يهودا بن مئير

حتى نفهم الخلفية التي قامت عليها انتخابات الكنيست التي أجريت في 17 من مارس 2015 وكذلك أيضا نتائجها وتشكيل الحكومة القادمة، علينا أن نعرف منهج الإدارة في إسرائيل وبنية المجتمع الإسرائيلي والمنظومة السياسية. منذ إقامة الدولة، وإسرائيل تحكمها حكومات ائتلافية. وإلى وقتنا هذا، لم يحظ أي حزب بأغلبية في الكنيست ومن المرجح بشدة أن هذا الوضع سيستمر أيضا في المستقبل المنظور. ونظراً لنظام الإدارة الائتلافية، القائم في إسرائيل، فليست أعداد الأصوات التي حصلت عليها الأحزاب هي من تحدد ولا حتى أعداد أعضاء الكنيست، بل مايحدد هو، أى أعضاء الكنيست المنتخبين بمقدوره تشكيل ائتلاف. ولهذا السبب نتوقع تشكيل حكومة يمينية إضافة إلى حزب وسط واحد بالرغم من أن كتلة اليسار – الوسط قد حصلت على 63 مقعد، التي تمثل أغلبية في الكنيست. ويرجع السبب في ذلك إلى بنية المنظومة السياسية في إسرائيل، التي بمقتضاها ليس لأي حزب الاستعداد أو المقدرة في الدخول في أي ائتلاف.

خلفية الانتخابات

يمثل إجراء انتخابات للكنيست في مارس 2015 ظاهرة استثنائية في التاريخ السياسي لإسرائيل. هذه هي المرة الثانية في تاريخ الدولة والمرة الأولى بعد 53 عام، التي تُجرى انتخابات للكنيست بعد الانتخابات السابقة بعامين. في الماضي، كانت هناك حالات عدة لم ينهِ الكنيست فيها كامل دورته، ومع مرور الوقت تحول الأمر إلى أمر عادي. ولكن، باستثناء هاتين الحالتين، حيث سبقت الانتخابات موعدها المحدد بمقتضى القانون (فترة الحكم الكاملة لكل كنيست تتراوح ما بين أربع إلى أربع سنوات ونصف) بعدة أشهر أو سنة كحد اقصى.

يكمن السبب في إجراء انتخابات خلال عامين، الأمر الذي لم يضف شعور الاستقرار الحكومي، في نتائج الانتخابات التي أجريت في 2013. ففي نهاية تلك الانتخابات، سعى “بنيامين نتنياهو” إلى تشكيل ائتلاف مع من أسماهم “شركاؤه الطبيعيين”، الذي وصل عددهم إلى 61 عضو كنيست بالإضافة إلى حزب آخر. لكن نتيجة للتحالف بين “البيت اليهودي” و”يش عتيد” (ولا مجال هنا للانخراط في أسبابه) فُرض على “نتنياهو” حكومة كان تشكيلها مغاير – “يش عتيد”، “البيت اليهودي” و”الحركة”، حكومة لا تضم الأحزاب الحريدية. عانت هذه الحكومة من تنافرات واحتكاكات عدة وفي نهاية 2014، وفي أعقاب “قانون إسرائيل هايوم” “اسرائيل اليوم” ، احتدت وتيرة الجدل حول قانون القومية وميزانية 2015 ووصل إلى أقصى حد له، وكان التوتر على أشده. قرر رئيس الوزراء، الذي تأثر على ما يبدو من استطلاعات نوفمبر وديسمبر 2014، والتي أعطت لكتل اليمين برئاسته ما بين 70 إلى 75 مقعداً، قرر حلّ الحكومة وأن يدخل في انتخابات جديدة. لقد كان ذلك بمثابة رهان كبير من ناحيته – رهان في نهاية يوم الانتخابات نجح، رغم أن ذلك لم يأتِ إلا بشق الأنفس وبعد اضطرابات عدة.

