ملخص تنفيذي: لاسرائيل مصلحة استراتيجية والتزام طويل الامد  بأمن واستقرار وازدهار المملكة الاردنية الهاشمية, في الوقت الراهن يتم تعزيز هذه العلاقة بنطاق واسع من المشاريع التعاونية في الإستراتيجيا والأمن والمجالات الدبلوماسية والاقتصادية والطاقة.

القاسم المشترك المهم الذي يجمع بين العديد من القرارات السياسية المختلفة التي تم اتخاذها في اسرائيل في السنوات الاخيرة هو المصلحة الاستراتيجية الاسرائيلية في  الالتزام طويل  الامد بامن واستقرار وازدهار المملكة الاردنية الهاشمية.

ومن بين القرارات والإجراءات التي تندرج تحت هذا العنوان هي التفاهمات التي تم التوصل اليها في الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم الشريف,  التعاون الاستراتيجي  فيما يتعلق بالشؤون الإقليمية مع الأصدقاء في واشنطن (وخاصة في الكابيتول هيل) وغيرها, الموقف الذي اتخذته إسرائيل تجاه التحدي الذي يمثله ما يسمى ب “الدولة إسلامية”, الإجراءات المتخذة لمنع إيران وحزب الله– سواء كان مباشره او بالنيايه  – من الحصول على موطئ قدم في الجولان وخاصة في أجزائه الجنوبية. وبناء جدار عازل على طول الحدود بين إسرائيل والأردن.كما تشمل كذلك أيضا مسائل السياسة الاقتصادية مثل الصراع السياسي المرير  لحكومة نتنياهو  (ضد المد المتصاعد للمعارضة الشعبية) لضمان القدرة على تصدير الغاز من الحقول البحرية الإسرائيلية, ترتيبات التجارة البحرية مع تركيا والترتييات الجديدة لحركة المرور في المعابر الحدودية، والسياسة الحالية بشأن تخصيص المياه إلى الأردن باكثر مما تتطلبه  معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن. والتحرك لتنفيذ خطة ناقل البحرين الأحمر- الميت، بما في ذلك المحطة الكبيرة لتحلية المياه المخطط لها في العقبة (التي  من شأنها تسهيل إمدادات المياه المتبادلة).

كان استقرار وازهار الاردن عنصر مركزي في سياسة الامن القومي لثلاثة اجيال من القادة الاسرائيلين  على الرغم من حرب عام 1948 وحرب 1967 وبالرغم ايضا من التوترات في هذه الايام, في عام 1958 قام  بن غوريون  بدعم وتسهيل الخطوات  التي اتخذها الغرب لمساعدة المملكة من اجل مقاومة الضغط الناصري عليها, وفي عام 1970 كانت غولدا مائير وبتنسيق وثيق مع الولايات المتحدة على استعداد للمخاطرة بحرب من اجل اجبار القوات السورية المدعومة من الاتحاد السوفياتي على التراجع عن غزو الاردن(كانت هذه الخطوة ناجحه).وبشكل مشابهه توصل اسحاق شامير الى تفاهامات مع الملك حسين خلال عاصفة الصحراء ازمة الخليح 1990-1991 على الرغم من موقف الاردن المزدوج تجاه العراق في ذلك الوقت. كما جلبت معاهدة السلام تحت قيادة اسحاق رابين 1994 في وضح النهار ما كان علاقة مستمرة منذ امد.

 

اليوم متخذو القرار في اسرائيل في وضع افضل  من اي وقت مضى لترجمة  ركائز السياسة الوطنية الى اجراءات عملية وايجابية  كما ذكرت اعلاه, على الرغم من العلامات الواضحة على التوتر بين الاردن واسرائيل خلال صيف 2015 المضطرب, فان تفاهمات جديدة وملموسة تم  التوصل اليها بين البلدين وعلى اعلى مستوى بوساطة وزير الخارجية الامريكي جون كيري, وتشمل هذه التفاهمات الحفاظ على الوضع الراهن في الحرم القدسي للحد والتقليل من تأثير المحرضين,وعلى الرغم من جهود بعض عناصر السلطة الفلسطينية لتقويض هذه الترتيبات , قاد التعاون بين  الاردن واسرائيل الى تخفيض التواترات المحيطه بالحرم حتى ولو لم ينحسر العنف والتحريض الذي تمارسة السلطة الفلسطينية.

