كانت دعوات الوحدة دائماً وأبداً لقمة عيش رائجة فى احتفالات ذكرى ضحايا إسرائيل ويوم الإستقلال. إعتاد الساسة الإسرائيليون على مدى سنوات لإلقاء المواعظ فى خطابات تشبه فى طولها فترة الشتات اليهودى، فيما يتعلق بأوامر الوحدة التى تركها لنا الذين سقطوا، دون التوقف عن طعن بعضهم البعض بالسكين فى ظهره. ولايزال، يبدو أن خطابات المسئولين البارزين فى اليومين الماضيين قد شهدت دعوات الوحدة أكثر مما كان عليه الأمر فى السنوات السابقة. الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس الكنيست ورئيس هيئة الأركان العامة، وجميعهم أبرزوا رسالة متشابهة فى الإحتفالات الرسمية.

من المعقول أن الخلفية لذلك هى الأجواء الكريهة والمستعرة أكثر من المعتاد، والتى اتسم بها الخلاف السياسى فى إسرائيل فى العامين الماضيين. بنظرة أخرى، من الممكن أن نرى إشارات للتحذير بالفعل فى صيف عام 2014، حول خطف وقتل الفتية الثلاثة الإسرائيليين فى جوش عتسيون، وقتل الشاب الفلسطينى محمد أبوخضير فى القدس الشرقية وأحداث الحرب الأخيرة فى غزة، فى عملية الجرف الصامد. رئيس الدولة رؤوفين ريفلين كان من أوائل من كشفوا ذلك، ألقى قبل مايقرب من عام “خطابه القبلى” فى مؤتمر هرتسيليا فى محاولة لإعادة توصيف قواعد اللعبة مع أخذ الخلافات فى الإعتبار.

على الأقل فى الخطابات الكثيرة هذا الأسبوع، سمعت كلمات باقى قادة الدولة وهم متفقون مع ريفلين. لكن من الصعب معرفة مدى استيعاب الرسالة أو مدى تبنيها عن طريق الجمهور الإسرائيلى على اختلافه. فى الشهور الأخيرة لم يخفف احتدام الجدل حول تعليمات إطلاق النار، ورد الفعل المناسب على الهجمات الإرهابية وعدم مقارنتها بفترات تاريخية مظلمة، من حدة ذلك. ولم ينقل جميعهم الرسالة بالشكل الفكرى والمستنير الذى قام به الرئيس. حتى فى الطقس الجميل والمثير من إشعال الشعلة وقع حادث نشاز، حيث كون الجنود حملة الأعلام جملة ” شعب واحد، دولة واحدة”، لم يكن مطلوباً من الشخص أن يكون رئيس هيئة أركان عامة محب للتاريخ لكى يتحرك على الكرسى فى غير راحة.

إن من يعلم بالطبع المخاطر الحالية بشكل خاص هم كبار رجال الجيش. وأزمات الثقة التى وقعت فى الأسابيع الأخيرة فى القيادة، بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعالون ولواءات هيئة الأركان العامة، ليس نتيجة اختراع صحفى. وعلى غير العادة، فى اللقاء التقليدى لنتنياهو مع منتدى هيئة الأركان العامة قبل يوم الإستقلال لم يتم السماح للواءات بالحديث بحرية، خوفاً من أن يكون لديهم مايقولونه حول الشكل الذى تعامل به مع اللواء يائير جولان. كانت لدى نتنياهو بالفعل فى فترات حكمه السابقة أوقات توتر مع الجيش، أثناء فترة رئيس هيئة الأركان العامة اللواء أمنون ليفكين سحاق، وجابى أشكنازى بعد مرور حوالى 10 سنوات. كما كتب هنا، إن ما يثير الإرتباك هذه المرة، هو تسلل الجدل السياسى المشحون إلى صفوف الجيش والوحدات المقاتلة ( حتى وإن كانت لذلك سوابق، على سبيل المثال فى ظاهرة رفض الخدمة أثناء حرب لبنان الأولى أو فترة فك الإرتباط).

ومدى قلق رئيس هيئة الأركان العامة، جادى أيزنكوت من ذلك، يمكن أن نسمعه فى خطابه أول أمس، فى الإحتفال بيوم الذكرى فى محيط حائط البراق. فى الخطاب القصير لرئيس هيئة الأركان العامة ظهر الجذر “و.ح.د” فيما لايقل عن 11 مرة، بإضافات بشأن ” طريقنا المشترك”، للحفاظ على الأمن.

