توصيات سياسية للسنوات مابين 2016-2020

مع نهاية عام 2015 وبعد خمس سنوات من اندلاع أحداث الربيع العربى، من الممكن أن نلاحظ اثنى عشر تطوراً أمنياً وسياسياً لها تأثير على الأمن القومى لإسرائيل، وتستوجب بلرة استراتيجية كبرى للسياسات الخارجية والأمنية للسنوات الخمس القادمة.

الملاحظة الأولى – ضعف الدول العربية حتى تفكك دول هامة.

إن الهزة الإقليمية التى بدأت فى عام 2011 بعيدة عن النهاية، ويبدو أنه ستمر سنوات كثيرة حتى تستقر المنطقة. وهناك الكثير من الدول العربية تعانى من عدم الإستقرار السياسى والإقتصادى. وقد وصل فى خمس دول منها عدم الإستقرار إلى مستوى تفكك الدولة وفقاً لمسارات طائفية ودينية وقومية وقبلية، بل وإلى حرب أهلية. بدلاً من وإلى جانب الدول التى عرفناها حتى عام 2011 تبرز كيانات وعناصر قوى لاتركز هويتها على القومية والدولة.  وقد تحول الشرق الأوسط إلى منظومة معقد ومتعددة اللاعبين السياسيين فى إطار سياسة الكيانات المسلحة والعنيفة، وساحات قتال بين القوى العظمى الإقليمية عن طريق وكلاء. بل وفى عدد من الحالات تحولت هذه الدول إلى ساحة تدخل مباشر للقوى العظمى العالمية. فى سوريا، والعراق واليمن والسودان وليبيا تدور حروب أهلية، حيث أنه فى الحالتين الأوليين تتدخل قوى عظمى إقليمية مباشرة وهى قوى عظمى عالمية.

من الصعب التسليم بأن هذه الدول يمكنها أن تؤدى دورها فى المستقبل كدول موحدة. ومن المحتمل أن يكون التقسيم واقعاً دائم وغير مستقر فى بعضها. وفى الآونة الأخيرة، إذا كان هناك اصرار على الحفاظ على الحدود والهويات الدولية السابقة، ومن المتوقع أن تنشأ أطر فيدرالية ضعيفة. وضعف الدول وتفككها هو –بقدر كبير- تفسير لعدد من التطورات التى يتم طرح خصائصها لاحقاً.

الملاحظة الثانية – الدول الإسلامية كأحد العناصر الأساسية لمايدور فى الشرق الأوسط.

فى عام 2014 دخل تنظيم الدولة الإسلامية إلى الوعى كحركة سلفية-جهادية ا3نفصلت عن  القاعدة، واحتلت أجزاء واسعة من سوريا والعراق. وهذه الحركة لديها تطلع متغطرس لتغيير النظام القائم فى المنطقة، بل وفى العالم كله فى المستقبل. وقد تبنت الحركة مفهوماً يقضى بإقامة أساس دولة –الخلافة- وقواعد سلوك شاذة فى وحشيتها.

إن الفراغ السياسى فى سوريا قد أتاح لرجال الحركة إلى تنظيم صفوفهم هناك، والسيطرة على أجزاء كبيرة من سوريا وشمال غرب العراق وإعلان الخلافة الإسلامية. فى هذه الأنشطة تمثل الدولة الإسلامية تحدياً بالنسبة للاعبين الإقليميين والدوليين، وتضيف مزيداً من التعقيد إلى نسيج الخصومة فى الشرق الأوسط. وقد أعلنت الحركات الإرهابية الإسلامية فى شبه جزيرة سيناء وليبيا ونيجيريا وأفغانستان ولائها لزعيم التنظيم، وأطلقوا على أنفسهم ولايات للدولة الإسلامية.

وقد أثبت التنظيم فى العام الأخير قدرة على استغلال قوة الجذب الخاصة بالأيديولوجية التى ينشرها فى المجتمعات الإسلامية فى أنحاء العالم. وللتنظيم رافد ثابت من المتطوعين الذين ينضمون للقتال على أراضى سوريا والعراق. وكذلك ينتشر “خريجى” التنظيم فى أنحاء العالم، ولديهم قدرة على إقامة خلايا نائمة فى الدول التى تعود أصولهم إليها.

وقبل نهاية عام 2015 يبدو أن الدولة الإسلامية قد تم وقفها تقريباً فى كل الجبهات التى حاربت فيها، بل وتراجعت للخلف فى العراق وسوريا. وعلى الرغم من ذلك، أثبت التنظيم قدرة على التكيف أتاحت له تنفيذ هجمات على الدول العظمى ودول المنطقة التى اجتمعت – فى نظر التنظيم- لمحاربته، من خلال استخدام الخلايا النائمة والتنظيمات المحلية. وهكذا، قام التنظيم بتنفيذ هجمات فى تركيا وفرنسا بل وقام بإسقاط الطائرة الروسية فى سيناء.

