بقلم: كيرين أفيرام ، يورام شفيتسر

بلورة القواعد القانونية فى ضوء خصائص الحرب على الإرهاب … جلسة إضافية فى قضية مصطفى ديرانى وحكم قضائى بشطب الدعوى

فى الخامس عشر من يناير 2015 أمرت هيئة كبيرة من المحكمة العليا فى إسرائيل بعقد جلسة إضافية ( جلسة إضافية مدنية رقم 5698/11 ) حول دعوى الضرر التى قدمها مصطفى ديرانى ضد دولة إسرائيل، والتى ادعى فيها بتعرضه للتعذيب بواسطة من قاموا بالتحقيق معه حين كان متحفظاَ عليه فى إسرائيل. وبذلك وسعت المحكمة العليا العرف المتبع فى القضايا التقليدية والذى يقضى بأنه ” لايتم نظر دعوى خاصة بالعدو وقت الحرب” وجعلته يسرى أيضاً على نشطاء المنظمات الإرهابية الذين يعملون من دولة أجنبية، وإن لم تكن هذه الدولة فى حالة حرب رسمية مع دولة إسرائيل.

وتوسيع هذا البند القضائى وموائمته مع الحرب الحديثة على الإرهاب يمثل نموذجاً يحتذى به، ومن المتوقع أن يتم تبنيه بواسطة دول أخرى تحارب الإرهاب وتسلط الضوء على التفاعل بين الأحكام القضائية على المستوى القومى والقانون الدولي.

أحد التحديات الأساسية التى تواجه دولة إسرائيل الموجودة فى صراعات حديثة متماثلة، يكمن فى الفجوة الموجودة بين القواعد القانونية التى خصصت لتنظيم واقع الحرب الكلاسيكية بين الدول، وبين الواقع المتغير والمتزايد من الصراعات المسلحة أمام الكيانات غير السياسية، وعلى رأسها التنظيمات الإرهابية، والتى يمكن حتى أن نسميها ” جيوش إرهابية” بسبب الهيكل ومستوى التدريب الذى يقومون به وحجم الوسائل القتالية التى يمتلكونها.

حيث أن طريقتهم فى العمل تدمج بين التكتيكات الإرهابية وحرب العصابات مثل حزب الله وحماس وداعش … إلخ. هذه التنظيمات لها ظهير فى المؤسسات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والدينية وتعمل من قلب القطاع المدنى، المأهول والمزدحم داخل دول وكيانات فاشلة. وتفوق قوتها العسكرية أحياناً القوة التى تمتلكها الدول ذات السيادة.

وتبرز التحديات القضائية التى تحيط بمسألة الصراع مع الجيوش الإرهابية الحديثة، فى ضوء غياب الحل القضائى الكافى فى القانون الدولى للعديد من المشكلات، التى تواجهها الدول التى تواجه تلك الكيانات. وفى هذه الحالة فإن التطوير فى معايير القانون الدولى يتم بواسطة المحاكم الدولية، وأحيانا بواسطة قضاة الدولة، الذين يريدون تنظيم الأنشطة القتالية الخاصة بالدول وموائمة القواعد القضائية مع الواقع المتبلور.

وفى هذا الصدد، انشغلت المحكمة العليا فى إسرائيل فى السنوات الأخيرة بالعديد من القضايا المتنوعة مثل هدم المنازل وعمليات الإعتقال الإدارى والجدار الأمنى وإدارة الإنذار المبكر وعمليات الإحباط المركزة، وساهمت فى موائمة القانون الدولى مع الواقع المتغير. وهناك مثال حديث لذلك وهو الحكم الصادر من المحكمة العليا الذى صدر مؤخراً فى الدعوى المدنية المقدمة من مصطفى ديرانى.

حيث أنه فى الخامس عشر من يناير 2015 أصدرت هيئة موسعة من المحكمة العليا فى جلسة إضافية ( جلسة إضافية مدنية رقم 5698/11 ) قراراً بشطب دعوى الضرر التى قدمها مصطفى ديرانى ضد دولة إسرائيل والتى ادعى فيها بتعرضه للتعذيب بواسطة من قاموا بالتحقيق معه وقت أن كان متحفظاً عليه فى إسرائيل.

