21-4-2015

بقلم: أريك جرينشتاين

لم تحظي المأساة التي حدثت حول قضية تعيين مفتش عام جديد للشرطة الإسرائيلية بالإهتمام المناسب. أغفلت قضية التحرشات الجنسية التي ارتبطت بها قيادات من الشرطة مشكلة أخرى، مثيرة للقلق أكثر منها ألا وهي سلطة المستشارين القضائيين.

كما ذُكر، بينما تتداعى الشرطة من تلقاء نفسها، أراد وزير الأمن الداخلي “أهرونوڤيتش” اختيار مفتش عام جديد يخّلف مفتش الشرطة “يوحنان دانينو”، الذي من المخطط أن يتقاعد في مايو من العام الجارى. على ما يبدو أنها خطوة مطلوبة ومنطقية. لكن كان هناك مشكلة: أوقف المستشار القضائي للدولة بسبب الانتخابات التعيين وأصدر تعليماته بالإنتظار حتى تشكيل حكومة جديدة.

كتب “أهرونوڤيتش” لـ”لڤينشتاين” بأسلوب شديد اللهجة: “إن تعليماتك تلحق ضرراً بالغاً بالشرطة وبدولة إسرائيل ومواطنيها”. تنشغل قيادات الشرطة منذ تسعة أشهر بمسألة الترقيات والتعيينات و”هذا الأمر يخرج جزء كبير من “ضباط الشرطة الإسرائيلية” عن تركيزهم الذي ينبغي أن يوّجه لشئون فرض القانون، ومكافحة الجريمة، والعنف، وأمن المواطنين، والممتلكات”. وبسبب تضرر استقلال الحكومة، قدمت حركة الحكم والديموقراطية دعوى في محكمة العدل العليا ضد المستشار القضائي للدولة. وما حدث بعد ذلك كان مدهش حقاً.

وقد أوضح المحامي دكتور “أڤيعاد بكشي” رئيس القسم القانوني لمنتدى كهيلت، أنه أثناء المحاكمة، “نشأ وضع سخيف، توجب فيه على وزير الأمن الداخلي أن يرد على الإدعاء الذي يطرح عليه سؤالاً “لماذا لا تفعل ما يحلو لك؟، الإجابة التي قدمت باسم الوزير ليست موقفه، بل موقف من من المفترض أن يمثله: مجموعة مستشاري محكمة العدل العليا والمستشار القضائي هم من يقولون إنه لا ينبغي تعيين مفتش عام جديد أثناء الانتخابات. هكذا نشأ وضع لا يفرض فيه المستشار القضائي على الوزير شيء يفعله، ولا يرغب فيه فقط، بل إن المحكمة تتبنى فعلياً موقف مناقض للموقف الحقيقي لوزير الأمن الداخلي. في الوقت الذي يتمتع فيه آخر المجرمين بحق عرض موقفه على الأقل أمام المحكمة، لا يمنح هذا الحق للحكومة المنتخبة التي من المفترض أن تعكس إرادة الشعب”.

إسرائيل دولة استثنائية في العالم الغربي

في هذه الأيام يُنشر بحث جديد يجريه “بكشي” و”منتدى كهيلت”، يسعى إلى التعامل مع مواقف من هذا القبيل تحديداً. يؤكد “بكشي” أن “هناك نموذج تقليدي لفصل السلطات، وأنا أحد المتحمسين له”. “كما يقول إنه يجب أن تكون هناك سلطة وظيفتها هي وضع الحدود، وتحديد متى تتم مخالفة القانون. من يملك الصلاحية لفعل هذا هي السلطة القضائية – إنها المخولة بتفسير القوانين وإصدار أوامر ضد الحكومة. هكذا يجب أن تسير الأمور، وهذا بالتأكيد ما يحدث داخل القضاء الإسرائيلي. من الممكن أن تكون لديّ مشكلة محددة مع درجة فعاليتهم في إصدار الأوامر، لكن استخدام هذه الصلاحية ليست مسار خلاف”.

الآن يطرح السؤال حول المستشار القضائي ووظيفته – هل هذا وضع سليم أن يوزع الأوامر على الحكومة وأن يفرض عليها موقفه؟.

