16-4-2015

نير حسون

 

 

في اليوم الذي صدق قضاة المحكمة العليا فيه على قانون المقاطعة، صدقوا أيضاً على قرار آخر ولكنه أيضاً موضع خلاف – وهو البدء فى تطبيق قانون ممتلكات الغائبين على الممتلكات في شرق القدس. يعني القرار الذي صدر يوم (الأربعاء) أن الدولة تستطيع مصادرة الممتلكات الموجودة في شرق القدس فقط لأن مالكيها يعيشون في الضفة. ومع هذا يحذر القضاة برئاسة الرئيس السابق “أشر جرونيس” والرئيسة “مريام نائور” أن القانون يضع الكثير من الصعوبات ويجب تطبيقه في حالات “نادرة جداً” فقط. وحددوا أيضاً أنه على المستشار القضائي للحكومة أن يُصدق في كل حالة يتم إستخدام القانون فيها بغرض مصادرة الممتلكات في المستقبل.

أضاف القاضي جرونيس أيضاً أن التطبيق “الدقيق” للقانون على الفلسطينيين الذين يسكنون في الضفة يمكن أن يؤدي إلى انتقال ممتلكات المستوطنين اليهود في المناطق الإسرائيلية إلى حيازة الدولة. وكتب جرونيس “وفقاً لهذا التفسير – على سبيل المثال – الممتلكات الموجودة في تل أبيب و يسكن مالكها في أريئيل أو بيت إيل ستكون في حيازة الوصى على ممتلكات الغائبين”. ويشير جرونيس بنموذج أكثر تطرفاً أنه فى نص القانون يمكن أن يصل حتى إلى أن الجندي الذي ترسله الدولة إلى المناطق المحتلة أو إلى دولة معادية يمكن أن تعتبر ممتلكاته ممتلكات غائبين.

كان الهدف من تشريع قانون ممتلكات الغائبين في 1950 هو مواجهة مشكلة الممتلكات المهجورة التي تركها اللاجئين الفلسطينيين في الأراضي الإسرائيلية عقب حرب الإستقلال (حرب عام 1948). تمت صياغة القانون بلغة موسعة جداً والتي تحدد أن أي شخص لديه ممتلكات في إسرائيل ويعيش أو يتواجد في دولة معادية يمكن أن يصبح غائباً، وتنتقل ممتلكاته إلى الوصى على ممتلكات الغائبين وتستخدم لصالح “تطوير الدولة”. ومنذ عام 1967  تم استخدام هذا القانون أيضاً في القدس -رغم أنه لم يكن هناك غائبين فى القدس- بمعنى أشخاص تركوا منازلهم، ولكن كان هناك سكان الضفة الذين لديهم ممتلكات داخل المنطقة التي عُرفت بالقدس وتحولت إلى جزء من إسرائيل بعد الحرب. وعلى الرغم من سيطرة إسرائيل على تلك المناطق، فهي تعتبر وفقاً لهذا القانون “دولة معادية”.

أحيانا كان من السخف حقيقي أن يمتد خط الحدود المحلي (خط الضم) بين مكان سكن شخص وبين ممتلكاته، وعلى الرغم أنه سكن على بُعد مئات الأمتار من ممتلكاته، وعلى الرغم من أنه لم يترك منزله أبداً يتم اعتباره غائباً وتنزع ملكيته. هكذا حدث على سبيل المثال مع مالكي فندق كليف فى أبو ديس الذي أنتقل إلى حيازة الدولة. أدت الإخفاقات في القانون إلى أن يحدد إثنين من المستشارين القضائيين للحكومة عدد من القضاة أنهم لن ينفذوا القانون في شرق المدينة. ولكن إستمرت الدولة ومنظمات المستوطنين استمروا في تطبيق القانون للإستيلاء على الممتلكات. في السنوات القليلة الماضية ناقشت المحكمة العليا بهيئة موسعة من سبعة قضاة عدد من الإستئنافات التي قدمها الفلسطينيين ضد تطبيق القانون. فالحكم الحالي، الذي يرفض كل تلك الإستئنافات تم إصداره بواسطة أعضاء هيئة المحكمة: القضاة جرونيس (هذا ليس واحد من الأحكام الأخيرة) ونائور وأليكايم روبينشتاين وسليم جبران وأستير حيوت وحنان ملتسر ويورام دنتسينجر.

وخلاصة الأمر أن جرونيس، ويتفق معه باقي القضاة، أن القانون يسرى في شرق المدينة ويمكن مصادرة الممتلكات بقوة هذا القانون. ولذلك رُفضت الإستئنافات التي قُدمت. ومع هذا يقف جرونيس على المشاكل الصعبة والتي تعتبر أساس القانون ويدعو إلى إستخدام حذر جداً في حالات “نادرة جداً” فقط. وحددت الرئيسة الجديدة “نائور” أنه في رأيها لا يمكن أن نجد حالة كهذه وفي نظرها وفى ضوء الحكم، يمكن بحث إعادة الممتلكات التي صودرت ولازالت قيد النقاش.

