20-4-2015

معهد دراسات الأمن القومي

بقلم عوديد عيران- جاليا ليندشتراوس

يبدو أن الحلم التركي في الإنضمام للإتحاد الأوربي آخذ في التلاشي، حيث توجد صعوبة في التوصل إلي حل للنزاع في قبرص(حتى وإن لم تكن تركيا هي المخطئة)، وسلسلة طويلة من الإجرءات غير الديمقراطية التي تقوم بها الحكومة التركية، والمعارضة الواضحة لبعض دول الإتحاد لإنضمام تركيا إليه، وكذلك إنكار تركيا لمذبحة شعب الأرمن(الأمر الذي أثار مؤخراً أزمة دبلوماسية مع الفاتيكان) وكذلك الأزمة مع كتلة اليورو نفسها كل هذه الأشياء تلقي بظلال كثيفة على عضوية تركيا المحتملة في الإتحاد على الأقل إن لم تحدث تغيرات جذرية في بنية الإتحاد الأوربي الحالية.

إن زيارة اليوم الواحد التي قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوجان إلي إيران في 7 أبريل 2015 هي أبلغ مثال جديد على سياسته المتعرجة، فعلى الرغم من مرور عقد كامل من الزمان على الجهود التركية المكثفة فإن الزعيم التركي لم ينجح في أن يؤسس لبلاده وظيفة مركزية في المنطقة، بلاده المقسمة على خلفية دينية وإثنية فضلاً عن عدة مشاكل إقتصادية تعيشها.

وفي إطار جهوده المبذولة للفوز على كافة الساحات فقد أردوغان العديد من الأصدقاء والأعداء في آن واحد بمن فيهم حلفاء تركيا في حلف الناتو وأغلبهم أعضاء في الإتحاد الأوربي، هذا الإتحاد الذي يتطلع أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” إلى الإنضمام إليه –هذا وفقاً للتصريحات الرسمية على الأقل-.

وقبل زيارة أردوغان لطهران بعشرة أيام فقط تسبب فى جلب تصريح فظ وغير دبلوماسي من جانب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، حين قال أنه على إيران والتنظيمات الإرهابية الإنسحاب من اليمن. وهنا أجاب ظريف على هذا بقوله ” من الأفضل لهؤلاء الذين تسببوا في أضرار لايمكن إصلاحها من خلال إرتكاب أخطاء إستراتيجية ودبلوماسية متسرعة أن يتبنوا سياسات مسئولة”. وفي الحقيقة نستطيع أن نزعم أن الموقف التركي العنيد لإسقاط نظام الأسد في سوريا سوياً مع التدخل الإيراني–حتى وإن كان ذلك صحيحاً من الناحية الأخلاقية- هو ما أدى إلي إطالة أمد المواجهة هناك.

ولم تمضي أيام معدودات على عودة الرئيس التركي أردوغان إلي بلاده من الزيارة الإيرانية القصيرة إلا وأجرى إتصالاً هاتفياً مع الملك السعودي ومع أمير قطر. وذلك بهدف الوساطة بين إيران، التي تقف داعمة للحوثيين في اليمن، وبين المملكة العربية السعودية التي تقود التحالف لوقف التقدم الحوثي، مقترباً “أردوغان” من جديد نحو فشل شبه مؤكد. حيث وصف وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش كل من السياسات التركية (وباكستان) في اليمن بأنها متناقضة ويشوبها الغموض. وزعم أن إيران تمثل أهمية كبرى لهاتين الدولتين أكثر من دول الخليج، كما أضاف قرقاش” أن هذه المواقف المتناقضة تُثبت أن المسئولية عن الأمن العربى من ليبيا إلي اليمن يجب أن تكون في أيدي الدول العربية. وجاءت بعد ذلك التصريحات من أنقره رداً على هذا التصريح بأن مسئولية الحل السياسي في اليمن ملقاه على عاتق تركيا، إيران، المملكة العربية السعودية، لتُثبت بأنه يوجد تنسيق للمواقف بين إيران وتركيا في كل ما يتعلق باليمن.

وإذا كان غرض أردوغان من زيارته إلي طهران فتح فرص إقتصادية جديدة على ضوء رفع العقوبات المحتمل، فإن الوقت لايزال مبكراً حتى نحكم على هذا بالنجاح، وقد زعم أردوغان بأن أحد أهم أسباب زيارته إلي طهران كانت رغبة تركيا في خفض الثمن الذي تدفعه مقابل الـ 10 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي الذي تستورده من طهران سنويا منذ عام 2001 حيث طالبت تركيا بتخفيض السعر بنسبة تصل إلي 25 % (وهو الطلب المنظور حالياً من قبل التحكيم الدولي) ولكن حقيقة أن أسعار النفط وأسعار الغاز الطبيعي الموازية لها قد هبطت هبوطاً دراماتيكياً خلال الشهور الأخيرة ستجعل من الصعب أن تجيب طهران الطلب التركي بغير الإيجاب وخاصة أن تركيا قد تستطيع أن تُزيد من الإعتماد على غاز روسيا والتي قد وافقت بالفعل على تخفيض ثمن الغاز الذي تبيعه لتركيا بنسبة 10.25% ، ولكن هذه الخطوة من شأنها أن تزيد التبعية التركية لروسيا وهو الأمر الذي تريد الأولى أن تكون بعيدة عنه.