“بشكل طبيعي، إذا أخذنا المجال التجاري كمثال، المستشار بوجه عام وظيفته تتركز حول إعطاء النصائح والشرح لعميله، ما هي البدائل المتاحة له في الإطار القانوني القائم. وإذا اعتقد العميل لسبب ما أن المستشار على خطأ، وهذا هو وضع محتمل حقاً، فإنه في نهاية الأمر لديه الحق في أن يتخذ القرار وفقاً لرؤيته، ومن يتاح له أن يضع رأسه تحت المقصلة إذا خالف القانون هي المحكمة”.

هنا المجال للتأكيد على أن البحث الحالي لا يتناول مسألة الفصل بين وظيفة التمثيل وبين وظيفة المستشار القضائي كرئيس للنيابة العامة، بل يتناول الاستشارة في المواضيع الإدارية. السؤال المحوري هنا: هل هذا الرأي الذي يعد بمثابة “استشارة”، أو أياً كان اسمها، تعد ملزمة للعميل؟

الموقف المألوف حالياً – الذي ظهر في التسعينات وترسخ مع الوقت – أن موقف المستشار القضائي يُلزم نواب الشعب بشكل تام. يوضح “بكشي” “الاختلاف الرئيسي، يكمن في مسألة من هو عميل المستشار القضائي فعلياً، هل هي الحكومة أم لديه عميل آخر؟ موقف مؤيدي الوضع الراهن هو أن العميل ليس الحكومة بل الشعب. لكن يجب حينها أن نسأل سؤالين: الأول: من أين لك أن تعرف ما الذي يريده الشعب؟; والثاني: من هو محامي الحكومة؟” .

يرى “بكشي” أن وظيفة المستشار القضائي هي أن يكون محامِ للحكومة. “مثلما يكون لكل شخص الحق في أن يمثله محامي، كذلك الحكومة لديها هذا الحق. إنني أخرج عن هذه النقطة الافتراضية بأن الحكومة لا تبحث الخروج عن القانون، من الناحية الموضوعية قبل أي شيء. حتى ولو كنا ساخرين وقلنا أن هذا ليس صحيحاً، فهي على ما يبدو أنها لا تريد أن تُهان في المحكمة. في نهاية الأمر، إن أغلب الحالات، أنها ستنصت لموقف المستشار القضائي. لكن في حالات استثنائية تختار موقف قانوني آخر وهذا هو حقها طالما لم تقضي المحكمة بشئ آخر”.

درس “بكشي” في بحثه وظائف المستشار القضائي في أربع دول غربية: الولايات المتحدة، وبريطانيا، وكندا، وأمريكا. في جميعهم، على عكس إسرائيل، المستشار القضائي هو وزير العدل الذي يعين بشكل سياسي تبدأ وتنتهي ولايته مع الحكومة. هناك فروقات بارزة أخرى؛ في كافة الدول التي وضعت قيد البحث تبين أن رئيس السلطة التنفيذية يحق له أن يقوم بخطوات تناقض موقف المستشار القضائي، أما في إسرائيل فلا. المسألة الثالثة هي؛ هل يستطيع المستشار القضائي أن يمثل أمام المحكمة موقف مختلف عن رأي الحكومة – حتى هنا الإجابة في كل الدول لا وفي إسرائيل لا. ومن يبادر بالرأي عموماً – هل المستشار القضائي هو سلطة رابعة تتلقى توجيهات من الشعب؟ وقد تبين مجدداً هنا أنه في كافة الدول التوجهات يتم تلقيها من الحكومة فقط، على عكس دولة إسرائيل.

أدت النقطة الأخيرة إلى نشأة قصة مثيرة خلال إعداد البحث نفسه: “هذه الحقيقة أعاقتنا بشكل منهجي أثناء البحث. عندما أردنا توضيح تفاصيل مختلفة في وزارة العدل الألمانية قالوا لنا “عفوا، نحن لا نعمل لديك. نحن لا نرد إلا على طلبات الحكومة “. أرسلنا طلب آخر عن طريق مواطنة ألمانية وتلقينا نفس الرد مرة أخرى: نحن لسنا محامون لمواطنين، بل للحكومة، لذا لن نرد”.

