15-4-2015

أمير أورن

 

إن أحد نقاط التحول الرائعة في الملحمة التاريخية للتطور النووي في الشرق الأوسط تربط بين إسرائيل وإيران، حيث أن شراء صواريخ الأرض- جو S-300 الروسية لحماية المنشآت النووية الإيرانية من أي هجوم إسرائيلي أو أمريكي هو نتيجة حتمية لشراء صواريخ “هوك” الأمريكية لحماية المفاعل النووي في ديمونة – وهو الهدف الحقيقي للصفقة التي طلبتها حكومة “دافيد بن جوريون” في نهاية الخمسينات وبداية الستنيات من حكومات الرئيسين “أيزنهاور” و”كيندي”. بعيداً عن السبب الرسمي، وقد كانت الحاجة لحماية وحدات سلاح الجو ومراكز التجمع السكاني وتجنيد الإحتياط خوفاً من القصف المصري، هدفاً مستتراً في هذا الطلب : ألا وهو حماية مفاعل ديمونة. وحقاً اُستخدمت صواريخ “هوك” لحماية المفاعل واستخدمت في حرب الأيام الستة لإسقاط طائرة “أورجان” الخاصة بالطيار “سيرن يورام هيرفز” التي انحرفت عن مسارها الجوي إلى موقع حساس إثر إصابتها عقب طلعة جوية إلى الأردن.

وقد انتشرت تفاصيل كثيرة عن القصة النووية الإسرائيلية في الأبحاث وفي كشف الأسرار القديمة ووردت أيضاً في مجلدات وثائق الحكومة ولكن المعين لم ينضب بعد. حيث يكشف “أفرام كوهين” و”بيلي بار” الباحثين في التاريخ النووي هذا الإسبوع في موقع “أرشيف الأمن القومي” في واشنطن مجموعة جديدة من الملفات القديمة التي تُلقي الضوء على جوانب أخرى من القصة. إثنين منها هي الأكثر غنىً بالمعلومات عن الباقي تقريباً: كيف تطرق والد وزير الخارجية “جون كيري” للأمر وكيف نشأت أسطورة “مصنع النسيج” في ديمونة.

هذا وقد وثّق كوهين وبار المجهودات الإسرائيلية الأساسية – لعقد صفقات ذرية مع فرنسا والشركات المزودة بالمعدات والمعلومات بالاشتراك مع النرويج التي وافقت (وبالتعاون مع بريطانيا التي أرادت التخلي عن فائض مشتروات قديمة من النرويج) على بيع الماء الثقيل الضروري لتشغيل المفاعل – والجهد الثانوي لإخفاء كل شئ عن الأمريكيين حتى يصبح مفاعل ديمونة أمراً واقعاً. تُوج هذا الإخفاء بالنجاح خلال أربع سنوات من عام 1957 وحتى 1960 بفضل أمن المعلومات الإسرائيلي والفرنسي وبسبب الفشل الاستخباراتي للعناصر المتخصصة والسياسية في جمع المعلومات وتقدير الموقف والتنسيق بين السلطات في واشنطن. وكانت النتيجة المتوقعة أن أثار الأمر ريبة الأمريكيين وتعقبوا الأمر ولكن دون جدوى. وكما فوجئت إدارة أيزنهاور بعملية سيناء-السويس فى أكتوبر-نوفمبر 1956، فوجئت أيضاً فى ديسمبر عام 1960 بعمق التعاون الإسرائيلى الفرنسى ولكن الأمر كان مختلفاً هذه المرة حيث أن أيزنهاور كان فى نهاية فترة رئاسته (ولم يترشح لفترة أخرى) وترك هذا العبء لخلفه كيندى.

يستطيع وزير الخارجية كيري المشغول الآن بالإتصالات مع إيران التي ستصبح دولة نووية، أن يجد في أرشيف وزارته أو لدى كوهين وبار، برقيات والده من أوسلو إلى واشنطن بخصوص البرنامج النووي الإسرائيلي. وأفاد تقرير لـ”ريتشارد كيري” سكرتير أول السفارة في النرويج في صيف 1959 عن وجود محادثات مسئولين أمريكيين ونرويجيين من مفوضية الطاقة الذرية في الدولتين – وعلى أستفساراته المستمرة – بخصوص مسألة بيع الماء الثقيل لإسرائيل. أوضح النرويجيين أن السرية كانت لمنع إثارة المقاطعة العربية للشركات الضالعة فى الصفقة. وذُكر سببين آخرين هما مشاركة النرويج في قوة الطوارئ التابعة لمراقبي الأمم المتحدة في سيناء (وفي قطاعات أخرى في خطوط وقف إطلاق النار الإسرائيلية العربية) والإتصالات مع مصر لبيع عتاد نووي لأغراض بحثية وطبية.

