صحيفة هآرتس

الكاتب: يوسي كوبرڤاسر

أسباب فشل التوصل لسلام حقيقى مع الفلسطينيين

“بدأت الصهيونية شيئاً غريبة وستنتهي غريبة… كانت تبدو لنا قدراً فأصبحت نهايتها قدراً. نحن واليهود سنتكفل بالقضاء عليها. لنعيش بعدها كما عشنا قبلها في وطن رحب واسع ملئ بالخيرات تكفى الجميع وتظلل الجميع بالخير والمحبة والمساواة”. هذا هو ملخص فقرة الخاتمة من كتاب “محمود عباس” “الصهيونية – بداية ونهاية” طبعة 2011، المنشورة على الموقع الإلكتروني الخاص بـ”ابو مازن”. نُشر الكتاب لأول مرة سنة 1977.

على الرغم من ذلك يعتقد الكثيرون أن الصراع مع الفلسطينيين يتمحور حول مسألة السيطرة الإسرائيلية المستمرة على الأراضي الفلسطينية التي احتلتها إسرائيل في 67، ويفضلون التغاضي عن مسألة أن الصراع بالنسبة للسواد الأعظم من الفلسطينيين يدور حول أساس وجود دولة قومية للشعب اليهودي. تستند وجهة نظر الفلسطينيين إلى خمسة مبادئ رئيسية:

  • ليس هناك شعب يهودي. اليهودية ما هي إلا ديانة، وليست قومية ولذلك ليس لليهود حق في توصيف خاص.
  • لم يكن لليهود سيادة من قبل في أرض فلسطين، لذا ليس هناك أي مبرر في مطلبهم بدولة يهودية هنا. وعليه، فإن اختفاء دولة إسرائيل هو نتيجة حتمية.
  • اليهود هم مخلوقات عديمة القيمة، لذلك أراد الأوربيون التخلص منهم. وبالتالي ليس هناك مبرر أن يتحمل الفلسطينيون تحديداً عبئهم وهم أصحاب الأرض من قديم الأزل وأحفاد الكنعانيين.
  • إن مختلف أشكال الصراعات التي تدفع نحو إبادة إسرائيل شرعية، بما فى ذلك الصراع المسلح، والانتفاضة الشعبية والنشاط السياسي. يجب أن نفضل دائماً الأدوات التي تضمن أقصى حد للإنجازات بأقل تكلفة قدر الإمكان. يجب أن نركز الآن على منظومة سياسية وقضائية، وانتفاضة شعبية (تتضمن استخدام للقوى دون استخدام للأسلحة النارية).
  • إن الفلسطينيين هم ضحايا إسرائيل والغرب، وبالتالي ليس لهؤلاء المسئولين الحق في مطالبة الفلسطينيين تحمل مسئولية أفعالهم أو توجيه انتقادات حول طرق تصرفهم.

من خلال التزام “عباس” بهذه المبادئ رفض الصيغة التي اقترحها الأمريكان قبل سنة كأساس لاستمرار المفاوضات، نظراً لأن هذا عملياً يتضمن اعتراف بأن إسرائيل دولة يهودية. أعلن عباس عند عودته لرام الله أمام أنصاره قائلا: “إننا نتمسك بالعهد والوعد. إننا نتحمل الأمانة ولن نتخلى عنها”.  كانت الرسالة واضحة لمستمعيه وهي أن الفلسطينيين يفضلون عدم إقامة دولة، إذا كان الأمر مرهون بالاعتراف بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وهذا ما يعني التخلي عن الالتزام بإقامة دولة فلسطينية على أرض فلسطين.

يهدف التحريض المستمر للشعب الفلسطيني ترسيخ هذه المبادئ الأساسية. في السنوات الماضية ركزت في متابعة هذا الموضوع، وللأسف رأيت آلاف من نماذج التحريض من جانب السلطة الفلسطينية ورؤسائها. وفي وضع مماثل لا يمكن إقامة سلام حقيقي، وكما رأينا في غزة، أي تنازل لا يمكن التراجع عنه وسيُستخدم كأساس لزيادة الجهود من أجل تحقيق الهدف النهائي.

إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يتمسك كثيرون في اسرائيل وباقى العالم بهذا الوهم، وكأن الصراع هو على المناطق التي تم احتلالها في 67؟ لماذا يبدو لهم أن بمقدور إسرائيل عن طريق تنازلات أخرى، أن تخلق ظروف تتيح دفع عملية السلام؟ يبدو أن بعضهم لا يعرف الواقع المرير، والأخرين يرفضون الإعتراف به، وإن كان واضحاً أمامهم. يعكس هذا الرفض يثير الخوف من عدم وجود سند في الواقع لإيماننا بانه لابد من وجود أمل ووجود حل، وأن الفلسطينين مثلنا يريدون السلام، والإزدهار.

يعكس رفض الاعتراف بالواقع أيضاً الخوف من أن تعمل الضغوط الواقعة على “الضحية الفلسطينية” من أجل تغيير المبادئ الخمسة السابق ذكرها، على تشجيع هذه الضحية على الإضرار بالتنسيقات الأمنية مع إسرائيل، ويؤدي إلى زيادة العنف. وربما يعبر رفض الاعتراف ذلك بأن الطريق الذي سرنا فيه عشرين سنة كان خطأ استراتيجياً، وقد كلّفنا الدماء وسهل على الفلسطينين تأسيس حوار صراع يدور حول مجموعة من المصطلحات التي تخدم موضوعهم.

ربما نكون نحن الطرف الأقوى في الصراع، لكن هذا لا يعني أننا الطرف العادل، حتى في تطلعنا لسلام حقيقي، وهذا لا يعني أنه لايمكننا أن نكون الطرف الأذكى. في الشرق الأوسط الجديد هناك مجال للتعاون بين إسرائيل والأطراف البراجماتية في المنطقة، لكنه لا يلزم بالخضوع للطلبات التي تظهر فيما يُسمى بـ”مبادرة السلام العربية”، أو عرض أفكار مماثلة يطرحها جنرالات السلام الوهمي، الذين يهددون أمن دولتنا.

كتب هذا المقال رئيس قطاع البحث في شعبة الاستخبارات ومدير عام وزارة الشئون الاستراتيجية.