طُرحت مسألة أخرى في البحث وهي سرية هذا الرأي. بينما يمكن أن تجد في اسرائيل أكثر من مرة وضع يكون فيه رأي المستشار القضائي ونائبيه متصدر لعناوين الأخبار. يوضح “بكشي” قائلاً: “في ألمانيا على سبيل المثال، كافة آراء المستشار القضائي سرية، مما يحول المسألة إلى، هل هذه الآراء ملزمة حتى لو لم تكن مناسبة. ليس هناك رقيب خارجي يمكنه مراجعة هذا الأمر”. كذلك لا يمكن ممارسة ضغوط سياسية على نواب الشعب من خلال وسائل الإعلام. “في ألمانيا هناك بالفعل حصانة بين المحامي والعميل، أي بين المستشار القضائي والحكومة”. “في الدول الأخرى هناك حالات يُنشر فيها الرأي، لكن إذا أصر الرئيس أو الحكومة لسبب ما أن يُمنع النشر، فلهم الحق في فعل ذلك. إنهم أصحاب القرار. والمفهوم الذي يتبين من كل هذه الإجابات جلي للغاية وهو أنه في هذه الدول الأربع الغربية المتقدمة، المستشار القضائي هو محام للحكومة”.

المستشار القضائي أمام الرئيس/الحكومة

الولايات المتحدة بريطانيا كندا ألمانيا إسرائيل
هل منصب المستشار القضائي منصب سياسي؟ x
هل للرئيس/للحكومة  الحق في الخروج ضد موقف المستشار؟ x
هل للرئيس/للحكومة  الحق في الإملاء على المستشار الموقف الذي سيعرض باسمهم أمام المحكمة؟ x
هل ممنوع على المستشار الرد على عنصر غير حكومي؟ 129 x x
هل للرئيس/للحكومة  الحق في فرض سرية على رأي المستشار؟ x
هل للرئيس/للحكومة  الحق في استخدام تمثيل خارجي من دون تصريح من المسشار الحكومي؟ x130 x

 

 

المستشار القضائي أمام الوزير

الولايات المتحدة بريطانيا كندا ألمانيا إسرائيل
هل للوزير الحق في التصرف على عكس موقف المستشار القضائي؟ √125 X
هل للوزير الحق في الإملاء على المستشار الموقف الذي سيعرض باسمه أمام المحكمة؟ x X
هل للوزير  الحق في استخدام تمثيل خارجي من دون تصريح من المستشار القضائي؟ x x X
هل المستشار القضائي التابع لوزارة حكومية يخضع لوزير الشؤون القانونية؟ x X

 

يمنح رجال القانون صلاحيات لأنفسهم – والحكومة تصمت

عملياً، بدأت فعالية المستشار القضائي في إسرائيل عند بحث دعوة لإقالة الوزير “رفائيل بنحاس” سنة 1993. بعد أن أدعت المدعية العامة حينها “دوريت بينيش” باسم رئيس الوزراء “إسحاق رابين” أن القانون لا يلزمه بإقالة نائب الوزير المتهم، بدأت “بينيش” الدفوع ضد موكلها. قال القاضي “باراك” في إحدى الفقرات المؤثرة للغاية في مسيرته المهنية إن المستشار القضائي بكونه “المفسر المخول للحكم تجاه السلطة التنفيذية”  غير مُلزم بأي شكل بالدفاع عن سياسة رئيس الوزراء:

هناك قاعدتان لهذا الموضوع المحوري. الأولى هي أن رأي المستشار القضائي للحكومة من الناحية القانونية، يعكس بالنسبة للحكومة الوضع القانوني القائم والحالي. والثانية أن تمثيل الدولة ومؤسسات الحكم مودع في يد المستشار القضائي للدولة… على هذا الأساس وبحسب المستشار القضائي، أن مؤسسة الحكم التي لا تعمل كما ينبغي، وحينها يمتلك المستشار القضائي الصلاحية في أن يعلن للمحكمة أنه لن يدافع عن نشاط هذه المؤسسة.