تستمر إسرائيل رسمياً في التمسك حتى اليوم بعد مرور 45 عام على كشف مجهوداتها لإقامة المفاعل، بمشروعها المعلن “مركز الأبحاث النووية – في منطقة النقب”: “في إطار التوجه القومي لتطوير صحراء النقب، والأنشطة البحثية التعليمية والتطبيقية من أجل توسيع النطاق العلمي الأساسي والبنية التحتية الإقتصادية”. فإعترفت إسرائيل أن التوجه سيكون ذري ولكن أكدت على أن إستخدامه سيكون مثل المفاعل الصغير في ناحال سوريك، سيكون لأغراض سلمية. وهذا ليس خداع تام: تفاخرت القيادة الجوية الإستراتيجية في الجيش الأمريكي في فترة الحرب الباردة أن هدفها هو السلام وأن التسليح النووي بالصواريخ والقاذفات للردع ضد الحرب.

وفيما يتعلق بــ ” مصنع النسيج” كقصة للتمويه تقصى باحثي “أرشيف الأمن القومي” ووجدوا أساسها في سفر السفير الأمريكي الشاب (عمره 35) “أوجدان ريد” بطائرته الهليكوبتر إلى شمال صحراء النقب في صيف عام 1960. دعا “ريد” ضابط إتصال وزارة المالية “عدي كوهين” إلى السفارة لتفسير الغبار الكثيف فى تلك المنطقة. عمل كوهين الذي كان مقرب للوزراء “ليفي أشكول” و”بنحاس سابير” في سفارة إسرائيل في واشنطن (هناك تقابل مع سكرتيرة “آفا ايفن” وتزوجها)، وتعجب من الضغوطات الإقتصادية التي يمارسها أيزنهاور على “بن جوريون” في عام 1956 وعلم بشأن صعوبات الميزانية التي تواجه تمويل المفاعل خلال مناقشات إدارة الخزانة، فخاف – بالفعل حسب توثيق المناقشات الداخلية في إدارة أيزنهاور – من تضرر الدعم الأمريكي لإسرائيل والإعفاء الضريبى لتبرعات يهود أمريكا. ففضل نصف الحقيقة عن هذا التلفيق. وقد عرف كوهين أن المهندس المعماري المقدسى “رؤوبين تروستلير” يُعد مباني صناعية في بلدات التطوير في النقب بما فيها “سيفي ديمونة” في بداية الطريق من ديمونة إلى إيلات. فخمن أنه “مصنع نسيج”.

وبعدما انفجرت قضية “لافون” في إسرائيل وهددت بتمزيق حزب السلطة، الماباى “حزب عمال إسرائيل” حاول السفير في واشنطن “أبرهام هيرمان” الترويج لصيغة جديدة مطمئنة لديمونة لدى إدارة كنيدي الجديدة.  ” إنها قصة بسيطة”، هكذا أراد هيرمان إقناع مساعد وزير الخارجية “لويس جونس” في فبراير 1961 بعد شهرين من كشف الأمر: وأضاف “لازال هناك وقت. لن يكون هناك مفاعل في السنتين القادمتين، لا يوجد بولوتنيوم وهناك وعود (بالإستخدام لأغراض سلمية). فلماذا تهتمون بالأمر؟”

وإلى جانب مذكرة جونس عن محادثته مع هيرمان، يظهر فى المجلد الخاص بوثائق الإدارة ملخص لموقف رؤساء الأركان في البنتاجون، عقب زعزعة حكم الشاه فى إيران. حيث كتب الضباط إلى وزير الدفاع الجديد “روبرت مكنمارا” أن إيران هي “النقطة الأضعف” بحماية الغرب، وحكم الشاه مثير للمشاكل. الآن يبدو أن كل البدائل سيئة، فيما يتعلق بأمريكا ولكن يجب الإستعداد للتحول من دعم الشاه الإيراني إلى التنصل منه في حال كان على وشك الإطاحة به – وبالفعل هذا ما فعله نظام كارتر في نهاية السبعينات مع إندلاع ثورة الخوميني.