ديرانى هو مواطن لبنانى كان ناشطاً فى تنظيم “المقاومة المؤمنة” الإرهابى وقد شكل خطراً أمنياً حقيقياً على دولة إسرائيل وذلك وفقاً لتقديرات مسئولى الأمن والمنظومة القضائية.

فى عام 1994 تم إلقاء القبض على ديرانى بواسطة قوات الأمن الإسرائيلية وتم اعتقاله إدارياً. وفى عام 2000 حال كونه متحفظاً عليه فى إسرائيل قدم دعوى بتعرضه للضرر إلى المحكمة الإقليمية فى تل أبيب ضد دولة إسرائيل، يزعم فيها تعرضه للتعذيب وعمليات تحرش ولواط تمت به، بواسطة من قاموا بالتحقيق معه. وكان مبلغ الدعوى ( المبلغ الرمزى) 6 مليون شيكل. وفى عام 2004 حيث كانت دعوته التى قدمها سارية ومنظورة، تم إطلاق سراحه فى إطار صفقة لإطلاق سراح الأسرى والمختطفين الإسرائيليين الذين كانوا لدى حزب الله، وتمت إعادته إلى لبنان. وبعد عودته إلى لبنان عاد ديرانى ليكون ناشطاً إرهابياً وضم تنظيم ” المقاومة المؤمنة” إلى تنظيم حزب الله الإرهابى، ورداً على ذلك قدمت دولة إسرائيل طلباً بحفظ الدعوى إلى المحكمة الإقليمية وفقاً للقاعدة القانونية ” لا يتم نظر دعوى خاصة بالعدو” وقالت بأنه حينما كان ديرانى فى دولة إسرائيل لم يكن هناك مانع من نظر دعوته، لكن بعد أن ترك الأراضى الإسرائيلية إلى دولة عدوة وعاد إلى أنشطته المعادية للدولة، فإنه لا سبيل إلى الإستمرار فى نظر الدعوى المقدمة من قبله، ورفضت المحكمة الإقليمية طلب الدولة بسبب عدم وجود مادة فى القانون الإسرائيلى تمنع استمرار نظر الدعوى ولأهمية حق التقاضى. قدمت الدولة طلب استئناف إلى المحكمة العليا، لكن تم رفض الطلب أيضاً. وقضت المحكمة العليا أنه لا سبيل للعمل وفقاً للقاعدة المتبعة، لأنها ” غير مستوعبة” فى السوابق القضائية فى إسرائيل. وبسبب أهمية حق التقاضى لا يجب منع استمرار نظر الدعوى.

وطلب الدولة فى عمل جلسة أخرى تم قبوله وتم عقد الجلسة بوجود هيئة موسعة من سبعة قضاة. وكان رأى الأغلبية بزعامة رئيس المحكمة العليا، أشير جرونيس بإلغاء قرار المحكمة الإقليمية وقرار المحكمة العليا فى الإستئناف وقبلت مزاعم الدولة بشطب دعوى ديرانى.

