حتى بعد أن يرتاح بنيامين نتنياهو قليلاً من صراعه ضد النووى الإيرانى، ستظل هناك مشكلة أمنية أخرى مشتعلة يجب عليه حلها. وفى حين أنه فى مشكلة النووى، كان فشل الحملة التى أدارها رئيس الوزراء فى الكونجرس الأمريكى نتيجة متوقعة، وهو ما ينبع من تميز قوى أكبر منه وهى إدارة أوباما، والمجتمع الدولى كله بالطبع، إلا أن الحل الإسرائيلى لما يمكن أن يحدث فى السنوات المقبلة على حدود إسرائيل مرهون فى المقام الأول بإسرائيل نفسها.
أحداث الأشهر الأخيرة تشير على مايبدو إلى أنه إلى جانب الفرص الأمنية التى يتم مناقشتها بتوسع كبير (ايران وتوابعها فى المنطقة، وما يدور على الساحة الفلسطينية)، من المتوقع أن تؤثر الهزة العنيفة فى العالم العربى تدريجياً بقدر متزايد على الوضع الأمنى هنا. والتقدير الذى كان هنا منذ عامين أو ثلاثة والذى يقول بأنه من الممكن التغلب على ” غياب الإستقرار” يتأكد ببطء. حتى وإن كانت إسرائيل لاتزال محمية بشكل نسبى من الفوضى الكبيرة الواقعة حولها، فإنه يجب عليها أن تتخذ وسائل أكثر لحماية مواطنيها وحدودها.
التوجه الإستراتيجى لنتنياهو -والذى يستند إلى التشكك الأساسى والمتشائم تجاه نوايا العرب- يكتسب قوة فى نظره فى ضوء التحولات فى العالم العربى.
ويرى نتنياهو أن الواقع لم يتأخر فى إعطاء دلائل على صدق تقديراته وهى:-
– رفض النزول من هضبة الجولان مقابل اتفاق سلام مع سوريا، حيث أن الإنسحاب الكامل كان سيتيح اليوم لمختلى العقول فى تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة – وليس فقط للجنود السوريين- للعب بأرجلهم فى مياه بحيرة طبريه.
– الإصرار على بناء جدار مرتفع وقوى لايمكن تجاوزه تقريباً على الحدود المصرية، وهى الفكرة التى تم تلقيها بنوع من السخرية والتشكك من جانب الكثيرين فى حينها.
– وما فاق كل شئ هو التنبؤ التشككى الذى أبداه نتنياهو فيما يتعلق بالتداعيات السلبية المتوقعة نتيجة لما سماه فى البداية – بشئ من التفاؤل الموثوق- الربيع العربى.
ربما لازلت تتذكر المؤتمر الصحفى المشترك بين نتنياهو والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فى عام 2011، حين كانت الجموع فى ميدان التحرير تطالب بتنحى الرئيس المصرى حسنى مبارك، أستغرقت ميركل فى تملق المواطنين المصريين المطالبين بحقوقهم والثناء عليهم. حذر نتنياهو من أن الإخوان المسلمين يقفون خلف الستار، ومن صدق؟ يسأل رجل من حى رحافيا فى القدس نفسه بعد حوالى خمس سنوات.
تعامل نتنياهو مع التهديدات الجديدة، مثل موجات اللاجئين التى تتجه شمالاً من اليمن وهروب الجموع الغفيرة من سوريا، والتنظيمات الإسلامية المتطرفة فى سيناء هى فى الأساس نفس الشئ.
وجهة نظر نتنياهو والتى تتمثل فى إحاطة إسرائيل بجدران تهدف إلى منع دخول اللاجئين والإرهابيين، تحققت بالفعل على الحدود المصرية ولاحقاً فى بناء جدار جديد وقوى فى هضبة الجولان. والآن يأتى الدور على الحدود الأردنية.
احتمالية حدوث فوضى وقلاقل في الجارة الشرقية الاردن, تحت ضغط الإرهاب الجهادى السنى والإضطراب الداخلى، يعتبر كابوساً مرعباً بالنسبة للقدس. إسرائيل تبذل جهوداً كبيرة فى التنسيق الأمنى مع الأردن. على إسرائيل أن تستعد لسيناريوهات أصعب، يتم فيها استخدام الإرهاب ضدها من حدودها الأكثر امتداداً، الحدود الشرقية.
فى الاسبوع الماضى بعد أن كانت مشكلة اللاجئين فى أوروبا محط أنظار العالم، أعلن نتنياهو باهتمام شديد عن البدء فى إقامة الجدار الشرقى.
