عاموس يدلين

وصلت كل من إيران والدول الكبرى الست يوم الخميس الماضى إلى تفاهمات حول برنامجها النووي، تلتها مجموعة تفسيرات تناولت جوهر الإتفاق وتأثيره على إسرائيل. يحصى اللواء احتياط “عاموس يدلين”، قائد شعبة الاستخبارات السابق والذي كان مرشحاً لـ”المعسكر الصهيوني” قبل الانتخابات لمنصب وزير الدفاع، ستة تفاهمات تنبثق عن المحادثات وست توصيات تلحقها.

تفاهم: نحن لا نتحدث عن اتفاق، بل عن إعلان مبادئ مشترك، غير موقّع، سيؤخذ به كأساس لاستمرار المباحثات حتى الموعد المحدد للإتفاق فى 30 يونيو.  في واقع الأمر، ترافق الإعلان وثيقة أمريكية مُفصلة تتعلق بأغلب القضايا الهامة بشكل مفصل وإحصائي، لكن مبدأ أنه طالما “لم يتم الاتفاق على كل شئ فهذا يعني أنه لم يتم الاتفاق على أي شئ” مبدأ صحيح حتى بالنسبة لإعلان “لوزان”. وقد أبدى الرئيس الأمريكي “باراك أوباما” عن تأييده بحماس لـ”اتفاق جيد ذو قيمة تاريخية”، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” وصفه بأنه “اتفاق سيء للغاية”.

لم تمض 24 ساعة حتى اتهم وزير الخارجية “محمد جواد ظريف”، الإدارة الأمريكية بنشر وثيقة اتفاقيات لم تمثل الاتفاق.  يجدر بنا الإلتفات إلى الصمت الصارخ للزعيم الأعلى الإيراني “آية الله علي خامنئي” وتَذَكُّر أنه في العامين 2009 و2010 لم يصادق على اتفاق من شأنه أن يحدّ من قدرات البرنامج النووي الإيراني (في سياقات المفاعل البحثي في طهران  TRR) – الذي توصل إليه الرئيس الإيراني السابق “محمود أحمدي نجاد” في حينه مع تركيا والبرازيل.

توصية: لابد من دراسة رد الإيرانيين على الوثيقة الأمريكية ودراسة موقف الزعيم الأعلى. وينبغي أن نطلب من الزعيم الأعلى بأن نسمع منه  (فتوى) ضد السلاح النووي، والتي أشار إليها الرئيس “أوباما”، لكن لم يتم سماعها منه بصورة مباشرة أبداً. ويجدر بنا أن ندرك أنه من المحتمل أن لا يؤدي إعلان “لوزان” في نهاية الأمر إلى اتفاق.

تفاهم: الإتفاق هو حل وسط للمشكلة بين المتفاوضين – حل تعكس الحرص الأمريكي على الوصول إلى إتفاق من خلال القلق الشديد الظاهر للجميع حيال بدائل عدم التوصل إلى إتفاق: “الخوف من الحرب” والخوف من العقوبات التى تعتبر خطوة صارمة لن تلجأ إليها القوى العظمى الأخرى. فالإيرانيين من جانبهم كان عليهم ضغط إقتصادي – والعقوبات الفعالة على قطاع الطاقة والأموال بالإضافة إلى إنهيار أسعار النفط – أجبرتهم على الدخول فى حلول وسط.

توصية: تلتزم الولايات المتحدة الأمريكية ببحث وضع البدائل السيئة الإتفاق، وتطوير بدائل إضافية في حال عدم التوصل إلى إتفاق – بما فيها عقوبات أخرى وبدائل دبلوماسية وعسكرية – بدلاً من عتبة الحرب. وهكذا فقط سيتم منع سحق الإتفاق وعدم تنفيذه مثلما تم سحق المواقف الأمريكية في الحوار.

