ليس واضحاً بالضبط لماذا إندلعت الفوضى عقب نشر التسجيلات الصوتية (21 أغسطس) والتى سُمع فيها وزير الدفاع الإسرائيلي السابق “آهود باراك” يوضح لماذا لم تهاجم إسرائيل في عام 2012 المنشآت النووية الإيرانية. ونشرت الغالبية الساحقة من الأقوال في كثير من وسائل الإعلام (وأيضاً هنا، في موقع المونيتور).

لا يحتاج أحداً في البنتاجون أو الحرس الثورى الإيراني موافقة باراك فى أن إسرائيل حقاً إستعدت على مدار سنوات طويلة لمهاجمة البنية التحتية النووية الإيرانية. فى الحقيقة كانت السنوات الحاسمة بين عامى 2009 وحتى 2012 معروفة بالفعل. وفي نفس تلك السنوات في كل صيف بين يوليو وسبتمبر وصل مدى التوترات إلى ارقام قياسية جديدة. وتعتبر الحالة العامة في تلك الأشهر حسب التحليلات أنه يمكن أن تكون هناك هجمة إسرائيلية والتي يمكن أن تستمر لأيام متواصلة. ونُشرت بتوسع أيضاً الخلافات في منتدى “لجنة الثمانية” وهو منتدى إستشاري خاص أنشأه “بنيامين نتنياهو” لتجسيد إستراتيجية في الشأن الإيراني.

لم ينجح نتنياهو في بلورة أغلبية من اجل مهاجمة هذا المنتدى. وإعترض الوزراء “دان مريدور” و”موشيه (بوجي) يعلون” و”بني بجين” و”إيلي يشاي” وبعد ذلك أيضاً “يوفال شتاينتس”. وهذا هو سبب عدم اجتماع نتنياهو بالمجلس الوزارى السياسي الأمني لمناقشة الموضوع.

الهيئة التي يمكنها التصديق على مهاجمة إيران بحسب القانون الإسرائيلي، هى مجلس الوزراء فقط. ولم يكن للجنة الثمانية دور قانوني، على الاقل لدراسة القضية أو كما أطلق مسئولين كبار في المنظومة الإسرائيلية على إجتماعات لجنة الثمانية المتكررة  وصف “إقامة لجنة مناقشة شاملة للموضوع”.

القيمة الأخرى لما ينشر هنا هى ان الأقوال سُمعت بصوت أحد متخذي القرارات في نفس الوقت في إسرائيل. يقول باراك الآن، أمام هذه الموجة من النقد أنه يستوعب نشر اسرار الدولة، لأن التسجيلات الصوتية كانت داخلية وتم تسريبها على خلاف رأيه. وهناك من يصدقونه.

دوافع باراك في حالة الفوضى الحالية التي يرسمها في إسرائيل، واضحة: إهود باراك إنسان يقدر التاريخ وكتب التاريخ والسير الذاتية. ويبذل اثنين محنكين مقربين لباراك جهداً كبيراً الآن لنشر سيرته الذاتية (“حروب حياتي”). يصارع باراك على مكانته في التاريخ، ولكن يحاول أيضاً أن يحسن مواقفه ومركزه السياسي. يحاول تنظيم عودة سياسية لنفسه، على الرغم أنه أُعتبر لفترة طويلة على انه حطام سياسي عديم الفائدة.

الحدث الحالي هو محاولة خرقاء من جانبه لكي يكون في الجانب الصحيح بالنسبة للشأن الإيراني. الآن عندما يفهم باراك أن الإتفاق النووي مع إيران هو حقيقة مطلقة، يحاول إعادة كتابة الأحداث لتحديد فيما بعد انه كان هذا الرجل الذي سعى إلى هجوم إسرائيلي على النووي الإيراني، ولكن رئيس هيئة الأركان العامة الفريق “جابي إشكنازي” وبعض السياسيين ضعاف القلوب (وزير الدفاع موشيه يعلون ووزير الطاقة يوفال شتاينتس) منعوه عن ذلك. هذه هى الأقوال التي قصها باراك بصوته لكتابي أطلاله، والذين سربوا التسجيل الصوتي للقناة الثانية الإسرائيلية، ومن هنا، كما يحب باراك،  كلها أمور من الماضى.

ملخص كلام باراك في التسجيلات التي تم الكشف عنها: يقول أنه وبنيامين نتنياهو درسوا حقاً لعدة مرات مهاجمة إيران، ويقول أنه في عام 2009 لم تكن هناك أي خطط عملياتية مُعدة وفي عام 2010 “في هذه المرحلة الحاسمة لايزال (رئيس هيئة الأركان العامة) أشكنازي. وعندما وصلنا اللحظة التي أردنا فيه إختبار إحتمالية تمرير هذا من ثلاثــــتـــنا، بيبي وأنا وليبرمان، ويمكن تمريره إلى المناقشة فى لجنة الثمانية… وبعد ذلك لمناقشته في مجلس الوزراء. وحينئذ في اللحظة الحاسمة كان رد الجيش الإسرائيلي أن القدرة التي تراكمت لدينا لا تتعدى الحافة…ويجب على رئيس الأركان العامة ان يقول أنه توجد قدرة عملياتية”.

