إن زيارة ملك السعودية الملك سلمان بن عبدالعزيز والتى استغرقت خمسة أيام إلى مصر هى تعبير واضح عن متانة العلاقات بين البلدين منذ تولى عبدالفتاح السيسى السلطة فى يونيو 2013. الإطاحة بمرسى وإعلان جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية بعد ستة أشهر من ذلك، قوبل بترحيب فى الرياض، وتم الرد على هذا فوراً بمساعدة ضخمة قدرها 12 مليار دولار من جانب السعودية والكويت والإمارات. إن التقارب بين البلدين قد ظهر فى عدد من الطرق السياسية والإقتصادية. دشنت السعودية فى عام 2014 أكبر سفارة لها فى القاهرة، وقام السيسى شخصياً بزيارة المملكة لثلاثة مرات على الأقل فى العام الأول لحكمه. وخلال زيارته حظى بقلادة الملك عبدالعزيز، التى تحظى بها الشخصيات رفيعة المستوى أمثال الرئيسين جورج بوش وباراك أوباما.

لكن بموت الملك عبدالله فى يناير من العام الماضى، كان يبدو أن هناك تدهوراً فى العلاقات بين البلدين قد بدأ. وكانت وسائل الإعلام تشير إلى الخلافات بين البلدين حول مشكلة سوريا واليمن وإيران والإخوان المسلمين. فعلى سبيل المثال أصر السعوديون على الإطاحة بالأسد فى أى حل ممكن للحرب الأهلية، فى حين كان المصريون على استعداد لرؤية الأسد كجزء من الحل. بالإضافة إلى ذلك، على الرغم من أن المشكلة مشكلة دعم، لم تظهر مصر حماساً فى الرد على المبادرة السعودية وإرسال وحدات للقوات العربية التى ستقاتل فى اليمن. بمعنى آخر، كان لدى المملكة العربية السعودية ومصر وجهات نظر مختلفة فى قضايا الساعة فى الشرق الأوسط. لكن على الرغم من وجود الخلافات على المستوى التكتيكى، ليس هناك شك فى أن البلدين قد استمرا فى التعاون على المستوى الإستراتيجى إزاء المخاطر والتهديدات والتحديات الإقليمية.

بناء على ذلك، فإن زيارة الملك سلمان إلى مصر هى شهادة على العلاقات الوطيدة –بل والتحالف- القائمة بين البلدين. من ناحية تاريخية سياسية، تجدر الإشارة إلى أن التعاون بين مصر والسعودية كان سمة من سمات متانة العلاقات العربية، باستثناء فترات غير ممتدة اتسمت بتوترات وخصومات، بل ومواجهات عسكرية، كما كان الحال فى الصراع فى اليمن على سبيل المثال بين عامى 1962 و 1967.

ولهذه الزيارة عدة نتائج هامة فى العلاقات الثنائية، لصالح مصر بالأخص. فبحسب الصحافة المصرية تم التوقيع على ما لايقل عن 36 اتفاقاً تقدر بــ25 مليار دولار خلال الزيارة، ويشمل ذلك إقامة صندوق استثمار سعودى برأس مال 16 مليار دولار. إن أبرز ما تم تناوله هو منح مساعدة سعودية –وربما خليلجية بشكل عام- لتأهيل سيناء، بما يشمل إقامة منطقة تجاة حرة، وبناء جامعة فى منطقة الطور تحمل اسم الملك سلمان، وكذلك بناء جسر يربط بين مصر (سيناء) والمملكة العربية السعودية. لسنا هنا بصدد فكرة جديدة، لكن فيما مضى منع اتفاق السلام مع إسرائيل –وربما أسباب داخليةل أخرى- تنفيذها. يسمح الجسر لملايين السياح والحجاج، وكذا البضائع التجارية بالعبور بسهولة من قارة إلى أخرى. هذا المشروع على غرار مشروع توسعة قناة السويس الذى تم إنهاؤه فى غضون عام واحد، من المفترض أن يكون هذا المشروع –إذا تم تنفيذه- مساهمة حقيقية للإقتصاد المصرى المتأرجح.