ونتيجة للإنكشاف المتزايد للدولة الإسلامية، للعالم وإدارك أنشطتها العنيفة، قامت دول كثيرة منها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا والدول الأوروبية بزيادة الضغط على التنظيم. ونتيجة لهذا الضغط يخسر التنظيم أراضى ومصادر دخل، وسلسلته القيادية قد لحق بها الضرر بصورة ممنهجة. وعلى الرغم من انعدام الرغبة لدى الدول العظمى التى تشارك فى القتال، لإرسال قوات برية لمواجهة التنظيم فإن الهجمات الجوية، والقدرات الجديدة التى أظهرها الجيش العراقى فى الرمادى والضغط البرى للتحالف الروسى الإيرانى فى سوريا جعلت هناك إمكانية للتقدير بأنه سيخسر فى نهاية العملية، قاعدته الإقليمية. لكن قوة الجذب الأيديولوجية للتنظيم والواقع السياسى فى العراق وسوريا – والذى يشعر فى إطاره السنة فى الدولتين بالإنعزال عن مؤسسات الدولة، ويتم التمييز ضدهم من الناحية الإقتصادية ويشعرون بالإحباط- ستواصل تشكيل قاعدة واسعة للتأييد والتجنيد لصالح ” الدولة الإسلامية”. ومن الصحيح التسليم بأنه أيضاً بدون وجود قاعدة إقليمية ستظل هناك للتنظيم فرصة للقيام من جديد، فى مرحلة لاحقة. ويعنى ذلك أن التنظيم سيظل فى السنوات القريبة القادمة لاعباً هاماً فى الشرق الأوسط وخارجه.

الملاحظة الثالثة – عودة الدول العظمى إلى العمل العسكرى فى المنطقة، لكن تحذر من التورط فى عملية برية.

العالم الذى تحول إلى عالم به قوة عظمى واحدة فى نهاية القرن العشرين عاد فى السنوات الأخيرة ليكون عالماً متعدد القوى العظمى، حتى وإن لم تكن تلك الدول العظمى متساوية فى قوتها الإقتصادية والعسكرية. وهناك صور أخرى للسياسة والقيادة من جانب الدول العظمى أدت إلى صور مختلفة من التدخل فى الشرق الأوسط، بشكل لايشبه خصائص الحرب الباردة التى كانت فى القرن الماضى. وهكذا يمكن أن تجد كلاً من الولايات المتحدة وروسيا فى جانب واحد من المواجهة ضد تنظيم الدولة الإسلامية، وعلى جانبين مختلفين فيما يتعلق باستمرار وجود نظام الأسد. الولايات المتحدة التى بدأت فى الإنسحاب من التدخل العسكرى المباشر فى العراق فى بداية العقد، اضطرت إلى العودة إلى المنطقة لتقود تحالفاً ضد تنظيم الدولة الإسلامية. وعلى الرغم من ذلك كانت العودة دون استراتيجية تمت بلورتها تعتمد على التزامات وموارد، ووفقاً لذلك يكون نجاحها محدوداً. إضافة إلى ذلك زاد الهجوم الإرهابى الذى وقع فى باريس من دافع دول أوروبا للإنضمام إلى الأنشطة العسكرية فى الشرق الأوسط، ولكن بسبب قدرتها العسكرية المحدودة فإن زيادة أنشطتهم لاتغير من ميزان القوى. بعد عام ونصف لم ينجح فيه التحالف إلا فى انسحاب جزئى من قبل التنظيم، عادت روسيا إلى الشرق الأوسط بعملية عسكرية حازمة، شملت نشر قوات روسية فى سوريا وهجمات جوية بحجم كبير. لكن الروس لم يرسلوا أيضاً قوات برية، ويعتمدون على الجيش السورى والميليشيات الشيعية والقوات الإيرانية وقوات حزب الله، والذين لم ينجحوا هم أيضاً فى تغيير حاسم فى ميزان القوى، على الرغم من الدعم الجوى الروسى.

كما أن التدخل العسكرى من قبل الدول العظمى فى محيط معقد وبه العديد من المشاركين أنتج خارطة قتال غير مستقرة، والتى يمكن أن تتصاعد فيها الحالات التكتيكية إلى مواجهة استراتيجية لايريده أحد ( إسقاط طائرة روسية أخرى من جانب تركيا يمكن أن يؤدى إلى صدام بين روسيا وحلف الناتو).

ويجب الإشارة إلى أن للتدخل الروسى معانى تتجاوز حدود المنطقة، هذا التدخل يعكس رؤية روسية عالمية، تأخذ فى الإعتبار رغبتها فى العودة إلى وضع القوة العظمى العالمية، والمواجهة مع اوروبا والولايات المتحدة والتى فى القلب منها قضية شبه جزيرة القرم وأوكرانيا وتوسع حلف الناتو شرقاً ونشر أنظمة دفاع صاروخى فى أوروبا. وفى وجهة النظر الإسرائيلية فإن مساهمة التحالف الروسى الإيرانى السورى لتعزيز المحور الراديكالى المعادى لإسرائيل أمر ينطوى على إشكالية. ومنع الإحتكاك مع روسيا والتنسيق معها فيما يتعلق بالأنشطة الإسرائيلية فى سوريا تعتبر أهدافاُ هامة، لكن لايجب أن يغطى ذلك على التوجه السلبى لتقوية إيران وحزب الله.

