وزير الخارجية النرويجي، بورغ براندا، هو احد وزراء الخارجية الاكثر نشاطا في العالم. يشارك  ويتفاعل. يده في كل شيء ويد الكل فيه. مثل سلفه في المنصب، فان النزاع الاسرائيلي الفلسطيني قريب الى قلبه. وهو يزور هنا أربع مرات في السنة على الاقل. وهو ضيف دائم في مكتب رئيس الوزراء في القدس وفي المقاطعة في رام الله. علاقاته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو طيبة وقريبة. قبل اسبوعين وصل براندا الى القدس مرة اخرى وجلس مع نتنياهو. أشركه في المزاج السائد في المحادثات التي يجريها مع نظرائه في ارجاء العالم.

  “عليك أن تعرف بان هناك أقاويل من كل الانواع″، قال براندا حسب دبلوماسيين غربيين اطلعوا على تفاصيل اللقاء. “الفرنسيون يدفعون مبادرتهم لعقد المؤتمر الدولي واوباما يقترب من نهاية الولاية. فهل تعتقد انه سيترك البيت الابيض دون ان يقول شيئا في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني؟ ولعله حتى يدفع الى الامام قرارا في مجلس الامن. فهذه الامور تبحث الان في كل العالم. يجدر بك أن تأخذ المبادرة وان تفعل شيئا ما الان، طالما كان هذا ممكنا”.

  نتنياهو لم يعقب حقا. فقد تمتم بشيء ما في أنه لا يعرف ما الذي يعده الامريكيون، اذا كانوا يعدون شيئا على الاطلاق، واضاف بانه يأخذ في الحسبان كل الامكانيات. اذا ما راجعنا سنواته السبعة في مكتب رئيس الوزراء، يصعب علينا أن نصدق بانه سيتبنى توصية براندا. ولكن خلف الرد الصاخب من نتنياهو يختبىء عدم يقين حقيقي قائم في القدس بشأن الرغبة أو انعدام الرغبة من الرئيس الامريكي براك اوباما لان يخلف إرثا في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني.

  روى موظف اسرائيلي كبير بان في مكتب رئيس الوزراء ووزارة الخارجية رسموا عدة سيناريوهات محتملة. الاول هو الا يفعل اوباما حتى نهاية ولايته شيئا في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني باستثناء خطوات لمنع التدهور. والاحتمالية التي يعزونها لتحقق هذا السيناريو ليست عالية. امكانية اخرى هي ان يلقي اوباما خطابا يعرض فيه الرؤيا الامريكية لحل المسائل الجوهرية للنزاع – الحدود، الامن، اللاجئين وتقسيم القدس. ويقوم الخطاب على اساس مسودة اتفاق الاطار التي كاد وزير الخارجية جون كيري ينجح في وضعها في بداية 2014. الاحتمالية التي تنسب لتحقق هذا السيناريو عالية جدا.

  غير أن ما يقلق الكثيرين في القدس هو السيناريو الثالث الذي يصبح فيه الخطاب الرئاسي قرارا في مجلس الامن في الامم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة. وحسب هذا السيناريو، والذي لا ينسبون له في القد احتمالية عالية وان كانت لا بأس بها، هي أن يعمد اوباما الى خطوة بين الانتخابات للرئاسة الامريكية في 8 تشرين الثاني واداء الرئيس او الرئيسة الجديدة اليمين القانونية في 20 كانون الثاني. في هذه الفترة سيكون اوباما متحررا من كل اضطرار سياسي ويتمكن من تحقيق الخطوة بلا معيق.

  أول من شخص هذه الامكانية كان السفير الاسرائيلي في الولايات المتحدة رون ديرمر. فقبل نصف سنة، كثيرا قبل أن يطرح أي موظف في الادارة الامريكية الفكرة على شفتيه رسم ديرمر هذا السيناريو امام بعض من وزراء الحكومة ممن زاروا واشنطن وامام رئيس الوزراء نفسه. اذا قرر اوباما التوجه الى مثل هذه الخطوة لن تكون لاسرائيل أي امكانية لمنعها. ولا حتى من خلال حلفاء نتنياهو الجمهوريين في الكونغرس.

  السبب المركزي لانعدام اليقين في القدس هو انهم في البيت الابيض لم يقرروا حقا. الرئيس اوباما نفسه لم يجرِ حاليا حتى ولا بحث جدي واحد. السفيرة الامريكية في الامم المتحدة سمانتا باور امتنعت عن كل تناول للموضوع في اثناء زيارتها الى اسرائيل قبل اسبوعين. ومع ذلك، عندما سيجري اوباما بحثا في الموضوع سيكون لها تأثير كبير على قراره. للاقوال التي سمعتها ورأتها في اسرائيل وفي السلطة الفلسطينية في زيارتها سيكون دور هام في بلورة موقفها.

