وصلت النقاشات حول مذكرة التفاهم بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل بشأن المعونة الأمنية للعقد القادم، إلى طريق مسدود. والخطاب الذى أرسله 83 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكى إلى الرئيس أوباما الأسبوع الماضى، وتوجهوا فيه للرئيس بأن ” نحن على استعداد لدعم اتفاق بعيد المدى يزيد بشكل كبير من المعونة ويساعد على توفير الموارد التى تحتاجها إسرائيل للدفاع عن نفسها والحفاظ على التفوق النوعى العسكرى لها”، كان هذا الخطاب مهماً لكونه خطوة من الحزبين الأمريكيين، تعكس الدعم الحقيقى لإسرائيل فى مجلس الشيوخ. وتكمن أهمية الخطاب أيضاً فى طرح الأمر للنقاش الجماهيرى وتسليط الضوء على الفجوات الموجودة بين البلدين فى هذه القضية الهامة.

من المهم أن ندرك أن الفجوات فى وجهات المواقف بين إسرائيل والولايات المتحدة لايرتكز فقط على المبلغ النهائى فقط. هناك فجوات عميقة وخلافات فى وجهات النظر بين إدارة أوباما والحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بالرؤية الإستراتيجية للتهديدات فى الشرق الأوسط، ومدى كون إسرائيل كنزاً بالنسبة للولايات المتحدة ( والتى وفقا لــــــــ “عقيدة أوباما” لا ترى فى الشرق الأوسط منطقة مهمة كما كان فى الماضى لأمنها القومى)، وبالطبع لايمكن أن نشرح الفجوات بين الإدارات ونتغاضى عن ” الدم السئ” نتيجة للمواجهة التى وقعت بينهما فى الصيف الماضى أثناء النقاش حول الإتفاق النووى مع إيران.

وفيما يلى عشر قضايا أساسية، توجد بسببها فجوات مركزية بين الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية والتى تجعل التوصل إلى اتفاق حول المعونة للعقد القادم أمراً صعباً.

1الرؤية الإستراتيجية للتطورات فى الشرق الأوسط:- ترى إسرائيل فى الإتفاق النووى بين القوى العظمى وإيران اتفاقاً أحدث ضرراً لأمنها، ووفقاً لذلك من الجدير أن تقوم الولايات المتحدة التى تزعمت مسألة الإتفاق، بمساعدة إسرائيل فى مواجهة الأخطار الناتجة عنه؛ وهى على المدى القصير، كحل لزيادة الموارد التى تكون بحوزة إيران، والتى يمكن توجيهها للتآمر والإرهاب وعلى المدى المتوسط، إزاء بناء قوة عسكرية تقليدية ومتطورة تكنولوجياً فى الصناعة العسكرية فى إيران والشراء العسكرى من روسيا والصين وعلى المدى الطويل، فيما يتعلق باستقرار ايران مع وجود برنامج نووى شرعى وغير محدود المدى. بالإضافة إلى ذلك ترى إسرائيل خطراً محتملاً فى بيع السلاح المتطور للدو العربية البرجماتية- وسائل قتالية تهدف إلى تعويضهم عن الإتفاق النووى- والتى يمكن فى الظروف غير المستقرة فى الشرق الأوسط أن تكون موجهة ضد إسرائيل وتلحق ضرراً كبيراً بتفوقها النوعى. وفى المقابل، ترى إدارة أوباما فى الإتفاق النووى مع إيران انجازاً دبلوماسياً واستراتيجياً، يقلل من تهديد النووى على إسرائيل فى الخمسة عشر عاماً القادمة على الأقل، وتقدر الإدارة أن التطورات فى الشرق الأوسط ومن بينها الإضعاف المأساوى للجيش السورى يسهل على إسرائيل فى وضعها الأمنى.