فى هذه المرحلة لايزال يدور الحديث حول خطة متواضعة نوعاً ما، وهو جدار بطول30 كم فقط من إيلات شمالاً، هدفه الأساسى حماية المطار المقام فى منطقة تمناع، بالقرب من الحدود. لكن من الممكن أن نقدر بشئ من الطمأنينة أنه فى وقت لاحق، حينما يتم توفير الميزانيات المطلوبة والمبررات المناسبة، سيتم مد هذا الجدار شمالاً.
العميد عيران أوفير الرجل المفعم بالحيوية فى إقامة الجدران، وربما أقل رجل معروف، أثر بشكل كبير جداً على شكل الدولة فى العقد الأخير، بدأ بالفعل فى تركيز العمل على الحدود الأردنية.
وجهة نظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تناسب أيضاً فى هذه الحالة التقديرات والخطط الخاصة بالجيش الإسرائيلى. ففى المناقشات حول بلورة وثيقة استراتجية للجيش الإسرائيلى، والتى نشرها رئيس هيئة الأركان العامة جادى أيزنكوت فى الشهر الماضى، تم التطرق إلى إمكانية حدوث تصعيد على الحدود نتيجة للأعمال الإرهابية النوعية، كأحد الأخطار الهامة.
الجيش، كما قيل أكثر من مرة، يخشى الآن جداً من حدوث تصعيد عشوائى أكثر من الحرب الإستباقية من جانب إحدى الدول المجاورة.
لكن على الرغم من أن أيزنكوت يركز الآن على تنفيذ الخطة متعددة السنوات “جدعون”، والتى بها تغييرات فى بنية وتنظيم قوات الجيش الإسرائيلى، إلا أنه يذكر جيداً ماحدث لأحد سابقيه، رئيس هيئة الأركان العامة دان حالوتس، حيث اندلعت حرب لبنان الثانية عام 2006. وبدوره إلى جانب حالوتس كرئيس لشعبة العمليات فى هيئة الأركان العامة، رأى أيزنكوت عن قرب ما حدث للجيش الذى انغمس فى الإصلاحات التنظيمية التطلعية وبدا غير مستعد للتحديات الملحة التى باغتته، من هنا جاء التوجه الثابت لرئيس هيئة الأركان العامة الجديد للقادة فيما يتعلق بالحاجة إلى الحفاظ على درجة عالية من الإستعداد والجاهزية، والتى يتم الحصول عليها من خلال سلسلة كبيرة من التدريبات المفاجئة فى أفرع القيادة والأذرع الرئيسية.
فى الظروف الحالية تشكل الحدود الطويلة جبهات مكشوفة وعرضة للهجوم. وقبل أن يتم التصديق على الخطة جدعون وتنفيذها، هناك أنشطة تتم لتعزيز الإستعداد العسكرى على الحدود. الجيش الإسرائيلى قام بتحديد أو تحويل مهام عدد من الوحدات القتالية التى لها تخصصات محددة، ككتيبة اسلحة الدمار الشامل التابعة لسلاح المهندسين العسكريين، ويقيم على حسابها كتائب الأمن الجارى، التى تضم وحدات جمع المعلومات الإستخباراتية وقوات الإستطلاع التابعة لسلاح الإستخبارات مع قوات المشاة العادية الخفيفة، والتى يخدم فيها الرجال والنساء على السواء. إلى جانب ذلك تشترك فى العمليات على طول الحدود الأردنية والمصرية كتائب الإنقاذ التابعة للجبهة الداخلية، المختلطة أيضاً.
هذه هى الصيغة التى تم تفعيلها بنجاح على الحدود المصرية، عن طريق كتيبة سلاح المشاة الخفيفة المختلطة الأولى . كركال (القطط الصحراوية). فى العام الماضى بدأت عملية إنشاء كتيبتين مشابهتين كتيبة ” الفهد” و “لبؤات الأردن”، على أساس نفس النموذج الذى يحتوى على غالبية نسائية من المقاتلات إلى جانب مقاتلين، ذوى قدرة جسدية بشكل عام ( وأحياناً دوافع) أقل من المطلوب فى المشاه. يتم نشر تلك الكتيبتين بشكل ثابت على الحدود الأردنية.
الحلول خصصت للإحتياجات العملياتية المتزايدة ولجسر الفجوات التى نشأت نوعاً ما. الجيش الإسرائيلى مقيد فى تشغيل وحدات الإحتياط فى الأمن الجارى، سواء بسبب قانون الإحتياط أو بسبب التكاليف الباهظة لإستدعاء جنود الإحتياط. وأيضاً تقليص مدة الخدمة الإلزامية للرجال بأربعة أشهر، بدءاً من دورة يوليو 2015، يقلل من حجم القوات التى تخدم الجيش الإسرائيلى. هذه الخطوات تستلزم الإعتماد الأكبر على النساء المقاتلات.
