نيمرود جورن -ايلي فوده

– معهد متفييم

اعلان نتنياهو أن إسرائيل “لن تقبل أبدا  بمبادرة السلام العربية كأساس للمفاوضات” ينضم إلى قائمة طويلة من التصريحات السلبية التي أدلي بها من قبل اسرائيل بحصوص محاولات  المجتمع الدولي والجهات الإقليمية  الفاعلة لدفع المفاوضات مع الفلسطينيين. بعد أسبوعين فقط  من اداء افيغدور ليبرمان اليمين في منصب وزير الدفاع, صب رئيس الوزراء الماء البارد على مبادرة السلام العربية حيث قال أنه “إذا ادركت الدول العربية الحاجة إلى تحديث مبادرة السلام وفقا للتعديلات التي تطلبها إسرائيل، فسيكون هناك شيء للمناقشة “. وعلى النقيض من لغة إسرائيل، مبادرة السلام العربية الأصلية” تدعو حكومة إسرائيل والإسرائيلين جميعا إلى قبول هذه المبادرة.

منذ أن قدمت المبادرة لأول مرة في قمة جامعة الدول العربية مارس 2002، لم تستجب إسرائيل رسميا للمبادرة. علاوة على ذلك، لفترة طويلة من الزمن، اختارت إسرائيل ان تتجاهل المبادرة، أو ببساطة معارضتها. بل ذهب ليبرمان الى  أبعد من ذلك في عام 2009،عندما عندما قال انها ليست اقل من “وصفة لتدمير إسرائيل”. وكان أولمرت هو الوحيد الذي حاول تعزيز المبادرة في نهاية ولايته ، ولكنها كانت محاولة  بسيطة جدا ومتأخرة جدا. وفي بعض الأحيان، اطلق عدة سياسيون  تصريحات ايجابية بشأن المبادرة، إلا أن الغالبية العظمى ركزت على السلبيات المزعومة في المبادرة. على كل حال، لم يكن هناك كتلة حرجة  من أنصار المبادرة قادرة في أي وقت على إحداث تغيير في النهج الإسرائيلي تجاه هذه المبادرة.

ظل الرأي العام الإسرائيلي أيضا في جهل تام حول المبادرة. وقد أظهرت استطلاعات الرأي أن غالبية الجمهور ليست على علم بها ولا بمحتواها. وفشلت محاولات العديد من منظمات المجتمع المدني لرفع الوعي العام حتى الآن لإحداث تغيير حقيقي. هذا على الرغم من الاعتراف المتزايد  بمزايا إشراك الدول العربية في عملية السلام، والفوائد التي ستترتب من تحسين العلاقات مع هذه الدول، بالتوازي مع التقدم في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

أصبحت كلمة “لا” السمة المميزة للسياسة الخارجية الإسرائيلية فيما يتعلق بالنزاع. وفيما يلي بعض الأمثلة النموذجية على ذلك:

أولا_   على مدى العامين الماضيين، عارضت إسرائيل أربع مبادرات فرنسية: فكرة اعتماد قرار مجلس الأمن التشجيع على الاعتراف بالدولة الفلسطينية. مبادرة لوجود مراقبين دوليين في الحرم القدسي الشريف. إنشاء مجموعة دعم دولية للمفاوضات الإسرائيلية-الفلسطينية. وأخيرا، عقد قمة سلام دولية، المرحلة الأولى التي جرت في باريس في أوائل يونيو 2016.

ثانيا_  رفض رئيس الوزراء التعاون مع اللجنة الرباعية في إعداد تقرير عن جمود عملية السلام الاسرائيلية-الفلسطينية. ومع ذلك، عندما ادركت  الحكومة الإسرائيلية  أن التقرير كان سلبيا تجاه اسرائيل، حاولت العمل من خلال الولايات المتحدة لتخفيف لهجة التقرير.كذلك  تصرفت حكومة نتنياهو على نحو مماثل في عام 2012 مع محاولةالوفد الفلسطيني في الأمم المتحدة لاقامة دولة فلسطينية. رفضت الحكومة مبدئيا المشاركة في أي مفاوضات بشأن نص القرار، وفقط عندما تم وضع اللمسات الأخيرة على النص قامت الحكومة باالعمل مع الولايات المتحدة لتغيير النص.

