، لأنه لا أحد يعلم ما تخفي الأيام. من واقع خبرتي، يمكنني أن أقول إنه ليس لدينا أي عنف، كل شيء يسير على مايرام، وهم يأتون إلى العمل بصورة عادية. لقد جئت من بيت يميني، أنا لست يسارياً، وأقول أن الأغلب هناك، بالضبط كما لدينا، يرغبون في الحياة، يريدون العيش. إذا لا قدر الله توقف كل هذا – سيزيد العنف.

المونيتور: إلى أي مدى ينتج الوضع الاقتصادي عن السياسة التي تحددها قيادتنا؟

باروش: لا أريد أن اتهم حكومتنا أو حكومتهم، لكن من الواضح جداً ان وضع الحياة العادية كان سيرتقي بنا للغاية. إن الشركات تقاطعنا وكأننا لسنا على علاقة جيدة مع الفلسطينيين. على سبيل المثال، أخرجوا من “باركان” مصنع أقفال لشركة سويدية، حيث قرر مجلس الإدارة عدم الإبقاء على مصنع هناك. سافرت إلى السويديين وسألتهم: “من تعاقبون؟ سينتقل المصنع داخل مناطق الخط الأخضر وسيواصل انتاج الأقفال، لكن هناك 400 فلسطيني سيفقدون عملهم. ما الذي فعلتموه؟ من تضرر؟” لذلك هناك ازدواجية كبيرة في تلك المقاطعات. لقد سافرت بحسن نية إلى السويد، ولكن لم يكن هذا منطقي، أن كل ما أرادوه فقط هو أن يُظهروا أنهم يخرجون مصنع من الأراضي المحتلة. لا شك أن الدولة عليها أن تسعى لخلق تطبيع في العلاقات. من الواضح أن السلام درب من المثالية، لكني لم أتجرأ لأن أقول هذه الكلمة.

المونيتور: هل لديكم علاقة مع رجال أعمال فلسطينيين؟

باروش: أجل، لدينا طوال الوقت. وهم يسعون [للتطبيع] مثلنا. أنا، على سبيل المثال، منذ أكثر من 15 سنة على علاقة بهم، وجميعهم يريدون الشيء نفسه، ولكن في النهاية السياسة تنتصر لأن عندنا يمكنني أن أقول ما أريده، حتى وإن لم يكن يلقى قبولاً لدى رئيس الحكومة، وهناك لا يتحدثون هكذا. ربما يجلس معنا شخص من السلطة الفلسطينية في الغرفة ويتفق معنا في الرأي على ما نقوله، لكن لا أنا ولا هو نبرم اتفاقية سلام. وما زلنا، طوال الوقت نعتقد أن العلاقات الاقتصادية مع نظرائنا بمقدورها أن تخلق أجواء أفضل، ولا ننيأس.

 

المونيتور- مازال موعلام