بقلم: تسڤي ماجين/ سارة فاينبيرج 

يجب أن نقيّم المغزى من الزيارة التي أجراها “محمود عباس” إلى موسكو على خلفية جهود روسيا المتزايدة من أجل إحداث تغييرات في المسيرة السياسية من أجل تسوية إسرائيلية فلسطينية. كان هذا في إطار السياسة الجديدة التي تتبعها روسيا في الشرق الأوسط، والتي انعكست في قرارها الصادر يوم 13 أبريل 2015 بإمداد إيران بمنظومات الدفاع الجوي300-S. كما ينوي “عباس”، على حد زعمه، أن ينسق مع الجانب الروسي حشد الدعم من أجل طلب فلسطيني جديد لمجلس الأمن، بدلاً من الطلب الذي رُفض نهاية العام الماضي.

ومن جانبها تعمل روسيا مؤخراً بشكل مكثف على الساحة الفلسطينية. حيث أرسل الرئيس الروسي “ڤلاديمير بوتين” رسالة إلى مؤتمر القمة للجامعة العربية الذي انعقد في شرم الشيخ في الثامن والعشرين من مارس 2015، تضمنت رسائل مختلفة تجاه التحديات الحالية في الشرق الأوسط. وقد تم التأكيد خلالها على تمسك روسيا بعدم التدخل الخارجي فيما يحدث في دول المنطقة. ومع ذلك، قال “بوتين” – مناقضاً لمضمون الرسالة – إن الفلسطينين يستحقون دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية. كما ذُكر في الرسالة صراحة أن روسيا تولى هذه القضية أهمية خاصة وأنها تنوي مواصلة جهودها لتحقيق هذا الهدف، سواء من خلال القنوات متعددة الجوانب، بما في ذلك في إطار اللجنة الرباعية، أو سواء من خلال القنوات أحادية الجانب.

لم تكن هذه المرة الأولى التي يؤكد فيها متحدثون روس رسميون ومن بينهم “بوتين” على الأهمية الخاصة لهذا الشأن وتحديداً أزمات الشرق الأوسط. ومؤخراً ترددت أيضاً شكوى روسية بسبب ابتعاد قضية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عن مقدمة جدول الأعمال الإقليمي والدولي. وقد أكد الموقف الروسي مراراً وتكراراً، أنه دون حل هذا الموضوع، لن يتحقق الاستقرار والأمن في المنطقة. في حين أطلقت روسيا في وقت سابق رسائل على هذه الشاكلة بشأن اللجنة الرباعية، من خلال توجيه انتقادات للولايات المتحدة. وفي سياق متصل، اتُهمت الإدارة الامريكية أنها المسؤلة عن الإجراءات السلبية التي تُتخذ حالياً في الشرق الأوسط عموماً، وأنها من يتجاهل روسيا في كل ما يخص التعامل مع الشأن الإسرائيلي الفلسطيني.

يبدو أن التأكيد الذي أرسله “بوتين” في القضية الإسرائيلية الفلسطينية يشوبه الغموض، على خلفية الأزمات التي تحدث بقوة في الشرق الأوسط. لكن هذا التأكيد يُفسر في الشأن الروسي الشامل أنه توجه لزيادة التواجد في المنطقة وذلك من أجل تعزيز مكانتها في صراع التكتلات. وكل هذا من المفترض أن يؤدي إلى الهدف الاستراتيجي المنشود وهو إبراز روسيا كعنصر فاعل من أجل العالم الإسلامي بشكل عام، والعربي بشكل خاص.

إن المحاولة الروسية للتأثير على الساحة الإسرائيلية الفلسطينية تُضاف إلى تدخل روسيا الفعال في الأزمتين المحوريتين في الشرق الأوسط. حيث يندمج تدخل روسيا المستمر في الحرب الأهلية في سوريا – دعم نظام الأسد في حربه ضد الثوار وكذلك مجهودات جسر الفجوة بين الأطراف المتحاربة في هذه الدولة المفككة- مع تعاملها الشامل ضد التهديد المتمثل في توسع الإسلام المتطرف الذي طال بعض مناطقها. بجانب هذا، تمثل روسيا وزن مضاد للضغوط التي تمارسها الدول الغربية الكبرى على إيران في الشأن النووي. حيث قفزت هاتان الأزمتان على رأس جدول الأعمال الدولي. ومؤخراً زار وزير الدفاع الروسي “شويجو” طهران وناقش الطرفان إمكانية توسيع مجال التعاون بين البلدين، بما في ذلك المجالات الأمنية. ويمكننا أن نرى بداية تطبيق هذا التعاون في الإعلان الروسي بإزالة القيود على إمداد إيران بمنظومات S-300  لإيران. وفي نفس الوقت تسعى روسيا إلى تطوير علاقاتها مع دول أخرى في الشرق الأوسط. وفي هذا السياق نجد زيارة “بوتين” في فبراير 2015 إلى مصر تحمل الكثير من المعاني. وكان من المفترض أن تتضمن رحلة “بوتين” إلى الشرق الأوسط إسرائيل أيضاً والسلطة الفلسطينية، ولكن تم تأجيل الزيارة نتيجة تقارب الوقت بينها وبين الإنتخابات التي جرت في شهر مارس.