يواصل أيزنكوت الطريق الذى سار فيه سابقه، بنى جانتس، والذى يقضى بالتمييز بين قدرات ومهام الوحدات الميدانية. يريد رئيس هيئة الأركان العامة إتاحة الوقت لوحدات الصف الأول للتدريب، والأنشطة التى اندثرت فى العقدين الماضيين بسبب سلسلة الأحداث الأمنية وقيود الميزانية. الوحدات الواقعة على رأس قائمة التفضيل ستواصل قضاء أكثر من نصف وقتها فى العمليات التنفيذية، لكنها ستركز على الساحات التى تعتبر “ملتهبة” ومثيرة للمشاكل، كالحدود اللبنانية والسورية والحدود مع قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية.
كتيبة كركال وشبيهاتها، حتى وإن وضعوا فى الصف الأول فى الدفاع عن الجنوب والشرق، لن تكون على رأس القوات فى العمليات الهجومية. نشر هذه الكتائب على الحدود الطويلة، والهادئة نسبياً، من الممكن أن يعطى الوقت لألوية المشاة والمدرعات لإعداد نفسها للحروب القادمة والصعبة جداً والتى من المحتمل أن تندلع مع حماس أو مع حزب الله.
الحل المطلوب كان على مايبدو تحت تصرف الجيش طوال الوقت. مر أكثر من 20 عاماً منذ بدأ الجيش الإسرائيلى -بتردد وتحت ضغط فقط من محكمة العدل العليا- فى فتح صفوفه أمام جزء من الوحدات المقاتلة للنساء. منذ ذلك الحين، يعتبر ضم النساء فى دورة الطيران ودورة الملاحين، والوحدات الأقل، وبعد العلاقات الطيبة مع الجمهور، فإن معدل النساء الذى وجه حتى وقت متأخر للوظائف القتالية ( جميعهن بعد التطوع لذلك) قليل جداً وهو فقط حوالى 3% من بين المجندات.
الجيش لايغفل القيمة الشكلية الكامنة لصالحه فى النساء المقاتلات، قبل أسبوعين بثت القناة العاشرة فيلماً وثائقياً حول النقيبة أور بن يهودا، وهى قائدة فصيلة فى كتيبة كركال ( والآن فى مدرسة الضباط) والتى اشتهرت وتميزت بسبب حادث إطلاق نار مع مهربين من سيناء قبل حوالى عام. وفى الأسبوع الماضى تصدر تدريب القتال الميدانى الخاص بكتيبة كركال العناوين الرئيسية لموقع Ynet تحت عنوان مطمئن ” ضد تهديد داعش”.
الإعلام الإسرائيلى لديه نهم لهذه القصص. ويمكن للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلى تسويق هذه القصص لهم مرتين أسبوعياً وسيواصل الإعلام طلب المزيد. لكن القارئ المنضبط كان من الممكن أن يأخذ انطباعاً خاطئاً من العناوين بأن الجيش يعد لخطة سرية معقدة للسيطرة على مدن العريش أو الشيخ زويد فى سيناء، وأنها تعتمد فى الأساس على مقاتلات من كتيبة كركال الباسلات.
فى هذا الأمر قدر من المغالطة بالطبع. تكرار نموذج كتيبة كركال كان أمراً إضطرارياً، والحاجة أم الإختراع. التهديد بحرب تقليدية أمام جيش عربى قل جداً بسبب الفوضى فى الشرق الأوسط. لكن الغطاء العسكرى يظل غير كاف أمام عدد من التهديدات فى المناطق المحتلة وعلى الحدود، ولذلك يستلزم الأمر ارتجال حلول جديدة.
من الخطر الهوس بهذا النموذج ووصفه بقدرات اكبر مما هو عليه فى الحقيقة. النقيبة بن يهودا، ومقاتلة أخرى فى كتيبة كركال والتى تميزت فى حادثة تبادل إطلاق النار على الحدود فى سيناء والتى قتل فيها جندى من المدفعية قبل عامين، عملن بشكل مثير. ولايزال ذلك مبالغة حين نتوقع أن تكون النتائج مشابهة بالضرورة لأى عائق على الحدود الغربية.
