تصريحات بنيامين نتنياهو الاخيرة أنه «لن نقبل أبدا بمبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات»، تنضم إلى قائمة طويلة من الاقوال الإسرائيلية التي ترد سلباً على افكار تقدم المفاوضات مع الفلسطينيين. بعد نشر التصريح المتصالح بأسبوعين، صب نتنياهو المياه على المبادرة العربية مُظهرا تعاليه تجاه الطرف العربي: «اذا فهمت الدول العربية أنه يجب عليها القيام بتعديل مبادرة السلام العربية حسب التغييرات التي ستطلبها إسرائيل. فعندها سيكون ما سنتحدث فيه». وخلافا للغة الإسرائيلية، فان مبادرة السلام العربية الاصلية تطالب إسرائيل بـ «اعادة تقييم سياستها».
منذ تم نشرها من قبل القمة العربية في 2002، لم ترد إسرائيل رسميا على مبادرة السلام العربية. واضافة إلى ذلك فقد تجاهلتها لسنوات طويلة أو عبرت عن معارضتها. وقد سماها افيغدور ليبرمان في 2009 «وصفة للقضاء على إسرائيل». ايهود اولمرت هو الوحيد الذي سعى من اجل تقدم المبادرة، لكن ذلك كان قليل جدا ومتأخر جدا، في الساحة السياسية كان هناك اشخاص تحدثوا ايجابا عن المبادرة، لكنهم ايضا حاولوا احداث التوازن من خلال الحديث عن نواقصها، ولم ينجحوا في خلق كتلة تؤدي إلى انقلاب في النظرة الإسرائيلية. الرأي العام الإسرائيلي ايضا بقي في الظلام، حيث أظهرت الاستطلاعات أن اغلبية الجمهور لا يعرف ما هو جوهر المبادرة.
لكن بالقدر الذي يقلق فيه رد حكومات إسرائيلي، فان ما يقلق أكثر هو الرد «البافلوفي» الإسرائيلي لكل خطوة خارجية تهدف إلى دفع عملية السلام. كلمة «لا» تحولت إلى علامة فارقة للسياسة الخارجية الإسرائيلية في موضوع الصراع. واليكم عدة امثلة:
أولا، إسرائيل عارضت اربع مبادرات فرنسية طرحت في العامين الاخيرين: فكرة تبني اقتراح قرار اوروبي في مجلس الامن من اجل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ومبادرة فرض الرقابة الدولية في الحرم، واقامة مجموعة دعم دولية ترافق المفاوضات، وفي الآونة الاخيرة ـ المؤتمر الدولي الذي تمت مرحلته الاولى في باريس في بداية حزيران.
ثانيا، رئيس الحكومة اعترض على تعاون إسرائيل مع الرباعية في عملية اعداد التقرير حول الجمود في المسار الإسرائيلي ـ الفلسطيني. ولكن عندما فهمت إسرائيل أن التقرير الذي تتم بلورته، ينتقدها، حاولت العمل عن طريق الولايات المتحدة لتخفيف هذه الانتقادات. سلوك مشابه أظهرته الحكومة في 2012 نحو توجه الفلسطينيين للحصول على الاعتراف في الامم المتحدة: في البداية رفضت المشاركة في المفاوضات حول صيغة القرار. وعندما رأت أن المسألة باتت محسومة، عملت مع الولايات المتحدة من اجل تغيير الصيغة.
ثالثا، إسرائيل ردت في البداية، بالتجاهل، وبعدها باستخفاف، على مبادرة الاتحاد الاوروبي التي طرحت في كانون الاول 2013، واقترحت تحسين علاقات الاتحاد مع الطرفين إذا قاما بتوقيع اتفاق سلام. في الوقت الذي اعتادت فيه الرد بهجومية على كل تصريح اوروبي انتقادي ـ على محاولة الاوروبيين اقتراح محفز ايجابي، ردت إسرائيل بالصمت. هذا الرد كان مفاجئا، لا سيما على ضوء حقيقة أن الاتحاد الاوروبي هو شريك تجاري أساسي لإسرائيل.
رابعا، إسرائيل أعربت عن معارضتها للخطة الأمنية الأمريكية التي وضعها الجنرال جون ألان في جولة المفاوضات الإسرائيلية ـ الفلسطينية الاخيرة. وقد زعم موشيه يعلون في 2014 أن الخطة لا تساوي الورق الذي كتبت عليه.
خامسا: أعرب نتنياهو في شباط عن قلقه من خطوة سياسية محتملة لبراك اوباما قبل مغادرته الحكم. والتي تعتمد على نشر «معايير» للسلام تقوم بتعديل صيغة كلينتون. حكومة باراك في حينه قالت «نعم» للرئيس الأمريكي اضافة إلى عدد من التحفظات.
سياسة «لا» الإسرائيلية لا تطبق فقط تجاه مبادرات حل الصراع، بل تجد تعبيرها ايضا في المعارضة القاطعة والفظة للاتفاق النووي مع إيران ومقاطعة لجان التحقيق أو المنتديات الدولية التي تقوم بانتقادها.
الردود السلبية الإسرائيلية على المبادرات الدولية تقلق ليس فقط من حيث جوهرها، بل ايضا من حيث طبيعتها. وبشكل عام هي مصابة بلغة فظة، وفي كثير من الاحيان تكون مهينة ومتعجرفة. هذا على الرغم من أن اغلبية المبادرات تأتي من دول صديقة لإسرائيل.
اذا تحول الرد «لا» إلى نمط سلوكي دائم في السياسة الخارجية الإسرائيلية فان هذه السياسة ستكف عن كونها تعبيرا عن التفكير العقلاني الذي يناسب التحليل والدراسة للواقع، بل ستصبح تعبيرا عن السلوك الايديولوجي و/ أو العاطفي. نمط الرد الإسرائيلي السلبي هو تعبير عن الخوف والقلق لدى القادة الحاليين من أي تغيير في الوضع الراهن. العالم الخارجي ـ سواء كان ممثلا من قبل داعش أو الاتحاد الاوروبي أو حتى الولايات المتحدة ـ يعتبر تهديدا. وأي تنازل هو بمثابة اشارة للخطر الوجودي.
سياسة «لا» لا يمكنها أن تكون وصفة تؤدي إلى مستقبل أفضل. إنها تبعد السلام وتلحق الضرر بالعلاقات مع الدول الصديقة وتضر بمصالح إسرائيل. في المرة القادمة التي ستوضع فيها مبادرة دولية ـ يفضل أن يشدد الرد الإسرائيلي على «نعم» بدل «لا»

بقلم : نمرود جورن وايلي فوده