في إطار توزيع الأدوار بين اليمين واليسار الإسرائيلي – أو تملك الأدوار، يتوقف هذا على تاريخ ميلاد القارئ- السلام “يخص” اليسار، والأمن “يخص” اليمين. حينما يكون اليمين في السلطة و “لا يوجد سلام”، يشعر اليسار بأنه يمتلك رخصة انتقاد السياسات الإسرائيلية. وهكذا، حينما يرفض “نتنياهو” المقترح الفرنسي لإقامة مؤتمر سلام، ينتقده اليسار بطبيعة الحال. وحين يكون اليسار في السلطة و “لا يوجد أمن” يشعر اليمين بأنه يمتلك رخصة انتقاد السياسات الإسرائيلية. في الواقع، لم تتعاف إسرائيل بعد من رد فعل اليمين على “غياب الأمن” في التسعينيات؛ حينها لم يتردد اليمين في اتهام سياسات اليسار بالمسئولية عن التدهور الأمني.

لكن ماذا يحدث حينما “يغيب الأمن” واليمين هو الذى يتولي مقاليد السلطة؟ تتعرض إسرائيل، بالفعل، منذ أربعة أشهر لهجمات إرهابية. في القدس وحدها –”عاصمة إسرائيل الأبدية”، كما يروق لليمين تسميتها-حدثت 34 عملية إرهابية أو محاولات تنفيذ عمليات إرهابية، وفي كامل إسرائيل، قُتل 31 إسرائيلي واُصيب 302، منهم 28 في حالة خطرة.

بحسب ما يذكر اليمين، فإن السلطة الفلسطينية، برئاسة “أبو مازن”، قد شنت حملة تحريضية مرعبة وفعالة، تدور على صفحات الفيس بوك، وفي المؤسسات التعليمية وحتى من خلال دمى الأطفال. وفي الحقيقة، من شاهد تقرير “يورام كوهين” في القناة الأولى، أول أمس، فقد تملكته الدهشة من منظر الأطفال الفلسطينيين الذين يبلغون من العمر نحو ستة أعوام ويصرحون بأنهم يرغبون في قتل اليهود وتحرير فلسطين (الأطفال الذين تم اجراء الحوارات التليفزيونية معهم دون اخفاء هويتهم، وكأن الأطفال الفلسطينيين ليسوا أطفال فعلياً، ولا يحتاجون للحماية ذاتها التي تعرف وسائل الاعلام توفيرها للأطفال اليهود).

حتى وإن أغفلنا الأسباب لبرهة، فإن التحريض الفلسطيني يبدو كمنصة انطلاق لعملية مقاومة لا تضاهي الانتفاضة الثانية. ليس مصادفة أن يحذر منه العديد ممن نشأوا في المؤسسة الأمنية، أي من “اليأس”. يتعين علينا أن نسأل “بيبي نتنياهو”: يا للجحيم، كيف سمحت لهذا أن يحدث؟

يجب محاكمة اليمين على الوعود التي قطعها على نفسه، لا الوعود التي قطعها اليسار. اليسار منشغل، بشكل أساسي، بانتقاد اليمين على أنه لا يلبي معايير اليسار، ويتخلى تماماً عن مطالبة نتنياهو بتلبية معاييره هو نفسه. وبدلاً من مهاجمته على أنه لا يوجد سلام، وهو الوعد الذي لم يقطعه أبداً، مضطرون إلى سؤال رئيس الوزراء: أين، بربك، الأمن الذي وعدت به؟

بشكل متناقض، يستمر اليسار في اعتبار نتنياهو وحكومته متلقين لمطالب عديدة ومتنوعة، منها على سبيل المثال، الحرب على الإرهاب اليهودي، حماية المحكمة، والحفاظ على حرية التعبير، وحرية الصحافة، وحقوق الأقليات، وحقوق اللاجئين – حتى والأمر واضحاً أن اليمين لا يرى نفسه ملتزماً بتلك الموضوعات (على العكس تماماً). في نفس الوقت، لا ينجح اليسار في اعتبار رئيس الوزراء متلقي لما يجب أن يكون المطلب الأدنى الذي يطالب به كل مواطن حكومته: الحفاظ على أمننا-على الرغم من أن ذلك هو ما وعد به نتنياهو ذاته عدة مرات خلال حملاته الانتخابية.

هناك من يرون أن تخلي “نتنياهو” عن التزامه بالوقوف كرئيس وزراء إسرائيل –أي كسياسي-أمام الصراع التاريخي مع شركائنا في قطعة الأرض تلك، واختياره الاكتفاء فقط بوظيفة مدير، على أنه أمر مشروع. لكن حينئذ نكون مضطرين أيضاً إلى أن نسأل “نتنياهو”: هل تسمي هذا إدارة صراع؟ من/ماذا يمنعك من أن تفعل كل ما يروقك من أجل الأمن؟ فأنت ترأس أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل. ما هي مبرراتك لفشل الإدارة؟ بكل تأكيد: إذا كان الصراع عمل، ونتنياهو هو مديره، فإن الأربعة أشهر الأخيرة أثبتت أنه يجب إقالة المدير.

كارولينا لندسونهأرتس