أڤيرما جولان

كم كانت دعوة البروفيسور “شلومو أڤينيري” للمعسكر الصهيوني بالإنضمام إلى حكومة “نتنياهو”، بهدف إنقاذ الدولة (“هآرتس” 6-4) غير مفاجئة؛ كم كان من المتوقع أن يُبْسَط السلم لـ”يتسحاق هرتسوج”، حتى يتمكن من النزول والعدول سريعاً عن شعار “إما نحن أو هو” بالتبرير المبتذل “تحسين مكانة إسرائيل في العالم”. وقد وصف الصحفي الحريدي “يوسي إيليطوڤ” المسألة بوصف دقيق في تغريدة أطلقها على تويتر جاء فيها: “النووي الإيراني، يبدو كما البساط الفارسي الذي سيخطو عليه “هرتسوج” في طريق دخوله للحكومة”. نعم، لا مثيل للسخرية الحريدية في كشف خدعة الحزب الذي طبع “الحقيقة” على بطاقة التصويت.

يمثل “أڤينيري” جيداً الوعي الخادع لهذا المعسكر، الذي يصف نفسه بطريقة غريبة على أنه “يسار”. المشكلة في موقفه لا تكمن في أساس اقتراح ضم “هرتسوج” ورفاقه إلى حكومة وحدة قومية (أية وحدة؟ بين من ومن وبين ماذا وماذا؟) بل تبرير الـ”المسئولية” الذي يقدمه. «المسئولية» شعار صريح خاص بحزب العمل. سنوات طوال من التمرغ في السلطة مهما كلّف الثمن يدوي صداها بهذه الكلمة. تماماً مثل جملة “الأهم أن نكون ممسكين بعجلة القيادة” الخاصة بـ”أريئيل شارون”.

وفي حزب العمل تتردد تبريرات أخرى، أكثر منطقية، عن الانضمام لحكومة وحدة. تحديداً هذا التعليل، الذي يفيد بأن التَيَبُّس المتواصل في المعارضة يحول دون نشأة جيل من الرجال العمليين والإدارة القادمة. وبالطبع، يبقى معسكر “اليسار – الوسط” متواجداً في الأساس في السوق الخاص أو القطاع الثالث. هذا المعسكر الذي اكتسبت منه قلة قليلة الخبرة في المناصب العليا في الوزرات الحكومية.

تبرير ليس سيئاً، ولكن مع ذلك هو تبرير ضعيف. فقد أبدى أشخاص ذوو كفاءة، بارعون ومجتهدون من كافة الأحزاب، مسئولية وقدرة تعليمية وتطبيقية ممتازة في المهام الوزارية، رغم قلة خبرتهم. فـ”يولي تامير”، “يائير تسابان”، أرييه أدرعي”، “يوسي ساريد”، داڤيد ليڤي”، وغيرهم لم يولدوا في الوزارات الحكومية، وحتى “مناحيم بجين” الذي قفز على رأس هرم المعارضة تقريبا للأبد. صحيح أنه من الأفضل أن نمارس ونزاول، ولكن ليس بالضرورة أن يسرى ذلك على كل واقع سياسي.

وهذا بالتحديد العامل الإشكالي في تبرير “أڤينيري”: (رفض مراعاة العنصر السياسي). وفي الواقع، إنه يعيد وصف السياسة كتمثيل للأدوار. يكفي أن يصبح “هرتسوج” وزيراً للخارجية، وإسرائيل ستتخذ قرارات رزينة وتتحمل المسئوليات وستُستقبل إسرائيل في العالم بالأحضان بدلاً من الإشمئزاز. هل يمكننا حقاً أن نتخيل “نتنياهو” يتخلى عن جبهة العلاقات الخارجية الخاصة بإسرائيل للخصم اللدود الذي يقاسمه مساره السياسي؟ لماذا؟ لأن “بوچي” (هرتسوج) لطيف؟ وكيف؟ مثلما خوّل لـ”يائير لبيد” إدارة وزارة المالية أو كما أيّد “موشيه كحلون” في إدارة وزارة الرفاه الاجتماعي؟ و”تسيبي ليڤني؟ هل ستركض مجدداً من أجل أن تثبت أنه “لا يوجد شريك”؟

بدلاً من الزحف (مجدداً) إلى حكومة جمود سياسي والمشاركة (مجدداً) في تعميق الفجوة، بإمكان حزب العمل أن يقرر بأن يتصرف كما الحركة السياسية، ومن ثم تشكيل حكومة ظل دون “عاموس يدلين” و”مانويل ترختنبيرج”، “مُلطفيّ اليسارية”، بل مع أعضاء الكنيست الطيبين في الحزب، والقائمة المشتركة، “ميرتس”، وخلق بديل اليسار اليهودي – العربي المفقود.

من الصعب أن نصدق حدوث ذلك. لأن حزب العمل لم يسبق أن فوّت فرصة لتدمير نفسه. وإن كان لابد من إعادة التفكير هناك وترديد صوت واضح ضد الاحتلال وتأييد السلام والعدالة الاجتماعية، وليس “حكومة وحدة”، فيسكون أمامهم فرصة وحيدة لإنقاذ مكانة إسرائيل. إن الانجرار إلى الحكومة سيثبت، للداخل والخارج، أن “نتنياهو” هو إسرائيل وإسرائيل هي “نتنياهو”، وليس هناك سواه، ولا بديل عنه.