إن تركيز المساعدة على سيناء ليس أمراً مفاجئاً، لأنه بالطبع يهدف إلى بلورة جزء من مواجهة التحدى الذى تفرضه تنظيمات الجهاد الإسلامى فى المنطقة للنظام. يدرك النظام المصرى جيداً أن حل مشكلات شبه جزيرة سيناء لايكمن فقط فى الرد العسكرى، بل أيضاً فى تحسين الظروف المعيشية لمواطنى سيناء.

ظهر السياق الدينى فى الزيارة التى قام بها الملك سلمان إلى جامعة الأزهر، والتى تمثل مدرسة الإعتدال الإسلامى التى تقاوم تنظيم الدولة الإسلامية. ولم تكن زيارة سلمان بدوره خادم الحرمين الشريفين (مكة والمدينة) مع البطريرك القبطى، والتى هدفت إلى تعزيز مفههوم أن الإسلام يتعامل باحترام وتسامح مع أبناء الديانات الأخرى، أقل أهمية من ذلك.

وخلال الزيارة تم الإعلان أيضاً عن انتقال جزيرتى تيران وصنافير الواقعتين فى مدخل خليج العقبة، إلى الأيادى السعودية. وبمعنى أدق، كانت هاتين الجزيرتين تحت السيادة السعودية، لكن فى عام 1950 قرروا نقلهم امتيازها إلى مصر وذلك من اجل المقاطعة العربية والإغلاق البحرى المصرى على إسرائيل. تم احتلال الجزر من قبل إسرائيل خلال حرب 1967، لكن تمت إعادتها إلى مصر بعد اتفاق السلام. الجزر الآن تعود إلى أصحابها الأصليين. وليس هناك مايدعو إسرائيل للقلق من هذه الخطوة، على الرغم من الأهمية الإستراتيجية للجزر.

 أصدقاء فى مقاومة الجهاد

اتسمت الزيارة أيضاً بالسياسة الرمزية. فعلى سبيل المثال تم منح الملك سلمان أرفع وسام مصرى “قلادة النيل”، والتى تخصص للشخصيات التى أسهمت إسهاماً كبيراً لمصر. كان ذلك رداً بالطبع على الوسام الذى حصل عليه السيسى فى زيارته للسعودية. كما أن الجسر المخطط له للربط بين البلدين والقارتين سيطلق عليه –وفقاً لصحيفة المصرى اليوم- اسم “الملك سلمان وسايكس-بيكو”. ويثير اسم الجسر من النظرة الأولى دهشة، لكنه يهدف من جانب إلى التعبير عن التقدير للملك لدعمه المشروع الضخم، ومن جانب آخر لكى يحبط الفصل المصطنع الذى نشأ فى العالم العربى، فى أعقاب التوقيع على اتفاق سايكس-بيكو الإمبريالى قبل مائة عام بالضبط.

وسائل التواصل الإجتماعى، على عكس الصحافة الرسمية، نجد نقداً لاذعاً للسيسى بسبب المهانة أمام “الأخت” الغنية، وهو التصرف الذى لايتناسب مع مكانة مصر فى العالم العربى. لكن فى هذه الحالات، فإن الذين تحركهم مشاعر الكرامة الوطنية لايدركون أن هناك تعلق تام من قبل مصر بأموال دول الخليج. مصر ليست بالفعل رائدة العالم العربى كما كان الحال فى فترة عبدالناصر، وليست الأولى كما كان الحال فى فترة حكم السادات ومبارك. يبدو أن مصر السيسى تبحث مكانتها فى العالم العربى.

من الصعب حالياً تقدير مدى تنفيذ هذه الإتفاقيات التى تم التوقيع عليها، ومع ذلك يمكن القول بالتأكيد أن الأنباء التى تواترت حول تدهور العلاقات السعودية المصرية فى أعقاب صعود سليمان للسلطة كانت مبالغ فيها. يبدو التحالف المصرى السعودى قوى دائماً. نحن هنا بصدد أخبار سارة لإسرائيل، والتى تبحث عن حلفاء لها فى العالم العربى فى مواجهة التحدى الإيرانى والجهادى فى الشرق الأوسط.

 

 

معهد متفييم- دكتور أيلى فودة