الملاحظة الرابعة فى أعقاب الإتفاق النووى مع إيران بقيت إسرائيل وحدها فى مواجهة اتفاق ينطوى على إشكالية، لكنها تحصل على الوقت

بعد عقد من التقدم الإيرانى البطئ نحو الأعتاب النووية، والوصول إلى مدى زمنى يبلغ شهرين من إنتاج مادة قابلة للإنشطار تكفى لقنبلة واحدة، تم وقف التقدم الإيرانى فى أعقاب الإتفاق المبدئى ( نوفمبر 2013)، والتراجع إلى الخلف لفترة تبلغ عاماً واحداً من انتاج مادة قابلة للإنشطار للقنبلة الأولى فى الإتفاق النهائى مع القوى العظمى (يوليو 2015). الإتفاق الذى تم التوصل إليه ينطوى على إشكالية خاصة فى المدى الزمنى (10-15 عاماً)، والذى تحصل فيه إيران على شرعية لبرنامج نووى واسع جداً يتيح لها الإنطلاق نحو القنبلة فى مدى زمنى قليل. وفى خلال ذلك، أكسب الإتفاق إسرائيل وقتاً للإستعداد لتطوير قدرات إحباط سرية وعسكرية على المدى الطويل.

بالإضافة إلى ذلك، للإتفاق تأثير على زيادة الأخطار لما بعد المجال النووى. وفى أعقاب رفع الضغط والعقوبات عن إيران، تكون فى حوزتها موارد كبيرة يتم استغلالها للأنشطة الإرهابية، والتنافس وزيادة القوة العسكرية التقليدية. زيادة القوة هذه من المتوقع أن تشمل شراء منظومات أسلحة متطورة فى روسيا والصين، بل واستمرار تطوير صناعة السلاح المحلية فى إيران.

كما يثير الإتفاق مخاوف فى أوساط حلفاء الولايات المتحدة التقليديين فى المنطقة ( إسرائيل، السعودية، تركيا، مصر)، من أن الولايات المتحدة تبتعد عنهم وتولى وجهها نحو ايران على حسابهم.هذا الخوف لم يتحقق حتى الآن، لكن هذه الدول ستواصل المتابعة بريبة لتصرفات الولايات المتحدة تجاه إيران. هكذا تحتاج إسرائيل أن تتابع ظاهرة زيادة البرامج النووية المدنية فى الدول العربية، والتى من المحتمل أن يتم ترقية إحداها إلى البرنامج النووى الإيرانى، بل ومحاولة لتطوير البنية التحتية التى تتيح تحول إلى البرامج العسكرية فى المستقبل.

الملاحظة الخامسة إسرائيل والعالم السنى البراجماتى –مصر، الأردن، السعودية ودول الخليج- لهم مصالح متداخلة.

يرى الجانبين فى إيران الشيعية التى تسعى للحصول على النووى وتتطلع إلى الهيمنة، وكذا التنظيمات الإرهابية الراديكالية السنية والدولة الإسلامية فى مقدمتها، أخطاراً واضحة على الأمن القومى بل وأساس وجودهم. علاقات السلام والتعاون الإسرائيلى فى المسائل الأمنية مع الدولة التى وقعت معها اتفاقات السلام، كانت فى اختبار الهزة العنيفة الإقليمية، بل وتعززت بسبب زيادة المصالح المشتركة. العلاقات مع دول المنطقة الأخرى تتطور فى قنوات سرية. على الرغم من ذلك فإن عدم التقدم فى الساحة الفلسطينية تجعل من الصعب الإنتقال إلى التعاون المكثف، وبالطبع التعاون العلنى.

الملاحظة السادسة فشل جولة أخرى للمفاوضات مع الفلسطينيين حول التسوية الدائمة. ليس هناك فراغ- هناك انتفاضة ثالثة من الدهس والطعن بالسكاكين، على الأرض.

منذ فشل المفاوضات بوساطة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، نجد أن الطرفين فى انفصال تام. الإستراتيجية الفلسطينية عن الصراع المواجهة العسكرية، والتى قادتها حماس من غزة، والكفاح الدبلوماسى على الساحة الدولية، لم تحقق للفسطينيين تقدماً حقيقياً نحو الأهداف القومية. إسرائيل، التى تمسكت بالوضع الراهن وتمنت إدارة الصراع بتكاليف قليلة، واكتشفت أن الصراع هو الذى يديرها ووجدت نفسها أمام انتفاضة مختلفة عن سابقاتها، وهى انتفاضة تدور ” على نار هادئة”. هذا ليس ‘إرهاباً منظماً لكنها مبادرات لأفراد يدفعهم الشعور باليأس والإحباط من القيادة وشعور بالإنتقام، هى أساس مريح لاستيعاب التحريض. هؤلاء الأفراد مستعدون للخروج إلى عمليات قتل من خلال استخدام سلاح أبيض أو سيارات. حتى الآن لم تتصاعد هذه الإنتفاضة تقريباً إلى حد السلاح النارى أو العمليات الإنتحارية الواسعة، لكن ليس هناك ملامح لإخمادها.هكذا يظهر أن إسرائيل تدفع ثمناً متزايداً من أجل إدارة الصراع، من حياة البشر أو الحاق الضرر بالسياحة والإقتصاد وتآكلاً مستمراً لمكانتها فى العالم.حماس تحاول دهورة هذا الوضع الهش والمبادرة بعمليات انتحارية، حتى الآن دون نجاح، خاصة بفضل قدرات إسرائيل ومساعدة الدوائر الأمنية للسلطة الفلسطينية، لتفتيت البنية التحتية الإرهابية لحماس فى الضفة الغربية.