هذا بالإضافة إلي أن إيران ستصبح ذات مكانه هامة جداً بالنسبة لتركيا إذ أنها ستصبح منفذ جميع الطرق البرية بالنسبة لتركيا، حيث تشير التقديرات الأمنية إلي خطورة عبور أي شاحنات تركية من سوريا أو من العراق كما أن عدم تجديد إتفاق عبور الشاحنات داخل الأراضي المصرية سيقلل كثيراً من واقعية هذا الإختيار، إلا أن عبور الشاحنات التركية من ميناء حيفا لايزال خياراً قائماً غير أن جدوى الموضوع لا تزال غير كافية بالنسبة للحاجات التركية الحالية، هذا بالإضافة إلي أن هناك صفقة كبرى من المنتظر التوقيع عليها فإذا تحولت إيران إلي شريكة في إنبوب الغاز ترانس أنتولي (TANAP  والذي من المقرر أن ينقل الغاز بين أذربيجان وتركيا ومن هناك إلي أوربا، وإذا أتاحت الظروف السياسية المستقبلية ذلك فإن إيران ستصبح قادرة في مرحلة ما على إستخدام هذا الإنبوب (TANAP) في بيع غازها الطبيعي إلي أوربا، وإذا عُرض على إيران أن تستثمر في هذا المشروع سنجد أن شراكة إستراتيجية قد بدأت تتطور في هذا الإتجاه بالفعل.

ولكن مشروعاً كهذا قد يستغرق سنوات عدة حتى يتم تنفيذه وعلى الرغم من أنه يوفر الفرصة والإحتمالية لتحسين العلاقات التركية مع أوربا إلا أن الموقف الحالي تشوبه الإضطرابات التي تنضم لسلسلة من الإخفاقات الآخرى في السياسة الخارجية التركية وبالطبع بعيداً عن الهدف الذي وضعه من كان في منصب وزير الخارجية التركي الأسبق ويشغل اليوم منصب رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو الذي كان يهدف إلي موقف تنعدم فيه المشاكل بين تركيا وأي من جيرانها.

إن الحلم التركي بأن تصبح دولة في الإتحاد الأوربي آخذ في التلاشي حيث توجد صعوبة في التوصل إلي حل للنزاع في قبرص(حتى وإن لم تكن تركيا هي المخطئة)، وسلسلة طويلة من الإجرءات غير الديمقراطية التي تقوم بها الحكومة التركية، والمعارضة الواضحة لبعض دول الإتحاد لإنضمام تركيا إليه، وكذلك إنكار تركيا لمذبحة شعب الأرمن(الأمر الذي أثار مؤخراً أزمة ديبلوماسية مع الفاتيكان) وكذلك الأزمة مع كتلة اليورو نفسها كل هذه الأشياء تلقي بظلال كثيفة على عضوية تركيا المحتملة في الإتحاد على الأقل إن لم تحدث تغيرات جذرية في بنية الإتحاد الأوربي الحالية.

إن التصريح الذي أدلى به رئيس المفوضية الأوربية جان كلود يونكر الذي قال فيه أنه من غير المخطط أن يكون هناك أي توسيع في صفوف الإتحاد الأوربي خلال الخمس سنوات المقبلة تساهم في تقليص الفرص المتاحة أمام تركيا في أن تصبح عضواً كاملاً في هذا الإتحاد. وأيضاً التصريح الرسمي الذي أدلى به مجلس الإتحاد الأوربي في ديسمبر 2014 والذي بمقتضاه فإن تركيا مرشحة لعضوية الإتحاد وكذلك شريكة أساسية له، لايغير من واقع العلاقات الحالية، لذا تساورنا مخاوف من أن تركيا في هذه المرحلة تتطلع إلي عضوية كاملة في الإتحاد، ووفقاً لكل الإلتزامات المتزامنة مع ذلك فإن رد أردوغان الأخير حول القلق الذى أعرب عنه الإتحاد الأوربي إزاء الإجراءات التي إتخذتها تركيا ضد عناصر إعلامية من المعارضة حيث قال فيها أن الإتحاد يجب أن يحتفظ بهذا الفهم لنفسه، يزيد من خطر فرصة عدم إنضمام تركيا إلي الإتحاد الأوربي”.

إن جزء كبير من الإعجاب لدى الجمهور العربي بالنموذج التركي كان ترشح تركيا للإنضمام إلي الإتحاد الأوربي وفقدان هذا العنصر بجانب السياسات الإستبدادية والدلالات المثيرة للقلق فيما يتعلق بالإقتصاد التركي حولت النموذج التركي إلي عنصر غير مثير للإهتمام وأصبحت سبباً جديداً في تقليص التأثير التركي على المنطقة.