9-4-2015

جاي ألستر

 

كان اللقاء الذي أجراه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية “باراك أوباما” للشبكة الإذاعية العامة NPR مخصصاً لترويج الإتفاق النووي المعقود مع إيران، ولكن سيذكر في نهاية الأمر أنه بسبب تصريح واحد – ربما زلة لسان – والتى تقول بانه مع إنتهاء فترة الإتفاق، ستتمكن طهران من تصنيع القنبلة الذرية خلال زمن مدته “صفر”. وينتظر معارضي أوباما من القدس ومن الحزب الجمهوري تصريح كهذا وهاجموه وهاجموا سياسته الخارجية. يقول المنتقدين أن أوباما لا يتسطيع إيقاف الهيمنة الإيرانية في الشرق الأوسط والغضب الذي نتج عنه الربيع العربي في دول مثل سوريا والعراق واليمن يزداد. وفي المقابل يتفاخرون في البيت الأبيض بالإنجازات الكثيرة التي حققتها إدارة أوباما خلال السنوات الست. من هو الصادق؟ هل يستطيع أوباما أن يحكم العالم؟ وصل كل من “ألون فنكس” القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك و”مارك تسيل” ممثل الحزب الجمهوري في إسرائيل، إلى استوديو موقع واللا للأخبار من أجل الإجابة على الأسئلة.

هذا ما أكتفي أوباما أن يفعله في فترة ولايته في واشنطن في السراء والضراء: كان أحد وعوده الإنتخابية الأساسية إنهاء الحرب في العراق والتي بدأها “جورج دابليو بوش” في عام 2003. فكانت الحرب بمرور السنين لا فائدة منها ومدمرة، عندما تبين أنه لا يوجد أسلحة دمار شامل – وهذا كان المبرر الذي قررت واشنطن بناءاً عليه أن تقوم بالإطاحة بـ”صدام حسين” من الحكم. في ديسمبر عام 2011 وبعد ثمانية سنوات ومقتل حوالي 4.500، إنسحب جيش الولايات المتحدة الأمريكية من العراق. فقام أوباما بالوفاء بإلتزامه وأنهى أحد الحروب الأكثر إثارة للخلاف في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية حيث ترك من وراءه دولة ضعيفة. أدى هذا الضعف الشديد إلى عودة الولايات المتحدة الأمريكية للتدخل فى العراق مرة ثانية بعد ثلاث سنوات من خروجها.

سجل أوباما لنفسه إنجازاً آخر في الحرب ضد الإرهاب قبل خروج القوات من العراق بستة أشهر وهو قتل زعيم تنظيم القاعدة “أسامة بن لادن”. أنتشرت القوات الخاصة الأمريكية في 2 مايو على حدود مدينة أبوت آباد في باكستان حيث أختبأ الإرهابي الأول المطلوب على مستوى العالم. أنهى جنود القوات الخاصة العملية بنجاح وألقى أوباما خطاباً للأمة وأعلن فيه عن إستكمال الهدف الذي من أجله شن بوش الحرب في أفغانستان. تنظيم القاعدة، المسئول عن الكثير من الهجمات الوحشية ضد أهداف أمريكية ومن بينها هجمات 11 سبتمبر، تلقي ضربة قوية ولم ينجح فى أن يتعافى منها حتى اليوم. لم يملأ أيمن الظواهري الفراغ الذي تركه بن لادن ولم ينفذ التنظيم تحت قيادته اي هجمات قوية. ومع هذا أدى ضعف التنظيم إلى زيادة قوة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، والذي كان منذ عدة سنوات ذراع القاعدة في العراق، ولكنه اليوم يشكل خطراً على العالم بأسره.

بدأت موجة من الإحتجاجات والتظاهرات الشعبية في أنحاء العالم العربي والتي سُميت بـ”الربيع العربي” في العام الذي خرجت فيه القوات الأمريكية من العراق وقُتل بن لادن. وهي نفس النيران الثورية التي أسقطت الدكتاتور التونسي “زين العابدين بن علي” في 14 يناير 2011 وسرعان ما إنتقلت إلى مصر. فخرج الجموع الغفيرة إلى ميدان التحرير في القاهرة مطالبين بتنحي “حسني مبارك” الحليف القديم لواشنطن في الشرق الأوسط. فتردد أوباما في البداية ليتخذ موقف ولكن عندما فهم لأين تتجه الرياح إختار التخلى عن الطاغية العجوز وأن يدعم المتظاهرين الذين يطالبون بالديمقراطية.