كما شرح البروفيسير “فريدمان” في كتابه “الحقيبة والسيف” أن قرار “باراك” لم يعتمد على تقاليد قضائية حالية، بل إنه يناقض قرار الحكومة الذي تبنى استنتاجات اللجنة الخاصة التي ترأسها رئيس محكمة العدل العاليا “أجرانات” سنة 1962، والذي يقضي بعكس ذلك. في أعقاب هذا القرار تحول المستشار القضائي، من شخص من المفترض أن يكون خاضع للحكومة، إلى شخص يصدر الأوامر. على حسب رغبته يفرض حق النقض، ويبقى نواب الشعب عاجزين.

نجد ناحية أخرى للخضوع الذي نشأ في حقيقة أن المستشار القضائي لا يفرض رأيه الملزم فحسب، بل إنه يستطيع أن يفرض على عميله رأيه الذي يمثله أمام المحكمة. كما رأينا مسبقاً، تنعكس هذه المشكلة بوضوح في قضية تعيين المفتش العام للشرطة، لكن هذه الحالة ليست الوحيدة.

كيف وصلنا من حكم يخص “بنحاس” إلى هذه المواقف السخيفة، أهذا ما يسميه الكثير بحكم رجال القضاء؟. هل هذه فعالية للمنظومة القضائية في إسرائيل أم أنها ربما تلقى المسؤلية على الحكومات المختلفة؟.

“بطبيعة الحال، حدث هذا على عدة مراحل: في البداية عندما حدث خلاف، كان المستشار القضائي يصر على أن يصبح رأيه هو قرار الحكومة. في مراحل متأخرة استخدم المستشارون القضائيون مقولات المحكمة في موضوع “بنحاس” وضخموا منها كي يوجههوهم إلى مقولة “يجب أن تنصتوا إليّ”، أي أن لدينا هنا هيئة تضع حدود للصلاحيات. صحيح أن المحكمة أعطت قوة دافعة، لكن من الآن فصاعداً أصبحت هناك سيطرة على هذا الموضوع من مقولة وحيدة إلى مبدأ منظم لأسلوب العمل في مؤسسات الحكم في إسرائيل، ومن تقع عليه المسئولية في ذلك هي وزارة العدل. واعتقد أن هذا يتوغل إلى كافة المستويات – ليس فقط المستشار. على سبيل المثال، في فترة الحكم الحالية من الواضح أن نائبي المستشار القضائي ينطلقون قبل المستشار القضائي نفسه، برأي فعال للغاية.

وبخصوص الحكومة، أعتقد أن هناك خليطًاً من عدة أمور: أولاً، تستحق الحكومة توجيه نقد ما. وفي بعض من الأحوال، يلاحظ أنه يروق لهم أن المستشار القضائي يقوم بوظيفة “الدرع الواقي” لهم. ثانياً، في حالات عديدة أخرى، أرادت الحكومات القيام بشيء آخر، لكنهم قد خشوا من أن يدخلوا في صدام مع المستشار الحكومي. لماذا؟ بسبب الصورة العامة. يُنظر إلى القضاة على أنهم “الجانب الجيد” والسياسيون على أنهم “الجانب السيء”، ويدرك نواب الشعب هذا الأمر ويتحركون وفق متطلباتهم الصورية. ثالثاً، هناك حقاً العديد من الحالات التي أظهرت أن نواب الشعب لم يعرفوا القانون بالقدر الكافي، ولا يعلمون ما هي حقوقهم وكيف ينبغي أن تقوم المؤسسة بعملها في واقع الأمر. ما يحدث هو أنه لم يكن لديهم مستشار قانوني يخبرهم أنهم يقبلون رأياً يحوذ على صلاحية كبيرة. هذا نوع من استغلال المؤسسة بواسطة المستشار القضائي، في حين يكون من يفترض به أن يشكل آداة مساعدة لنائب الشعب لأقصى الخيارات التي يمكن اتخاذها، يتحول إلى مقوّض له – تلك “مشكلة ممثل” قديمة. يحدث هذا في الوقت الذي لا يكون متاحاً للعميل أن يستأجر مستشاراً آخر ليخبره بأنه توجد هنا مشكلة.