  امكانية خطوة تقرر إرث اوباما في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني بحثت بالفعل على مستويات ادنى في البيت الابيض وفي الخارجية الامريكية ويدور حولها جدال حقيقي. بعض من مستشاري الرئيس يعتقدون بان الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني هو طريق بلا مخرج وخسارة ان يضيع عليه حتى ولا دقيقة من الـ 11 شهرا المتبقية لاوباما في المنصب.

  قسم آخر من مستشاري اوباما وكذا مسؤولون كبار في وزارة الخارجية في واشنطن يعتقدون بان ارث الرئيس الامريكي في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني يجب أن يكون قرارا من مجلس الامن يحدد مبادىء حل النزاع. مثل هذا القرار يحل محل قرار مجلس الامن 242 من العام 1967 وقرار 338 من العام 1973 ويشكل مرجعية جديدة للمسيرة السلمية، يثبت وينص على حل الدولتين ويوضح للاسرائيليين والفلسطينيين ما هي التنازلات التي سيتعين عليهم ان يقدموها اذا ما قرروا ذات يوم في المستقبل بانهم يرغبون في استئناف المسيرة السلمية.

  في حالة قرار اوباما اتخاذ خطوة كهذه، فان المفتاح لنجاحه سيكون صيغة القرار التي ترفع للتصويت. اذا احب الطرفان القرار فمعنى الامر انه فارغ من المضمون. اذا ما احتفل احد الطرفين واعلن الاخر الحداد، فان هذا سيكون قرارا غير متوازن. اذا كره الطرفان القرار ورفضوه، فالمعنى هو أن هذا قرار جيد يركز بالضبط على تلك التنازلات التي ليسا معنيين بتقديمها. بالنسبة للاسرائيليين فان التنازل سيكون اقامة الحدود على اساس خطوط 67 مع تبادل للاراضي وكون القدس عاصمة الدولتين. بالنسبة للفلسطينيين سيكون التنازل الاعتراف باسرائيل كالدولة القومية للشعب اليهودي وتصفية امكانية العودة الجماعية للاجئين الى اسرائيل.

  التخوف في القدس من خطوة امريكية في مجلس الامن في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني خلق شكا كبيرا تجاه البيان الذي نشره قبل اسبوع وزراء خارجية الرباعية وقالوا فيه انهم قرروا وضع تقرير عن الجمود في المسيرة السلمية يتضمن ايضا توصيات للعمل. وقال موظف اسرائيلي كبير يعنى بالمسألة ان ذاك التقرير البيروقراطي ظاهرا وتوقيت نشره، حسب الجدول الزمني للادارة الامريكية، من شأنهما ان يتبينا كتمهيد للتربة لخطوة دولية في مجلس الامن.

  الى جانب الافكار عن إرث اوباما، الانشغال باسرائيل في البيت الابيض يتركز هذه الايام على محاولات اتمام اتفاق المساعدات الامنية للعقد القادم. السفير الامريكي في اسرائيل دان شبيرو ووزير الدفاع موشيه يعلون أعربا عن تفاؤلهما من احتمالات التوصل الى اتفاق في الاشهر القادمة. ومع ذلك، فان الخلافات الاساسية بين الطرفين، سواء على الحجم المالي للاتفاق أم على الشروط المرفقة به بقيت على حالها.

 في الاسابيع القريبة القادمة ستعقد سلسلة من اللقاءات على أعلى المستويات بين الطرفين في محاولة لاحداث اختراق. فنائب الرئيس الامريكي جو بايدن سيصل الى اسرائيل في 7 اذار. بعد بضعة ايام من ذلك يسافر وزير الدفاع يعلون الى واشنطن لاجراء محادثات على الاتفاق الامني وقبيل 20 اذار يصل نتنياهو نفسه الى مؤتمر اللوبي الاسرائيلي ايباك الى واشنطن. ويعتزم نتنياهو الوصول الى واشنطن في اليوم الذي يطير فيه اوباما في زيارة تاريخية الى كوبا.

من شبه المؤكد ان رئيس الوزراء سيبكر زيارته بعدة ايام كي يعقد لقاء مع الرئيس الامريكي كي يجمل الاتفاق الامني. ويفهم الطرفان بان المصلحة المشتركة هي الاتفاق على تفاصيل مذكرة التفاهم الامني قبل نهاية ولاية اوباما. لشدة الاسف، فان تجربة الماضي للعلاقات بين نتنياهو واوباما في السنوات السبعة الاخيرة تفيد بان ما من شأنه ان يتشوش، غير مرة يتشوش حقا.

-باراك رافيد -هارتس