ولحظ أوباما العسر لم يفلح التنصل من مبارك في خلق نظام حر ليبرالي: فوريثه “محمد مرسي” حاول تكوين جمهورية إسلامية ولكنه أطيح به في ثورة في يوليو 2013 بعد أقل من سنة من توليه الحكم. وقهر الحاكم الجديد “عبد الفتاح السيسي” مؤيدي مرسي وحركة “الأخوان المسلمين” بوحشية، وأعاد مصر عشرات السنوات للوراء فيما يتعلق بحقوق الإنسان والحرية المدنية. ورداً على ذلك قام أوباما بتجميد علاقاته مع القاهرة وتجميد شحنات السلاح التى يتم إرسالها إلى الدولة. أضطر السيسي إلى مواجهة موجة من الإرهاب الإسلامي في أنحاء الدولة وخصوصاً في شبه جزيرة سيناء ولم ينتظر أوباما، وبدأ فى التقرب إلى روسيا وإلى الرئيس “فلاديمير بوتين”. ففهم أوباما مؤخراً أن مصر هي دولة إستراتيجية في المنطقة وبدأ في العمل على توطيد العلاقات عندما قام بإلغاء الحظر العسكري على المصر.

حظي تعامل أوباما مع دول عربية أخرى كادت تنفجر فيها موجة “الربيع العربي”، بنقد لاذع. فقد وصلت الإحتجاجات الشعبية في مارس 2011 حتى سوريا ولكن سرعان ما تطورت إلى حرب أهلية شاملة ووحشية محتدمة حتى اليوم. خافت الولايات المتحدة الأمريكية من مساعدة الجيش السوري الحر في حربه ضد قوات الأسد بسبب معارضتها الشديدة لصديقته المقربة روسيا. ورسم أوباما خطاً أحمراً لتدخله في القتال في سوريا – استخدام أسلحة غير تقليدية من جانب دمشق – بل وإستعد لعملية عسكرية عندما علم العالم بأن الأسد هو المسئول عن الهجوم الكيميائي القاتل في أغسطس 2013.

سارع أوباما على الرغم من التهديدات إلى الإستجابة لمقترح الحل الوسط من موسكو والذي وفقا له يتم إخراج السلاح الكيميائي من الأراضي السورية وبالمقابل لن تفرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على دمشق. في إجراء مطول وتحت رقابة الأمم المتحدة تم إخلاء أغلب مستودعات السلاح الكيميائي في سوريا ولكن منذ إنتشار التقارير حول إستخدام نظام الأسد لغاز الكلور ضد المواطنين. الآن لم يدرس أي شخص إتخاذ أي عقوبات عسكرية ضد سوريا التي إستغلت بطريقة غير مباشرة الهجوم الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش على أراضيها من أجل السيطرة من جديد على مناطق كانت تحت سيطرة المتمردين. وأشار “جون كيري” مؤخراً أنه في نهاية الأمر ستضطر الولايات المتحدة الأمريكية للحوار مع الأسد وهذا ما أدى إلى غضب شديد وسط دول عربية وغربية كثيرة والتى تطالب بالإطاحة بالطاغية المتوحش.

إيران، هي من إستغل الفراغ في السلطة في المنطقة. فعلى الرغم من فرض العقوبات الجديدة على طهران والتي أضرت إقتصادها إستمرت في دعم الأنظمة والتنظيمات المقربة إليها بطريقة مباشرة وغير مباشرة – فحظيت سوريا بالدعم العسكري الموسع من جانب الجنرالات الإيرانيين الذين يقودون هجمات للقضاء على المتمردين، وتتركب القوة العسكرية الحقيقية للعراق من المليشيات الشيعية والتي تتلقى أوامر من طهران، وقام حزب الله بتعزيز موقفه كقوة فعلية في لبنان وأيضا حماس والجهاد الإسلامي تمتعوا بتمويل إيراني كبير. وكشف العالم مؤخراً تأثير إيران المتزايد في اليمن ودعمها للمتمردين الحوثيين الذين أطاحوا بالرئيس الموالي للغرب “عبدربه منصور هادي”. وهذا ما يعتبر تخلياً من أوباما عن المنطقة وهو ما أغضب دول الخليج السنية حيث رأوا أمام أعينهم كيف أن ذراع إيران الشيعية تتمدد إلى أراضى جيرانهم. وهذا هو السبب الذي جعل المملكة العربية السعودية تبلغ الولايات المتحدة الأمريكية بالعملية العسكرية ضد الحوثيين بعد أن بدأتها – فقد غضبت الرياض من سياسة المصالحة التي يتزعمها أوباما حيال إيران بهدف التوقيع معها على الإتفاق النووي وجمعت عشر دول عربية أخرى حيث قرروا مواجهة القوات بأنفسهم.