إن مرتدى الزى العسكرى أيزنكوت على وجه الخصوص كان كمن يلقى درساً أساسياً للجمهور فى المواطنة ( لايزال على مايبدو من كتاب دراسى قديم)، عن القادة والجنود أن يعلموا ” بدون أدنى شك، أن الشعب كله يساندهم ويقف وراءهم، حتى فى وجود اختلاف فى وجهات النظر. الوحدة ليست بالضرورة توافقاً، لكن ليس علينا أن نسمح لهذه الخلافات أن تضر بوحدة هدفنا. ثقة الجمهور فى الجيش الإسرائيلى ضرورية لتحقيق هدفنا، وهو الدفاع عن الدولة وضمان بقائها وإذا تطلب الأمر الإنتصار فى الحرب”. لو لم يكن هناك ميل لرئيس هيئة الأركان العامة للقراءة الرتيبة، عديمة الإصرار، كان من الممكن أن نسمع هذه التصريحات كتوسل للسياسيين بإعادة النقاش للخطوط الطبيعية وتحرير الجيش الذى اصطدم بمركز الخلاف، من عناق الدب الخاص بهم.

عشية يوم العيد نشرت صحيفة هاآرتس مقالاً يحمل فنتازيا مستقبلية لتسيفى برئيل، عن انقلاب عسكرى ينقذ به الجيش الديمقراطية الإسرائيلية من نفسها. فى الواقع من الصعب جداً رؤية ذلك يتحقق، حتى فى أكثر السيناريوهات تطرفاً. إن رئيس هيئة الأركان العامة الحالى أكثر يقظة من سابقيه بالقواعد والإلتزامات التى يفرضها عليه المفهوم المؤسسى. إذا لم يقم أريئيل شارون كوزير دفاع بإحاطة مكتب رئيس الوزراء بالدبابات على الرغم من التحذيرات من ذلك، فإن أيزنكوت لن يفعل ذلك بالفعل.

إن مواقف أيزنكوت فى الخلافات الأخيرة تمت بلورتها لاعتبارات مهنية. لكن سياسته – الإصرار على إحباط التدخل الخارجى فى تعليمات إطلاق النار، وإبقاء مساحة للنظر للمدعى العسكرى العام فى قراره بتحويل الجندى الذى أطلق النار فى حبرون للمحاكمة، ورفض القبول بتحويل الجيش إلى حقيبة اللكم التى تتلقى الضربات المتعددة من السياسيين- لها تداعيات سياسية. إن الهجمات على رئيس هيئة الأركان العامة من المتوقع أن تسحق ثقة الجمهور به، لكن الضرر الذى سيأتى من ذلك سيكون متبادلاً. نتنياهو يعلم جيداً أنه ليس هناك رئيس وزراء يستطيع أن يكسب على المدى البعيد من الصدام المباشر مع الجيش. لذلك، من المنطقى أن يختار فى النهاية وقف التوترات مع الجيش.

الظواهر العنيفة والعنصرية التى سادت فى الأشهر الأخيرة، على خلفية الهجمات الإرهابية الجديدة، ربما جعلت من الصعب على بعض المواطنين الإحتفال هذا العام بقلب راض بفعاليات الإستقلال. وعلى الرغم من ذلك، فى الدولة التى يمكن أن يتحول فيها الضابط “اليك سهلو” فى خلال عامين من مقاتل فى لواء الناحال إلى نجم لموسيقى الراب (جزء من الثنائى ” قهوة سادة قوية”)، صاحب أغنية مشهورة فى الإذاعة تحمل الكلمات ” أنا أثيوبى رسمى”، وأن يصبح بعد مرور حوالى عام إلى مركز جاذبية هام فى حفل إشعال الشعلة، فى الحقيقة ليس هناك ما يؤكد أن ” كل شئ على ما يرام”، كما يغنى سهلو وزميله أورى ألمو لكن ليس هناك أى شئ غائب.