2تقدير تطابق القيم والمصالح:- تتشكك الإدارة الأمريكية –وهذا الأمر لايقال بشكل مفسر- فى تطابق القيم والمصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو التطابق الذى كان أساس المعونة السخية لإسرائيل فى السنوات الماضية. ترى الإدارة الأمريكية فى العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين الحل الأفضل لأمن إسرائيل ويسود شعور بأن إسرائيل لاتقوم بما يكفى لدفع هذه العملية للأمام. وفى المقابل، تقدر إسرائيل أنه إذا حدث انسحاب اسرائيلى من الضفة الغربية ستنتج أخطار أمنية حقيقية عليها، على غرار الأخطار التى نتجت فى التسعينيات بعد اتفاق أوسلو أو فى أعقاب الإنسحاب من غزة فى عام 2005. بالإضافة إلى ذلك، ترى إسرائيل فى إيران وحزب الله وداعش التهديد الأساسى عليها، وهو التهديد الذى لن يختفى حتى إذا قامت إسرائيل والفلسطينيين بتسوية الصراع بينهما.

3قيمة إسرائيل كحليف فى الشرق الأوسط:- وفقاً لعقيدة أوباما، فإن الشرق الأوسط أقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة مقارنة بمنطقة آسيا والمحط الهادي. الولايات المتحدة لم تعد متعلقة بالطاقة الشرق أوسطية من اجل احتياجاتها الذاتية. إن وزن وقيمة إسرائيل كحليف قوى عسكرياً أقل أهمية بالنسبة للإدارة، التى لاتنوى التدخل عسكرياً فى الشرق الأوسط (مرة أخرى، وفقاً لعقيدة أوباما، كما تم تفصيلها فى لقاء مع جيفرى جولدبرج فى مجلة أتلانتيك). وعلى عكس سنوات الحرب الباردة، حيث كانت مساهمة إسرائيل فى المعركة مع الكتلة السوفيتية مهمة جداً، فى ربع القرن الأخير، فى حالات التدخل العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط، أرادت إسرائيل عدم التدخل. إسرائيل فى مقابل ذلك ترى نفسها الديمقراطية الوحيدة فى الشرق الأوسط، ومرساة للإستقرار وحليف مخلص للولايات المتحدة فى المنطقة فى أى سياق أو تطور مستقبلى.

4توقعات بزيادة إطار المعونة الأمنية:- توقعت إسرائيل زيادة تبلغ مليار دولار سنوياً على الأقل، بل ونشر رئيس الوزراء نتنياهو توقعات بأكثر من ذلك. وتعرض الإدارة من جانبها زيادة تبلغ 3.7 مليار دولار كزيادة 20% فى المساعدات المقدمة لإسرائيل، لكن زيادة الكونجرس للمعونة الأمنية البالغة حوالى نصف مليار دولار لموضوعات محددة – منظومة حيتس والقبة الحديدية وكذا لمسألة الأنفاق- التى تم منحها فى الماضى كزيادة للمعونة الأمنية، دخلت بواسطة الإدارة إلى أساس المعونة فى العقد القادم ولذلك تجعل الزيادة المقترحة ب20% قليلة.

5إمكانية طلب معونة إضافية من الكونجرس بخلاف الإتفاق الأساسى:- كما هو معلوم، أضاف الكونجرس فى الماضى ميزانيات واضحة بخلاف المعونة التى أرادتها الإدارة. هذه الميزانية تأتى فى أغلبها من ميزانية البنتاجون وليس من ميزانية المعونات الخارجية. وتريد الإدارة من إسرائيل التعهد بعدم طلب زيادات محددة من الكونجرس، بخلاف المعونة التى يتم الإتفاق عليها. وإسرائيل من جانبها ترى فى حق التوجه إلى الكونجرس فى موضوعات هامة تظهر لاحقاً، مرونة هامة لايجب أن تتخلى عنها.

6التركيب الداخلى لحزمة المعونة:- منذ تم إلغاء مشورع الطائرة ” لافى” فى نهاية الثمانينيات تم السماح لإسرائيل بتحويل حوالى ربع أموال المعونة ( التى هى فى الأصل “قسيمات شراء” دولارية فى الولايات المتحدة) إلى شواكل، من أجل عمليات الشراء من الصناعات الأمنية الإسرائيلية “والتى تضررت آنذاك من إلغاء المشروع”. عمليات الشراء هذه تتيح لإسرائيل تطوير حلول إسرائيلية مميزة، تحافظ على تفوقها النوعى. وفى المقابل، تزعم الإدارة الأمريكية أن الصناعات الإسرائيلية فى عام 2016 قد بلغت أشدها بل وتنافس الصناعات الأمريكية بنجاح، ولذا فإن تسوية حزمة المساعدات هذه يجب أن يتم إلغاؤها. الأمر من جانب إسرائيل ضرراً بالغاً للصناعات الأمنية الإسرائيلية، والقدرة على الحفاظ على التفوق النوعى، وعبء إضافى بمبلغ 3 مليارات شيكل على الميزانية الأمنية بالشواكل وهى الميزانية التى تواجه صعوبة فى تلبية الإحتياجات الضرورية.