“وختاماً، هناك زعماً، لا يمكنني إيجاد أساس ثابت له، لكن يتم طرحه، مرة تلو الأخرى، من قبل شخصيات رفيعة المستوى في الساحة السياسية الإسرائيلية – مثل الوزراء السابقين: “دانيال فريدمان”، و”يعقوب نئمان” و”حاييم رامون”- حيث يؤدي خلط الوظائف بين النيابة العامة وصلاحيات الإستشارة للمستشار القانوني بنواب شعب عدة إلى أن يخافوا من أن يدخلوا في صدام مع المستشار الذي يُظهر أمامهم أطروحة “ملزمة”، خشية من أن يشكل الأمر في المستقبل مصدراً للإنتقام منهم فيما يخص الأمور الجنائية”.

هناك طريقة بسيطة لتجاوز المشكلة: إما استئجار مستشار خارجي أو إقالة المستشار القضائي. لماذا لا يتم هذا؟

“هنا أيضاً المستشار القضائي هو من حدد أنه من المسموح اللجوء إلى تمثيل خارجي- لكن فقط بتصريح منه. بشكل عام، يقوم المستشار بإعطاء ذلك التصريح بشكل أكبر في الحالات التي يوجد بها اعتبارات عمل: حينما يتطلب الأمر تخصصية مهنية معينة في ملف مدني تتداخل الدولة فيه، حينها يستأجرون مكاتب خاصة، تحت شتى أشكال القيود. لكن بشكل أساسي، موقف المستشار القضائي هو أن الوزير المهتم بتمثيل خارجي، ولا يروقه موقف المستشار القضائي، لا يمكنه فعل ذلك”.

“من قرر أن المستشار القضائي لديه حصانة شعبية؟

على مدار سنوات، كانت تبحث لجنتان حكوميتان هذا الأمر: واحدة في بداية الستينيات، برئاسة الرئيس “أجرانات”، والثانية في نهاية التسعينيات، والتي ترأسها الرئيس الشرفي “شمجار”. يحاول “بكشي” أن يُذكّر بأن “خلاصة القول هي أن اللجنتين حددتا أن حق الكلمة الأخيرة ينبغي أن يكون للحكومة. حقاً، صرحتا أنه من المفترض أن تتطرق الحكومة لرأي المستشار القضائي كـ”مرشد”، لكن في نهاية الأمر هي المسموح لها بالحسم وفق رأيها، طالما أن المحكمة لم تصدر حكماً مخالفاً”.

“هناك نقطة إضافية يهمني التأكيد عليها، ألا وهي الارتباط بين مسألة النشاط القضائي، والاستشاري. إذا كنا نعيش في بيئة تفحص فيها المحكمة فقط التوافق الفني بين الصيغة القانونية والواقع، حينها لم أكن لأنفعل كل هذا الانفعال. هذا وضع يكون فيه نائب الشعب إما لم يسمع عن القانون أو أنه يستخف به. لكن في العالم، الذي فيه تقريباً كل مسألة قضائية تدخل عالم “الإحتمال”- هل من المعقول العمل مع وحدة الاستيطان؛ هل من المعقول تعيين مفتش عام أثناء فترة الانتخابات – في تلك الحالة، حينما يكون في مقدرة المستشار القضائي أن يفرض سياسة على الحكومة، فإن هذا يكون وضعاً معقداً للغاية”.

مشكلة أخرى هي الفصل بين الصلاحيات: “أساس هذا الفصل يقود إلى وضع يكون فيه الشعب غير قادر على توقع أي نتائج من أي شخص. لأنه حينما يشكو إلى الوزير، يقول له الوزير أن المستشار القضائي لم يتح له تطبيق سياسته. بالطبع المستشار القضائي ليس عنواناً، لأنه ليس من يدير السياسة”.