المسألة ليست قدرة النساء مقارنة بالرجال، ولكن مستوى الكفاءة والتدريبات والعتاد الذى تحصل عليه كتائب المشاة الخفيفة الجديدة بالنسبة لألوية المشاة القديمة، دون الحديث عن التطور طويل المدى فى القيادة، والتقاليد فى الوحدات وطبيعة العمليات، وبكل نية حسنة، لاتشبه كركال والكتيبتين الجديدتين فى قدراتها كتائب جفعاتى أو الناحال.
من المحتمل جداً أنه لاخيار، فى أن الجيش اضطر إلى تحمل خطر محسوب، وأن هذه هى القوات التى يمكن نشرها اليوم على فرعى الحدود الهادئين نسبياً، بالمقارنة بالتهديدات فى الشمال أو قطاع غزة. وعلى الرغم من ذلك تجدر الإشارة إلى عدد من الحقائق المعروفة. التنظيمات الإرهابية الجهادية فى سيناء بالفعل بادرت بعمليتى توغل حالمة إلى المناطق الإسرائيلية ( الهجوم فى عين نتافيم والذى قتل فيه ثمانية إسرائيليين فى أغسطس 2011 ومحاولة التوغل فى منطقة كرم أبوسالم، منذ حوالى عام واحد). منذ ذلك الحين، تطورت قدرة هذه التنظيمات بشكل كبير وأكبر هذه التنظيمات هو ولاية سيناء، والذى أعلن ولاءه منذ مايقرب من عام لداعش.
التنظيم، الذى يتمتع على مايبدو بتمويل سخى، مسئول عن سلسلة الهجمات المحكمة على وحدات الجيش المصرى فى شمال سيناء، والتى تم فيها العمل فى أطر على مستوى الفصائل. فى نهاية الأسبوع زعمت السلطات المصرية أن الجيش المصرى قام بقتل 98 من مسلحى التنظيم فى عملية موسعة فى المنطقة. مسألة هل كل التنظيمات كانت بالضرورة مسلحة بقيت مفتوحة. بالمفاهيم الإحصائية، عدد المقاتلين فى مقابل كم الخسائر التى أنزلوها بالخصم فى العامين الماضيين، من المحتمل أن ولاية سيناء تنظيم صغير نسبياً، وهو حالياً التابع الفعال جداً لداعش فى الشرق الأوسط.
إلى جانب كل ذلك، تواجه إسرائيل قلة فى المعلومات الإستخباراتية. الإنذار بوقوع عمليات هجومية فى سيناء مغلوط، على الرغم من التعاون الأمنى الوثيق مع الجيش المصرى على طول الحدود المشتركة، يعترف ضباط شعبة الإستخبارات بأنهم يواجهون صعوبة فى رسم التسلسل القيادى للتنظيمات فى سيناء حتى الآن والكشف عنهم.
الحدود المصرية طويلة، وتبلغ حوالى 240 كيلو متر، وتقوم قوات قليلة نسبياً بالسير على طول هذه الحدود. وبسبب مساحة المكان الواسعة فإن تشغيل الدبابات والطائرات المقاتلة أو الطائرات بدون طيار تستغرق وقتاً كبيراً إذا لم يكن هناك إنذاراً مسبق. كل هذه الأمور مجتمعة تشكل وصفة محتملة بوقوع كارثة.
بعد عملية خطف جلعاد شاليط فى يونيو من عام 2006، والتى احدثت هزة قومية فى إسرائيل امتدت لخمس سنوات، زعم رئيس الشاباك السابق يوفال ديسكين أن ” هناك عائقين على المستوى التكتيكى واجها الجيش الإسرائيلى وأعاقوا إسرائيل فى واقعتين استراتيجيتين” (ديسكين كان يقصد خطف اثنين من جنود الإحتياط فى زراعيت، والذى أدى إلى اندلاع حرب لبنان). من الممكن تخمين ما يجلبه خطف الجندى، بل والأكثر من ذلك خطف مجندة على الحدود. قدر الضرر الناجم من عملية الدمج – الإيجابية فى حد ذاتها- للنساء فى الوظائف القتالية سيكون أقل مشاكلنا، على الرغم من أن النموذج كله من الممكن أن ينهار كبرج أوراق اللعب.
” وحيدة فى الأسر لدى داعش”؟ الصحافة لن تشكو. وسائل الإعلام سوف تعصر الليمون على هذا الأمر، لعدة أشهر. ومن يمكنه تقدير التداعيات بعيدة المدى لمثل هذه الواقعة على الحرب على الإرهاب وعلى العلاقات مع مصر أو الأردن.
عاموس هرئيل