ثالثا_  تجاهلت إسرائيل وحتى سخرت في ديسمبر 2013 من  مبادرة الاتحاد الأوروبي لرفع مستوى العلاقات الإسرائيلية والفلسطينية مع الاتحاد الأوروبي الى وضع “شراكة متميزة خاصة” حال التوقيع على اتفاق السلام مع ملاحظة ان الانتقادات الاوروبية للسياسة الإسرائيلية عادة ما تواجه برد فعل  اسرائيلي  عدواني ، ولكن عندما تحاول أوروبا توفير حوافز ايجابية  لحل النزاع، فإنها تواجه بالصمت والرفض. هذا رد فعل يثير الدهشة خاصة في ضوء حقيقة أن الاتحاد الأوروبي هو  واحد من اهم الشركاء التجاريين الرئيسيين لإسرائيل.

رابعا_ أعربت إسرائيل عن معارضتها للخطة الأمنية الأمريكية، التي وضعها الجنرال جون ألين خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وعلاوة على ذلك، قال موشيه يعلون، وزير  الدفاع السابق، في يناير 2014 أن الخطة لم تكن حتى تساوي الورق الذي كتبت  عليه.

خامسا_ في فبراير 2016 أعرب نتنياهو عن قلقه إزاء احتمال أن يقوم  باراك أوباما قبل نهاية فترته  بالاعلان عن مقترحاته الخاصة بالسلام، وبالتالي استكمال الإطار الذي قدمه بيل كلينتون في نهاية فترة ولايته في ديسمبر كانون الاول 2000. و من المهم أن نلاحظ أن حكومة إيهود باراك في ذلك  الوقت ردت ب “نعم متحفظة”على مقترحات  كلينتون.

لا تنطبق  سياسة ” لا ” الاسرائيلية فقط على  المبادرات لتسوية النزاع. بل تنعكس أيضا في مجالات أخرى، مثل معارضة الحكومة الصارمة والصريحة لاتفاق نووي مع إيران، وحتى ايضا على اقتراح ألمانيا أن تكون إسرائيل مشاركة بشكل غير مباشر في المحادثات النووية. بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل غالبا ما تختار مقاطعة لجان التحقيق أو المحافل الدولية التي تعتقد أنها تنتقد اسرائيل عادة.

ردود الفعل السلبية للحكومة الإسرائيلية على المبادرات الدولية ليست مقلقة فقط في المحتوى، ولكن أيضا في الاسلوب والطريقة التي يتم من خلالها نقل  ردود الافعال التي تكون قاسية وغالبا ما تكون مهينة, هذا  على الرغم من حقيقة أن معظم هذه المبادراات تأتي من دول هي صديقة لإسرائيل.

إذا اصبحت  “لا”  سلوك  منتظم في السياسة الخارجية الإسرائيلية، فإنه ستكف عن كونها  تعبيرا عن التفكير العقلاني، لا بل عن كونها تعبيرا عن السلوك العاطفي و / أو الأيديولوجي.  سلوك اسرائيل من حيث ردود الافعال السلبية هو مظهر من مظاهر الخوف لدى القيادات الحالية والقلق بشأن أي تغيير في الوضع الراهن. ينظر في اسرائيل الى العالم الخارجي _سواء اكان داعش او الاتحاد الاوروبي والى حد معين الولايات المتحدة_كتهديد واي تنازل تقدمه اسرائيل يعتبر تهديد وجودي.

“لا” ليست وصفة سياسية من شأنها أن تؤدي إلى مستقبل أفضل. هذا السلوك يأخذنا بعيدا عن السلام ويضر بالعلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة، ويضر بمصالحنا. إسرائيل بحاجة لتغيير الاتجاه. في المرة التالية التي سيتم فيها عرض مبادرة دوليةعلى اسرائيل ، ينبغي أن  تستجيب القدس ب “نعم”، بدلا من “لا”.