12-4-2015

أفرايم كام

 

أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنها تطالب أن يتضمن الإتفاق النهائي مع إيران إعتراف إيراني بحق الوجود الإسرائيلي، وذلك عقب بلورة المبادئ الأساسية للإتفاق حيال المشروع النووي الإيراني الذي عُقد بين الحكومات الست للقوى العظمى الغربية وبين إيران في بداية ابريل 2015. أسرع الرئيس أوباما فى رفض الطلب. وحسب كلامه، فإن الشرط المعروض من جانب إسرائيل ناتج عن تفكير خاطئ وهي مشابه للمطالبة بعدم التوقيع على الإتفاق مع إيران، إن لم يُنفذ تغيير أساسي وشامل للنظام الإيراني.

يمكن الإفتراض بأنه لو كان أوباما يرى فرصة معقولة بأن إيران ستقبل بطلب كهذا لتبناه، وطالب إيران بالإعتراف بحق الوجود الإسرائيلي كجزء من الإتفاق النووي. واعتراف إيراني بهذا الحق يمنح الإدارة الأمريكية إنجازاً هاماً لأنها كانت ستساعد في تهدئة الخوف الإسرائيلي من أن تصبح إيران دولة نووية، وتقلل من النقد الإسرائيلي على الإتفاق، كما أنها ستجسد أنه قد تم بالفعل تغير في الموقف الإيراني – ليس فقط في الموضوع النووى، ويكون حلاً جزئياً أيضاً للنقد الداخلي في الكونجرس وفي الإعلام الأمريكي حول نهج الإدارة الأمريكية في المحادثات النووية وضد الإتفاق المعقود.

ربما لا يرى أوباما فرصة لتقبل إيران الطلب ويخاف من أن محاولة إدراج هذا الطلب فى جدول أعمال المحادثات النووية من الممكن أن تؤدي إلى عرقلتها وتؤدي إلى عدم التوصل إلى إتفاق نهائي. وبذلك قبلت الإدارة الأمريكية مرة ثانية موقف إيران بأن تتركز المحادثات على المسألة النووية والعقوبات المفروضة على إيران فقط، خوفاً أن توسيع نطاق المحادثات سيؤدي إلى فشلها. وتخلت الإدارة الأمريكية لهذا السبب عن طلبها الأول بأن تتضمن المحادثات موضوع الصواريخ الباليستية التي تمتلكها إيران، بعد أن أصرت إيران على عدم مناقشة الأمر زعماً منها بأنها مسألة تخص الأمن القومي الإيراني وليس لها علاقة بالمشروع النووي. فإمتنعت الإدارة الأمريكية لهذا السبب أيضاً عن مناقشة إيران أثناء المحادثات في أمر المساعدات العسكرية التي تقدمها للحوثيين في اليمن بحجة أن عرض الأمر سيزيد من صعوبة المحادثات النووية، التي تعتبر بالفعل صعبة ومعقدة. وهو نفس السبب الذي منع الإدارة الأمريكية من طرح موضوع حقوق الإنسان في إيران وموضوع تورطها في الإرهاب في الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية. وكان رفض إيران لمناقشة تلك الموضوعات بسبب انها مطالبة ببعض التنازلات فيها، وأن رفضها لمناقشتها ينبع من تقدير أن الإدارة الأمريكية ستتراجع عن طلبها هذا لكى لا تخلق توترات أكثر على مائدة المفاوضات وتعرقلها.

ومن المنطقى أن نسلم بأن الطلب الأمريكي للإعتراف الإيراني بحق الوجود الإسرائيلي في إطار الإتفاق النووي سيتم رفضه حقاً منذ البداية عن طريق النظام الإيراني ومن جانب المرشد الأعلى خامنئي بشكل شخصي. فالعلاقة السيئة والكراهية حيال إسرائيل التي أُمليت عن طريق زعيم الثورة الإسلامية في إيران “الخوميني” حتى قبل أن يصل إلى الحكم، أعتبرت كعنصر أساسي ومحدد في المفهوم الأصولي المتطرف للنظام الإسلامي. كما إنعكست تلك التوجهات في مفهوم مسئولى النظام في تصريحات خامنئي والرئيس السابق “أحمدى نجاد”، فليس لإسرائيل الحق في الوجود ككيان سياسي بسبب أن اليهودية ليست إطاراً قومياً، بل ديني فقط.

إنكار حق إسرائيل في الوجود أمر مُبرر في نظر قادة النظام لأن وجودها يتعلق بمثلث الظلم غير المحتمل في نظرهم:-

  • قمع ملايين المسلمين تحت حكم إسرائيل.
  • إنكار الحقوق الشرعية للفلسطينيين في دولة علي كامل الأراضي فلسطين.
  • سيطرة إسرائيل على الأراضي المقدسة للإسلام وخصوصاً القدس”.

