11-4-2015
عيرن شيشون
عقب تصريحات رئيس الوزراء وتنصله من دعم إقامة دولة فلسطينية أعلن البيت الأبيض أنه سيبحث موقفه حيال العملية السياسية، وهدد الفلسطينيون مجدداً بخفض التنسيق الأمنى مع إسرائيل. وقبل الإنتخابات قررت إسرائيل تجميد تحويل أموال الضرائب إلى السلطة الفلسطينية بعد توجه محمود عباس للمحكمة الدولية في لاهاي على الرغم من المخاوف بأن يضر الأمر بإستقرار السلطة، ورداً على ذلك قرر الفلسطينيين مقاطعة ستة شركات أغذية إسرائيلية.
لا يمكننا ظاهرياً ان نحدد معنى معين لهذا القرار، ففي عام 2008 قررت السلطة الفلسطينية مقاطعة منتجات وخدمات خاصة بمزودين إسرائيلين فى المناطق المحتلة. ولكن الربط بين سلسلة الأحداث والتصريحات الأخيرة لـ”بنيامين نتنياهو” بشأن إقامة دولة فلسطينية من الممكن أن تؤدي بنا إلى نقطة اللاعودة التاريخية فيما يتعلق بقدرة إسرائيل على الحفاظ على نموذج الدولة اليهودية والديمقراطية.
تلقى زعماء حركة BDS التي تقود حملة تدعو إلى فرض مقاطعة دولية على إسرائيل، القرار الفلسطيني بمقاطعة شركات إسرائيلية تعمل في حدود الخط الأخضر بسعادة. وأعرب بعضهم عن رضاهم بإنتخاب نتنياهو مرة ثانية زعماً بأنه بذلك “ينكشف وجه إسرائيل الحقيقي”.
تمثل BDS مظلة تتجمع تحتها هيئات ومنظمات راديكالية معادية للإسرائليين والتي تعمل في الغرب ويسعون إلى تصوير إسرائيل على أنها دولة تمييز عنصري. وخصصت الحركة لنفسها مصطلحات ليبرالية لكي تدفع مقاطعة إقتصادية وأكاديمية وثقافية على إسرائيل. وأحد أهدافها المعلنة هو الوصول إلى حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كغطاء لإلغاء إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
يتفاخر زعماء BDS بأنهم يمثلون المنصة الكبيرة للإحتجاج الإجتماعي في الضفة وقطاع غزة. لكن الأغلبية العظمى من الفلسطينيين في الضفة لم تدعم الحركة أو حتى فكرة المقاطعة الكاملة حتى الآن. وعملت الحركة بدون دعم وأحياناً على عكس رغبة السلطة. “عمر البرغوثي” الذى يعد مؤسس الحركة فلسطيني الأصل، ولكن في BDS مجموعة صغيرة فقط من الزعماء والنشطاء الفلسطينيين. وأغلب المنظمات الفلسطينية التى تقدم على انها داعمة للحركة من خلال موقعها على الإنترنت هي هيئات قليلة والتي تعمل فقط “في حدود رام الله”. لذلك لم تنجح BDS في تنظيم أى تظاهرة علنية يشراك فيها أكثر من بضع مئات فى الضفة أو القطاع. وأغلب المشاركين في الأحداث كانوا نشطاء أوروبيين.
عندما قاد رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في 2008 حملة مقاطعة لمنتجات إسرائيلية لاحظ الفرق بين المقاطعة الكاملة – كتلك التى تدعو إليها BDS – وبين مقاطعة المنتجات في الأراضي المحتلة. كما رفض رئيس السلطة الفلسطينية عباس في السنة الماضية على الأقل لمرتين الدعوة إلى مقاطعة شاملة على إسرائيل. وأحد أسباب عدم شعبية الدعوة للمقاطعة هو ان هناك الكثيرين في الضفة يدركون أن الأمر من الممكن أن يتسبب في أزمة للإقتصاد الفلسطيني. فهناك حوالي 12 ألف فلسطيني يعملون في الشركات الإسرائيلية في الضفة ويعولون أكثر من 70 ألف فلسطيني. وفى موقف واحد على الأقل هذا العام، فإن نقل مصنع إسرائيلي من الضفة إلى الأراضي الإسرائيلية عقب حملة دولية أدى إلى إقالة مئات الفلسطينيين. ومنظمة BDS لا تبالى بمصير العمال الفلسطينيين، الذين يحصلون على أجور مرتفعة ويعيشون في مستوى إجتماعي مرتفع بالمقارنة بالمصانع الفلسطينية.
وكما قال “يتسحاق رابين” في حينه عن غزة فإن أغلب الفلسطينيين سيكونون سعداء إن “غرقت إسرائيل في البحر”. ومع هذا فقد تقبل أغلبهم إسرائيل كحقيقة واقعة وكانوا مستعدين لقبول فكرة الدولتين. يرفض زعماء الحركة مثل “عمر البرغوثي” فكرة الدولتين تماماً بل وأعربوا أيضاً عن معارضتهم لمبادرة عباس بالحصول على اعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة.
تزايدت الدعوات في الأشهر القليلة الماضية حتى من المحيط القريب لعباس بحل السلطة الفلسطينية. تلك الدعوات التي ستزداد مستقبلا عقب الإنتخابات وتصريحات نتنياهو هي نتائج للفكرة الرائجة لدى الفلسطينيين بأن الدولة الفلسطينية في الضفة لن تقوم بسبب الإنتشار الجغرافي للمستوطنات والسيطرة الإسرائيلية في الضفة. ويدعم هذا التوجه، الخناق الإقتصادي بسبب القرار الإسرائيلي بعدم تحويل الأموال إلي السلطة، وعدم رغبة نتنياهو في السماح بإقامة دولة فلسطينية. لذك يدعو أغلب الفلسطينيين لوقف إجراءات إنهاء الإحتلال وفرض مقاطعة شاملة على إسرائيل، حتى يدينها العالم.
الكيان السياسي الفلسطيني القائم حيوى لاستمرار وجود دولة يهودية وديمقراطية. وتصريحات نتنياهو، وعدم تحويل الأموال إلى الفلسطينيين، واستمرار مشروع المستوطنات يهددون الوجود الإسرائيلي. القرار الأساسي الذي اتخذته منظمة التحرير الفلسطينية في مارس حول وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل والتشجيع الرسمى لفكرة المقاطعة الشاملة، من الممكن أن يبشر بتغير في الموقف الفلسطيني حيال مبدأ الدولتين والإنتقال للمطالبة بإقامة دولة واحدة فى كل أرض “فلسطين التاريخية”. تصريحات نتنياهو ربما قادتنا إلى نقطة اللاعودة.
الكاتب هو نائب المدير عام لــــــ APCO Worldwide في تل أبيب، وهي شركة دبلوماسية تجارية. كان يقود العمل في مسألة المقاطعات ونزع الشرعية عن إسرائيل في معهد ريئوت لتخطيط السياسات.