تفاهم: يمكن التفكر في التفاهمات كـ”نصف الكوب الممتلئ” أو كـ”نصف الكوب الفارغ” وهكذا يفعل مؤيدي الإتفاق ومعارضيه. يعرض المؤيدين ثلاثة إنجازات أساسية في “الإتفاق” وهى:-

  • تراجع القدرات النووية الحالية والتي تنفيها إيران.
  • القدرات المستقبلية التي لن تقوم بتطويرها في الـ 10 – 15 سنة القادمة.
  • الرقابة المنتظمة غير المسبوقة…

الإنجازات تشمل تحييد 13 ألف من أجهزة الطرد المركزي بإخراج أو تخفيف 10 أطنان من المادة المخصبة في إيران – وهو ما يكفي لحوالي سبع أو ثماني قنابل نووية، وتحويل منشأة فوردو إلى منشاة بحثية من دون مادة نووية، وتعطيل مسار البلوتونيوم عن طريق تغيير قلب المفاعل لكي لا يمكنه إنتاج البولوتنيوم من أجل السلاح وضمان ألا يقوموا ببناء مفاعلات الماء الثقيل ومواقع التخصيب في إيران في العقد القادم. وسيسمح لإيران فقط بتخصيب بأجهزة الطرد المركزي من الجيل الأول والتي لا تزيد عن 3.67 %. وسيتم إدخال الإيرانيين تحت الرقابة حسب البروتوكول الإضافى الذي يضمن شفافية ووصول أسرع من الماضي. ولأول مرة سيتم فرض رقابة على سلسلة المشتريات ومصانع إنتاج أجهزة الطرد المركزي.

يعرض المعارضين للإتفاق صورة مقلوبة عن مجموعة القدرات التي ستبقى في أيدي الإيرانيين والمخاوف من تطوير قدرات أخرى وهو ما سيقصر من زمن الإنطلاق حتي بدء فترة التفاهمات ومن ثغرات نظام الرقابة وقيوده؛ فنصف الكوب الفارغ هو أنه لم يتم إغلاق أي منشأة نووية، وهناك 6.000 جهاز طرد مركزي سيبقون في حوزة الإيرانيين وما سيتم أخذه منهم لن يُدمر نهائياً بل سيكون متوفر لتركيبه سريعاً في حالة الإخلال بالإتفاق. كما أن إتفاقيات الراقبة لن تشمل موضوع “تصورات الأسلحة الممكنة في المشروع” (PMD) وما سمح به لإيران في مسألة إستمرار البحث والتطوير لا يحجم قدرات التطوير، إن لم يكن تثبيت، أجهزة طرد مركزي متطورة.

توصية: هناك بعض الموضوعات الحرجة التى يجب معالجتها من خلال نص الإتفاق النهائي لضمان أن إيران ستحتاج لسنة كاملة كي تستطيع تطوير سلاح نووي والتأكد على بقائها هناك وأنها  لاتسعى نحو القنبلة. مسألة تصورات الأسلحة مسألة حرجة – يجب ضمان عدم توقيع إتفاق نهائي من دون إعطاء رد إيراني شامل وكامل لإستفسارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية في الأمر ومن دون التوسع في الرقابة على المواقع، والأشخاص، والمستندات، والمنظمات ذات الصلة بعمليات التسلح في إيران. ومسألة أخرى هي التأكد من أن أجهزة الطرد المركزي التي سيتم وقفها لن تعود مرة أخرى للعمل.

تفاهم : ليس “اتفاق سيء للغاية” وليس “إنجاز تاريخي” – يجري الحديث هنا عن تسوية بها العديد من الإنجازات للدول العظمى وذلك من حيث إعادة البرنامج النووي إلي الوراء عن طريق فرض قيود حقيقية على التطوير المستقبلي للبرنامج ومراقبة غير مسبوقة له، وفي مقابل هذا فإن الاتفاق يعطي شرعية لإيران كدولة على أعتاب الدولة النووية مما يسمح لها بأن تتقدم بشكل معين في مجال البحث ويضع تحت تصرفها موارد عديدة كي تستمر في دعم التخريب والإرهاب.

توصية : كي نضمن بأن الاتفاق سيدخل في إطار الإنجاز التاريخي (لعرقلة جميع المسارات التي قد تسلكها إيران من اجل إنتاج قنبلة نووية) وليس عن طريق تمهيد الطريق كي تتوصل للقنبلة، لذا يجب التأكد من إنجاز ذلك بواسطة خطة ثلاثية المراحل :-

  • سد كافة الثغرات في الاتفاق.
  • إنشاء نظام مراقبة شامل له صلاحية الوصول إلى كافة المعلومات.
  • تعريف الإيرانيين بأن أي محاولة للإلتفاف على الاتفاق أو خرق الشروط سيتم مواجهتها بعنف وفاعلية.

