من الصعب بمكان أن نغالي في أهمية مقطع الفيديو المسجل لرئيس الحكومة ووزير الدفاع السابق، “إيهود باراك”، الذي أذاعته القناة الثانية الإسرائيلية في نهاية الأسبوع الماضي (21 أغسطس). في هذا التوقيت الراهن، إماطة الغموض عن مخطط مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية من قبل شريك رفيع المستوى في الدفع بهذه العملية، يقارب فى أهميته إلغاء سياسة الغموض النووية التي تتبعها إسرائيل. وبحسب زعم “باراك”، يتضح أنه على الأقل حتى قبل ثلاث سنوات، كان رئيس الحكومة “بنيامين نتنياهو” يفضل الحل العسكري للتهديد النووي الإيراني عن “الحلول السلمية”. إلا أن اثنين من المدنيين ورجل عسكري – الوزير “موشيه يعالون” و”يوڤال شتاينيتس” حينها من منتدى الثمانية ورئيس هيئة الأركان العامة السابق “جابي إشكنازي” – هم من أوقفوا هذا الثالوث – “نتنياهو”، و”باراك”، و”أڤيجادور ليبرمان” – في طريقهم إلى الحرب مع إيران وربما أيضاً إلى حرب إقليمية. وفي مرة أخرى، بحسب زعم “باراك”، أن مناورة عسكرية أمريكية أُجريت في المنطقة هي التي حالت دون تنفيذ خطوة عسكرية إسرائيلية ضد إيران.

إن كشف “إيهود باراك” عن هذه الأمور يطرح تساؤلات علنية ليس فقط على قدر اعتبار زعيمين إسرائيليين؛ فمسألة تحول شائعة قرار مهاجمة إيران إلى تصريح مباشر من قبل أحد متخذيه، تترك أثراً على مصداقية رئيس الحكومة الحالي. فقد أعلن “نتنياهو” في الخطاب الذي ألقاه في الثالث من مارس أمام الكونجرس أنه “ليس ثمة دولة لا تشغلها كثيراً صفقة جيدة من شأنها أن تقضي على هذا التهديد (الإيراني) بحلول سلمية أكثر من إسرائيل”. هنا المشكل، فبحسب زعم “باراك”، أن خيار الحرب قد طُرح لديهما قبل أن يعلم أحدهم ما هي طبيعة الصفقة التي عُقدت مع إيران بوقت طويل، وقبل أن يوقن أحداً منهم بمسألة عقدها من عدمه.

هل علم “نتنياهو” في 3 مارس 2015 أن الاتفاق الذي سيُعقد في 14 يوليو سيكون “اتفاقاً سيئاً”، وأنه “لن يضع حداً للأسلحة النووية الإيرانية”، بل سيضع حداً للإشراف على الأسلحة، وسرعان ما سيكون الشرق الأوسط مشبع بالشحنات النووية”؟ في تلك الأيام قامت الولايات المتحدة بعزل إسرائيل عما يحدث حول طاولة المحادثات بعدما اتهمها البيت الأبيض “باختيار بعض المعلومات التي يخرجونها من سياقها ويستخدمونها لتزييف مواقف المفاوضات الخاصة بالولايات المتحدة”. ورداً على التفاهمات التي تم التوصل إليها في لوزان، حذّر “نتنياهو” من أن الصفقة المطروحة ستشكل خطراً ملموساً على المنطقة والعالم أجمع، كما ستهدد وجود دولة إسرائيل”. ومنذ ذلك الوقت استمرت المفاوضات لثلاثة أشهر أخرى، خلالها أُعدت مسودات عدة وأُدخلت تغييرات لا حصر لها في بنود رئيسية.

إذاً، ما هي “الصفقة الجيدة”، من وجهة نظر “نتنياهو” – هل هي الصفقة التي تريح باله وتشكل خياراً للحرب؟ ها هي قائمة الشروط التي عرضها في الكونجرس: “أولاً، يجب إيقاف اعتداءها (اعتداء إيران) ضد جيرانها في الشرق الأوسط. ثانياً، يجب وقف دعم الإرهاب في كل أرجاء العالم. ثالثاً، يجب التوقف عن التهديد بتدمير بلادي، إسرائيل”. وبعد مرور شهر تقريباً ضمّ “نتنياهو” شرطاً رابعاً: “يشترط أن يكون أي اتفاق دائم مع إيران متضمناً اعتراف إيراني صريح بحق وجود دولة إسرائيل”. من المعقول أن “نتنياهو” يفهم أن تلك الشروط واقعية تماماً مثل توقعه أن تقوم إسرائيل بالتوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، وأن تفتح المفاعلات النووية في ديمونة أمام مراقبي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومن أجل التحلية، تعترف بحق الفلسطينيين في العيش في ظل دولة خاصة بهم.

ما هو جواب “نتنياهو” على أولئك الذين يزعمون أن البديل الوحيد للاتفاق مع إيران هو الحرب مع إيران؟ بعدما كشف “باراك” على العلن قصص الحرب من الأعوام 2010-2012، وبعدما انكشف خداع “نتنياهو”. حتى عمليات التصفية السرية التي كانت تتم ضد علماء النووي الإيرانيين قد تتحول من الآن إلى مؤامرة مثيرة للمشاكل.

إن أنباء إسرائيل، التي تفيد بأن إيران تسعى لتضليل المراقبين، هو أمر ليس له أساس من الصحة. فهذا الأمر لم يحدث من قبل. فشرط التأكد من أن القطة الفارسية لن تتولى مفاتيح الخزائن يبدو أمراً وثيق الصلة بالموضوع بدرجة كبيرة. فكما ذكر “نتنياهو” في الكونجرس: أن “المشكلة هي أن المراقبين يرصدون الانتهاكات، ولكنهم لا يوقفوها”. وبالطبع، كما هو الحال مع كوريا الشمالية، كذلك إيران ضللت المراقبين الدوليين.

إن أنباء وكالة أسوشيتد برس حيال الملحقات السرية التي أُدرجت على الاتفاق النووي تثير قلقاً مبرراً. فهناك بكل تأكيد مجال للمطلب الذي طرحه مسئولون سياسيون بكشف كافة ملاحق الاتفاق النووي وإجراء توضيح أساسي للبند المتصل بشكل الفحوصات في المنشأة المشتبه فيها في بارشين. في حالة تأكيد تلك الأنباء من قبل رجال الأمم المتحدة فسيضطرون بالاكتفاء بالإشراف على عمل الفنيين الإيرانيين، ففي الواقع لا يمكن الاكتفاء بالنفي العرضي للأمين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية “يوكيا امانو”، الذي قال إن هذه الأنباء ما هي إلا “تشويه للنهج الذي ننوي أن نسير بموجبه”.

مشكلة إسرائيل هي أن أي تلميح لنقد حول قضية الاتفاق النووي الذي يصدر من “نتنياهو” يُقابل بارتياب في مسألة أن هناك اعتبارات غير موضوعية تتوارى وراءه. كيف يُمكن التعامل بشكل مغاير مع من يخطط مع قادة الجمهوريين لمسرحية في الكونجرس من وراء ظهر رئيس ديموقراطي؟ المشكلة الأكبر تكمن في مسألة كيف سيتعاملون مع استغاثات إسرائيل عندما يحوم حولها خطر حقيقي؟  حتماً سيكون الأمر أشبه بالقصة المشهورة عن الطفل الذي صرخ مستغيثاً ذئب ذئب، فأحياناً بعد الاستغاثات الكاذبة، يأتي الذئب.

المونيتور- شلومي إلدار