من بين الجمود السياسي المستشري اليوم، تعلو وتتردد من اتجاهات مختلفة في السياسية الإسرائيلية والفلسطينية دعاوي مؤيدة لإجراء أحادى الجانب لتحريك الوضع الراهن.

في اليمين المتطرف الإسرائيلي، بقيادة وزير التعليم “نفتالي بينيت” من البيت اليهودي”، يدعون إسرائيل إلى ضمّ أراضي المنطقة (ج) من الضفة الغربية (التي تشمل 60% من إجمالي أراضي الضفة، الخاضعة لسيطرة مدنية أمنية من قبل إسرائيل)، ومنح الفلسطينيين استقلال مدني في باقي الضفة. ومن جهة أخرى، من جانب اليسار تتردد الكثير والكثير من الدعاوي لانسحاب من أحادى الجانب من أغلب أراضي الضفة الغربية، من أجل الوصول لتطبيق حل الدولتين. بل إن رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” قد تحدث في زيارته الأخيرة لواشنطن (9 نوفمبر) عن إجراء أحادى الجانب)، لكن بعدما هاجمه اليمين المناصر له أوضح أنه لم يقصد الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة.

في فلسطين، في مقابل ذلك، يتردد داخل القيادة الفلسطينية نفسها مطلب التحرك لتأسيس دولة مستقلة، عن طريق دمج العنف مع توجه أحادي الجانب إلى الأمم المتحدة للاعتراف بدولة فلسطينية.

تحدث مسئول رفيع المستوى في الإدارة النرويجية، وهو أحد المسئولين المشاركين في حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني منذ عملية أوسلو، مع موقع المونيتور، وفضّل عدم ذكر اسمه، تحدث عن أرجحية اتخاذ خطوة إسرائيلية من جانب واحد من أجل الدفع بحل الدولتين. وبحسب المصدر النرويجي ذاته، فإن النتاج السياسي الحالي لن يستطيع أن يثمر عن اتخاذ القرارات المتبادلة الضرورية لأجل حل الدولتين. في إسرائيل، الحكومة متعلقة بشكل كبير بجمهور الناخبين اليميني والمستوطنين؛ في فلسطين، هناك ضعف سياسي متأصل في نظام “أبو مازن”، مع مراعاة أن قيادة الرئيس المعتدلة لم تثمر للفلسطينيين عن أي إنجاز سياسي كبير.

ومع مراعاة الجمود الديبلوماسي المتواصل، وعام الانتخابات المتقارب في الولايات المتحدة، وكذلك الوضع السياسي السائد في إسرائيل وفي فلسطين على حد سواء، فإن الطرف الوحيد الذي يجد فيه المسئول النرويجي نقطة مضيئة وأمل ما للتقدم هي المؤسسات الأمنية الإسرائيلية، والفلسطينية والمصرية والأردنية: “للمفارقة، الجنرالات ورؤساء الخدمات الاستخباراتية هم الذين يدركون اليوم الحاجة إلى حل سياسي لإنهاء الصراع وضرورة التعاون من أجل مكافحة الإرهاب. إن البرجماتية الحقيقية واليقظة يمكن أن نجدها في النخبة الأمنية لتلك الدول”.

يُذكر أن الدبلوماسي النرويجي قد أجرى في الماضي محادثات مع رجال أمن كبار في كل من الدول الأربع. والنتيجة التي توصل إليها من تلك المحادثات هي أنه بين القيادات الأمنية العليا يمكن الوصول، على الأقل في تلك الأثناء، على الأكثر إلى تنسيق أمني من شأنه أن يؤدي إلى تهدئة الوضع على الأرض. وعلى المدى البعيد، بالتوازي مع ذلك، أحد الأفكار التي ينظر فيها استراتيجيو وزارة الخارجية النرويجية هي الدفع باتفاقية مؤقتة بين إسرائيل والفلسطينيين، بالشكل الذي يشمل انسحاب من طرف واحد تنفذه إسرائيل فى أغلب أراضي الضفة الغربية، من خلال تعزيز التنسيق الأمني بين الأطراف.