ومن هنا فإن التحرير الإسلامي لتلك الأراضي الإسلامية يأتى عن طريق الجهاد وليس تسوية سياسية، غير المقبولة تماماً. ويرى الخوميني أن الإعتراف بإسرائيل غير مقبول لأن الدولة أُقيمت عن طريق الإمبريالية الغربية ككيان غريب في قلب العالم الإسلامي من أجل تفريقه وإضعافه واستغلال الدول الإسلامية. ويرى أيضاً أنه ليس هناك مجال للمساومة والتنازلات في الصراع مع إسرائيل، لأن هذا صراع بين قوى الحق وقوى الظلم والكفر. لذلك تدمير إسرائيل وتحرير القدس جزء لا يتجزأ من النجاح النهائي للحركة الإسلامية و ينبع من المبادئ الأساسية للثورة وللإسلام. وسيكون الإعتراف بإسرائيل بأى حال زعزعة لأحد أعمدة النظام.

وإن كان رفض وجود إسرائيل مكون أساسي في مفهوم النظام الإيراني، وعلى الأقل المؤسسة الرديكالية التى تقوده، فهذا لايعنى بالضرورة أنه ليس هناك ما يمكن عمله فى هذا الشأن. بالفعل لا يمكن الإفتراض بأن القيادة الإيرانية الحالية ستوافق على الإعتراف بحق الوجود الإسرائيلي، ولكن لايمكن أن نستبعد تحقق تفاهم هادئ بين الإدارة الأمريكية وبينهم، ووفقاً لهذا التفاهم سيتوقف زعماء إيران عن التصريح بمسألة إبادة إسرائيل وإنكار المحرقة. والرئيس روحانى نفسه لم ينكر المحرقة منذ أن تم انتخابه، حيث أدرك أن سلفه “أحمدي نجاد” قد أخطأ حينما فعل ذلك. ولكن ربما يكون هذا تصوراً للمستقبل، وعلى أى حال من المتوقع ألا تقوم الإدارة الأمريكية بطرح الأمر في إطار المحادثات النووية قبل أن يتم بعد التوصل إلى اتفاق نهائي بينهم. وبنظرة أبعد، إذا أدت المحادثات إلى إتفاق نهائي، وهذا سيؤدي إلى حالة من الهدوء بين الإدراتين الأمريكية والإيرانية، وربما أيضا إلى حوار موسع بينهم حول قضايا إقليمية أخرى – كما يتمنى أوباما – فمن المحتمل أن تجد الإدارة الأمريكية فرصة لعرض مسألة الإعتراف الإيراني بحق الوجود الإسرائيلي. وبنظرة أكثر بعداً، فإن التغير في علاقة إيران بإسرائيل يمكن أن يحدث إذا حدث تغيير في شكل وجوهر النظام الإيراني – وهو تغيير محتمل، لا يلوح فى الأفق القريب.

على الرغم من أن إستنتاج تحليل الظروف الحالية، قبل توقيع الإتفاق النهائي، هو أن إدارة أوباما لاتنوى طرح طلب الإعتراف الإيراني بحق الوجود الإسرائيلي فإن هذا لا يعني أنه لا يمكن طرح الأمر عن طريق الحكومة الإسرائيلية. بل على العكس فالتفسير الصحيح يمكن ويجب ان يؤكد العلاقة بين النظام الأصولي الراديكالي في إيران وبين الدعوة العلنية لتدمير إسرائيل وحيازة السلاح النووي – الذي يعني الوصول إليه تهديداً خطيراً على الأمن الإسرائيلي. والتأكيد على هذه العلاقة يمكن أن يخلق تفاهم لطلب الربط بين الإتفاق في موضوع المشروع النووي والإعتراف الإيرانى بحق إسرائيل فى الوجود. وإذا تسرع الرئيس أوباما في رفض هذا الطلب – يبدو أن هذا من خلال خوفه أن تكون هناك ضغوطات داخلية تجبره على قبوله – فالطلب يمكن قبوله عن طريق جزء كبير من الكونجرس والإعلام والشعب الأمريكي وجعل مسألة رفضه صعبة على الإدارة الأمريكية. من الواضح أن الإدارة سترى في ذلك محاولة أخرى من جانب الحكومة الإسرائيلية لعرقلة المحادثات وعدم عقد الإتفاق، ولازالت هناك فرصة لإعتبار الطلب الإسرائيلي من جانب الكثيرين بأنه عادل ومنطقي.