نتائج الانتخابات

تشير النتائج الواضحة والرئيسية للانتخابات، بالطبع، إلى حقيقة أن “بنيامين نتنياهو” قد حظى بفترة حكم أخرى كرئيس للحكومة. تدور تلك الانتخابات في الأساس حول شخصية “بنيامين نتنياهو” وحول مسألة إذا ما كان سيستمر في شغل منصب رئيس الحكومة أم سيتم تبديله من قبل مرشح المعارضة – “يتسحاق هرتسوج”. هذه المسألة قد حُسِمت بالفعل، كما ذكرنا سلفاً، لصالح “نتنياهو”. ومع ذلك، جدير بالذكر أن “نتنياهو” لم يُنتخب في انتخابات مباشرة كرئيس للحكومة. إن انتخابه مجدداً، ما هو إلا نتيجة لتشكيل الكنيست الـ20، التي تعكس نتائج الانتخابات لكنها أيضا نتيجة الديناميكية التي تميز تشكيل الائتلافات في إسرائيل. ولهذا السبب هناك مجال للنظر بعمق أكثر في النتائج ودلالتها ومحاولة الوقوف على عدة ظواهر وإجراءات جديرة بالذكر والتي من المحتمل أن تكون لها انعكاسات هامة في المستقبل.

أولا، بخصوص النتائج نفسها. من الأفضل أن نتطرق إلى تلك النتائج من حيث “الكتل” التي تضم كتلة «اليمين – الحريدييم» وكتلة «اليسار- الوسط – العرب». هذا التقسيم بعيد كل البعد عن الدقة لأن الكتل – كل كتلة على حدى – ليست من طينة واحدة، فنحن لسنا أمام فوارق دقيقة بل فوارق كبرى بين أطراف تلك الكتل. ومع ذلك، لضرورة التحليل وخاصة من ناحية الائتلافات المحتملة، لا مفر من حديثنا من ناحية “الكتل”، بالرغم من النجاح المدهش الذي أحرزه “يش عتيد” في انتخابات 2013 وبقوة أكثر منه بعد الانتخابات الحالية، فمن الأجدر الحديث عن ثلاثة كتل: كتلة «اليمين – الحريديم»، وكتلة «اليسار- العرب» وكتلة «الوسط».

وبخلاف الانطباع الذي ربما قد نشأ في بعض المواضع، في انتخابات 2015، فكتلة «اليمين – الحريديم» لم تحظ بأغلبية بل فقدت أربعة مقاعد. وفي الكنيست الـ20، كتلة «اليمين» قد حصدت 57 مقعداً (الليكود – 30 مقعد، البيت اليهودي – 8، إسرائيل بيتنا – 6، شاس – 7 ويهودية التوراة – 6)، وهذا مقابل 61 مقعد في الكنيست الاخير. وقد ارتفعت كتلة «اليسار- العرب» بمقعدين وحصدت 42 مقعداً (ينعكس الازدياد كاملا في زيادة مقعدين إلى القائمة العربية المشتركة). بينما ازدادت كتلة «الوسط» أيضا بمقعدين وحصدت 21 مقعداً (يش عتيد – 11 مقعد وكولانو – 10)، وهذا مقابل 19 مقعداً لـ”يش عتيد” في الكنيست السابقة.

وقعت كافة التغييرات الأساسية التي طرأت في خريطة الكنيست داخل الكتل. فقد حظى الليكود بفوز كبير وزاد نفوذه بـ10 مقاعد، أي 50% – الأمر الذي يمثل بحسب أي معيار إنجاز رائع. لكن، هذا الازدياد الرائع في نفوذ الليكود استُمد من داخل كتلة «اليمين» – 5 مقاعد من “إسرائيل بيتنا”، و4 مقاعد من “البيت اليهودي” ومقعد واحد من “يهودية التوراة” (بالإضافة إلى ذلك فقد “شاس” 4 مقاعد). في كتلة «اليسار- العرب»، اتحد حزب العمل مع “الحركة” برئاسة “تسيبي ليڤني”، بينما اختفى حزب “كاديما” برئاسة “شاؤول موفاز” (مقعدين في الكنيست السابق)، وبذلك وصل (بعدما حصل أيضا على مقعد واحد من ميرتس)، تحت اسم جديد “المعسكر الصهيوني”، إلى 24 مقعد – انجاز لم يحظ بمثله منذ انتخابات 1992. بينما في كتلة «الوسط»، ظهر حزب جديد – “كولانو” برئاسة “موشيه كحلون” الذي تقاسم تقريباً بالتساوى مع “يش عتيد” الـ21 مقعد التي حصل عليها حزبي الوسط البارزين، وذلك مقابل 19 مقعد حصل عليه “يش عتيد” وحده في الانتخابات السابقة.