الملاحظة السابعة مزيد من التدهور فى مكانة إسرائيل الدولية، خاصة أمام أوروبا والولايات المتحدة

إن المواجهة الشخصية والأيديولوجية بين إدارة الرئيس أوباما وحكومة نتنياهو، واتهام إسرائيل بفشل عملية السلام، والخلاف فى وجهات النظر فيما يتعلق بالمستوطنات، والمواجهة فى غزة التى أصيب فيها الكثير من المدنيين ورؤية إسرائيل على أنها الجانب الأقوى والأقل صدقاً فى الصراع، كل ذلك يؤدى إلى تآكل مستمر فى مكانة إسرائيل السياسية والأخلاقية. القرار الأوروبى بتحجيم منح البحث فى مناطق الخط الأخضر وكذا توصية الإتحاد الأوروبى بوسم المنتجات الإسرائيلية التى يتم إنتاجها خلف الخط الأخضر، تعتبر ملامح أولية للمشكلة -التى إذا لم يتم معالجتها- تكمن بها فرصة كبيرة لدهورة مكانة إسرائيل إلى مكانة دولة “منبوذة”. تحول حديث المقاطعة إلى حديث مشروع على الساحة الدولية يعتبر جانباً آخر لنفس المشكلة. فى الحقيقة حتى الآن حققت حركة  BDS إنجازات محدودة، لكن خطر انتقال عمليات المقاطعة من عالم المنظمات غير الحكومية إلى داخل المؤسسات الغربية بل وتمددها إلى المؤسسات الدولية، يجدر به أن يدق ناقوس الخطر فى القدس.

الملاحظة الثامنة التطورات الداخلية فى إسرائيل تهدد سلامتها، وتؤثر بشكل سلبى أيضاً على مكانتها الدولية.

إن التصريحات المتطرفة من اليمين واليسار، والإرهاب اليهودى، والتصريحات العنصرية التى بعضها عنيف ( ظاهرة ” تدفيع الثمن”، قتل الصبى أبوخضير فى القدس وقتل عائلة دوابشه فى قرية دوما)، والمبادرات التشريعية المثيرة للخلافات إلى جانب انضمام عناصر يسارية إلى حملة التحريض ضد دولة إسرائيل، كل هذا يؤدى إلى إنشقاقات وتعصب متزايد، من الممكن أن تفت فى عضد التضامن الإسرائيلى والسلامة القومية. وهى أيضاً تؤثر بشكل سئ على مكانة إسرائيل الدولية، لأنه على الأقل فى العالم الغربى، ظهور إسرائيل كدولة ديمقراطية غربية تحافظ على حقوق الإنسان وتمثل القيم الأساسية للحضارة اليهودية المسيحية هو أساس تأييد إسرائيل.

الملاحظة التاسعة التغييرات فى سوق الطاقة هى بالأساس تطور إيجابى بالنسبة لإسرائيل، إضعاف أعدائها وقدرتهم على تمويل زيادة قوة الإرهاب والأذرع السياسية

 

 

إن انخفاض أسعار النفط له توازن مختلط بالنسبة لإسرائيل، التى تتمتع كمستورد للنفط من انخفاض الأسعارز وهذه أيضاً مساهمة للإقتصاد العالمى الذى يتحرر من تكلفة الطاقة العالية، وبذلك تشكل مساهمة غير مباشرة للإقتصاد الإسرائيلى، الذى له أسواق حول العالم. العدو الأساسى لها –ايران- ضعف وتقلصت قدرته على تشجيع التآمر والإرهاب وبناء قوة العسكرية. و”سلاح النفط” العربى لايمكن أن يستخدم ضد إسرائيل وحلفائها، لكن من الممكن أن يعرض انخفاض أسعار النفط إلى مستوى ضعيف الإستقرار الإقتصادى والمالى للعديد من الدول والقطاعات الإقتصادية والصناعات الأساسية للخطر. وفى خلال ذلك فإن تهديد استقرار السعودية وزيادة معدل الفقر والركود الإقتصادى فى الشرق الأوسط ، كلها نابعة من انخفاض أسعار النفط. ومن جانب إسرائيل فإن انتاج الغاز الإسرائيلى فى البحر المتوسط يساهم فى تعزيز مكانتها الإستراتيجية واستقلالها فى مجال الطاقة. ومع ذلك فقد اتضح أن قدرة إسرائيل على استخدام تصدير الغاز لدول فى الشرق الأوسط كآداة لدفع أهدافها الإستراتيجية ليست أمراً مؤكداً، سواء بسبب القيود الداخلية فى إسرائيل أو بسبب تشبع سوق الغاز العالمى.

