بقلم: آڤي بليزوڤيسكي

ينبغي أن يتغير مفهوم الأمن، بحيث يمكننا أن نخوض، تزامناً مع القتال، أيضاً معركة سياسية، قضائية، اقتصادية وإعلامية. كانت تلك أحدى الاستنتاجات التي طرحها اللواء (احتياط)، البروفيسور “يتسحاق بن يسرائيل”، في الكتيب الذي نشره مؤخراً تحت عنوان: “إسرائيل والفلسطينيون- الفرضية الأساسية لتحديث مفهوم الأمن بعد عملية “الجرف الصامد”. وخلال المؤتمر الذي أقيم قبيل عطلة “الفصح” في إطار ورشة العمل “يوﭬال نئمان” للعلوم والتكنولوﭼيا والأمن، في جامعة “تل أبيب” التي يترأسها “بن يسرائيل”.

يتحدث “بن يسرائيل” بتفصيل واستفاضة، عن نظريات الأمن التي شاعت وقت الاستيطان اليهودى في “أرض إسرائيل” (قبل إقامة الدولة)، وبعد ذلك في دولة إسرائيل؛ عشية إقامة الدولة كان العدو الرئيسي هم الجيران العرب، الذين كانوا، بين الفينة والأخرى، ينفذون عمليات إرهابية، ويقتلون بضع مئات من اليهود، وفي نهاية الأمر، يسقط أيضا بضع مئات من العرب قتلى نتيجة رد الفعل اليهودي، وتطور الدفاع العبري.

طوّر “ﭼبوتينسكي” مفهوم “الجدار الحديدي”، الذي يرى أن العرب لن يوافقوا أبداً على قيام دولة إسرائيل وسيستمرون في محاربتها، إلا إذا أدركوا أنهم لن يستطيعوا القضاء على الاستيطان اليهودي، وسيضطرون إلى التسليم بوجوده. تبدل الوضع بعد إقامة الدولة، وتغير العدو وتحولت المواجهة إلى مواجهة عسكرية أمام جيوش الدول العربية النظامية.

طوّر “بن جوريون” حينها مفهوم أمن مشابه جداً لمفهوم “ﭼبوتينسكي”، حتى وإن لم يعترف بذلك. يرى “بن جوريون” أنه يجب بناء قوة عسكرية كبيرة لتعويض النقص العددى لليهود أمام الجيوش العربية، ولذلك أُنْشِئ الجيش الإسرائيلي بحجم نسبي يبلغ 20 ضِعف النسبة إلى حجم السكان، في الدول العربية، وكذلك خصصت له أيضاً الوسائل التكنولوجية. في تلك الفترة أيضاً تبلور مفهوم غياب التناسب. “يجب أن يكون ردنا قاسي جداً لكي نحبط من دافعهم في أن يهاجموا في المرة القادمة”.

وبدءاً من التسعينيات، تحول مجدداً الصراع إلى صراع بيننا وبين الفلسطينيين على نفس قطعة الأرض، إلا أنه حالياً من الصعوبة بمكان تطبيق مبدأ “عدم التناسب”. باستثناء المشاكل المعتادة للحرب ضد التنظيمات الإرهابية، تواجه إسرائيل مشكلة إضافية- وهى الشرعية الدولية، التي يستخدمها الفلسطينيون لصالحهم.

“في العالم الحديث، المٌشبّع بوسائل الإعلام التي تنقل، فوراً، كافة الأحداث لجميع أنحاء العالم، هناك أهمية متزايدة وآخذه في التزايد، لما يسمي بالشرعية، يتعين على إسرائيل، كونها قطرة وسط بحر واسع من العرب، أن يؤيدها العالم الحر، وقد أيدنا هذا العالم، تقريباً بشكل تلقائي، حينما حاربنا من أجل وجودنا، لكن البعض منه يجد صعوبة في أن يؤيدنا اليوم، حيث أن الحرب ضد تهديد لا يعتبرونه خطراً وجودياً. التناسب والشرعية الدولية مرتبطتان ببعضهما؛ بقدر ما نعمل على المحافظة أكثر على التناسب، وييسّر ذلك علينا أن نحظى بتأييد العالم. على الرغم من ذلك، لن تتم تلك العملية من تلقاء نفسها وليس كافياً أن نستعد، ونتهيأ ونقاتل في ساحة القتال: وفي موزاة ذلك، من الضروري أن نستعد ونخوض معركة سياسية، قضائية، اقتصادية وإعلامية”.

