هيئة تحرير ميدل نيوز

 ماذا لو فازت هيلاري كلينتون في إنتخابات الرئاسة الأمريكية القادمة، ماذا ستكون مواقفها تجاه العالم العربي؟ إلي أي جانب ستقف في الحالة السورية؟ هل ينبغي على الفلسطينيين أن يخافوا؟ وماذا عن البرنامج النووي الإيراني ؟

لقد أعلنت هيلاري كلينتون رسمياً عن ترشحها في إنتخابات الرئاسة الأمريكية. وقد عرف العالم العربي عن كثب هذه المرشحة القوية عندما كانت وزيرة الخارجية الأمريكية وعندما كانت السيدة الأولى للولايات المتحدة أيضاً. ولم يلبث هذا الإعلان في الظهور إلا وأتبعه قيام وسائل الإعلام العربية والمواقع الإخبارية مثل ديلي صباح ورصيف 22 بنشر تحليلات صحفية حول ماهية المواقف التي ستتبعها كلينتون إذا فازت بهذه الإنتخابات في 2016.

لقد شغلت كلينتون منصب وزيرة الخارجية الأمريكية في الفترة ما بين 2009-2013 أثناء ولاية الرئيس الأمريكي باراك أوباما، وخلال السنوات الأربع شهدت كلينتون العديد من الأحداث في هذه الفترة الحرجة في تاريخ العالم العربي. فقد وقفت لتراقب من بعيد أحداث الربيع العربي وأعربت عن العديد من المواقف فيما يتعلق بالعديد من المشاكل المختلفة في أنحاء الشرق الأوسط.

وفي ليبيا لعبت دوراً مركزياً في عملية إسقاط الطاغية الليبي معمر القذافي، فقد دعمت العمليات العسكرية ضد نظامه (مثلما فعلت أثناء دعمها للحملة العسكرية على العراق في 2002 )، ومثلما نشر الموقع الأمريكي واشنطن تايمز مؤخراً وعلى العكس من تصريحاتها التي قالت فيها بأن التدخل الأمريكي في ليبيا كان بشكل إنساني فقط. والتدخل العسكري هو ما أدى بالفعل إلي إسقاط نظام القذافي، ولكنه ترك ليبيا في حالة فوضى يرثى لها.

وفي مصر وعلى الرغم من قيامها بالدعوة إلي إنتقال منظم للسلطة ولم تتحمس كثيراً للتخلص سريعاً من الرئيس حسني مبارك وهذا خلافاً لموقف الرئيس أوباما الذي دعم تطلعات الشعب المصري للتغيير.هذه السياسات غير الموحدة تعكس وبوضوح طريقة تفكير كلينتون العملية وكذلك صعوبة التنبؤ بمواقفها المستقبلية. وبعد وصول محمد مرسي إلي كرسي الرئاسة في مصر لعبت كلينتون دوراً هاماً في محاولة تحسين العلاقات الإسرائيلية المصرية.

وفي سوريا: كانت كلينتون أول من قال بأنه بالنسبة للولايات المتحدة فإن الرئيس السوري بشار الأسد قد فقد شرعيته، وذلك إثر قيام المتظاهرين الداعمين للأسد بمهاجمة السفارة الأمريكية وسفارة فرنسا في دمشق في 2011 وقد أكدت كلينتون دائماً على رغبة الولايات المتحدة في تحقيق تطلعات الشعب السوري للتغيير الديمقراطي.

إلا أنه وعلى الجانب السوري أيضاً إتسمت سياسات كلينتون بالإزدواجية حيث عارضت تكرار السيناريو الليبي في سوريا معللة ذلك بأن الفارق كبير بين الموقف السوري والليبي، وبدلاً من هذا دعمت تدريب قوات المعارضة وإمدادها بالسلاح – وهو الخيار الذي لم يتحمس له أوباما كثيراً، وفي الوقت الحالي تعارض من جانب نظام الأسد ومن جانب آخر تعارض عدوه “الدولة الإسلامية” “داعش”، والتي تشن بلادها حرباً عليهم منذ عدة أشهر، ومن غير الواضح أن مثل هذا المنهج الوسطي، الذي يدعم أهمية بناء الدولة السورية من جديد، سينجح بالفعل في إخراج سوريا من أزمتها الحالية. هذا التوجه تدعمه كل من تركيا وقطر المعارضين البارزين للأسد في المنطقة أكثر من دعمهم لتوجه أوباما.