أنت تزعم أن المستشار القضائي ينبغي عليه أن يمثل الحكومة فقط. إذاً فمن يفترض به أن يدافع عن الشعب؟

“حين يتأذى فرد من الشعب في الدولة، بمقدوره أن يتوجه إلى المحكمة. فضلاً عن ذلك، في دولة إسرائيل يوجد حق تقاضي واسع جداً، يتيح أيضاً لمن لم يتعرض لأذي أن يتقدم للتقاضي. إذا حدثت مخالفة جنائية للقانون، حينها من المؤكد أنه في الإمكان التوجه للمستشار القانوني، وهذه المرة كنائب عام. تلك الأدوات كافة متاحة. وماذا نفعل إذا كنت رغم ذلك ما زلت غير راضٍ، مثلاً، عن عمل دولة إسرائيل مع هيئة مثل وحدة الاستيطان؟ حسناً، هنا الحل: حاولوا خوض انتخابات ديموقراطية وغيروا ما ترون أنه بحاجة إلى تغيير. تلك هي الساحة التي يقررون فيها السياسة. الوضع الذي فيه موظف هو من يقرر السياسة، يمس بالديموقراطية بمعناها الأكثر جوهرية.

يزعم “بكشي” أن الوضع الراهن يمثل أيضا ضرراً بالإدارة. “ينبغي أن يكون هناك حاكم واحد قراراته نافذة. إن غياب التنفيذ يمثل فوضي، وهذا هو الوضع الأكثر سوءاً. في الوضع القائم حالياً، يحاول ممثلي الحكومة أن يقوموا بمساعى معينة، والمستشارون القضائيون يعطلونها. على سبيل المثال، تم انتخاب “نتنياهو” في 2009 وأراد أن يقوم ببرنامج “اصلاح الشرفات” وتجاوز بعض العقبات في قوانين التخطيط والبناء. حتى أنه تم سن قانون يمنع واقعاً تكون فيه لجان أكثر من اللازم، تتداخل في تلك الاجراءات. جاء المستشارون القضائيون وبواسطة البهلوانية التفسيرية، وأعادوا الوضع لما كان عليه فعلياً. وهكذا نشأ وضع تريد فيه الحكومة أن تمضي إلى الأمام والمستشار القضائي يقوم بتعطيله. وحتى أنهم في بعض الحالات لم يستطيعوا القيام بشيء وتعطيل خطوات طوال سنين- ببساطة تعطيل تنفيذ قرار”.

“جانب آخر في نفس النقطة هو المحكمة. تصدر أوامر ضد الحكومة- يمكن تأييدها، ويمكن معارضتها لكن تلك هي قوانين اللعبة. هذا يعني أن، سلطة واحدة تعمل والثانية ترد. لكن هنا نشأ وضع بوجود بتّ قضائي لكن المحكمة لم تتحمل المسؤولية. يوجد هنا سلطة تنفذ العمل بنشاط، لكنها تشل أية قدرة على الرد. هذا نوع من الحفلات التنكرية – يتم فيه فرض موقف قضائي على السلطة التنفيذية، ولكن يتم عرضه على أنه موقفها الحقيقي الصادر منها. هذا أيضاً إضراراً بالحق فى مسيرة عادلة. فموقف السلطة التنفيذية لا يتم عرضه على الإطلاق. ومن يفترض به أن يمثلها قد تحول قاضياً لها”.

إنك تقدم إدعاءات صارخة ضد الموقف القائم حالياً في وزارة العدل. هم يزعمون أنهم بشكل عام يدافعون عن سيادة القانون ويمنعون الفساد.

“من المؤكد أنه ينبغي أن تكون هناك سيادة قانون في الدولة، من المؤكد أنه ينبغي منع الفساد ومن المؤكد أن القوة المطلقة تشكل خطراً. ومن هنا تولدت النظرية التي ترى أنه ينبغي فرض القانون على الحكومة. أنا أؤيد ذلك كلية، وهذا أيضاً ما فطنوا إليه في العالم أجمع. بالطبع، وقد تقرر هناك أن تلك هي وظيفة المحكمة. وفي إسرائيل قرروا أن ذلك غير كاف. اليهود، كما يبدو، متلاعبون للغاية (لكن فقط على السلطة التنفيذية والتشريعية)، ولهذا هناك ضرورة لوجود إجراءات أكثر جدية. مؤيدي النشاط الاستشاري القانوني يرون أن المستشار القضائي هو النقطة الأمنية الأولى للمحكمة داخل السلطة التنفيذية. تولدت في إسرائيل تفاقمات اثر تفاقمات، وخرج الأمر عن حدود المنطقية. عبّر “تسيڤي هاوزر” عن هذا في لقاء له، حيث أنه لزيادة الانصياع للقانون من 98% إلى 99% دفعنا أثماناً باهظة جداً على كل الساحات الأخرى.