بعدما اتضح تشكيل الكنيست تصل المرحلة الحرجة من تشكيل الإئتلاف، وهنا يعكس الضعف الأساسي لكتلة اليسار. هذا الضعف يكمن في حقيقة أن القائمة العربية المشتركة، اليوم التي تعتبر ثالث أقوى حزب في الكنيست في حجمها، والتي حصدت 13 مقعداً، تمثل شريكاً مخلصاً في الكتلة سعياً إلى الوصول لإدارة معارضة لكنها ممتنعة – بموجب قرارها ورغبتها – من المشاركة في أي ائتلاف. وبالفعل أعلن رؤساؤها قبل الانتخابات، أنهم ليسوا على استعداد للمشاركة في الحكومة حتى ولو برئاسة “هرتسوج” و”المعسكر الصهيوني”. تعبيراً عن الصعوبة المتأصلة في القائمة المشتركة في إطار الحكومة والائتلاف مع أحزاب يهودية صهيونية – هذه الصعوبة الراسخة في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني واليهودي – العربي – يمكننا أن نلاحظها في رفضها للتوقيع على اتفاقية فائض الأصوات مع “ميرتس”، الحزب المناصر للعرب والأكثر يسارية في المشهد السياسي ( اتفاقية كان من شأنها أن تضيف إليها مقعد آخر)، ونلاحظها أيضا في امتناع القائمة المشتركة عن توصية الرئيس بتكليف “هرتسوج” بمهمة تشكيل الحكومة. وهذا ما يتصدر النتيجة الرئيسية الخاصة بالإنتخابات، والذي يمثل استمراراً لحكم “بنيامين نتنياهو”.

في النهاية، من الأجدر أن نقف على ثلاث ظواهر ربما تعكس التوجه المستقبلي:-

  • الأول هو ازدياد نفوذ الحزبين الأكبر. فلأول مرة، منذ سنوات، يقترب أكبر حزبان من الأغلبية في الكنيست (54 مقعد). وإن استمر هذا التوجه على هذا الحال، فمن شأنه أن يكون له تأثير على قدرة الحكم وعلى المشهد السياسي في إسرائيل.
  • الثاني هو ازدياد نفوذ القائمة العربية المشتركة. فقد ازداد التمثيل العربي بمقعدين وهذه المرة الأولى التي يتعادل التمثيل العربي في الكنيست مع تمثيل القطاع الحريدي. ويرجع الأمر، في الأساس، إلى زيادة نسبة التصويت في القطاع العربي بالرغم من أنها لا تزال منخفضة (على الأقل بنسبة 10%) بالمقارنة بنظيرها بين الجمهور اليهودي. وإن استمرت المشاركة في التصويت لمواطني إسرائيل العرب في الزيادة وتعادلت مع نظريتها اليهودية، فمن شأن القائمة العربية المشتركة أن تصل أيضا إلى 18 مقعد وإن صاحب ذلك استعداداً أكبر في الاندماج بشكل تام في المنظومة السياسية الإسرائيلية كلية، وقد يمثل ذلك تأثيراً جذرياً على صورة الحكومات المستقبلية وعلى المشهد السياسي بأسره.
  • الثالث هو أن هناك ظاهرة قائمة على مدار السنوات الأخيرة في كل انتخابات تُجرى يقوم حزب جديد ويحظى بشريحة لا يستهان بها من الأصوات. وعلى ما يبدو أن هناك شريحة في الجمهور التي تمثل إدلاءها بصوتها، هو تصويت احتجاجي أو تصويت يبحث عن شئ جديد غير موجود بين الأحزاب القائمة. وإن استمر هذا التوجه، فمن شأنه أيضا أن يكون له تأثير بارز على المنظومة السياسية.

الحكومة الجديدة

تشكيل الحكومة التي ستُشَّكل أمر غير معروف على وجه اليقين؛ وبوسع السيد “نتنياهو” عدة بدائل. ومع ذلك، يمكننا أن نقدر بإحتمال كبير أن تُشكل حكومة ضيقة النطاق من “الليكود”، و”كولانو”، و”البيت اليهودي”، و”إسرائيل بيتنا” والأحزاب الحريدية وتنعم بتأييد 67 عضو كنيست – كونه عدد أعضاء الكنيست الذي أوصوا الرئيس بأن يكلّف السيد “نتنياهو” بمهمة تشكيل الحكومة. وبالنسبة لنهج وسياسة حكومة كهذه، يمكننا في هذه المرة فقط أن نقول إن الرجل المسيطر فيها سيكون رئيس الحكومة كما أنه سينعم بدرجة كبيرة للغاية من المرونة وحرية العمل فيما يخص تحديد السياسات الخارجية والأمنية الخاصة بهذه الحكومة.