أعدت حركة فتح بمناسبة الذكرى الـ 51 على تأسيسها، ملصقان يعكسان بدقة الجدال المستعر الدائر اليوم بداخل الحركة.

ترفرف على أحد الملصقات، الذي صمّمه مؤيدو الرئيس الفلسطيني، بطبيعة الحال صور “ياسر عرفات”، و”أبو مازن” إلى جانب رقم 51، بينما حمامة بيضاء ترفرف فوق علم فلسطين والمسجد الأقصى. في أسفل الملصق كُتب: “الوعد سيظل وعداً والنذر سيظل نذراً”.

أما الملصق الثاني، الذي ينشره فصيل آخر في فتح، يتوجه بلغة مغايرة تماماً إلى نشطاء الحركة الذين يشعرون بخيبة الأمل إزاء نهجها الذي سلكته في السنوات القليلة الماضية. وقد حلّت خريطة فلسطين التي تضم كافة أراضي دولة إسرائيل محلّ الحمامة البيضاء التي ترمز إلى اتفاق السلام مع إسرائيل. ولمن لديه شك حيال الاتجاه الذي تسلكه الحركة مستقبلاً، كُتب: “عاش يوم تأسيس القوة الفتحوية”.

إن العملية الإرهابية الأولى (الفاشلة) التي حاولت تنفيذها خلية مكّونة من رجال فتح – في خط المياه القُطري في اسرائيل، في الأول من يناير 1965، هو اليوم نفسه الذي يحتفلون فيه في فتح بتأسيس الحركة (على الرغم من أن الحركة قد أُسست في العاشر من أكتوبر 1959، في الكويت). بعد 51 عام، يصبح عام 2016 نقطة تحول بالنسبة للحركة، حيث أسست القومية الفلسطينية ودفعتها تقريباً نحو إقامة دولة فلسطينية على حدود 1967.

إن التوقيع على اتفاقيات أوسلو [1993]، والصراع الداخلي الفلسطيني (بين حماس وفتح) والمواجهة السياسية مع إسرائيل خلقا أزمة كبرى في فتح وفقدت الحركة الدعم الكبير الذي كان لديها في الشارع الفلسطيني. أغلب شباب الضفة وقطاع غزة يأسوا منها، إزاء شعورهم بخيبة الأمل من حكم “عرفات” و”أبو مازن” وادعاءات بأن الحركة القومية الفلسطينية يشوبها الفساد وترعى مسئوليها وليس المواطنين.

تشق خلافات أيديولوجية كبرى من أصبحوا موالين للحركة العجوز. يدور الانشقاق حول السؤال المحوري – إلى أين ستتجه حركة فتح بعد عهد “أبو مازن”؟.

أقنعت الحقائق المبررة التي فرضتها إسرائيل على الساحة أيضاً الأشخاص الأكثر تفاؤلاً بأن صيغة “دولتين لشعبين” لم تعد تقريباً قابلة للتحقيق. ليس هناك أي ناشط في الحركة، أدنى أو أرفع في المستوى، إلا ويؤمن بأنه يمكن الوصول في السنوات المقبلة إلى تسوية مع إسرائيل في إطاره تنسحب إلى حدود 1967، وتتنازل عن مناطق من القدس، ويمكن إلى جانبها، باتفاق وسلام إقامة دولة فلسطينية. هذه نقطة بداية الجدال بين المعسكرين في فتح.

أحد المعسكرين – المكوّن في أغلبه من كبار الحركة، ونشطاء ميدانيين وجيل الكهولة الذي مكث في السجن الإسرائيلي – لم ييأسوا من المصالحة مع إسرائيل بعد. هذا المعسكر يُدعى “معسكر المصالحة” (وهناك من يطلق عليه بسخرية “معسكر السُذّج”) وبداخله يمكننا أن نجد “جبريل الرجوب”، و”قدورة فارس”، و”حسين الشيخ”، وغيرهم. إنهم على علم تام بأن الصراع المسلح مع إسرائيل لن يؤتي بنتائج عملية، أو بالأحرى سيؤدي إلى كارثة.

من ناحيتهم يجب التحرك على مستويين متوازيين: المستوى الأول هو اتباع طريق الرئيس “أبو مازن”، الذي سعى إلى إعلان دولة فلسطينية في الأمم المتحدة ويتحرك سياسياً بين المجتمع الدولي. المستوى الثاني هو الاستمرار في التوجه إلى الرأي العام في إسرائيل أملاً في أن يأتي اليوم الذي يرجع الإسرائيليون فيه إلى صوابهم.

