-10-2014

ليئور وينتروب

 

هناك واحدة من اللحظات المؤثرة أثناء خدمتى فى واشنطن وقعت فى الشهر الأول لإدارة (أوباما) حينما التقى السفير مع نائب الرئيس (جو بايدن)، حكى بايدن عن زيارته لإسرائيل كسيناتور شاب وحواره مع رئيسة الوزراء آنذاك (جولدا مائير)، فى نهاية اللقاء وأثناء وقوفهم أمام الصحفيين عرضت رئيسة الوزراء أن تحكى لبايدن عن “السلاح السرى الإسرائيلى الذى يحول دون هزيمتها فى الحرب مع العرب” ، توتر السيناتو الشاب وتأهب وكان متأكداً من أن جولدا على وشك الكشف أمامه عن القدرات المتعلقة بمصنع المنسوجات فى ديمونا، وسمع فقط جولدا تقول أن سلاحنا السرى هو أنه ليس هناك مكان آخر نذهب إليه.

وقد تركت مقولة جولدا هذه أثراً عميقاً على بايدن، وكما هو معروف عن نائب الرئيس أنه يخلط نوعاً من الدعابة فى خطاباته حول إسرائيل، وقد تركت هذه المقولة انطباعاً عليَ، وقد  تذكرتها حينما احتدم الجدل حول استعداد الشباب الإسرائيلي ومن هم أصغر من ذلك للبحث عن مستقبلهم خارج إسرائيل.

هناك حق مع من يغضب من الإخفاء والسهولة التى يتم بها تصوير أن الإسرائيليين جيدون وجديرون وذوى قدرات، ومستعدون للتخلى عن المشروع الصهيونى .

صدق الشباب والشابات انه ليس هناك قيمة حقيقية تربطهم بإسرائيل، كقول أحدهم للقناة الثانية أن كون جدى تلقى رصاصة عام 1948 لايلزمنى بأى شئ، وإذا ماتمت دراسة التجربة الإسرائيلية بمصطلحات الفائدة والمصطلحات الإقتصادية فى مقارنة مع التجربة البرلينية أو الخاصة بنيويورك أو وادى السيليكون يجدون أنها أقل نضجاً وتحفها مخاطر عديدة.

الإحباط من الوضع الجيو سياسى والإقتصادى الحالى الذى تعيشه دولة إسرائيل حالياً ذو ثقل أكبر من ذكرى المحرقة النازية فى حسابات شبابنا بالطبع، لكن يجب أن نتفق أن هذا هو الواقع الآن، وأن هذا الوضع سيستمر ويتفاقم إذا لم يكن هناك تحرك مفيد يصل إلى أعداد كبيرة من الإسرائيليين.

وبعيداً عن الكلام الكثير فإن المشكلة والحل فى الوضع الحالى ليست كامنة فى الأعداد أو الضرائب أو الأسعار أو الفرص لكنها فى تكمن فى إرساء الفكرة التى تفسر لنا وجودنا هنا فى قلب الشرق الأوسط الذى فيه داعش وحماس أو بمعنى أصح التى تغنينا عن الحاجة لتفسير ذلك كل مرة من جديد، فكرة تترك أثراً شعورياً منطقياً واجتماعى كبير جداً فى الفكر، وبالطبع ترك إسرائيل.

الأنباء السارة هى أن هذه الفكرة المطلوبة موجودة بالفعل وليس هناك حاجة لخلقها من جديد، وهى مركبة من عاملين، الأول هو صياغة برنامج قيمى وثقافى على أساس الموروث الصهيونى واليهودى الذان يصلان ماضينا بالحاضر والمستقبل بشكل مستنير وفورى وموضوعى، ثانياً وضع تصور مشترك يشرح إلى أين نريد جميعاً أن نصل وبأى طريقة.

فى الولايات المتحدة ، المكان الذى يحلم ملايين المهاجرين فى أنحاء العالم بالهجرة إليه بفضل الفرص غير المحدودة ونظام المعيشة المثير للإطمئنان، يتم بذل الكثير من المال والفكر فى إحياء الموروث، وهناك عشرات الآلاف يشاركون بشكل فعال ومئات الآلاف من المتفرجين على إستعادة مشهد المعارك من حرب الإستقلال والحرب الأهلية، وكتب وأبحاث ومسلسلات تلفزيونية تزداد كل عام، وبرنامج التعليم يزخر بالعديد من المحتويات حول الموروث الأمريكى.

فى إسرائيل منذ قيام الدولة ترك الإهتمام بمكون الهوية والثقافة اليهودية لممثلى القطاعات الحريدية والدينية القومية، والجمهور الواسع الذى لايُحسب على هذه الجماعات ركز على المسائل الوجودية المادية للدولة، مثل بناء المجتمع والاقتصاد والأمن من خلال تفكير نادراً ما يتم طلبه فى مسألة ” لماذا ” يستطيع أن يجد إجابة فى أوساط ” القابضين على الجمر”، وبمرور الوقت وفى غياب التجدد الحقيقى للحوار الصهيونى الجديد أمام الجماهير العريضة، ستدفن الصهيونية  أيضاً بداخلهم.

هذا التوجه أنشأ فشل تسويقى نتج عنه غياب الاستثمار فى المفاهيم اليهودية والصهيونية التى قامت على قيم ليبرالية تبث للجمهور، وثمن هذا الفشل الذريع ندفعه اليوم وسندفع أكثر فى السنوات القادمة.

الاستقطاب السياسى وتحول المسائل الدينية إلى جبال من الخلافات والتركيز على المسائل الخلافية مثل الزواج والتهود والدفن والسبت وما إلى ذلك، كل ذلك أدى إلى إنهاك تام لقدرة من تبنوا مسألة الهوية والثقافة اليهودية والصهيونية على الوصول إلى الجمهور العريض، فى حين أن الجمهور نفسه قد أدار ظهره للمجالات التى شعر فيها بأنه غريب، سواء بسبب المضامين التى لم يعرفها أو بسبب أزمة الثقة مع وكلائهم.

المصطلح ” القاتل الصامت” ألصق على مر السنين بالعديد من الظواهر التى لايعرف عنها الكثير وليست لها ملامح ونهايتها قاتلة. النقاش اليقظ حول البودينج (مخلوط اللبن والشيكولاته) البرلينى أعطانا تحذيراً نادراً حول القاتل الصامت للفكرة الصهيونية، من المهم أن نستثمر فى سد الفجوات الإجتماعية، الحيوية لحل مشكلة غلاء المعيشة أو أزمة السكن، لأنه بدون استثمار بثقل متوازن من الناحية القيمية والثقافية القائمة على مفهوم صهيونى علمانى حديث، على ارتباط بالرسائل، والمضمون وموروث اليهود المستنيرين الذين سيأتوا من جانب رجال تعليم ونخبة يعتمد عليهم من قبل الجمهور، سنواصل النزيف فى خيرة الإسرائيليين بعضهم بدنياً وبعضهم نفسياً وروحياً، وفى هذه الحالة إذا كان حتى البودينج رخيصاً فإن الجيل القادم من الإسرائيليين سيحصل على إجابة لسؤال لماذا نستمر فى العيش هنا كناتج معادلة محاسبية معقدة.

رابط الخبر