ومن الجدير بالذكر أنه في الحقبة السوفييتية حافظت روسيا على علاقات إيجابية طيبة مع الحركة القومية الفلسطينية. وكان كبار المسؤلين الفلسطينيين ضيوفاً دائمين في موسكو. حيث يزور “محمود عباس” رئيس السلطة الفلسطينية روسيا مرة أو مرتين في السنة بشكل دائم. كما تمد روسيا السلطة الفلسطينية بالدعم المادي والإنساني، وقد أُعلن في فبراير الماضي أيضاً، أن روسيا تدرس إمكانية توسيع سبل التعاون الإقتصادي معها. وقد نوقش التطبيق الفعلي لهذه الفكرة في هذه الزيارة. فضلاً عن ذلك، تدعم روسيا الفلسطينيين بشكل مستمر على الساحة الدولية، بما في ذلك عمليات التصويت في الأمم المتحدة لصالح الشأن الفلسطيني. هذا وقد تطور مع مرور السنوات – بعد انهيار الاتحاد السوڤيتي والتحسن الكبير في العلاقات بين روسيا وإسرائيل – اتجاه للتوازن بين إسرائيل والفلسطينيين في السياسة الخارجية الروسية. تمثل هذا التحسن على سبيل المثال في الحياد الذي حافظت عليه روسيا والتنسيق مع إسرائيل، فيما يتعلق بالمعركة التي دارت بين حماس وإسرائيل في صيف 2014 وبالنسبة للأزمة الأوكرانية. كذلك من المتوقع أن تتجنب روسيا التفضيل الحاد للجانب الفلسطيني خاصة في كل ما يخص إجراءات تسوية القضية الإسرائيلية الفلسطينية، وهذا من أجل عدم تقويض علاقتها مع إسرائيل. يعتمد هذا الإعتقاد على الرسائل التي بثتها روسيا منذ بداية 2015 والتي تعكس مبادئ السياسة الروسية تجاه المسيرة السياسية الحالية.

أ. على الرغم من التأثير الجسيم للصراع الإسرائيلي الفلسطيني على عدم الاستقرار في الشرق الأوسط، فإن دول المنطقة لا تتحرك بشكل فعّال في هذا الشأن بسبب مشاكلها الأخرى. ولا تستطيع الولايات المتحدة من ناحيتها أن تصل إلى حوار بناء مع الطرفين ولذلك تقوم بعملية تحييد لنشاط اللجنة الرباعية من خلال تفضيل الحوار الثنائي مع إسرائيل والفلسطينيين. وتزعم روسيا، أن الإدراة الأمريكية تحافظ بهذا الشكل على إحكام سيطرتها في التعامل مع القضية. وقد رُفض اقتراح روسيا بزيادة فاعلية اللجنة الرباعية من خلال ضم الجامعة العربية، من قبل المنتدى. ومن هنا، فإن الدافع الروسي لزيادة نشاطها من أجل استئناف المفاوضات بين الأطراف، كوسيلة لإعادة الاستقرار في الشرق الأوسط.

ب. ترفض روسيا الأسلوب التي تنادي به الولايات المتحدة، وتراه غير فعال، حيث يجب الإستجابة إلي كل المشكلات الجوهرية في الصراع. وتزعم روسيا أنه لايمكن تحقيق حل سريع ونهائي.

جـ. تسعى روسيا للتوقيع على اتفاق مبادئ فقط، خلال فترة قصيرة – عدة أشهر – من خلال رفض مناقشة المشكلات الجوهرية. والتي سيتم مناقشاتها لاحقاً.

د. إن دمج قضية غزة في المفاوضات أمر إيجابي، من أجل دفع المسيرة للأمام. وعلى حد قول متحدثين روس، تمتلك روسيا وسائل لدمج غزة في المفاوضات.

هـ. بمقدور روسيا أن تدفع الحوار الإسرائيلي الفلسطيني إلى الأمام، وهذا نابع من علاقاتها الجيدة مع الطرفين. في المقابل، ترى موسكو أن علاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة أصبحت جافة – مما يصعب من دفع المسيرة السياسية إلى الأمام.

كان يبدو طيلة السنوات الماضية أن روسيا ستكتفي بالمشاركة في المسيرة السياسية الإسرائيلية الفلسطينية عن طريق اللجنة الرباعية. هذا لأن انتمائها لهذا المنتدى يضعها في مكانة مساوية لمكانة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ولكن قدرة روسيا على المساعدة بشكل عملي من أجل إيجاد حل، سواء على المستوى السياسي، أو الدعم المالي، مقيد بالولايات المتحدة وأروبا. ومؤخراً نشأ انطباع أن روسيا ترى أنها تستطيع أن تؤدي دوراً أكثر فاعلية من الماضي في المسيرة السياسية، كجزء من جهودها لدفع مصالحها الجغرافية السياسية إلى الأمام. حيث ترى روسيا أن بمقدورها دفع الحوار بين إسرائيل والفلسطينيين إلى الأمام اعتماداً على العلاقات الجيدة بينها وبين كلا الطرفين. كما ترى روسيا أن العلاقات بين إسرائيل والإدارة الأمريكية قد جفت. من ناحية، وبهذا ستفتح باباً للنفوذ الروسي المتزايد والملحوظ في العملية السياسية، ولا يمكن استبعاد المحاولة الروسية الجادة لتحريك المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين من جديد. وربما ستتجدد مخططات “بوتين” لزيارة إسرائيل والسلطة الفلسطينية مرة أخرى قريباً، لذا فمن الممكن آنذاك أن يعرض على هذه الأطراف مبادرة روسية رسمية لتجديد المفاوضات من أجل الوصول إلى تسوية.