7فهم القيود الخاصة بالميزانية فى الولايات المتحدة:- تشير الإدارة الأمريكية إلى مشكلات صعبة فى التصديق على زيادات فى الميزانية، وتضخم كبير فى الميزانية الفيدرالية واستقطاع فى ميزانية البنتاجون وصعوبة تقديم مساعدات لمزيد من الحلفاء، وأيضاً إلى القيود التى يضعها الكونجرس أمام أى توسيع فى الميزانية. إسرائيل، فى مقابل ذلك، تشير إلى علاقة خاصة من جانب الكونجرس، والذى يرى فى الدعم الأمنى لإسرائيل أمراً مختلفاً ( كما جاء فى خطاب أعضاء مجلس الشيوخ) وعن الفوائد الأمنية التى تجنيها الولايات المتحدة نتيجة لتقوية الجيش الإسرائيلى والصناعات الأمنية الإسرائيلية.

8– تقدير ما يمكن الحصول عليه من الإدارة القادمة:- تشير إدارة أوباما إلى الصعوبات التى ستقف أمام أى إدارة مستقبلية سواء جمهورية أو ديمقراطية عندما تقوم بدراسة مسألة زيادة المعونة المقدمة لإسرائيل. تشير الإدارة إلى تصريحات دونالد ترامب الذى قال ” على الدول التى تتلقى معونات عسكرية من الولايات المتحدة أن تدفع فى مقابل ذلك”، كنموذج لإدارة لن تدفع حتى لإسرائيل ما تستعد إدارة أوباما لدفعه. فى إسرائيل، فى مقابل ذلك، يقدر الكثيرون بأن أى إدارة مستقبلية تقريباً ستقوم بتغيير الموقف المتشائم لأوباما فيما يتعلق بالشرق الأوسط وسترى فى التعزيز الحقيقى لقوة إسرائيل جزءاً لايتجزأ من استراتيجية مطورة لمواجهة التآمر الإيرانى، ودعم الإرهاب وسعيها إلى امتلاك القدرة النووية.

9-العلاقة بين المسألة الفلسطينية وتركة الرئيس:- هناك فى الحكومة الإسرائيلية من يقلق من منح إدارة الرئيس أوباما فرصة لإثبات دعمها غير المتناهى لأمن إسرائيل عن طريق اتفاق معونة لعشر سنوات، والتى سيتم عرضها من قبل الإدارة على أنها سخية وهكذا يسهل عليها الأمر العمل على الساحة الفلسطينية بدون موافقة إسرائيل أيضاً. وستكون المساعى الشائكة لإسرائيل على الساحة الدولية بشكل عام ( على غرار المبادرة الفرنسية) ومجلس الأمن بشكل خاص (اقتراحات لإدانة الإستيطان وتبيان عدم مشروعيته)، واقتراح عوامل تنطوى على إشكالية فى التسوية (كبديل للقرار 242) سيكون كل ذلك تركة شائكة جداً فى نظر إسرائيل.

10فجوة الثقة الشخصية:- إن العلاقات بين الرئيس أوباما وكبار رجال إدارته برئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو تعانى من غياب الثقة الأساسية، والذى زاد بمرور السنين ووصل إلى ذروته فى المواجهة بينهم بعد الإتفاق النووى مع إيران وفشل مساعى وزير الخارجية جون كيرى من أجل السلام. إن غياب الثقة يمثل صعوبة فى إدارة حوار موضوعى بين الإدارتين وكذلك على قدرة القادة على اللقاء فى لقاء قمة لتوضيح القضايا الهامة وحسم أمرها. لايعترف أياً من رجال الإدارة بذلك، لكن يبدو أن “الدم السئ” بين القادة يقلل من استعداد الإدارة لمنح رئيس الوزراء الإسرائيلى إنجازاً فى مسألة المعونة الأمنية.

