” نحن (إسرائيل) نعمل من وقت لآخر فى سوريا، لمنع تحولها إلى جبهة ضدنا.. ولمنع نقل السلاح الفتاك بشكل خاص من سوريا للبنان”.هكذا قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو فى فاعلية علنية فى إسرائيل يوم الثلاثاء 1 ديسمبر. هذه هى المرة الأولى التى يعترف فيها مسئول إسرائيلى علناً، وحتى رئيس الوزراء بأنشطة عسكرية إسرائيلية فى الأراضى السورية.

قبل ذلك التاريخ بيومين 29-12 قال وزير الدفاع موشيه يعلون فى لقاء لإذاعة “كول يسرائيل”، أنه قد كان هناك توغل مؤخراً لطائرة حربية روسية إلى المجال الجوى الإسرائيلى “عن طريق الخطأ. وعلى حد قول يعالون فإن ” الطائرة دخلت حوالى ميل واحد فى أراضينا، وقمنا بالإتصال الفورى بها وعادت فوراً إلى الأراضى السورية”.

رئيس الهيئة السياسية والأمنية ليعالون اللواء احتياط عاموس جلعاد، فى فاعلية “شباتربوت” “ثقافة السبت” يوم السبت، قال أن مثل عمليات التوغل البسيطة هذه من جانب الروس إلى المجال الجوى الإسرائيلى وقعت عدت مرات مؤخراً وأن الطيارين الروس يتلقون فوراً تعليمات عن طريق الإتصال ويخرجون صفر اليدين، دون أى حادث.

فى حين أن الجبهة بين روسيا وتركيا تتوتر، ويتبادل بوتين وأردوغان السخرية والتهديدات، تقع أشياء مثيرة على الجبهة الحساسة والمثيرة بقدر ليس بالقليل، تلك التى بين المجال الجوى السورى واللبنانى وإسرائيل. وكأن الأمر تنقصه عوامل هياج وعرقلة، انضم الجيش الروسى هناك مؤخراً بقوة كبيرة، بما فيها القوة الجوية الضخمة والقوة البحرية الكبيرة. وحالياً انضمت منظومة دفاع جوى من طراز اس 400، التى تغطى غالبية المنطقة وتجعل اى طيارة إسرائيلية ترتفع فى المكان مكشوفة أمام الإعتراص عن طريق الطواقم الروسية.

بالرغم من كل هذه الأمور يتواجد الإسرائيليون والروس فى حالة وفاق، وتفاهم على الواقع المحيط وهناك أيضاً تنسيق بينهما فى وقت الحاجة ويتبادلون الإحترام. إسرائيل بالأساس حيث أنه ليس أمامها خيار، وروسيا لأنه ليست لديها حاجة فى فتح جبهة جديدة إضافة إلى تلك الجبهة التى فتحتها فى المنطقة.

التقى كلاً من الرئيس الروسى بوتين ونتنياهو على هامش قمة المناخ فى باريس، وقال موظفون اطلعوا على مضمون اللقاء أنه كان ” مفيداً وودياً”. فى يوم السبت سألت عضو الكنيست افيجادور ليبرمان عن هذا الوضع المعقد، ليبرمان هو وزير الخارجية السابق والآن هو المعارض الشديد لنتنياهو، خبير فى الشأن الروسى (فقد هاجر إلى إسرائيل فى نهاية السبعينيات من الإتحاد السوفييتى)، قال ” لدينا تنسيق كامل فى وقت الحاجة مع القوات الروسية وسلاح الجو الروسى، هناك خط مفتوح على مدى 24 ساعة يومياً سبعة أيام أسبوعياً، وإننى أتمنى أن لانصل إلى الوضع الذى وصل إليه الأتراك مع الروس، ولا أرى سبباً فى أن يحدث ذلك، كل الدلائل التى تصلنا من الروس تدل على التقارب والتعاون، وقد غلظ بوتين هذا الأسبوع العقوبة على المعاداة للسامية فى روسيا، ويريدون زيادة استيراد الخضروات الإسرائيلية، ويوضحون لنا أنه ليس للروس مشكلة معنا، فهى تهتم بمصالح أخرى”.

المشكلة هى أنه أحياناً هذه المصالح الأخرى يمكن أن تكون متعارضة مع المصلحة الإسرائيلية.

