22-2-2015

أوري ميلشتاين

معارضة الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” للخطاب المتوقع لـ”بنيامين نتنياهو” في الكونجرس الأمريكي غريبة وتثير الشك بأنه يريد إخفاء شئٍ ما ولديه أسباباً غير موضوعية من ناحية التحول الإستراتيجى. وفيما يتعلق بنتنياهو فإن لديه هدف واضح: وهو تقويض مسألة القدرة النووية الإيرانية وتطوير السلاح النووي وهو الأمر الذى يشغله منذ عدة سنوات وكان قد ناقشه حتى مع كاتب هذا المقال ومع أعضاء منتدي التوطين ودراسات الحرب والدروس المستفادة منها في 2007 عندما كان زعيماً للمعارضة وليس لهذا علاقة بالإنتخابات. وإن كان تقديم نفسه وحزبه في الإنتخابات فرصة ممكنة – وما أفضل من ذلك أن يكون كل عمل إيجابي يقوم به رئيس الدولة داعماً لموقفه من سوء حظ المعارضة. وعلى النقيض فمحاولة أوباما قلب الموضوع إلى نزاع بين الدولتين بإعتراضه الشديد على خطاب نتنياهو، ليس منطقي إن لم تكن لديه أسباباً خفية.

من المقبول في الديمقراطية الليبرالية الأمريكية تشجيع المناقشات أيا كانت درجة حدتها، -في المسائل الإستراتيجية المصيرية- قبل اتخاذ القرارات. وهذه الطريقة هي أساس الثقافة الغربية التي تبنت الفلسفة الجدلية الأفلاطونية وثقافة الجدال بين حكماء المشنا والتلمود كمبدأ أساسى. بحسب هذا المبدأ كل من يزيد في الجدال والنقد فهو مقبول. وزعم أوباما أن نتنياهو تصرف بالمخالفة للبروتوكول مثير للسخرية، لأن الأمر هنا لا يتعلق بمسألة بروتوكوليه ولكن يتعلق بمشكلة تحول استراتيجى عالمى إن لم يكن تاريخياً.

وهذا التقدير يُظهر مدى أعتقاد أوباما بأن نتنياهو كان على حق عندما قال أن الإتفاق النووي مع إيران ليس له فائدة فهو يسمح لإيران بتطوير السلاح النووي. وربما يخاف رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أن ينجح نتنياهو في إقناع الأمريكيين بذلك أو أن يحرج أوباما الذي قام بعدة عمليات إستراتيجية مثيرة للمشاكل فى فترة رئاسته مثل الهروب من العراق ودعم إسقاط نظام “القذافي” في ليبيا، ودعم إسقاط نظام “حسني مبارك” في مصر. فهو يستطيع أن يلقي الحمل على النظام الحاكم في إيران لكي يحظى بشرعية إسلامية ويُحرر الولايات المتحدة من الإرهاب.

لا مكان للإتهام

تُقام في الولايات المتحدة الأمريكية أيضا ليس إسرائيل فقط، الإنتخابات مرة واحدة كل سنتين، والرأي العام الأمريكي الذى من الممكن أن يرى فى الإتفاق خطوة خطيرة، من المتوقع أن يقوم بإسقاط نظام أوباما وأن يقلل فرصة أعضاء الحزب الديمقراطى هناك فى الإنتخابات للمجلسين التشريعيين والرئاسة، ومن هنا لايجب فقط اتهام نتنياهو بخطوة سياسية داخلية ولكن يجب اتهام أوباما أيضاً.

ولكن لا مكان للإتهام فكل مايفعله أى سياسي -حتى إذا تباهي بكونه سياسياً مثل “تشيرشل” أو “بن جوريون”- على سبيل المثال فهو عمل سياسي داخلي، مثلما فهمنا من الفلسفة السياسية لــ “نيكولا ميكافيلى” في القرن الـ 16، و”توماس هوبس” في القرن الـ17 ورواية “ليو تولستوي”، “الحرب والسلام” ومن التاريخ السياسي في الستة آلاف عام الماضية.

إن كان الأمر كذلك، فكيف يتصرف نتنياهو؟

لا يوجد أختيار أمام نتنياهو إلا إلقاء الخطاب في الكونجرس فهناك خطر من الممكن أن يصيب إسرائيل على الأقل حتى نهاية فترة ولاية أوباما. لأن نتنياهو يدرك أن السلاح النووي في يد إيران يهدد قيام دولة إسرائيل ويُظهر أن مرشح حزب العمل “هاعفودا” لوزارة الدفاع العميد المتقاعد “عاموس يدلين” يفكر مثله. وإن كان هذا رأي رئيس الوزراء فعليه يخاطر بالدخول فى أزمة مع أوباما وأعضاء حزبه، من المحتمل أن هذه الأزمة ستضر إسرائيل بشكل كبير إن لم تدمرها وتتسبب في مقتل عشرات الآلاف من مواطني إسرائيل حسب هذا النموذج الذي حدث في “هيروشيما وناجازاكي” (كاتب تلك السطور لا يعتقد ذلك وقد قلت ذلك فى لقائي مع نتنياهو). والخطاب من الممكن – على العكس تماماً- أن يضفى الشرعية على عملية إسرائيلية مستقلة لتدمير الفرصة النووية الإيرانية ،إن كان لإسرائيل خيار كذلك، عندما يتضح أن إيران ليس لديها القدرة على تطوير السلاح النووي فقط بل وإنتاجه.