 

وبالطبع هذا يجب ان لا يكون مفاجئا , الاعتراف المستمر والعميق للمصالح المشتركة وكذا للاعداء المشتركين قاد كلا البلدين بغض النظر عمن يحكم في اسرائيل وفي اي وقت- قاد الى التطلع نحو  تفاهمات استراتيجية وازالة السباب التوتر, علاوة على ذلك , فقد تم ترجمة هذا عبر السنين الى التزام منهجي من قبل اسرائيل واصدقائها في واشنطن(الكونجرس) وفي عواصم غربية اخرى في دعم القدرات العسكرية والاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي للاردن.

بينما اصبحت اتفاقية المناطق  الصناعية المؤهلة QIZ تقريبا ليس لها حاليا  وجود بسبب  توقيع الاردن  اتفاقية التجارة الحرة الخاصة به مع امريكا , اسرائيل تساعد الاردن بطرق اخرى اهمها مساعدته على التغلب على العدد الهائل من اللاجئين السوريين ,وتخصيص الموار في الميزانية الامريكية حاليا يعكس هذه التفاهمات.

قطاعات كبيرة من المجتمع الإسرائيلي تدرك، وتنخرط في مواجهة هذا التحدي  فالعديد من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية، فضلا عن حركات الشباب تلعب  دورا – غير علني- لكن يبقى مهما من الناحية الرمزية- في توفير  الاحتياجات  الاساسية  للاجئين السوريين في الأردن.

انجاز كبير يسجل للاردن في مسالة اللاجئين يحتاج الى دعم عالمي, واسرائيل تقوم بدورها في التأكيد على هذه النقطة (بالمناسبة الاردن يتعامل بشكل افضل مع مليون لاجئ سوري  من دول الاتحاد الاوروبي التي لديها اعداد لاجئين اقل) .

وسط كل ذلك كان الاردن قادرا على ان يلعب دورا كبيرا سواء بالمشاركة او كبلد مضيف في جهود  التحالف ضد مايسمى بالدولة الاسلامية , ولم يثني الاعدام المرعب للطيار الاردني معاذ الكساسبه لا الشعب الاردني ولا الملك عن تلك الجهود.اسرائيل ولاسباب معلومة وواضحه لا تلعب دورا مباشرا في هذه الجهود المستمره , ومع ذلك يمكن القول ان فوائد التعاون تحت مظلة معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية تجعل من السهل على الاردن القيام بدور حيوي في الجهود الدولية ضد داعش.

ومع ذلك فان الخليفة الذي يطلق على نفسه ابو بكر البغدادي ليس هو العدو المشترك فقط ,هناك ايضا طموحات ايران الثورية ورغبتها في الهيمنة  الشيعية وبتوجيه مباشر من القائد الروجي علي خامئني لتحويل الضفة الغربية الى غزه اخرى ومعسكر الارهاب الذي يعمل بنشاط لتدمير اسرائيل ,ولتحقيق ذلك فمن الضروري بالنسبة لهم التسلل الى الاردن وتحويل اراضيه الى سيناء اخرى –قناة مفتوحة- (كما كان الحال في سيناء حتى الاجراءات المصرية الاخيرة) للتزود بالسلاح والمتفجرات والذخائر, وبالتالي فانه من المصلحة المشتركة لكلا البلدين فعل كل ما يجب فعله لضمان عدم تمكن ايران ووكلائها من كسب موطئء قدم في الجانب السوري من الجولان.

 

حتى تستكمل المستويات العليا من التعاون السياسي والامني  نحتاج الى تعاون اردني اسرائيلي وثيق في مجالات اخرى, خلال  العقد الاخير تحديدا فوائد  معاهدة السلام  اصبحت ملموسه اكثر , الحاجات المتنامية للمجتمع الاردني ( وموجات اللاجئين) تتطلب بنية تحتية افضل خاصة في مجالات التزود  بالطاقة والمياه, بالنسبة للمياه فان اسرائيل تزود الاردن بأكثر مما هو منصوص عليه في معاهددة السلام , وبمجرد الانتهاء من تنفيذ مشروع ناقل البحرين ستم تزويد الاردن ب100 مليون متر مكعب تقريبا- من مصادر المياه الاسرائيلية في الشمال-وهي ضعف الكمية الحالية وجزء مهم من استهلاك الاردنيين , نصف هذه الكمية بالمقابل سيتم تعويضة من محطة تحلية المياه في العقية.