المنظومة الأمنية تنظر إلى التدخل الروسى على الحدود الشمالية الإسرائيلية بتقدير لكن بقلق أيضاً، اعتراف نتنياهو العلنى بشأن الهجوم الإسرائيلى فى سوريا لم يأتى من قبيل الصدفة، فى الحقيقة، نتنياهو لديه الكثير من زلات اللسان المشينة فى المسائل الأمنية لكن هذه المرة كان الأمر مخطط مسبقاً، إسرائيل مهتمة بأن يكون التعاون الأمنى مع الروس أيضاً على الأرض وليس فى الجو فقط.

فى المحادثات المختلفة بين الجانبين، بما فى ذلك المحادثة بين بوتين ونتنياهو، أوضحت إسرائيل أن نقل السلاح الذى “يكسر التوازن” من الشرق إلى الغرب من جانبهم، أى من إيران إلى حزب الله، هو ضرورة للحرب، وفى كل مرة ترى إسرائيل نقل هذا السلاح تقوم بمهاجمته، وذلك وفقاً لمصادر أجنبية.

وبشكل عام على الجانب السورى الذى تقترب قدرته على الدفاع من الصفر، دخل الدب الروسى فجأة إلى هذه المعادلة، وهو يعرف جيداً كيف يدافع وكيف يهاجم. المسألة الأهم فى هذا هى ماذا سيحدث فى المرة القادمة حينما  تحلق طائرات إسرائيلية أو طائرات بدون طيار على منظومة السلاح هذه وتظهر على أجهزة الرادار الخاصة ببطاريات الدفاع الجوى الروسية. كل الأطراف تتمنى أن يكون الأمر على مايرام، لكن فى الواقع تفرض القواعد والأحداث على الأرض، بعد ذلك أموراً على القيادة السياسية وليس العكس.

وقد قال مصدر أمنى إسرائيلى رفيع المستوى ” الوضع معقد جداً، لقد جاء الروس لكى يساعدوا المحور الشيعى، الذى ترى فيه إسرائيل أخطر تهديد عليها، لذلك، هم لايخدمون مصالحنا هنا، بالإضافة إلى أن الروس يمكنهم ادراك حاجتنا لمنع وصول السلاح بأنواعه المختلفة إلى حزب الله. خلاف ذلك بوتين يعمل على إضعاف أردوغان الآن، وهذا أيضاً لصالحنا، هكذا نرى أن كلالأمور حساسة ومتقلبة وغير واضحة، قبل ذلك كان الأعداء واضحين وكانت المصالح واضحة وكان كل شئ معرّف ومحدد مسبقاً. اليوم تستطيع أن تجد نفسك لمرات عديدة فى نفس القارب مع أعدائهم البارزين، والمصالح متقاطعة ومتضاربة وليس لها بداية أونهاية”.

لم نتحدث بعد عن المصالح الإقتصادية، على الرغم من الغضب الصعب بين إسرائيل وتركيا، يمكن بالطبع أن ينشأ قريباً وضع يجد فيه نتنياهو وأردوغان أنفسهم فى نفس سفينة الغاز الطبيعى، التوتر بين الروس والأتراك سيعمل وفقاً للخبراء على تقويض مشروع خط الغاز الجنوبى الكبير الذى أرادت روسيا أن تمرره عبر تركيا. ويشير الأتراك مؤخراً إلى رغبتهم فى الغاز الإسرائيلى، من حقول الغاز الطبيعى الكبيرة التى اكتشفت مؤخراً أمام السواحل الإسرائيلية. مشروع خط الغاز الإسرائيلى الكبير بالتعاون مع قبرص وربما مع اليونان، الذى سيتدفق إلى تركيا ويتصل بوصلة يمكنها ضخه إلى أوروبا، يداعب خيال القادة فى كل الدول المعنية.

التقى نتنياهو الأسبوع الماضى مع تسيبراس رئيس الوزراء اليونانى، لمناقشة هذا الأمر. فى مثل هذه الحالة يمكن للمصالح أن تنقلب مرة أخرى، وحتى حدوث ذلك ينظر الجيش الإسرائيلى بقلق كبير فى الناحية الشمالية. حتى اليوم انشغلت إسرائيل مع محور الشر الشيعى العلوى، ومع الإرهاب السنى المتنامى حولها. انضم الآن لاعب جديد للمعادلة، ذو اهمية وقوى يغير قواعد اللعبة وعلاقات القوى، ولا أحد يستطيع أن يقول أن التغيير للأفضل أو للأسوأ.

 

 

المونيتور- بن كيسبت