الملاحظة العاشرة التهديد على إسرائيل أصبح متنوعاً ومتعدد الجوانب

إذا كان التهديد فى الماضى أغلبه عسكرى ومصدره يأتى من جيش تقليدى عدو، فالتهديد اليوم مختلط، ويحمل فى أساسه مزيجاً من الإرهاب متعدد الجوانب وحرب العصابات، والذى يستخدم أدوات الجيوش النظامية. بالإضافة إلى أن هناك ” تهديدات ناعمة” فى المجال الإلكترونى، وحرب إعلامية وحرب قضائية تهدف إلى نزع الشرعية وماطعة دولة إسرائيل. وإلى جانب هذه التهديدات الجديدة من المهم أن ندرك أن التهديدات العسكرية الكلاسيكية لم تختفى، والتنظيمات الإرهابية المختلطة وكذلك إيران يتزودون بأسلحة متطورة ودقيقة وبعيدة المدى -براً وجواً وبحراً- والتى من الممكن أن تستخدم فى سيناريوهات مختلفة ضد إسرائيل. وعلى الجيش الإسرائيلى أن يستعد للمواجهة وإيجاد حل لتلك التهديدات المركبة والمتشابكة.

الملاحظة الحادية عشرة عنصر القوة والمعرفة الجديد – شبكات التواصل الإجتماعى

تحول الفيس بوك وتويتر ويوتيوب وواتس اب وشبكات التواصل الإجتماعى الأخرى إلى أكبر مجتمع فى الشرق الأوسط. ويستخدم شبكات التواصل الإجتماعى حالياً مايزيد عن 90 مليون عربى – حوالى 35% من السكان العرب فى الشرق الأوسط-. ويعمل مستخدمى شبكة الإنترنت دون توقف على مدى 24 ساعة يومياً، 7 أيام فى الأسبوع. وفى عالم تكون المعرفة فيه هى القوة كسرت شبكات التواصل الإجتماعى احتكار المعرفة، وتحولت إلى أكبر منصة معرفية فى العالم  حيث أوصلت المعرفة لكل من يريد، ومجاناً. بنية شبكة الإنترنت والقدرة على فتح صفحات جديدة تساهم فى عجز النخبة الحاكمة، والمثقفة والأمنية فى السيطرة على السيطرة على المحتويات وعلى المعرفة التى يطلع عليها الجمهور. إضافة إلى ذلك، شبكات التواصل الإجتماعى هى المنصة الديمقراطية والمتساوية الوحيدة فى الشرق الأوسط، والتى يمكن عن طريقها رؤية وسماع رغبات وتطلعات الشباب والنساء والأقليات الذين يشكلون غالبية السكان فى الشرق الأوسط. على الرغم من أن هذه الجماعة تمثل غالبية الجمهور، فإن صوتها غير مسموع وليس لديها تمثيل سياسى خارج هذه المنصات. والشبكات هى المكان الوحيد الذى ليست به حدود جغرافية، ونتيجة لذلك فإنه من غير الممكن مراقبة أو دفن الأفكار بعد ذلك.

الحرب على الدولة الإسلامية والعملية فى غزة بل والموجة الإرهابية الأخيرة من عمليات الطعن والدهس تشير إلى أنه يمكن تصفية الإرهابيين وهدم البنية التحتية للدول لكن لم يفلح أحد حتى الآن فى “قتل” الإنترنت وشبكات التواصل الإجتماعى، وعلى ذلك فإن الحصار أو السور أو الجدار لايمكنها وقف تدفق الأفكار التى تنتشر بشكل فيروسى خارج الحدود المغلقة. تغلبت الشبكة على الراديو والمساجد فى قدرتها على تحريك الأشخاص والجماعات نحو نشاط ما أو تجمعات. إنها الآداة الأساسية لغرس معلومات ووجهات نظر وأفكار (دعائية) فى وسط جماعات كبيرة، وتشكل حالياً أكبر آلية للتأثير وصياغة رأى عام فى الشرق الأوسط وخارجه.

الملاحظة الأخيرة اسرائيل قوية من الناحية العسكرية وهناك انخفاض فى التهديد العسكرى المباشر عليها وهى تنجح فى تجنب مواجهات وحروب واسعة النطاق

على الرغم من الحروب الأهلية بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وعدم الإستقرار الإقليمى، واستقرار التنظيمات الإرهابية حول حدودها بل ومواجهات كل عامين فى غزة، كانت إسرائيل حكيمة فى عدم الإنجرار لحرب واسعة النطاق. وامتناعها عن الهجوم على إيران، وسياسات عدم التدخل فى سوريا، والسلام المستقر مع مصر والأردن والصورة الرادعة لقدراتها العسكرية، أتاحت استمرار النمو الإقتصادى والإستقرار الإستراتيجى. التهديد التقليدى من جيوش نظامية لدول مجاورة اختفى تقريباً. ويجب على إسرائيل أن تركز فى إيجاد حل للتنظيمات الهجينة التى تمثل دولة نوعاً ما، والتى لديها قدرات إرهابية وعصابية متطورة فى القلب منها استخدام الصواريخ والقذائف. وفى المقابل تواصل إسرائيل كونها القوة العسكرية الأقوى فى الشرق الأوسط، والأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية وصاحبة القدرات الهجومية والدفاعية الأكثر تفوقاً. وعلى الرغم من ذلك فإن توقعات الجمهور فى إسرائيل من الجيش الإسرائيلى عالية جداً، وتوجب عليه مواصلة تقوية الفجوة النوعية أمام الأعداء الإفتراضيين فى القدرات الدفاعية، والهجومية فى عدة جبهات، بما في ذلك الجبهة الداخلية، وأمام عدد من التهديدات. ويظهر من التغير فى خارطة التهديدات أيضاً أن المعركة الأساسية هى ” المعركة بين الحروب”، والتى تزداد أهميتها نسبياً فى الإستعداد للحرب المستقبلية والتى ملامحها غير واضحة.