كتب جرونيس وفسر مجموعة من الحالات الغريبة التي يمكن أن تحدث نتيجة لتطبيق القانون ” هناك تعريفات لمصطلحات مختلفة في القانون يمكن أن تؤدي إلى نتائج ملغومة لا تتماشى مع العقل السليم ولا حتى مع الهدف الذى خصص له القانون”. وسرد جرونيس مجموعة من الحالات غير المنطقية التى من الممكن أن تنشأ نتيجة لهذا القانون، أكثرها تطرفاً “على سبيل المثال، أيضاً من يذهب لتلك المناطق (الدول المعادية أو المناطق المحتلة) من قبل الدولة مثل الجنود في وقت الحرب يمكن إعتباره من الغائبين. هل يتماشى مع العقل أن تفقد تلك العناصر فى هذه الظروف حقوقها في ممتلكاتها في إسرائيل؟!”.

ويكتب جرونيس أيضاً: “يثير تحديد ان الممتلكات هي “ممتلكات غائبين” مشاكل كثيرة سواء من ناحية القانون الدولي ومن ناحية القانون الإداري على حد سواء”. هذا بسبب أن “الغابئين” في هذه الحالة ليسوا لاجئين بل يعيشون في المنطقة الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة (في المناطق المحتلة). ويكتب جرونيس أنهم أصبحوا غائبين “ليس بسبب إجراء قاموا به من جانبهم بل بسبب نقل السلطة في شرق القدس إلى إسرائيل وسريان القضاء الإسرائيلي هناك. بالإضافة إلى أن الحديث ليس عن عناصر تحت سيطرة دولة أخرى، بل المتواجدين في المناطق التي لإسرائيل –ولو بصورة معينة- سيطرة عليها”.

رغم كل هذه الصعوبات أحجم جرونيس عن إصدار تعليمات بإلغاء سريان القانون في شرق القدس – ولكنه حدد أن أي إستخدام له يستوجب تصديق المستشار القضائي للحكومة. في الثمانينات والستعينيات إستخدم القانون بشكل موسع خصوصا بواسطة روابط المستوطنين حيث إستغلوه للإستيلاء على عشرات الممتلكات الخاصة بالفلسطينيين في شرق القدس. أعطى رجال الروابط للوصى القائم على ممتلكات الغائبين شهادات قدمها مواطني شرق المدينة –أحيانا بمشاركة من الروابط- تقول بأن مالكي تلك الممتلكات غائبين ويسكنون في الدول المعادية وبعد أن يستلم الوصى على ممتلكات الغائبين المملتكات يقوم بتأجيرها لتلك الروابط بأسعار مخفضة. وحظي هذا الأسلوب بنقد لاذع من قبل لجنة “كولجمان” التي عينتها حكومة رابين في 1992. تم تقليل استخدام القانون في شرق المدينة بشكل فعلي في السنوات القليلة الماضية عقب نقد لاذع آخر خصوصاً من جانب المستشار القضائي السابق “ماني مازوز”.

قال المحامي “أفيجادور فيلدمان” الذي كان يمثل أثنين من المدعين: “أظهر القضاة توجه رسمي بشكل أكبر. فحددوا أن هذا ليس صحيحاً ولكنهم يلقون بالكرة في ملعب المحكمة والمستشار القضائي والحكومة والوصى على ممتلكات الغائبين. فهم يريدون الإعتماد على كرم الدولة ألا تستخدم هذا. وهذا هروب من المسئولية. ومن الواضح أن القانون شُرع في وضع آخر ولأهداف أخرى لا تناسب الواقع الحالي”.

أُعلن مركز عدالة الذي إنضم إلى جلسة النقاش كصديق للمحكمة رداً على الأمر”على الرغم من إشارة المحكمة في قرارها أن القانون تعسفي ويظهر الحكم أمثلة على ذلك فهو يتيح إستمرار تطبيق أحد أكثر القوانين عنصرية وإستبدادية في إسرائيل. والذي تم تشريعه عام 1950 بهدف نزع ملكية ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين المطرودين من بيوتهم. ولا يوجد في أي دولة في العالم ديمقراطية كانت أو غير ديمقراطية قانون مماثل لقانون ممتلكات الغائبين في إسرائيل. وعلى الرغم من هذا ورغم مواقف مستشاري الحكومة القضائيين في الماضي التى قضت بأنه لا يجب تطبيق القانون في شرق القدس، أعطت محكمة العدل العليا الضوء الأخضر لتطبيق هذا القانون العنصري على المناطق المحتلة والتي يخضع مواطنيها لحماية بموجب القانون الدولي”.