تفاهم: لا يجب أن نكون متفاجئين من أن الإتفاق لم يتطرق للنشاطات السلبية الأخرى التي تقوم بها إيران وهى التورط في عمليات التخريب الواسعة النطاق في الشرق الأوسط واستخدام الإرهابيين والإضرار المستمر بحقوق الإنسان. حيث كان قد تم بالفعل فصل بقية القضايا السلبية التي تقوم بها إيران في الاتفاق الإنتقالي “يناير 2014 “عن الاتفاق النووي الذي تم رفع أولوية معالجته وذلك استناداً إلي أنه هو التهديد الأكثر خطورة من أي نشاطات سلبية أخري تقوم بها إيران.

توصية: يجب على الولايات المتحدة أن توضح أن الاتفاق لم يحتوي على إعطاء الضوء الأخضر للإيرانيين للاستمرار في نشاطاتهم الإرهابية وأنهم سيواجهون مثل هذه النشاطات التي تقوم بها طهران بحزم وعنف على أي جبهة تقوم بها طهران في الشرق الأوسط. وأن الولايات المتحدة ستكون ملزمة بمعالجة وطمأنه العالم العربي السني وكذلك إسرائيل فيما يتعلق بمخطط واشنطن لإنشاء حلف استراتيجي مع إيران لذا فالولايات المتحدة يجب أن تبقى ملتزمة فيما يتعلق بالعقوبات المرتبطة بالأنشطة الإرهابية وتهريب السلاح والإضرار بحقوق الإنسان وتطوير ونشر الصواريخ وإمداد المنظمات الإرهابية بالأسلحة.

تفاهم: بسبب العلاقات المتوترة وانعدام الثقة بين إدارة الرئيس الأمريكي أوباما وحكومة نتنياهو إزاء المواقف المتناقضة المتعلقة بالاتفاق، لم يتم إجراء أي اتصالات بين الدولتين ولم يتم التوصل إلى توافقات.

توصية : يجب استئناف الاتصالات بين البلدين فوراً وعلى المستوى المناسب لإعلان تعديل المبادئ المتعلقة بإسرائيل قبيل 30 يونيو، علاوة على هذا يجب أن يتم التوصل إلي تفاهمات استراتيجية تقلص إلي حد كبير من مخاطر الإتفاق، أيضاً فيما يتعلق بالمحاولة الإيرانية للإلتفاف على الاتفاق أو في حالة خرق الاتفاق بشكل علني.

ففي ديسمبر 2013 وحيث لم يكن مر الكثير من الوقت على توقيع الاتفاق الانتقالي سألت الرئيس الأمريكي أوباما في منتدى سابان في واشنطن عن رأيه في الاتفاق النهائي. كانت إجابة الرئيس الأمريكي تفصيلية واستندت إلي حقيقة واحدة : أنه لن يوجد سوى برنامج إيراني سلمي وأكد أوباما على أن المفاعل النووي في فوردو، ومفاعل المياه الثقيلة في أراك وتطوير أجهزة الطرد المركزي هي مكونات غير ضرورية من أجل برنامج نووي سلمي.

إن الإصرار الإيراني على تضمين هذه المكونات في الاتفاق النهائي، وإن كان بصورة محدودة، يدل على أن توجيهات المرشد الأعلى بالإبقاء على القدرة النووية الإيرانية كانت عاملاً مؤثراً على مبادئ الاتفاق. ونتيجة لذلك يوجد قلق بالغ من أنه إذا تم التوصل إلي اتفاق في هذا الصيف، فإن البرنامج النووي الإيراني لايزال غير مخصص من أجل الأغراض السلمية، وسيكون لزاماً على الإدارة الأمريكية أن تطمئن بشكل لا لبس فيه بأنه قد تم إغلاق جميع المسارات الإيرانية لإنتاج القنبلة وضمان رقابة لصيقة غير مسبوقة على طهران. ووضع آلية فعالة من العقوبات المشددة على إيران إذا قامت بانتهاك الاتفاق وقبل كل شيء التوصل إلي اتفاق مع إسرائيل حول الشكل الذي ستعمل به هذه الدول من أجل إيقاف إيران إذا لم تلتزم بهذا الاتفاق أو قامت بإلغائه بشكل أحادي الجانب.