وإزاء هذه التأملات والتشخيصات الهامة، على القيادة السياسية والعسكرية فى إسرائيل بلورة استراتيجية مطورة للسنوات الخمس القادمة، فى العالم الذى يشهد تغييرات عنيفة، وفى منطقة مشبعة بالريبة وسلسلة من التطورات التى تنطوى على إشكاليات، هناك منطق كبير فى السياسات التى تتطلع لتجميد المساعى والقرارات حتى استيضاح الصورة الشاملة. كانت هذه بالفعل سياسة إسرائيل منذ بداية ” الربيع العربى”. اختارت الحكومة الإسرائيلية استراتيجية الوضع الراهن، ورأت نفسها ” فيلا فى الغابة” يجب وتستطيع أن تنفصل عن محيطها. بعد خمس سنوات من العاصفة الإقليمية، والتى ستتواصل نتائجها غير المستقرة لفترة كبيرة، يمكن أن نكتشف توجهات التغيير الأساسية وصياغة سياسات شاملة ومتعددة الجوانب واستباقية على أساسها، لمواجهة أفضل مع التهديدات الحالية على إسرائيل، واكتشاف الفرص النابعة من التطورات المحيطة بنا. وفيما يلى إحدى عشرة توصية وخاتمة واحدة حول الإستراتيجية العليا التى يجب على إسرائيل أن تتبناها:-

الأولى الشأن الإيرانى سقط ربما من جدول الأعمال اليومى الحالى، لكنه يشكل تهديداً وجودياً مفترضاص على إسرائيل، ويجب عليها أن تمنع تسلح النظام المتطرف الذى يدعو إلى إبادتها بالسلاح النووى. الفترة الزمنية الطويلة التى يتم فيها تجميد البرنامج النووى الإيرانى على مسافة عام واحد من القنبلة تتيح لإسرائيل نطاق تخطيط لخمس بل وربما عشر سنوات للأمام. يجب أن يكون لدى إسرائيل خطة بناء قوة تتيح لها مواجهة السيناريوهات المختلفة، مثل خرق الإتفاق وإلغاؤه والإنطلاق الإيرانى العلنى او السرى نحو القنبلة. على إسرائيل أن تستعد لأن تكون هى من يستغل تلك الفترة الزمنية بصورة أفضل، وتقوم ببناء قدرات معززة وجديدة لمواجهة إيران فى جميع جوانب عملها.

ثانياً على إسرائيل أن تبادر باتفاقات موازية مع الولايات المتحدة، تتيح لكلا الحليفتين التنسيق فيما بينهما فى الشأن الإيرانى

اسرائيل ليست شريكاً فى الإتفاق، وسيكون من الصحيح أن تصل إلى تفاهمات واتفاقات مع الولايات المتحدة فى عدد من الموضوعات الهامة. من المهم أن توافق على رد مشترك على خروقات الإتفاق النووى، وتقوية الغطاء الإستخباراتى أمام إيران، وشكل التعامل مع الجوانب غير النووية فى الأنشطة الإيرانية فى المنطقة –الإرهاب والتآمر-، وحزمة تعزيز امنى لإسرائيل والحفاظ على التفوق النوعى. من المهم ان نقيم إدارة للتنسيق الإستراتيجى والتى تعقد فى إطارها لقاءات بشكل منظم ودائم ومناقشة للتطورات فى إيران وأنشطتها، وتنسق الأنشطة أمامها. هذه الإدارة تتيح التعامل مع تواصل الأنشطة الإيرانية المضرة بالمنطقة، وأن تجد طريقاً لمواجهة البرنامج النووى الإيرانى حين يتم رفع جزء كبير من القيود، بعد عشرة إلى خمسة عشر عاماً. فى المقابل يجب فحص ما إذا كانت قد بدأت عملية إصلاح داخلية فى إيران، وإذا كانت هناك ملامح لتغييرات إيجابية فى تصرفاتها.

ثالثاً الفرصة الهامة لإضعاف إيران كامنة فى سوريا

سوريا هى مدخل إيران إلى العالم العربى، وعن طريقها تحافظ على الإتصال بحزب الله وتقويته بل وجماعات فلسطينية متطرفة. وإضعاف نظام الأسد ورحيله هى مصالح إسرائيلية واضحة. وهكذا فقط يتم إلحاق ضرر كبير بإيران وحزب الله. على إسرائيل أن تجد طريقاً لمسانة الخطوات التى لايشكل فى نهايتها نظام الأسد عنصر مهيمن فى سوريا، من خلال عدم تقوية الفصائل السنية المتطرفة وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية. ومن جانب إسرائيل يمكن التعامل مع هذه العناصر تدريجياً، من خلال البحث الدائم عن الأولوية الصحيحة. ولتحقيق هذه الأهداف على إسرائيل ان تطور أدوات جديدة، مبتكرة وأكثر فاعلية، من خلال التعاون مع حلفائها البارزين مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا، بل ومع تركيا والسعودية، التى تهتم هى أيضاً بإبعاج إيران عن سوريا وتغيير نظام الأسد.