وزير الشئون التكتيكية

اختفت مسودة تقرير مراقب الدولة بشأن آداء المجلس الوزارى السياسى الأمنى المصغر فى الحرب على غزة، من عناوين الصحف بعد تصدرها لها لعدة أيام. فى الدولة التى تتغير فيها الأخبار خلال 48 ساعة على الأكثر، ليست هناك مفاجأة. لكن تقارير مراقب الدولة حول الحرب ستعود لجولة أخرى فى العناوين لاحقاً. يضمن تسريب الوثيقة شديدة اللهجة إلى زيادة الجدل حول الصيغة النهائية للتقرير. كبار رجال المنظومة الأمنية الذين تمت الإساءة إليهم فى التقرير – وزير الدفاع، ورئيس هيئة الأركان العامة السابق بينى جانتس، ورئيس شعبة الإستخبارات السابق (وقائد المنطقة الشمالية حالياً) أفيف كوخافى- سيقلبون نتائجها. ليس هناك شك فى أن المدعين العسكريين والمواطنين قد بدأوا فى الإنشغال بذلك.

إن الضعف الأساسى الذى ينبه إليه مراقب الدولة يوسيف شابيرا يتطرق إلى آداء المجلس السياسى الأمنى فى العملية العسكرية. يتلقى شابيرا ادعاءات أعضاء الكنيست بأنهم فصلوا عن معلومات حيوية حول تهديد الأنفاق الهجومية قبل الحرب، ولم يتم إشراكهم بشكل مناسب فى القرارت خلال الحرب ولم يعلموا الفجوات التى تعترى التغطية الإستخباراتية. يشارك فى هذه الإدعاءات كثير من وزراء المجلس الوزارى، بغض النظر عن الإنتماء الحزبى الخاص بهم أو مسألة ما إذا كانوا أعضاء حالياً فى الإئتلاف أو المعارضة.

قال الوزير جلعاد أردان لمراقب الدولة بأن هناك خلل معروف فى الطريقة التى يتلقى بها أعضاء الكنيست المعلومات، وهو ما يجعل من الصعب عليهم المساهمة فى عملية اتخاذ القرارات. زعم أردان أنه يجب أن يتم منح الوزراء الفرصة والوقت للإستعداد لنقاشات المجلس الوزارى السياسى الأمنى المصغر واشتكى من أن الوزراء الذين ليسوا من أبناء المنظومة الأمنية ينزوون إلى هامش العملية. تعجب أردان أيضاً من أن نقاشات المجلس السياسى الأمنى المصغر تهرب إلى الصعيد التكتيكى للحرب، بسبب غياب رغبة الفريق السياسى رفيع المستوى للتطرق إلى قضايا استراتيجية فى هذا المنتدى. ادعى أردان وأفيجادور ليبرمان أن المجلس السياسى الأمنى المصغر لم يتم تنبيهه أثناء عملية “عودة الإخوة” فى الضفة الغربية فى يونيو 2014، والتى أوقفت فيها إسرائيل – تحت غطاء البحث عن الفتية المخطوفين- مئات من رجال حماس وأغلقت مؤسسات حماس فى الضفة بشكل ممنهج، لأن العملية من الممكن أن تكون لها تداعيات فى القطاع. وأضاف ليبرمان قائلاً “حتى عملية الجرف الصامد لم نعلم شيئاً”. وعضو حزبه الوزير يتسحاق أهرونوفيتش، قال لرجال مراقب الدولة أنه لا يتذكر أنه قد تم تخصيص مناقشة جوهرية لمسألة تهديد الأنفاق.

هاجم يائير لابيد مجلس الأمن القومى واتهمه بعدم إعداد الوزراء عن طريق نقل مواد ذات صلة قبل نقاشات المجلس السياسى الأمنى المصغر أثناء الحرب. وادعى أن المناقشة الأساسية التى تم تخصيصها للقطاع فى المجلس السياسى الأمنى المصغر، قبل أربعة أشهر من الحرب، كانت تهدف بالأساس إلى إقناع الوزراء بأنه لم يكن لائقاً بإسرائيل أن تسقط سلطة حماس فى غزة. قبيل اندلاع الحرب وفى الأيام العشرة الأولى منها، فى رأى الوزراء، سمع المجلس السياسى الأمنى المصغر من وزير الدفاع لعدة مرات، ومن رئيس هيئة الأركان العامة وكبار رجال شعبة الإستخبارات بأن حماس لاتهتم بالتصعيد الموسع. اعترضت شعبة الإستخبارات على الزعم بأنها لم تعرض على المجلس السياسى الأمنى سيناريوهات بديلة، لكن يبدو أن مراقب الدولة يقبل وجهة نظر الوزراء فى هذا الخلاف.

