أوضح رئيس الحكومة الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” خلال زيارته لواشنطن قائلاً: “إن اتخاذ إجراء أحادى الجانب تجاه الفلسطينيين هو بكل تأكيد إجراء ممكن لكن شريطة أن يراعي احتياجات إسرائيل الأمنية وأن يشتمل على موافقات دولية ذات دعم واسع”. ولاحقاً تراجع عن هذا التصريح ونشر توضيحات. سواء هذا أو ذلك، فمن المهم أن نبحث مسألة إن كان يمكن ضمان الأمن أيضاً في إطار انفصال مستقل مُبادر من قبل إسرائيل.

إن الإنفصال عن الفلسطينيين في الضفة الغربية، هو إجراء ليس فى إطار اتفاق دائم وخطة بديلة للوضع الذي سيتضح تماماً فيه أنه لا يمكن التوصل عما قريب إلى اتفاق تام مع الفلسطينيين على أساس مبدأ دولتين لشعبين. الغرض من انفصال كهذا، هو ترسيخ حدود مؤقتة تخلق واقع لدولتين قوميتين، من دون نسف خيار استئناف المفاوضات، ومن خلال تحسين واقع حياة الفلسطينيين حتى تحقيق تسوية. إن الإنفصال المستقل، كذلك أيضا التسوية النسبية أو الإتفاق المؤقت، سيشمل على ما يبدو إجلاء مدني لقرابة الـ 100 ألف شخص من المستوطنات خارج الجدار الأمني وفي جَڤ هاهار من بين حوالي 380 ألف إسرائيلي خلف الخط الأخضر، وستبقى الكتل الاستيطانية على حالها والتي يستوطن فيها الأغلبية الساحقة من المستوطنين. نقطة البداية في النقاش هي مواطني إسرائيل والأمن القومي عامة، حتى يكون الإجراء ممكناً.

إزاء المسافة القصيرة بين الضفة الغربية ومراكز تجمع السكان وبين الجبهة الداخلية الاستراتيجية، من السهل مهاجمة إسرائيل بإطلاق النيران وتنفيذ عمليات هجومية أخرى يأتي مصدرها من تلك المناطق. وعلى ذلك يجب أن يبقى الجيش الإسرائيلى هو المسئول عن الأمن فيها طالما ليست هناك تسويات أمنية متفق عليها مع الفلسطينيين. على خلاف غزة، نموذج حفظ الأمن في الضفة الغربية يجب أن يُقام في الأساس على إحباط مسبق للإرهاب وعلى مكافحة الإرهاب على النحو المطلوب والاعتماد بشكل أقل على الردع. يجب أن يشمل هذا الحيلولة دون بناء بنية تحتية إرهابية بما في ذلك تطوير قدرة إنتاج أو تهريب السلاح، والتسليح، ومواد ذات أهداف مزدوجة ومعونات ومرشدين من الخارج. لهذا السبب على الجيش الإسرائيلي أن يواصل عزل غلاف الضفة الغربية للحفاظ على السيطرة الإسرائيلية الأمنية على وادي الأردن، وعلى معابر الأردن، وعلى المعابر من الضفة الغربية إلى إسرائيل، وكذلك المجال الجوي لتلك المناطق. في هذا المخطط يتم حفظ القدرة المخابراتية لإحباط الإرهاب وكذلك حرية المرور والحركة اللازمة للجيش والشاباك في تلك الأماكن. وبالتوازي مع ذلك، سيكون الجيش الإسرائيلي متأهباً لإحباط الإرهاب والعنف ومحاربتهما على النحو المطلوب. وإذا حدث سيناريو صعب من محاولة حماس للسيطرة بالقوة على أراضي الضفة الغربية، فستتمكن إسرائيل من منع سيطرة من هذا النوع، ويجب أن توضح مسبقاً للجميع أن هذه نيتها.

على خلاف الحاجة لإحباط الإرهاب من الضفة الغربية، هناك مكانة هامة للإعتبارات الأمنية الاستراتيجية لإسرائيل إزاء الفوضى السياسية المتفشية في الشرق الأوسط والتحديات الأمنية التي قد تتطور في المستقبل من ناحية شرق الأردن. يستلزم الأمن الاستراتيجي استمرار سيطرة الجيش الإسرائيلي على وادي الأردن والحفاظ على المرونة العملياتية اللازمة. وذلك طالما أنه لم تُنجز تسويات أمنية ملائمة مع الفلسطينيين و/أو تسويات أمنية إقليمية مناسبة، وطالما لم يطرأ تغيير جذري ومحوري فى مستوى الإستقرار في منطقتنا.

إن الإجراءات غير العسكرية هي جزء لا يتجزأ من المخطط الأمني الضروري. إنها إجراءات مطلوبة، من أجل مساندة السلطة الفلسطينية في تأسيس إدارة حكم مستقرة وسيطرة فعّالة، وإضعاف جذر الإرهاب والتهديد الأمني في أرضها ومساعدتها في الدفع بمفاوضات حول اتفاق دائم. الإجراءات الرئيسية، هي تقليص تدخل الجيش الإسرائيلي والإدارة المدنية في نسيج الحياة المدنية الخاصة بالفلسطينيين، ونقل معظم الصلاحيات المدنية التي لاتزال في أيدي إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية بالتنسيق معها، ومنع حدوث أزمة اقتصادية في الضفة الغربية عن طريق توفير حركة مرور وحرية عمل اقتصادي على أقصى درجة للفلسطينيين، وتشجيع مبادرات اقتصادية بالتعاون بين الفلسطينيين وعناصر أجنبية، وكذلك طرح شراكة ومساعدة إسرائيل في بناء بنى تحتية اقتصادية لدولة فلسطينية.

