افرايم هيلفي

 

رد البيت الابيض على نتائج الانتخابات في اسرائيل أثار غضبا شديدا في اروقة الحكم في القدس. فالى جانب التهنئة الباردة بعض الشيء والتي شرف بها رئيس الولايات المتحدة رئيس الوزراء على انتصاره، أوضح اوباما بان فريقه سيفحص من جديد سياسته في السياق الفلسطيني.

الحقيقة البسيطة هي أن الرئيس شخّص حاجة حقيقية لتنفيذ فحص عميق لان سياسته السابقة لتحقيق قيام دولة فلسطينية الى جانب اسرائيل فشلت. وبقيت واشنطن بلا دولة وبلا سياسة بعد أن اوضح رئيس الوزراء بان دولة كهذه لن تقوم في السنوات الاربعة التالية، التي تتضمن السنتين المتبقيتين لولاية اوباما.

ان الفحص المتجدد للسياسة الامريكية تجاه اسرائيل مطلوب ليس فقط في المسألة الفلسطينية. فللولايات المتحدة جملة من المصالح والاعمال في ارجاء الشرق الاوسط وفي العالم العربي. قواتها تقاتل الارهاب الاسلامي لداعش، وهي تشارك في مساعدة قوات التحالف العربي الذي يقاتل ضد السيطرة الايرانية على اليمن. ونجاح الغارات الجوية السعودية هو ثمرة استخبارات فائقة لكشف الاهداف تزودها الولايات المتحدة لطياري المملكة، مذكرة بالايام التي زود فيها الامريكيون معلومات فائقة لصدام حسين في الثمانينيات مما أنزل نظام الخميني على ركبتيه وأجبر ايران على استجداء وقف النار.

كلما اقتربت محادثات النووي من اتفاق الاطار، تعاظمت الحاجة الى تصميم استراتيجية مصداقة ضد ايران في باقي الجبهات في المنطقة. يمكن الافتراض بان على طاولات التقدير في البيت الابيض وفي وزارة الخارجية في واشنطن ستوضع ايضا وثائق تعنى بالعلاقات المتبادلة بين النزاع الاسرائيلي – الفلسطيني وباقي العناصر في المنطقة.

 المؤشر الاول على السلوك الاسرائيلي تجاه الفلسطينيين يكمن في قرار رئيس الوزراء تحرير اموال الضرائب التي جمدت قبل نحو اربعة اشهر. وكان الامر في بداية حملة الانتخابات، والى جانب خطوات اخرى خدمت معاقبة الفلسطينيين احتياجات الدعاية لاولئك الذين قرروها. وما أن انقضت الحاجة السياسية الداخلية، فلم تعد الخطوة ذات صلة. والمبررات للقرار وطريقة اتخاذه تدل على طبيعته. وكما سبق أن نشر فان “جهاز الامن” ووزير الدفاع هما اللذان اوصيا بالتغيير لاعتبارات انسانية. وهذا تعليل غريب: فالوضع الانساني تدهور، ضمن امور اخرى، بسبب اخذ المال العائد للفلسطينيين، ولو لم تتخذ هذه الخطوة لما كانت حاجة الى اصلاح الضرر.

ولكن الذكر البارز للتعليل يستهدف التشديد على ان الخطوة الاسرائيلية بريئة من كل معنى سياسي. وقد ابرز واقع غياب الجدوى السياسية في علاقات اسرائيل والفلسطينيين وهو يشبه في جوهره تعليل التسهيلات في الاغلاق على غزة (أي على حماس). وفي الحالتين، فان الانسانية هي التي تحفز القيادة السياسية في اسرائيل في علاقاتها مع جيرانها في المناطق وفي غزة.

والى جانب “اللاسياسة” الاسرائيلية في الموضوع الفلسطيني، ستكون الولايات المتحدة مطالبة بان تبحث وان تفهم معنى نتائج الانتخابات الاخيرة. فمنذ 2012 ترى اسرائيل نفسها حرة في العمل علنا وبتصميم في الملعب السياسي الداخلي الامريكي. محاولتها هزم الرئيس الامريكي القائم فشلت. ولا مؤشرات علنية على أن الولايات المتحدة عملت كي تهزم رئيس وزراء اسرائيلي قائم. ولكنها لو تصرفت هكذا لكانت بالاجمال تفعل ما فعلته اسرائيل في الانتخابات الاخيرة للرئاسة الامريكية.

وهذا بارز على نحو خاص في ضوء زيارة رئيس مجلس النواب الامريكي جون باينر الى القدس هذا الاسبوع والذي سيحث بالتأكيد الخطوة التي سبق أن حثها – أي أن يبدل الهزيمة الماضية بانتصار مستقبلي في العام 2016. واذا رأينا سفيرا امريكيا مستقبليا يطور علاقات ويبني مالا سياسيا في اوساط القائمة الموحدة لعرب اسرائيل، فهل هذا سيكون ثمنا مجديا مقابل تراكض سفير اسرائيل بين اصدقائه الجمهوريين؟ واذا ما انشغلنا بالاثمان، فلنذكر النكتة اليهودية المحروقة في أن حذار على اسرائيل أن تعلن الحرب على الولايات المتحدة خشية أن تهزم فيها ,,ان هزال الفعل السياسي الاسرائيلي حيال الفلسطينيين مقابل وفرة النشاط السياسي الاسرائيلي في واشنطن يعرضان علامة استفهام مقلقة حيال ما يجري في اروقة الحكم في القدس.