التوصية الرابعة على إسرائيل أن تستعد من الناحية العسكرية والسياسية لإحتمالات أن لاتعود سوريا لتكون دولة واحدة، وتتواصل المواجهة بها لسنوات طويلة.

يجب أن تضمن إسرائيل أن يتم إضعاف المحور الراديكالى بقدر الإمكان فى سوريا المستقبلية، ويتم إبعادهم بقدر الإمكان عن هضبة الجولان. إذا تم تقسيم سوريا، فإن العناصر السورية التى يمكن لإسرائيل أن تتعاون معها هى التنظيمات السنية المعتدلة والدول الداعمة لها كالسعودية ودول أخرى فى الخليج، والأردن وتركيا. على إسرائيل أن تبحث بشكل دائم إذا ما كان السعوديون والأتراك داعمون بالفعل للعناصر المتطرفة التى انضمت مؤخراً إلى الدولة الإسلامية أو القاعدة. على أى حال، يجب بحث ومحاولة صياغة المسودة الأمنية المطورة فى هضبة الجولان، إذا كانت مواصلة فصل القوات الحالى أو وفقاً لقواعد العمل والردع المختلفة أمام العناصر التى تتمركز فى الجولان السورى.

التوصية الخامسة على إسرائيل أن تستعد لمواجهة شاملة مع حزب الله

كما هو معروف، التهديد النووى الإيرانى تم تجميده لعدة سنوات، والجيوش النظامية التى على حدودنا فى دول سلام، أو تم تدميرها فى الحرب الأهلية الطويلة. التهديد العسكرى الأساسى على إسرائيل فى هذا الوقت هو حزب الله. يواصل التنظيم زيادة قوته عن طريق سلاح هجومى ودفاعى من انتاج روسيا، وإيران وسوريا. مدى الصواريخ والقذائف التى بحوزة التنظيم يغطى جميع أنحاء إسرائيل. الدقة والقوة التدميرية لها تتزايد بل ويقوم حزب الله بتطوير قدرات هجومية يخطط فى إطارها للسيطرة على أراضى فى إسرائيل. على إسرائيل أن تتأكد من أن لديها حل هجومى ودفاعى ورادع وحاسم أمام حزب الله. عليها أن تتعامل مع حزب الله وإيران ككيان سياسى واحد يهاجم إسرائيل، وأن تضرب أهداف للبنية التحتية القومية فى لبنان كجزء من المعركة الشاملة.

التوصية السادسة على إسرائيل أن تنتقل إلى الخطوات المبادرة والمستقلة على الساحة الفلسطينية

سيكون من الصحيح المبادرة بخطوة شاملة تدفع إسرائيل نحو مسودة الحل الذى تريده. إسرائيل لديها أربعة مسارات ممكنة ويجب اختبار كل منها فى على التوازى أو بشكل متدرج، إذا لم تنجح الخطوة السابقة؛ مثل المفاوضات المباشرة مع الفلسطينيين تطلعاً نحو تسوية دائمة، أو تسوية إقليمية بالتعاون مع الدول العربية المعتدلة، أو سلسلة من التسويات المبدئية من خلال التقدم فى الموضوعات التى يمكن تنفيذها. إذا لم ينجح ذلك كله، على إسرائيل أن تتخذ خطوات مستقلة تؤدى إلى صياغة استباقية لحدود الدولة المستقبلية. ويجب أن تشمل الخطة مسودة أمنية مناسبة والإهتمام بالتأييد الدولى، الذى يتم الحصول عليه بعد أن تعرض إسرائيل مواقف معتدلة فيما يتعلق بحل الدولتين فى القنوات ثنائية الجانب ومتعددة الجوانب. كل هذا يشكل شرطاً أساسياً لخطوة مستقلة ناجحة.

التوصية السابعة – إعداد الجيش الإسرائيلي لمواجهة أخرى مع غزة – على ضوء الدروس المستفادة من عملية “الجرف الصامد”.

لا يمكن لإسرائيل أن تسمح لنفسها بالدخول في مواجهة أخرى تستغرق خمسين يوماً، وتنتهي بتعادل استراتيجي أمام أضعف أعدائها. إسرائيل، التي لم تنهِي المواجهة الأخيرة برَد يمنع استقواء حماس، عليها أن تملك آليات فعّالة لإنهاء المواجهة مع التنظيم بسرعة أكبر وبنتائج أفضل من السابق، لا سيما أنه ينبغي العثور على رد إسرائيلي للاستقواء العسكري لحماس بعد الجولة، التي تؤدي إلى مواجهة أخرى في المستقبل القريب. وبالتوازي مع ذلك تتطلب عمليات غير عسكرية لمنع الدخول في مواجهة، أو على أقل تقدير تأجيلها. يجب القيام بذلك عن طريق إسهام إسرائيلي في بناء واقع اقتصادي-سياسي أفضل في غزة، يصعّب على حماس كسر اتفاق وقف إطلاق النار.

