15-4-2015

يجيل ليفي

تتغير أمام أعيننا طبيعة علاقات الجيش مع البيئة السياسية المحيطة به. فيصبح الأمر عبارة عن تحذيرات علنية يوضحها مسئولين كبار في الجيش حيال الخسائر الكبيرة المتوقع حدوثها في الحرب المستقبلية مع حماس أو حزب الله.

ولهذا الظاهرة عدة خصائص غير مسبوقة.

 أولاً: يقول قادة الجيش للعامة أن مستوى الأمن الذي سيتم توفيره سينخفض. وما يضمن سيادة الدولة وأمنها يقاس بالقدرة على حماية أرواح المواطنين. والآن يقول قادة الجيش أنهم سيوفرون أمناً بصورة أقل. وقد بالغ قائد سلاح الجو حين قال”لا يمكننا حماية دولة إسرائيل بشكل كامل. هذا لن يحدث. سيستهدفوننا”.

 ثانيا: لا يكتفى رجال الجيش بما يقولونه للسياسيين المعينين فوقهم فى المناقشات المغلقة بل أنهم يقولون علناً عن وجود فجوة بين توقعات العامة وقدراتهم.

يمكن إعتبار هذا النهج كعنصر في صراع الجيش على موارده. كلما أدرك الجيش أن السياسيين لا يدافعون عنه بشكل إيجابي أمام الهجوم الشعبي على موارده، كلما تجاوز السياسيين وتوجه مباشرة إلى الشعب عن طريق عرض التهديدات. وهذه ظاهرة معروفة منذ التسعينات ولكن الجدد هذه المرة هو الإلتزام بتوفير أمن أقل. يعمل الجيش على تقليص التوقعات تجاهه، بسبب النقد الشديد الذي وجه إليه عقب عملية  “الجرف الصامد” بخصوص حقيقة أنه لم يخرج من غزة بنتائج تزيد من مستوى الأمن. ويحاول الجيش الآن تحديث المعادلة – ليحصل على موارد أكثر (أو حتى نفس الموارد) وتوفير أمن أقل.

ويقودنا هذا إلى السمة الثالثة غير المسبوقة. عرف رجال الجيش في الماضي كيفية عرض قيود إستخدام القوة، فعلى سبيل المثال عندما حثوا على الإنسحاب من لبنان، وإلى ضبط النفس نسبياً في الإنتفاضة الأولى وإلى التسوية في الجولان وإلى تأجيل الهجوم الجوي على المنشآت النووية في إيران. وعرف الجيش في ظروف أخرى كيفية العرض العلني لمزايا إستخدام القوة أمام بدائل أكثر إعتدالاً، ولكن أيضاً الإلتزام بتحسين مستوى الأمن إذا فقط “سمحوا للجيش بالإنتصار”. فالجديد هذه المرة في الدمج، حيث يوضح الجيش أن هناك حدود لقوته، ولكن بسبب هذا الحد يحاول تهيئة الرأي العام لتضحية كبيرة وضرورية من أجل تحقيق النصر.

ولا جدال فى كلام قائد فرقة الجليل العقيد “موني كاتس” في لقاء لموقع “واللا”: “ستكون هناك حرب أخرى… عندما نكون في وضع لا مفر منه، وسيكون على الشعب دفع ثمن كبير… إذا قامت دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي بتفعيل هذه المنظومة في لبنان ولا يوجد شئ يمكنه وقفها… فستعود لبنان 200 سنة إلى الوراء”.

هذه هى طريقة الجيش، الإنحراف عن أي معيار مقبول حيال دور الجيش في ظل الحكم المدني لتهيئة المجتمع بشكل مباشر للتضحية. وهو لم يترك هذا الدور للسياسيين من خلال فرضية أن الضحايا أو الخوف منهم سيحد من حرية عمله وتصوير أدائه بالفاشل.

ولكن لا يقف الإنحراف هنا وسنصل إلى السمة الرابعة: تخدم تحذيرات رجال الجيش بالفعل تنافس السياسيين (من اليمين والوسط) لحرمان الجمهور الحق في اختيار مستقبله. فتعتبر الحرب ظاهرة غير مستبعدة وأن فرص إندلاعها تتعلق بقدرة أعداء إسرائيل على إستيعاب الضرر الذي ستسببه لهم، ولكن إسرائيل تعتبر ككيان سلبى ليس في مقدوره أن يفعل شيئاً يمنع الحرب. مبادرة السلام العربية والتسوية بين إيران والغرب وإعادة إعمار قطاع غزة – كل تلك الأمور لا تعتبر جزء من مجموعة الخيارات الإسرائيلية السلبية.

فالجديد إذن هو مساهمة الجيش لإيقاف الحوار السياسي ليخدم شئونه لكن من خلال الإنحراف عن المعايير الملزمة بإبعاد الجيش عن السياسة.