وبجانب أحداث الربيع العربي إنشغلت كلينتون كثيراً بمشكلة البرنامج النووي الإيراني عندما كانت وزيرة الخارجية، حيث أكدت مراراً وتكراراً على أن بلادها ستستخدم كامل قوتها في منع إيران من إمتلاك سلاح نووي، وقد أكثرت من التباحث مع إسرائيل فيما يتعلق بالمشكلة الإيرانية ودعت دول العالم لإتخاذ خطوات عقابية أكثر شدة ضد الجمهورية الإسلامية على خلفية أنشطتها النووية. ومع هذا لم تُخفي كلينتون دعمها للحل الدبلوماسي للمشكلة الإيرانية، حيث إمتدحت في الآونة الأخيرة الإتفاقية الإطارية التي تم التوصل إليها بين إيران والدول الكبرى ووصفتها بالخطوة الهامة.

وفيما يتعلق بالمشكلة الفلسطينية فقد إلتزمت كلينتون بالمواقف الأساسية التي تحددها بلادها، فقد طالبت بعقد مفاوضات مباشرة على كل المشكلات والمواقف العالقة بين الجانبين وذلك بهدف إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة على حدود 1967، كما إنتقدت البناء الإسرائيلي في المستوطنات، إلا أنها في الوقت ذاته أعربت عن دعمها لإسرائيل وظهر ذلك جلياً في تصريحاتها عن الإلتزام الأمريكي بضمان أمن إسرائيل، ووفقاً لذلك يعتقد المحللين أن فترة رئاسة كلينتون للولايات المتحدة ستكون بمثابة أخبار سيئة للفلسطينيين، وفيما يتعلق بالصراعات الداخلية الفلسطينية طالبت كلينتون الجانب الإسرائيلي بإتخاذ خطوات من شأنها أن تدعم موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن على أنه أفضل شريك للسلام مع إسرائيل.

كل هذه المواقف إتخذتها كليتنون عندما كانت وزيرة للخارجية الأمريكية، وهذا يعني أنه عندما كانت مضطرة لتنفيذ سياسات البيت الأبيض الرسمية، ومن غير المؤكد أنها كانت ستتخذ مواقف مشابهه إذا كانت رئيسة الولايات المتحدة. إن كلينتون تُعد أحد أقرب الشخصيات الديمقراطية في الولايات المتحدة من الجمهوريين فيما يتعلق بالسياسات الخارجية، كما تُعد نشأتها في أسرة دينية وحيث كان والدها ينتمي إلي الحزب الجمهوري وبدايتها السياسية كجمهورية وليست ديمقراطيه هي أحد أهم أسباب ذلك التقارب.

لذا فمن المهم أن ندقق فيما قالته كلينتون عندما لم تكن مقيدة بوزارة الخارجية. وهنا سنجد تصريحات تحمل الطابع الجمهوري، وذلك مثلما قامت بتشبيه الخطوات التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا وذلك للدفاع عن المواطنيين الروس هناك بما قام به الزعيم النازي “أدولف هتلر” في ثلاثينيات القرن العشرين وذلك للحفاظ على الجنس الآري. أحد أهم الإنتقادات التي صرحت بها كلينتون بعدما تركت العمل الرسمي كان يتعلق بالأزمة في سوريا حيث هاجمت الرئيس الأمريكي باراك أوباما وذلك بسبب عدم دعمه للمعارضة السورية بشكل كافي مما أنشأ فراغاً في الدولة السورية لم يلبث أن قام الجهاديون بملئه!

وعندما لم تكن كلينتون وزيرة للخارجية دعمت بناء الجدار الفاصل وأعلنت أنه غير موجه للفلسطينيين وإنما للإرهابيين وأنه يجب على الفلسطينيين أن يقمعوا الإرهاب وأن يوافقوا على هذا الجدار. وكذلك دعمت فكرة الإعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل وموقفها الرافض لتولى حماس السلطة على الرغم من أن ذلك تم بواسطة الإنتخابات.

وإجمالاً، فإن الشرق الأوسط يعاني حالياً من التدخلات الخارجية الكثيرة، كعادته دوماً، إلا أن هذه المرة لا توجد حكومات قوية تستطيع أن تواجه هذا التدخل، فدول مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا غارقة في فوضى مطلقه وفي هذا الموقف فإن أي تدخل خارجي سيكون ذو أثر بالغ، لذا سيكون أمام كلينتون إتخاذ قرارت ليست بالبسيطة فيما يتعلق بسياسات بالشرق الأوسط ،هذا إذا تم إختيارها في الأساس.

ويعتقد المحللين أن سياستها ستكون مشابهة نسبياً للرئيس أوباما إلا أنها تعد أكثر تطرفاً منه لذا فهي حتماً ستجر الولايات المتحدة نحو تدخل أكثر عمقاً في المنطقة.