التوصية الثامنة – الاستعداد للصراعات، والمواجهات والقتال في أبعاد غير حركية

يستدعي كل من السايبر “المجال الإلكترونى”، والحرب القضائية، وصرع العقول والآراء في مواقع التواصل الاجتماعي وأمام حركة BDS استعداداً جديداً لاستخدام القوة – “القوة الناعمة”. هذا هو مقياس القوة الذي لا يقل تأثيره في القرن الـ 21 عن تأثير استخدام القوة الحركية للجيش. إن قضية تقرير “جولدستون”، والخوف من تقديم بلاغات ضد إسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، وتحديد المنتجات الخاصة بالمستوطنات، ونشاط حركة BDS والتحريض على مواقع التواصل الاجتماعي يشير إلى نقطة ضعف واضحة في الأمن القومي الإسرائيلي. من الضروري تحليل خصائص “ساحة القتال الناعمة” وأن نوّفق معها، مبادئ القتال التقليدية، وكذلك أيضاً أن نشكّل ونطّور مبادئ جديدة مشتقة من القدرات المستمدة من طابع القتال ومن الأبعاد الجديدة. يجدر بنا أن نحدد ما هي الجهات التي ستتصدى لهذه التهديدات، وإذا لزم الأمر – ينبغي إقامة جهات معنية بهذه الأمور. ينبغي أن نصيغ استراتيجية مناسبة، وأن نغير التوازنات في تخصيص الموارد وأن نثبت نشاط منسق ومزدوج من عناصر “القوة الناعمة” مع عناصر “القوة الخشنة” التقليدية، حيث أن الحاجة إليها كبيرة وقائمة.

التوصية التاسعة – تعميق التحالف مع الدول العربية البراجماتية

يفتح الاستعداد ضد التهديدات المشتركة نافذة للتعاون بين دولة إسرائيل وبين دول عربية. تمثل هوية المصالح قاعدة لم يسبق لها مثيل لتطوير منظومة العلاقات الوثيقة مع الكتلة السنية، التي ستخدم إسرائيل سواء على المدى القصير أو على المدى الطويل. القدرة على الاستعداد سوياً أمام تهديد التآمر الإيراني، والتطلع إلى قنبلة نووية وإلى هيمنة إقليمية وكذلك مساعدة إسرائيلية لمحاربة “الدولة الإسلامية” – مهمة بالنسبة للطرفين. ومع ذلك، بناء هذه العلاقات مرهون بالتقدم على الساحة الفلسطينية.

التوصية العاشرة – تحسين العلاقات الإسرائيلية مع حلفائها وعلى رأسها الولايات المتحدة ودول أوروبا

خطوات إسرائيلية بسيطة نسيباً من شأنها أن تغير الأجواء أمام دول الغرب. إن تجميد مستوطنات نائية تقع خارج الكتل الاستيطانية، تعد خطوات لتشجيع الاقتصاد الفلسطيني وخاصة خطوة سياسية كتلك التى ذكرناها أعلاه – كل هذا من شأنه أن يخلق تغييراً جذرياً في العلاقات بين إسرائيل وحلفائها. في الوقت الذي يقتنع العالم فيه بأن إسرائيل جادة وصادقة في نهجها لعملية السلام ولحل الدولتين، يترتب على ذلك مكاسب سياسية واقتصادية.

وفي النهاية – تجديد وترسيخ التفوق الأخلاقي لدولة إسرائيل

على دولة إسرائيل أن تتحرك من خلال موقف أخلاقي قوي – موقف نابع من عمل يشير إلى تطلع صادق إلى السلام، والتوقف عن التحكم في شعب آخر وحفظ مبادئ ديموقراطية ومستنيرة في إدارة الدولة.

الاستراتيجية العليا

لإسرائيل قدرة على المناورة والبحث عن فرص لتعزيز مكانتها السياسية، والأمنية، والاستراتيجية لاسيما بسبب التطورات المستعرة في الشرق الأوسط التي حدثت في السنوات الأخيرة. من بين هذه القضايا: الفترة الزمنية في القضية النووية الإيرانية، وتهديد “الدولة الإسلامية”، والفهم الواسع في العالم بل وفي الشرق الأوسط أن القضية الفلسطينية ليست العامل الرئيسي فى أمراض المنطقة، وأن هذه القضايا تفتح نافذة لتحالفات محتملة مع عناصر براجماتية في العالم العربي وتسمح بتشكيل استراتيجية عليا شاملة وفعّالة. يتوسط هذه الاستراتيجية الاعتدال والمرونة في الساحة الفلسطينية لصالح توطيد العلاقة مع الدول العربية السنية البراجماتية، وتأهيل وتعزيز العلاقات مع أوروبا والولايات المتحدة. سيتيح التنسيق والتعاون الجيد مع الولايات المتحدة الاستعداد أمام إيران، التي قد تصل إلى قدرة نووية عسكرية على المدى الطويل، وأمام تهديدات حزب الله و”الدولة الإسلامية” القائمة على المدى القصير. في الوقت الذي تتكامل قوة إسرائيل العسكرية مع فطنة سياسية وشرعية دولية، هذا التكامل الذي سيؤدي إلى تدعيم ملحوظ لإسرائيل وسيمكنها من الاستمرار بنجاح في مواجهتها مع كافة سيناريوهات التهديد المستقبلية، بل وترسيخ تسويات السلام القابلة للتطبيق مع جيرانها.

 

معهد دراسات الأمن القومى

التقدير الإستراتيجى السنوى 2015-2016

عاموس يدلين