بالإضافة إلى ذلك، حتى يتم تعزيز شرعية السلطة الفلسطينية في نظر جمهورها سيكون على الجيش الإسرائيلي أن يجعل الطريقة التي يضمن بها التدابير الأمنية في الضفة الغربية أكثر مرونة بشكل تدريجي ومُراقب، طالما أن التنسيق الأمني الفعّال مستمر مع السلطة الفلسطينية وليس هناك تفجّر لموجة إرهابية من تلك المناطق. في هذا الإطار ستكون هناك حاجة للانتقال تدريجياً وبحذر إلى خفض درجة تأهب الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية وخاصة في الساحة الفلسطينية الآهلة بالسكان. وبموجب خطة عملياتية سيعالجها الجيش الإسرائيلي، سيتم تكثيف بقدر المستطاع انتشار قواعد عسكرية قرب محاور مرورية رئيسية ولمناطق الغلاف، وسينتقل بشكل منضبط إلى الرقابة والتحكم عن بعد. تلك الخطوات يجب أن تُتخذ مع مراعاة ضم الاعتبارات المتعلقة بإجراء الانفصال، مثل مراحل تنفيذ الإجلاء المدني وحالة التدابير الأمنية، ومن خلال الحفاظ على القدرة العملياتية للعودة والتحرك في عمق المنطقة إذا لزم الأمر. في حالة -رغماً عن إرادتها- أوقفت السلطة الفلسطينية التعاون الأمني مع إسرائيل رداً على إجراء الانفصال، فسيصعّب الأمر تطبيق الإجراء وسيستدعي تشديد المخطط الأمني. كلما تقدم المخطط الأمني بشكل ناجح، فسيكون من الممكن إدراج خطوات أخرى فيه، مثل: نقل المسئولية الأمنية إلى السلطة الفلسطينية في المناطق (ب) و(ج) التي لم يتبقى فيها مستوطنات إسرائيلية، وإعادة دور مدني بقدر ما في معابر الأردن إلى الفلسطينيين، وضم مراقبين أجانب في التفتيشات الأمنية في المعابر، وكل ذلك من خلال الإبقاء على الصلاحية الأمنية العليا على المعابر في أيدي إسرائيل.

التحدى الأمنى الداخلى هو مواجهة الإنشقاق الكبير فى المجتمع الإسرائيلى فى مسألة توزيع الأرص ومستقبل الضفة الغربية. هناك خوف يستند إلى أنشطة عنيفة من قبل إسرائيليين ضد مبادرة الإنفصال أو ضد إخلاء منطقة ومستوطنات، خاصة حينما يكون الحديث عن خطوة ليست فى إطار اتفاق دائم. مثل هذه الأنشطة متوقعة من اللحظة التى يطرح فيها الإنفصال أو أى تسوية جزئية للنقاش الجماهيرى أو الحكومى، ومن المتوقع أن تستمر حتى بدء الإخلاء، وفى أثناء الإخلاء بل وبعده. الأنشطة العنيفة من المحتمل أن تكون ضد اليهود أو العرب، وأن تتم فى القدس وفى مناطق الخط الأخضر أو فى الضفة الغربية، وأن تكون موجهة ضد شخصيات أو ضد الجمهور أو ضد أفراد أو ضد الجيش الإسرائيلى. إن إيجاد حل مناسب لهذا الخطر يستلزم الجاهزية والإستعداد لذلك مسبقا فى عمل مؤسسى يشمل العناصر الأمنية المعنية بهذا الشأن.

فى المسودة الأمنية التى تم وصفها عاليه هناك إمكانية من الناحية الأمنية للإنفصال المستقل عن الفلسطينيين فى مناطق الضفة الغربية وبها أيضا حل مناسب ومعقول لمشكلة الأمن. إن هذا الأمر مناسب أيضا لسيناريوهات تسويات جزئية أو تسويات مؤقتة أخرى لاتصل إلى مستوى التسوية الدائمة. بالإضافة إلى أنه سيكون من المطلوب جدا أن يلازم هذه المسودة جهدا لتحقيق الهدوء بعيد المدى فى غزة عن طريق خطوات للوصول إلى وقف إطلاق نار طويل المدى وإعمار تتم مراقبته، للقطاع؛ هذان الهدفان مطلوبان لإسرائيل من الناحية السياسية والأمنية. نؤكد على أن هذه المسودة الأمنية لاتتطرق إلى تسوية أمنية عامة وشاملة سيتم طلبها فى التسوية الدائمة، والتى تستلزم فى جوهرها تسويات مختلفة فى الهدف.

فى هذه الفكرة نجد أن الإنفصال عن الضفة الغربية يختلف جوهريا عن فك الإرتباط عن إقليم غزة. على الصعيد المدنى يكون الإخلاء جزئيا فقط وتظل الكتل السكانية الأساسية والتى تضم غالبية المستوطنين فى أماكنها. وعلى الصعيد السياسى تواصل السلطة الفلسطينية كونها شريك ومن المفترض أن تستمر المفاوضات معها حول تسوية متفق عليها، إذا كانت السلطة مهتمة بذلك، لكن ليس مع حماس.

وعلى الصعيد الأمنى يظل الجيش الإسرائيلى فى الضفة ويواصل تحمل مسئولية الأمن، على الرغم من الثمن السياسى الذى يرتبط بذلك فى الساحة الدولية، وخاصة الإمتناع المتوقع من عناصر كثيرة الإعتراف بأن إسرائيل بالفعل قد انفصلت عن الضفة الغربية وأن الإحتلال قد توقف.

معهد دراسات الأمن القومي

جلعاد سار، أڤنير هاليڤي