وكان رأى الأغلبية وفقاً للقاعدة ” لا يجب نظر دعوى خاصة بعدو فى وقت الحرب” وقد أشار القاضى جرونيس أن هذا القاعدة معروفة جداً فى التاريخ القضائى للدول القضائية المقبولة، وقد “استوعبت” فى سابقة قضائية للمحكمة العليا ولذلك تستمر فى كونها جزءاً من القضاء الإسرائيلى الآن أيضاً. ووفقاً لموقف جرونيس فإن القاعدة تمثل ” توازن” فهذه القاعدة تمنع نظر دعوى يقدمها من يعيش فى دولة أخرى دون النظر إلى مسألة العداء من جانب، ومن جانب آخر تضع القاعدة حالة صارمة وهى وجود “حرب رسمية” بين الجانبين ومحددة فقط بوقت الحرب. ولأنه –وفقاً لرأيه- ليس هناك حرب رسمية بين إسرائيل ولبنان ولكن صراع مسلح مستمر، قرر الرئيس جرونيس أن يدفع القاعدة دفعة إلى الأمام ويوائمها مع الحرب على الإرهاب فى العصر الحديث. وهذه الحرب – كما أشار- تتمثل فى الإنتقال من الصراعات بين الدول إلى المواجهة الشديدة لأنشطة التنظيمات الإرهابية. وهذه المواجهة لم تقررها إسرائيل فقط ولكنها تشترك فى ذلك مع دول عديدة فى الغرب. ومن هنا تأتى الحاجة إلى بلورة القواعد القضائية الحالية من جديد فى ضوء خصائص الحرب على الإرهاب. ولذلك قام الرئيس بتوسيع القاعدة القضائية المتبعة إلى الصراع المسلح بين دولة إسرائيل والتنظيمات الإرهابية بالشكل الذى يحمل ” التوازن المطلوب أن يكون مختلفاً فى هذه الظروف، ولذلك حينما يتعلق الأمر بمواجهة مسلحة مع تنظيم إرهابى يعمل فى دولة أجنبية ، وهو ما لايرقى إلى مرتبة الحرب الرسمية بين الدول، تسرى القاعدة التى تقول بأنه لا يجب نظر دعوى العدو، على مقيمى الدعاوى المتواجدين فى دولة أجنبية وهم ناشطين فى تنظيمات إرهابية.

وقد أبقى الرئيس جرونيس على ” وجوب مراجعة” المسائل المتعلقة بسريان القاعدة الموسعة على نشطاء الإرهاب الموجودين فى إسرائيل أو فى المناطق الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية.وهناك مسألة أخرى تتعلق بمعنى لفظة ” ناشط فى تنظيم إرهابى” والعلاقة المطلوبة بين مقدم الدعوى وبين الأنشطة الإرهابية، وهى المسألة التى تحدد بأنه ليس هناك حكم فيها فى الدعوى الحالية. بالإضافة إلى أنه قد تحدد أن توسيع القاعدة القضائية المتبعة لتشمل نشطاء الإرهاب الموجودين فى دولة أجنبية هى معيار الممارسة المتبعة حالياً فى حماية حقوق الإنسان.

أهمية الحكم كما اشار القاضى روبينشتاين ليست فى نتيجته الملموسة ولكن فى النظرة المستقبلية وتحديد سياسة تجاه الإرتباطات الأخرى، حيث أنه من الممكن أن تأتى إلى أبواب المحاكم  قضايا إرهاب أخرى، وديناميكية مواجهة الإرهاب لا تتيح التنبؤ بكل الحالات فى الوقت الحالى.

ولمرات عديدة وصل الواقع المتغير على ساحات القتال المختلفة إلى أبواب المحاكم ويحتاج إلى حل وتسوية قضائية للأنشطة القتالية. القتال الكلاسيكى ( الذى تمت تسوية أمره قضائياً) بين الدول اختفى تقريباً من المشهد حيث حل محله فى الوقت الحالى صراعات مسلحة بين دولة أو ائتلاف مكون من عدة دول وبين تنظيمات إرهابية وميليشيات مسلحة ( ليست دولاً) وهذه الصراعات تثير مشكلات وتحديات قضائية باستمرار والتى لم يتم تسويتها بشكل شامل فى القانون الدولى .

الحكم الخاص بموضوع ديرانى يمثل تجسيداً لعملية تطوير القواعد القضائية وموائمتها مع ظروف الحرب الحديثة على الإرهاب. وكلما زادت قوة التنظيمات الإرهابية فى أنحاء العالم وتطورت إلى ” جيوش إرهابية” تتقارب فى خصائصها مع الجيوش النظامية (من جانب القوة العسكرية والخطر الأمنى الذى يشكلونه، وحجم وزمن عملياتهم)، كلما تطلب الأمر التفكير المستمر فى الموقف القضائى لأعضائها، وتقديم قضايا أخرى إلى المحاكم، والتى هناك خلاف عليها حالياً. هذه التحديات تتطلب موائمة فعالة للقواعد القضائية مع القتال الحديث.