ويصف باراك الجلسات السرية والإجتماعات والمنتديات المختلفة ويقول أنه بدون دعم رئيس هيئة الأركان العامة أشكنازي – لم يكن من الممكن عرض الموضوع للمناقشة في لجنة الثمانية وبعد ذلك في مجلس الوزراء.

قال باراك “بعد ذلك بعام واحد (رئيس هيئة الأركان العامة) كان جينتس”، “وقال توجد لدينا القدرة، أنتم تعلمون كل القيود وكل الأمور وكل المخاطر. بيبي وأنا وليبرمان ندعم العمل وأيضاً ملائمة عرضه أمام لجنة الثمانية. وإن لم تكن هناك أغلبية في لجنة الثمانية لن تكون هناك شرعية لعرض هذا في مجلس الوزراء…كان من المفترض أن يتحقق بيبي من ذلك في المحادثات الطويلة التى قضاها مع كل واحد منهم (أعضاء الثمانية)،  مع بوجي ومع شتانيتس وموقفهم، وحينئذ في مرحلة معينة في المشاورات بيننا قال بيبي أنهم يدعمون، حسناً. وحينها إجتمعنا في جلسة في الثمانية…”. ويصف باراك لاحقاً كيف أنه خلال الجلسة ،عندما يعرض رؤساء أفرع الأمن كل الصعوبات والمخاطر في الهجوم على إيران، تلاشت الأغلبة التى اعتقد هو وبيبي أنهم يحظون بها. “اصلح بوجي وشتاينيتس الأمر”، بحسب وصف باراك التصوري، وكذلك مُنع الهجوم على إيران.

هذا ما قاله باراك. من بين كل أعضاء لجنة الثمانية هو الوحيد الذي يؤمن بها. فالقصة الحقيقية مختلفة تماماً: لم يدعم يعلون وشتاينيتس الهجوم على النووي الإيراني أبداً. فقد ضُغط عليهم، مثلما حدث مع الآخرين، ولكن لم ينجح. ومع هذا، لم يكن هناك حاجة لدعمهم. تحدث نتنياهو في تلك الأيام مع وزراءه، محادثات مطولة ومفسرة وكان يستطيع بلورة أغلبية في مجلس الوزراء لنفسه وينفذ الهجوم. كانت لجنة الثمانية منتدى للتفكير فقط، بدون صلاحيات تصويت أو قرار.

إضافة إلى أن من منع توجيه هجوم على إيران ليس أحداً غير أهود باراك. وهو من أيد الهجوم منذ اللحظة الأولى (عندما كشف أن هذا هو الموضوع المجهز من جانب بنيامين نتنياهو). فهو الذي تقدم بالهجوم منذ عام 2009، وحينئد دخل نتنياهو إلى رئاسة الوزراء وحتى صيف عام 2012.

في أغسطس عام 2012 في لقاء لصحيفة “هاآرتس” يرسم باراك خط متشدد وتاريخي ويهدد أنه في القريب جداً ستضطر إسرائيل إلى العمل وحدها. وبعد ذلك بأسبوعين أو ثلاثة سافر في رحلة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعاد. هذا المنعطف الخاص بباراك والذى لا يناسب نتنياهو، أفقد مكتب رئيس الوزراء عقله من شدة الغضب. وترك باراك ببساطة نتنياهو وحده في الساحة الإيرانية، خاضع للضغط الأمريكي الشديد وبدأ التحدث بشكل آخر تماماً حيث قال باراك حينها، لا تستطيع إسرائيل أن تتخلى عن تحالفها مع الولايات المتحدة الأمريكية ويجب أن تأخذ في الإعتبار مصالح صديقتها الكبيرة والأهم.

كان عام 2012 عام تحول فى منظومة الأمن الإسرائيلية. فقد تقاعد جابي إشكنازي وميئير داجان ويوفال ديسكين وعاموس يدلين خلال عام 2011. وترأس الموساد وجهاز خدمات الأمن العام (الشاباك) وشعبة المخابرات في الجيش الإسرائيلي والجيش الإسرائيلي رجال آخرين، جدد، بلا خبرة وغير محنكين. إذا كان نتنياهو يريد الحقيقة ومستعد لخلق القوة العقلية المطلوبة، كان عام 2012 يمكن أن يكون عام الهجوم الكبير. لا يستطيع شتاينيتس ولا بوجي يعلون منع هذا عنه. إن كان بجانب الشريك الإستراتيجي الذي يعتقد انه بجانبه (إيهود باراك)، كان يمكن ان يحدث هذا. ولكن في الحالتين، الإجابة سلبية. فلم يكن نتنياهو شجاع، وندم باراك ببساطة. لذلك، لم تهاجم إسرائيل إيران في عام 2012. بينما بحسب كل التقديرات، لو كان هناك هجوم لكانت إيران اليوم دولة نووية.

بن كسبيت -المونيتور