تطرق البروفيسور “بوعاز جانور” عميد كلية الدراسات الحكومية ومدير بالمركز متعدد المجالات في “هرتسليا”، والخبير في شؤون الإرهاب، سواء إلى تهديد حماس الذي تمثل في “الجرف الصامد”، وتطرق أيضاً إلى تهديد حزب الله وبشكل ما أيضا إلى تهديد داعش. وقال “الحرب التقليدية (الكلاسيكية) المتكافئة كانت بين كيانين متماثلين- دولة أمام دولة، جيش أمام جيش، سلاح طيران أمام سلاح طيران. وتكون قد حسمت الحرب، حينما تنجح في شلّ القوة النارية للخصم”.

“في منتصف القرن العشرين، بدأت الحرب غير المتكافئة. ساحة القتال في البُعد المعرفي هي وسائل الإعلام. فإذا كان الهدف في ساحة القتال العسكرية هو دحر القدرة القتالية للخصم، فإنه في ساحة القتال المعرفي يتم دحر دافع الخصم.

البُعد الثالث، الذي أخذت قوته في التكون في العقد الأخير هو البُعد القضائي. وهنا نكشف ساحة قتال أخرى وهى منبر القضاء، والمحاكم الدولية، “تشاڤيز”، “جولدستون”. في ساحة المعركة القضائية، لا يريد كل طرف فقط دحر الدافع أو القوى لدى الخصم، الفكرة هي دحر الشرعية بهدف تقليص قدرة إسرائيل على استخدام قوتها العسكرية من جولة لأخري”.

لكي تقوم حماس بتوريط إسرائيل قضائياً، لجأت إلى إستراتيجية الاندماج وسط المدنيين، وإطلاق الصواريخ من داخل مناطق مأهولة بالسكان. في مقابل هذا تحاول إسرائيل أن تحافظ على التناسب من خلال إرسال إشعار للخصم قبل ذلك بفترة كافية، عن طريق المنشورات، هاتفياً، رسائل نصية، وإن لم يجدِ ذلك نفعاً، فإن طريقة “الصواريخ التحذيرية”، تكون حينما يحذر التليفزيون الفلسطيني من الانصياع لرسائل الجيش الإسرائيلي”.

“فرضت الحرب الحديثة علينا أن ننتصر في الأبعاد الثلاثة. يستلزم الانتصار في المعركة، انتصاراً في الثلاث ساحات أو على الأقل عدم الهزيمة في أي منهم”.

عرض “جونين” النموذج المكون من محورين:-

  • الترتيب مقابل سرعة القتال، “كلما كنت أقل تقيداً وتعمل بقوة وسرعة أكبر، فمن المحتمل أنك ستنقل رسالتك بشكل أوضح. ستحقق قدر أقل من الردع إذا كنت بطيء الأداء ومقيداً.
  • محور الشرعية هو محور معاكس تماماً، حيث ستتمكن من تحقيق قدر أقل من الشرعية حينما تستخدم وسائل أكثر تقيداً”.

ولاحقاً، عرض “چونين” مقطع فيديو لحزب الله، يصف فيه خطته لاحتلال “الجليل الغربي” بما فيها المدن “نهاريا” و”شلومي” وعزله عن باقي الدولة، فيما أطلق على هذه العملية “حرب لبنان الثالثة”. “نحن نتحدث عن ذراع إيراني. وجزء من ذات الآلية التي صنعها “الخوميني” لتصدير الثورة الإيرانية- في شعار حزب الله هناك رمز الكرة الأرضية وليس لبنان. يتركز نشاط حزب الله في سوريا، اليمن والبحرين. ويمتلك حزب الله حوالي ألف قذيفة وصواريخ بعيدة المدى ذات رؤوس تدميرية أكبر، ودقة أعلى.