باستثناء التوترات في الشرق الأوسط التي كانت تشغل أوباما، أولى في العامين الماضيتين اهتماماً كبيراً بما يحدث في أوكرانيا وفي شرق أوروبا، وكان نجاحه هناك أكبر. منذ خروج مئات الآلاف من الأشخاص في نهاية 2013 إلى الشوارع في أوكرانيا في تظاهرات ضد السلطة الموالية لروسيا وقفت واشنطن إلى جانب العناصر الموالية للغرب والتي أسقطت الرئيس “فيكتور يانوكوفيتش”. وأيضاً أختار أوباما فرض عقوبات شديدة على روسيا بسبب ضم شبه جزيرة القرم، وبهدف وقف دعمها للإنفصاليين في شرق أوكرانيا. ولم تنجح العقوبات في إخضاع بوتين وأدت إلى ركود كبير في العلاقات بين الدول منذ الحرب الباردة ولكنها سببت له ضرر إقتصادي قوى وأدت إلى وجود حسابات دقيقة على ساحة القتال. ويقول مسئولون في الولايات المتحدة الأمريكية أنه على أوباما التصديق على شحنات سلاح إلى الجيش الأوكراني، ولكن الرئيس يعلم جيداً الإحتمال الكامن في إجراء كهذا وينتظر ليرى كيف سيتصرف بوتين. ومنذ ذلك الحين بادر الرئيس الروسي بوقف إطلاق النار الذي يتم الحفاظ عليه فى هذه المرحلة بشكل كامل. وفي المقابل قام أوباما بزيادة التواجد العسكري الأمريكي في دول البلطيق الواقعة على الحدود الروسية من أجل الردع، ويستعد حلف الناتو لإنشاء قوة خاصة ستتمكن من المواجهة السريعة مع كل عملية عسكرية أخرى لموسكو.

إنجاز آخر يمكن لأوباما أن يتباهى به وهو المصالحة المفاجئة مع كوبا والذي بدأت في ديسمبر الماضي. وبصرف النظر عن المعارضة المتوقعة من جانب الجمهوريين لإعادة العلاقات مع هافانا، بين أوباما أنه بغض النظر عن عدم تغيير النظام مثلما كانت الولايات المتحدة تريد – فقد أنتهت أيام الحرب بين الشيوعية والرأسمالية، وبإستثناء الشعارات التي تتفاخر بها كوبا فهي تنفتح تدريجياً على السوق الحر. وأوضح أوباما أن حوالي 50 عاماً من الإنفصال والحظر على كوبا لم تؤتي ثمارها فيجب إتباع أسلوب آخر. وإضافة إلى ذلك لم تتخلى الولايات المتحدة الأمريكية عن دعمها الديمقراطية في كوبا وكجزء من إتفاق المصالحة تم إطلاق سراح أغلب المعتقلين السياسيين في الدولة.

تبقى لأوباما حوالي سنة ونصف في فترة ولايته. ومن المتوقع أن يستمر في هذه الفترة دون التفكير في الإنتخابات مثلما فعل منذ انتخابات التجديد النصفي في السنة الماضية. وسيتم إستغلال أغلب الوقت للوصول إلى إتفاق دائم مع إيران وإقناع الكونجرس وحلفاء الولايات المتحدة الأمريكية – خاصة إسرائيل – بضرورته وأهميته. وسيتركز جزء كبير في الحرب البطيئة الصبورة ضد داعش والتي بدأت تظهر نتائجها في العراق مع السيطرة التدريجية لقوات الأمن على المناطق القابعة تحت سيطرة التنظيم. وعلى الرغم من اليأس في الوصول إلى سلام بين إسرائيل والفلسطينيين يحتمل أن يحاول أوباما مرة أخرى لتجديد الحوار بين الأطراف أو الإمتناع عن استخدام الفيتو على مقترح إقامة دولة فلسطينية في مجلس الأمن. وأوباما الذى ليست لديه أية إعتبارات سياسية لا يخشى السير ضد التيار ويبذل الجهد لإقناع الجميع بصدق طريقه.