 

خاتمة وتوصية للسياسات

يتطلب الأمر وجود رؤية شاملة للعلاقات الأمنية بين إسرائيل والولايات المتحدة. ومذكرة التفاهم بشأن المعونة الأمنية كان من الواجب أن تكون جزءاً من توجه موسع، يتطرق إلى العديد من العوامل المتعلقة بأمن إسرائيل أمام التهديد النووى الإيرانى وإرهاب حزب الله، وداعش وحماس. فى الصيف الماضى طرح كاتب هذه السطور اقتراحاً بالتوصل إلى ” اتفاق موازى” وهو اتفاق ثنائى اسرائيلى أمريكى، يتطرق إلى جملة القضايا الأمنية والسياسية، المنبثقة من مخاطر الإتفاق النووى الإيرانى. وقد كان موضوع مذكرة التفاهم فيما يتعلق بالمعونة الأمنية واحداً فقط منها. وكانت هناك موضوعات أخرى هامة وهى التفوق النوعى العسكرى الإسرائيلى، وتعزيز الدفاع ضد الصواريخ، وسياسات لمواجهة الإرهاب الإيرانى وكذلك التآمر الإيرانى فى الشرق الأوسط وإمداد حزب الله بالسلاح، والإستعداد لانتهاكات للإتفاق من جانب إيران ورد فعل منسق على عدم تغير نوايا النظام الإيرانى (خاصة التهديد المعلن بإبادة إسرائيل) قبل نهاية مدة الإتفاق النووى، وكذلك التعاون الإستخباراتى فى مجال السايبر بين إسرائيل والولايات المتحدة.

اتخذت الحكومة الإسرائيلية فى صيف عام 2015 موقفاً آخر، وهو المواجهة مع الإدارة الأمريكية والتعامل بفتور مع الإقتراحات الأمريكية بتوفير حل للمخاطر الناتجة عن الإتفاق النووى. وقد أضعف رفض مناقشة مسألة تعويض إسرائيل قبل التصديق على الإتفاق والتصويت عليه مع وزير الدفاع الأمريكى آش كارتر وكذلك خطاب التحدى الخاص بنتنياهو أمام الكونجرس، أضعف كثيراً من موقف إسرائيل فى المناقشات الأمنية بعد التصوبت فى الكونجرس. بالإضافة إلى ذلك، تحويل مركز الثقل فى العلاقات مع الأمريكان من وزارة الدفاع إلى مجلس الأمن القومى وهى الهيئة التى ضعفت بشكل كبير مؤخراً، يجعل مسألة جسر الفجوات القائمة بين البلدين فيما يتعلق بمذكرة تفاهم وبلورة موقف شامل لتعزيز أمن إسرائيل خاصة أمام إيران –كتهديد مفترض وتهديد تقليدى على المدى القصير والمتوسط- أمراً صعباً.

إن عدم التوصل إلى اتفاق فى ضوء مذكرة التفاهم التى تعود إلى صيف عام 2015 كان نتيجة لسياسات خاطئة تدفع إسرائيل بسببها ثمناً باهظاً أيضاً فى الموضوع الذى تزعم إدارة أوباما بكونها الإدارة الأكثر إيجابية لإسرائيل، وهو الموضوع الأمنى. ليس من الموصى به تجديد الإتصالات مع الإدارة الأمريكية بهدف بلورة اتفاقات شاملة فى الموضوعات الأمنية، وعلى رأسها الحل اللازم للتهديد الإيرانى بعيد المدى، والحفاظ على التفوق النوعى الإسرائيلى، وتحسين موقف إسرائيل فى مسألة التراخيص التكنولوجية والإستخباراتية. وإلى ذلك يجب أن يتم ضم اتفاق المعونة الأمنية. هكذا تكون أمام إسرائيل معونة أكبر بشكل عملى وليس صورى ولايضر بصناعاتها الأمنية. كما يجب السعى نحو اتفاق يتم فى إطاره الحفاظ على حق إسرائيل فى طلب زيادة من الإدارة القادمة والكونجرس إذا تحققت التنبؤات التشاؤمية فيما يتعلق بزيادة قوة إيران، أو داعش أو فى حالة تطور تحولات سلبية أخرى فى الشرق الأوسط.

 

معهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى

عاموس يدلين