“ستبدأ الحرب بإطلاق مكثف للصواريخ تجاه منشآت استراتيجية ونحو المنطقة الوسطى في إسرائيل. الكهرباء، والمياه والمنشئات العسكرية بشكل أساسي، قواعد سلاح الجو ومنشئات أخرى، الهدف هو شل قدرة الجيش الإسرائيلي على إعادة تنظيم صفوفه. في المقابل-إرسال قوات برية تقوم بعمليات اختطاف، ليس فقط لفرد أو لمجموعة- بل لمستوطنات كاملة داخل إسرائيل، ولهذا أنشأوا قوات تدخل خاصة وأيضاً لخلق فوضي كبيرة”.

نصف الكوب الممتلئ هو أن مستوى حماس أصبح منحدراً كما أنها في حالة صراع مع مصر، والسعودية، وسوريا وإيران. وتعاني من أزمة اقتصادية وبنيتها التحتية متضررة في الضفة الغربية. قيادتها في المنفي، كما قلصت إيران معونتها لها، وهدمت مصر أنفاق التهريب إلى سيناء. كما أن حزب الله متورط أيضا ًفي سوريا. ومن جانب آخر، ولأول مرة، لدى إسرائيل تشابه في المصالح مع الدول العربية السنية البراجماتية – مصر، والأردن، والسعودية ودول الخليج. وكل تلك الدول قلقة من داعش والقنبلة الإيرانية”.

“إن تهديد الحرب العسكرية الشاملة على إسرائيل ليس مطروحاً اليوم. فلا يوجد جيش سوري، ولا جيش عراقي ولا ليبي، والجيش الأردني ليس بجيش يشكل تهديداً على إسرائيل، والسعودية ومصر، كما ذكرنا سابقاً. هناك نافذة فرص سانحة لن تبقي طويلاً. يمكننا أن نثير الخوف في أنفسنا طوال الوقت، الشعور بالخوف مطلوب لكن ليس لدينا حق بأن نتجاهل نصف الكوب الممتلئ ونستغل الفرصة لتغيير طبيعة الأشياء لأماكن أفضل”.

تحدث اللواء احتياط “إيتان بن إلياهو” رئيس سلاح الجو السابق، عن الكلفة العسكرية لكافة البدائل؛ مع إقامة الدولة، كان التوجه الرئيسي (بن جوريون) يدور حول مسألة هل الحدود هي الحدود التي تحددت بعد حرب “الاستقلال” وما هو الحد الأمني، ولكن التوجه المعارض-لدي “موشيه شاريت” أنه يجب استكمال التسويات مع الدول المجاورة وأن السلام هو الذي سيضمن قيام دولة إسرائيل. وقد تم التعبير عن التوجه الأول في حرب “الأيام الستة” وبقرار نقل الضربة إلى منطقة العدو. كانت لدينا أيضاً شرعية كوننا نحن الذين وُضع الحبل حول رقبتهم.

وفي 1973 خسرنا الشرعية بأكملها من جانب الرأي العام والأوضاع الرئيسية، والإحساس بأنه لا توجد ضرورة لضربة استباقية، ونتيجة لذلك، تلقينا نحن الضربة الاستباقية من المصريين والسوريين في حرب يوم الغفران. وبعد ذلك كان المفهوم أنه ينبغي الاستعداد لحروب ضد جيوش نظامية في سيناء أو في هضبة الجولان. بأسعار اليوم، كان من الممكن تخصيص ميزانية أمن بحجم 40 مليار شيكل في العام. وحينما تقدمنا خطوة إلى الأمام، وكان أمامنا ثلاث جبهات: سوريا (عبر لبنان)، لبنان (إيران متمثلة في حزب الله بشكل غير مباشر)  وانتفاضة داخلية. كانت الفكرة أنه ينبغي أن يتم الحسم، بأقصى سرعة، على الأقل في جبهة واحدة، وقمع أية محاولة لاندلاع انتفاضة للفلسطينيين وإنزال العقاب على من هاجم من بعيد. هذا السيناريو قادنا إلى ميزانية الأمن الحالية الي بلغ حجمها ما بين 60 إلى 65 مليار شيكل.