في الواقع رؤى التعاون الهمت  القيادة في كلا البلدين للانتهاء من خطة ربط البحر الاحمر بالبحر الميت بناقل مياه مالحه (هذا ايضا يساعد على انقاذ البحر الميت) جزء من الخطة هو بناء محطة تحلية في جنوب الاردن تخدم الناس في كلا الجانبين , ومن خلال  عدم الحاجة الى المياه في الشمال سيمكن ذلك اسرائيل من تلبية الاحتياجات الفلسطينية للمياه.

لحد الان امدادات الغاز في متناول اليد , مع اكتمال خط صغير  لتزويد الاردن بالغاز من جهة البحر الميت وسيتبعه خط رئيسي كبير للاستهلاك العام, جزء من النقاش الداخلي حول خطة تصدير الغاز الاسرائيلي من المياه البحرية الاسرائيلية تاخذ الحكومة فيه موقف قوي لصالح تصدير الغاز للدول المجاوره شركاء السلام وعلى راس القائمة يأتي الاردن.

هناك ايضا ترتيبات اخرى تحت المناقشة لتعزيز الاستقرار والازدهار في الاردن : الصراع في سوريا جعل حركة نقل البضائع من الاردن الى سوريا ومن ثم الى تركيا واخيرا الى اوروبا شبه مستحيل, لذلك عانت التجارة والاقتصاد الاردني بشكل كبير ولذا تعمل اسرائيل على الاستثمار في الطريق التجاري من تركيا الى الاردن ومن ثم الى ميناء حيفا في اسرائيل.

بينما ما زالت  هناك بعض الصعوبات التقنية فان النية تتجه لجعل هذا الطريق التجاري يتغلب على العقبات الببروقراطية والتشغيلية ,وذلك تمشيا مع ادراك ان هذا الطريق مصلحة حيوبة اردنية (على الرغم من توتر العلاقات بين اسرائيل وتركيا) وبشكل مشابه فقد اتخذت التدابير اللازمة لتمكين طائرات الملكية الاردنية وخطوط طيران اخرى باستخدام المجال الجوي الاسرائيلي لتسهيل حركة النقل الى عمان.

وفي ظل هذه الخلفية العامة من التعاون والالتزام فان القرار الذي اتخذته اسرائيل لبناء جدار على طول الحدود مع الاردن يجب ان يقرأ ويفسر بان اسرائيل لا تدير ظهرها لجارتها وليس ايضا مؤشرا على أن الاردن تحت خطر الانهيار, بل بالعكس انه وسيلة اخرى لتعزيز الامن المشترك, عن طريق تقليل محاولات استخدام الاراضي الاردنية كمنفذ  للتسلل (الان الطريق المباشر من سيناء تم اغلاقة باحكام) هذا الجدار سيساعد الاردن  بشكل فعال على مواجهة  هجرة العمال الافارقة ومهربي المخدرات واخرين يستغلون الظروف الحالية. تجربة اسرائيل على طول الجدار المقام حديثا مع مصر  تدل على ان تعزيز التعاون مع المصريين بات اكثر ولم يتناقص بسبب بناء الجدار.

ويشكل عام يمكن القول ان العلاقات الاردنية الاسرائيلية بالرغم من بعض نقاط الاحتكاك والتوتر وضغط  حركات مقاومة التطبيع سوف تستمر في الازدهار, وان المصالح المشتركة سوف تستمر ترجمتها الى مظاهر عملية ملموسة من التعاون . ونامل مع مرور الزمن – وبشكل خاص عندما يجعل الفلسطينين مفاوضات السلام ممكنة  – هذه الركيزة الاستراتيجية من التعاون بين البلدين تجد المكان المناسب في بنية الامن الاقليمي الاوسع .

بقلم:

  • الجنرال احتياط يعقوب عميدرور رئيس مجلس الامن القومي السابق والمستشار الامني السابق لرئيس الحكومة ينيامين نتنياهو.
  • العقيد (احتياط) الدكتور عيران ليرمان كلية لندن للاقتصاد , النائب السابق للسياسة الخارجية والشؤون الدولية في مجلس الأمن القومي في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي. شغل أيضا منصب مدير AJC  في القدس.