وقعت مواجهة من نتنياهو ويعلون طوال الحرب، فى القرارات فى المجلس السياسى الأمنى مع ليبرمان والذى أوصى باحتلال غزة، ومع الوزير نفتالى بينيت، الذى أراد عملية هجومية للقضاء على الأنفاق، وبعد نشر تقارير حول الخلافات، زعم مكتب رئيس الوزراء ومكتب وزير الدفاع أن بينيت يبالغ، ويدلى بدلوه ويتحدث فيما مضى لكى ينسب لنفسه قدرات على التنبؤ. على الأقل مسودة التقرير، على أساس نص المناقشات، تتبنى وجهة نظر بينيت.

قبل المراقب بادعاء بينيت بأنه منذ تشكيل الحكومة فى مارس 2013 وحتى 1 يوليو 2014 –على الرغم من العثور على جثث الشبان، قبل اندلاع المعركة فى القطاع بأسبوع- لم يتم عرض تهديد الأنفاق الهجومية بشكل مفصل فى المجلس الوزارى السياسى الأمنى، باستثناء إشارة قصيرة من جانب نتنياهو حول النقاش فيما يتعلق بالتقدير الإستخباراتى السنوى فى نهاية عام 2013. فى المناقشة فى يوم 30 يونيو، يوم العثور على الجثث، حذر بينيت من أن حماس حفرت عشرات الأنفاق الهجمية وأن الحديث هنا عن ضرر استراتيجى يتنظر تحقيقه فقط. أصدر نتنياهو كرد فعل على ذلك تعليمات للجيش ليعرض عليه خطه لمعالجة المشكلة، لكن مراقب الدولة يلاحظ أنه على الرغم من تصريحات نتنياهو وبينيت لم يطلب باقى الوزراء سماع تفاصيل أخرى. فى اليوم التالى، فى جلسة أخرى، تم عرض التصعيد المتطور حول الأنفاق التى قامت حماس بحفرها بجانب مستوطنة كيرم شالوم، وذلك للمرة الأولى. بعد ذلك بيوم واحد، مساء يوم 2 يوليو، تم شرح تهديد الأنفاق كله بشكل أكثر تفصيلاً. ينتقد شابيرا بشدة عرقلة عملية عرض التهديد والحل العملياتى تجاهه من المجلس السياسى الأمنى.

فى هذه الجلسات الثلاث طلب بينيت مناقشة عملية برية ضد الأنفاق وطلب الإطلاع على خطط عملياتية. وفى هذه الجلسات رفض نتنياهو ويعلون المناقشة بادعاءات مختلفة. طرح بينيت سؤالاً آخر يبدو جوهرياً، وهو هل الهجوم الجوى على عدد من فتحات الأنفاق لن يجعل من الصعب بعد ذلك تحديد مسار الأنفاق والقضاء عليها بصورة فعالة فى عملية برية؟ بعد الحرب اعترف جانتس فى حديث مع صحيفة هاآرتس بأن هذا قد حدث.

من أجل معرفة ما حدث فى نهاية هذا الجدل ليست هناك حاجة للإنتظار حتى يتم نشر النسخة النهائية لتقارير مراقب الدولة. اتضح بعد ذلك أن الجيش لم تكن لديه خطة هجومية مفصلة، بل فقط نية للتعامل مع عدد من الأنفاق. وعندما اتضح التهديد بكامل خطورته فى 15 يوليو، بعد أن خرج مخربى حماس من نفق بجانب مستوطنة سوفاه، اضطر الجيش إلى ارتجال خطة شاملة للتعامل مع 33 من محاور الأنفاق الهجومية. هذا المجهود، الذى لم يتم إعداده كما يجب، استغرق فترة أكبر وأدى إلى خسائر تفوق ما توقعته القيادة العسكرية أو تفوق ما تخيله الجمهور الإسرائيلى.

 

 

عاموس هرئيلمعاريف