هذه القوى، التي تمثل الغالبية في حركة فتح، على اقتناع أيضاً بأن حركة المقاطعة الدولية BDS ستؤدي عملها، وستساعد في إقناع مواطني إسرائيل بأن نهج اليمين بضم أراضى وبناء مكثف في المستوطنات لن يفيدهم.

المعسكر الثاني، بالتوازي مع ذلك، يعتقد أن إسرائيل تفهم لغة القوة فقط. ومن جانبه، حل الدولتين لم يعد حلاً عملياً، لأن إسرائيل بذلت كل ما أوتيت من قوة من أجل ألا تجعله قابلاً للتطبيق. وعليه، ينبغي العودة إلى أيام ما قبل اتفاقية أوسلو ورؤية فتح الأصلية “من البحر وحتى النهر”، أي أرض فلسطين كاملة تنتمي إلى الفلسطينيين.

أتباع هذا النهج يُدعون بصفة عامة “المرجعية” – قادة ونشطاء الحركة الذين جاءوا من الشتات. بينهم يمكن أن نجد “سلطان أبو العنين”، و”جمال أبو طيراوي”، و”جمال أبو ليل”. لقد نشأوا على أيديولوجية مفادها أن إسرائيل بذرة غريبة ينبغي استئصالها، وهذا حتماً كان النهج السائد في فتح وفي منظمة التحرير الفلسطينية حتى توقيع اتفاقات أوسلو؛ الآن، إزاء اليأس في أراضي الضفة وفي قطاع غزة والتقديرات بأنه لم يعد هناك حل سياسي مع إسرائيل، يعتقدون أنه ينبغي العودة إلى النهج الأصلي. كيف يعتزمون تطبيق الرؤية الجديدة-القديمة؟ حتى هذه النقطة يدور حولها جدال مستعر. هل على حركة فتح، أي التنظيم (النشطاء الميدانيون)، الانضمام إلى الانتفاضة الثالثة، أم أنه ربما عليهم قبول حكم الحركة الحالي والوقوف مكتوفي الأيدي، والتزام الصمت وينتظرون اللحظة التي يُقال فيها “كفى إلى هذا الحد”؟

يدور هذا الجدال حول مستقبل ومفهوم حركة فتح في ظل مرحلة من خيبة الأمل المريرة الذي يشعر به أغلب الجمهور الفلسطيني إزاء أداء “أبو مازن”، وإزاء نهجه ونهج حركة فتح. كُتب كثيراً في الأسابيع الأخيرة عن انتفاضة الأفراد التي تدور منذ شهر أكتوبر [2015]. خرج كافة المخربين لتنفيذ عملية إرهابية ضد إسرائيليين، لكن بالتوازي مع ذلك أعربوا عن احتجاج صارخ تجاه السلطة الفلسطينية وتجاه الحركات الفلسطينية في الساحة (حماس، وفتح، والجهاد الإسلامي).

يعرف قادة حركة فتح جيداً الأمزجة العامة في الشارع الفلسطيني. ويعلمون أيضاً أن حركة فتح سيتعثر عليها استرجاع عصر مجدها، وأن عليها أن تعيد تأهيل نفسها بفطنة وحرص إن أرادت أن تستمر.

العام الـ 51 على حركة فتح لن يكون عاماً هيناً. فبحسب كافة المؤشرات، إنه العام الأخير لحكم “أبو مازن”. لكن سواء تقاعد خلال العام القادم أو استمر يتأرجح في المنصب، فإن الصراع داخل فتح حول نهجها سيستمر في تقويض الحركة. إن نفذ “أبو مازن” تهديداته وتنحى، فهناك فرصة كبيرة بأن يتحرك المعسكر النشط في فتح، المعني بإعادة نشاطه المسلح – حتى وإن كان خليفة “أبو مازن” ينتمي إلى “معسكر المصالحة”.

هذا الصراع، الدائر الآن في أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية فقط (تسيطر حماس على غزة ورجالها يواجهون مشكلات فادحة أخرى)، ينبغي أن يهم متخذي القرارات في إسرائيل في القيادة السياسية والأمنية. عام 2016، العام الذي تحتفل فيه حركة أبو مازن “غير الشريك” بالعام الـ 51 على تأسيسها، من شأنه أن يكون العام الأخير الذي تسيطر فيه قوى برجماتية على حركة فتح. الخيارات الأخرى في الساحة لا تبشر من أي جانب بمستقبل جيد.

شلومي إلدار- المونيتور