هذه ربما الطريقة الوحيدة للتقدم، مع أخذ الفوضى المتزايدة في المنطقة فى الإعتبار. إن المؤسسات الأمنية هي ربما الوحيدة القادرة على إعادة تحريك العملية، مع مراعاة طابع القيادات السياسية المتشدد.

لكن لا يمكن أن نتوصل إلى نتائج من الأخطاء التي نُفذت في الانسحاب من طرف واحد الذي قامت به إسرائيل من قطاع غزة في عام 2005. حقيقة أن الإجراء، المستحق للإشادة بحد ذاته، لا يوافق مع السلطة الفلسطينية في رام الله أدت إلى فوضى وتشكيل موطئ حماس في القطاع.

إن كان سيحدث انسحاب من اتجاه واحد في الضفة الغربية، فيجب أن تُتخذ عدة خطوات من أجل تحويل العملية إلى جسر يؤدي إلى السلام وحل الدولتين:

أولاً، على إسرائيل أن تخطط لانسحاب عسكري من 80% تقريباً من أراضي الضفة الغربية، وأن تظل مسئولة – بالضبط مثل اليوم – عن المناطق التي تقع غرب الجدار الفاصل، وعن الـ 5% من الضفة الغربية الملاصقة لنهر الأردن، وكذلك حول الكتل الاستيطانية.

ثانياً، يجب أن نمرر المسئولية الأمنية الخاصة بالمناطق التي ستنسحب منها إسرائيل إلى قوات الأمن الفلسطينية – بالتدريج وبالتنسيق مع أجهزة الأمن الأردنية والمصرية. هذه الخطوة يجب أن تؤدي بالضرورة أيضاً إلى تعزيز التنسيق لأجل مكافحة الإرهاب بين إسرائيل وفلسطين وأيضاً تعزيز التنسيق الأمني بين إسرائيل وفلسطين ومصر والأردن – سواء في الضفة الغربية أو في قطاع غزة.

لن تُخلى المستوطنات الإسرائيلية في هذه المرحلة، لكن استمرار البناء وتوسيع المستوطنات من شرق الضفة الغربية سيُجمّد تماماً.

في نهاية انسحاب إسرائيل أحادي الجانب وتمرير المسئولية الأمنية إلى السلطة الفلسطينية، تعلن القيادة الفلسطينية عن إقامة دولة فلسطين على أساس حدود 1967، وتحظى باعتراف في الأمم المتحدة، وكذلك أيضاً من جانب إسرائيل.

والخطوة الحيوية الأخرى ستكون ببدء المفاوضات لبلورة تسوية دائمة بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين، التي ستبدأ في نهاية المرحلة الأولى وستستغرق ثلاث سنوات على الأكثر، بما في ذلك التطبيق على الأرض (مثلما تقرر في حينه في اتفاقيات أوسلو). وفي مقابل ذلك، سيعرض المجتمع الدولي – عن طريق الدول المانحة – حزمة معونات اقتصادية لدولة فلسطين الجديدة، وهذا سيشمل تطوير مؤسسات دولة مسئولة وفعّالة.

وفي النهاية، ستوفر الولايات المتحدة لإسرائيل الآليات الأمنية المطلوبة لها من أجل الدفاع عن نفسها من خطر الإرهاب، وخاصة الوسائل الاستخباراتية المتطورة للغاية.

الميزة الرئيسية للسيناريو التدريجى من هذا النوع هي فرصة التخلص من الجمود الحالي، على الرغم من العجز الذي تظهره القيادة الفلسطينية في الوضع الحالي، لاسيما وأن سيناريو مماثل سيؤدي إلى إدارة مفاوضات حول تسوية دائمة بين طرفين متماثلين (دولتين).

عندما طُرحت أمامه تفاصيل الاقتراح المذكور آنفاً، قال المسئول النرويجي للمونيتور إنه يشبه بشدة التفسير النرويجى بشأن الدفعة الثالثة في الضفة الغربية، مثلما تقرر في اتفاقيات أوسلو؛ هذه الدفعة التي كان من المفتروض أن تتم قبل تطبيق التسوية الدائمة.

 

أوري ساڤير-المونيتور