“سيناريو تنفيذ عملية عسكرية ضد النووي الإيراني والدخول بعدها في حرب، سيكلفنا 80 مليار شيكل في العام. ويستدعي الاستعانة بالأمريكان وليس الدخول في صدام معهم في تلك القضية. وكذلك أيضاّ ينبغي أن نعدّ الجيش للمعركة الجديدة المتمثلة في الأنفاق”.

ذكر رئيس هيئة الأمن القومي السابق، اللواء احتياط “يعقوﭪ عميدرور”، أثناء تطرقه لكتيب “بن يسرائيل” قائلاً: “إن التجديد الأكبر في الكتيب الخاص بـ”بن إسرائيل” هو تقرير أن إسرائيل يمكنها الدخول في عملية استنزاف، والتي حتى الآن، بذلنا قصارى جهدنا حتى نتفادى الوصول إليها. وأمام تنظيم مثل حماس، وإذا قمنا بالعمل بشكل صحيح أيضاً أمام حزب الله، يمكننا أن نصمد، أمام الطابع الاستنزافي له، لأن لدينا قدرات أفضل من العدو. بالإضافة إلى ذلك، أمام التنظيمات الإرهابية ينبغي السيطرة على الأرض وعزل مناطق العمليات.

تطرق “عميدرور” إلى تصنيف “بن إلياهو” للأنفاق كمعركة جديدة، وذكر أنه خلافاً للبعد السايبراني، فإن هناك خبرة عسكرية في مجال الأنفاق في العالم، وتلك مشكلة معظمها على المستوى التكنولوجى التكتيكي. “أيضاً حقيقة أن العدو يطل برأسه من فتحات الأنفاق لم تكن مصادفة، فلقد ذهبنا للبحث عن الأنفاق. وعرفنا أماكن تواجدها، لكن لم نعرف أين توجد كافة فتحاتها”.

وختاماً، دعا “عميدرور” إلى إدراك معنى قدرة إسرائيل على خوض حرب استنزاف لمدة طويلة، أمام عدو لديه كمية كبيرة جداً من القذائف والصواريخ، وينبغي القيام بكل شيء لإعداد العمق، وبناء منظومة حماية العمق والبنية التحتية العسكرية من الصواريخ، وأيضاّ لتقليل الأعداد. “يمكن خلال عملية برية سريعة إخراج مدن إسرائيلية كثيرة عن مدى الصواريخ”.

ذكر “آڤي يسسخروف” محلل الشؤون العربية في موقع “والا”، أنه من الواضح أن حماس لم تكن تريد تصعيداً متبادلاً بعد أن تم خطف وقتل الشبان الثلاثة، لكنهم خرجوا للقتال للتخلص من عزلتهم الاقتصادية. “لقد فشلوا فشلاّ ذريعاً. لقد انهاروا. كافة التصريحات التي أطلقوها خلال الحرب لم ينفذوها، لكن هناك شئ واحد يحسب لهم. أنهم استمروا. كانت هذه إحدى المعارك الكبرى في تاريخ دولة إسرائيل، 51 يوم، وبالتالي، تمكنوا من المساس بصورة إسرائيل بين أوساط العرب عامة والفلسطينيين خاصة”.

يرى المفهوم السياسي الإسرائيلي أنه على الأقل في القضية الفلسطينية، ليس هناك حل، بل إدارة. يمكن إدارة الصراع لكن لا يمكن حلّه. ذلك التوجه يمكن أن يصمد عام أو عامين، لكنه في النهاية سينفجر في وجهنا، ونحن أساساً في تلك السنة، جميعهم يشعرون أن هناك شيء ما آخذ في التكون بخصوص القضية الفلسطينية. وأنا لا أقول إنه سيكون هناك انتفاضة ثالثة، لكني أقول إنه سيكون هناك انفجار للأوضاع”.