“الجانب الآخر من الخطأ هو الافتراض بأن هنا متهمون طبيعيون، وهم نواب الشعب، وينبغي الحفاظ عليهم. لكن من يحافظ على المحافظون أنفسهم؟ ألا يمكن أن تُـتخذ القرارات الشعبية بواسطة القضاة؟ أهم معصومون؟ ألديهم بطاقة تأمين؟ المصطلحات التي تظهر في النقاشات بهذا السياق هي، مثلاً، “الرشيد المسئول”؟. لحظة، من قرر أنكم “الرشيد المسئول”؟ من نصبّكم؟ إذا كنت طبيباً هل هذا يعني أنني يمكنني من الآن أن أفرض أي علاج تجريبي يروق لي على المريض عندي، أو أنني أحترم حقيقة كونه إنسان مستقل؟ يوجد هنا حالة من “الديكتاتورية المتنورة”- هناك من يريد أن يهتم حقاً لأمر الدولة، لكن من قال إن وجهة نظره هي أفضل من وجهة نظر أخرى؟ هذه أبجديات الديموقراطية”.

حسناً كيف نُصلح هذا الوضع؟ بحسب ما تقول، فعلياً، فإن الشخص الوحيد القادر على تغيير هذا هو المستشار القضائي نفسه، أليس كذلك؟

“بشكل فعلي، المستشار القضائي للحكومة يحتل مكاناً في غاية الأهمية، لأنه في الواقع يتحكم في مؤسسة تتيح إحداث تغيرات. لذلك أعتقد انه ينبغي أن يكون هناك انتباها كبيراً أثناء اختيار المستشار القضائي القادم لإسرائيل، بأن يكون شخصاً مستعداً لإحداث إصلاحات، هذا هو الإعتبار الأهم في اختيارنا. وحينما أٌقول إصلاحات، أنا أتحدث عن إعادة الوضع لطبيعته المتعارف عليها في العالم. في الواقع، أنا المحافظ هنا ولست الثوري. ينبغي إرجاع العجلة إلى الخلف.

“في نهاية الأمر، في رأيي – وكما هو متعارف عليه في العالم الديموقراطي – تقع المسؤولية على عاتق نواب الشعب. لست مستعداً لأن أقبل أن يتم تعيين مستشار قضائي للحكومة غير قادر على التخلي عن صلاحياته، وهذه هي طبيعة الإنسان، حينئذ، نواب الشعب يتخلون عن مسؤولياتهم. وفي هذا الشأن، لدى اقتراح محدد على شكل تعديل لقانون الحكومة، من شأنه أن يحدد صلاحيات المستشار القضائي بوضوح، ويحدد أن رأيه استشاري وليس ملزم. لذا ينبغي القيام بهذا”.

وحتي يتم هذا، حاليا نتعطل مرة تلو الأخرى- مثلما حدث أثناء النقاش حول قانون المتسللين- في هذه الحالة هدد المستشار القضائي بأنه سيرفض الدفاع عن الحكومة أمام المحكمة. ماذا ينبغي أن يكون رد عضو الكنيست على المستشار القضائي في تلك الحالة؟.

“أنا لدى رد بسيط: “ليس هناك داع، الأمر على ما يرام. لا ينقصنا محامين في دولة إسرائيل ونحن سندافع عن أنفسنا”. في بحثنا، يمكن رؤية أنه في بريطانيا، مثلاً، في كافة الإجراءات الإدارية، تُمثَل الدولة بواسطة محامين خصوص. هناك بنك محامين حصل على حق تمثيل الدولة في الإجراءات، ويجلس الطاقم المهني برئاسة نائب الشعب ويختارون المحامي الأكثر ملائمة لتمثيلهم. تلك النظرية التي تفيد بأنني غير قادر على تحديد موقفي كنائب شعب لأنه يوجد موظف يهددني بأنه لن يمثلني، معقدة للغاية. من المفترض أن يحدد الوزير الموقف الذي يتم عرضه باسمه في المحكمة، وفي حالة الضرورة، يهتم بأن يكون هناك من يمثله”.