22-4-2015

بقلم: موشيه بن عاتار

 

نعاني معاناة شديدة من الإخفاقات المرتبطة بالدولة ومؤسساتها، والإدارة المعيبة، والفساد الأخلاقي، والتماسك الاجتماعي الذي انطفأ وهجه، وغياب السلام، والتعليم الذي تمت خصخصته، وغلاء المعيشة وأحياناً نغفل النظرة الواسعة على أنفسنا- إسرائيل قصة نجاح رائعة.

مع حلول يوم الاستقلال الـ67 لدولة إسرائيل، فإنه يمكن النظر إلى الإنجازات في كافة مناحي الحياة وإلى الجيل الرائع الذي ترعرع هنا بفخر كبير، وإلى الحياة الهنيئة التي ينعم بها أغلب مواطني إسرائيل، وإلى المؤشرات العديدة التي تثبت أن الوضع هنا جيد بالنسبة للإسرائيليين- هم راضون عن الحياة. إسرائيل في 2015 أكثر قوة من أي وقت مضى.

جميع الأشياء في الحياة نسبية، وجميع الأمور نسبية في العالم والمساحة التي نعيش فيها. قبل قرن من الزمان، عشية صدور وعد “بلفور” الذي أعلنت فيه بريطانيا أنها تنظر بعين العطف إلى إقامة دولة قومية يهودية، كان يوجد هنا 56.000 يهودي. الآن، نحن دولة يعيش فيها أكثر من 6 مليون يهودي، ولدينا حضارة تأسست خلافاً لكل منطق- بالفعل معجزة لا يمكن استيعابها.

جاء اليهود إلى هنا من ما يزيد عن مئة وعشرين دولة، يتحدثون بأكثر من 70 لغة، وأنشأوا واحدة من أروع الدول في العالم، راسمين لوحة فسيفساء غنية بثقافتها وتنوعها لا مثيل لها في التاريخ الإنساني.

نحتفل كل عام بذكرى يوم الشهداء الذين سقطوا في معارك إسرائيل. كل شهيد بمثابة العالم وما فيه، لكن دعونا نقول الحقيقة -عدد الشهداء الذين قتلوا ليس كثيراً، مقارنة بصراعات الاستقلال التي خاضتها شعوب أخرى في التاريخ، طوال فترة قدرها قرن من الصراع من أجل الاستقلال. العديد من الطوائف اليهودية كانت مطاردة ومهانة وقد منحت إسرائيل العديد من اليهود، الذين لا نقدّر قدراتهم، الحرية والاستقلال. إقامة الدولة هو أمر مبرر أخلاقياً ويعبّر عن “غريزة بقاءنا” كشعب.

تحتل إسرائيل اليوم، موقعاً على الساحة الاقتصادية العالمية، بالأبحاث والتطوير و”دولة الشركات الناشئة”، وإجمالي ناتج قومي من الأعلى في العالم، ونتاج ثقافي، وعلمي، وأدبي غزير وحرية الإبداع في كافة مناحي الحياة. الثروة البشرية في مسيرة نمو متواصلة.

في بداية الطريق كنا واهنين، فقراء ومهزومين بعد المحرقة النازية. الإرهاب الذي يضربنا بين الحين والآخر، ناتج عن كوننا أقوياء ومن المستحيل هزيمتنا في ميدان المعركة. يستهدفنا أعداؤنا بدافع الحقد على إنجازاتنا العديدة. ترعرعت المعاداة للسامية بدافع الحقد على نجاح اليهود طوال فترات التاريخ، ونجاحهم أكثر في عصر العولمة.

صحيح أنه ما زالت هناك تهديدات وجودية حتى الآن، والإحصاءات الديموجرافية تثير القلق، لكن هناك خصلة واحدة من المستحيل أن يسلبونا إياها – نحن نعمل بجرأة تماماً في اللحظة الأخيرة، حينما نستشعر أننا مهددون وننجح في هذا – خصلة إسرائيلية تطورت هنا منذ سنوات عديدة. في دولة المعجزات، ينبغي أن نكون متوقعين، لأن ندرك كيفية مواجهة تلك التهديدات في المستقبل أيضاَ. علاوة على ذلك، القدرة غير الممكنة للتنبؤ على المدى البعيد. يتغير العالم بسرعة، وستغير التكنولوجيا والعلم منظومة القيم العالمية.

على المستوى الداخلي، هناك عمليات تحدث داخل المجموعات السكانية التي تندمج في اقتصاد الدولة، وفي المجتمع وفي الإقتصاد الخارجي. بدأت هذه العمليات تؤتي بثمارها. على سبيل المثال؛ يلتحق آلاف الشباب الحريدي بالتعليم الأكاديمي تدريجياً، وسيأخذ هذا التوجه في الإزدياد. وستجند نسب أكبر للجيش الإسرائيلي، ويتم إلحاقهم في النهاية بأماكن العمل.

تزامناً مع هذا، هناك عملية تجري وتأخذ في التغلغل، وهي “الأسرلة” (جعل الشئ إسرائيلياً) في صفوف السكان العرب في إسرائيل، الذين يدركون أن إسرائيل أفضل بالنسبة لهم من أية دولة أخرى في الشرق الأوسط. ستكون هناك أزمات، لكنهم سيعززون من وضعهم ويحسّنون ظروفهم الحياتية واندماجهم في الديموقراطية الإسرائيلية. فضلاً عن ذلك، يجدر التذكير بأن عرب إسرائيل لا يشكلون نسيجاً واحداً، والدروز هم مثال على ذلك في الثقة والمساهمة والإندماج الذى يحدث في صفوف الشباب الدرزى. وفى صفوف العرب والمسيحيين في المدن الكبرى والكثير من القرى هناك خطوات اندماج مشجعة. ديناميكية الحياة المشتركة أقوى من أى نظرية بحثية وتكسر حاجز الكراهية والعنصرية .

بالنظر 20 سنة للأمام، سيكون عرب إسرائيل في وضع مختلف، وكذلك سيأخذ قطاع السكان الحريدي صوراً مختلفة ستغير أسلوب تعامله تجاه المجتمع المحيط به، وستجرى داخله عمليات ستؤدي إلى نشأة خليط جديد لإسرائيل أخرى في العالم الجديد. من لن يدرك هذا سيتخلف عن الركب. يسعى الجيل القادم من تلك القطاعات السكانية أن يعيش في مستوى معيشي واعد. يريد أن يتطور ويحسن من مستواه المعيشي، ولذلك سيبحث عن طرق جديدة تزيد من اندماجه في الحياة الديموقراطية وسيكون في تحد مع الحداثة.

ستكون إسرائيل في المستقبل دولة يهودية أكثر وبراجماتية على حد سواء. لن يكون الجيل العلماني الشاب مستعداً لتحمل العبء الاقتصادي للقطاع الحريدي ولذلك سيحدث التغير تدريجياً. سيكون هناك العديد من الصراعات والحروب أمام عمليات “الحرددة”( جعل الشئ حريدياً ) الخطيرة لكن المسار سيكون مختلفاً.

على الرغم من النجاح، فإنه يتعين على إسرائيل أن تستمر وتكافح من أجل الحفاظ على مسارها أمام احتمالية تعاظم عمليات الخفوت المقلقة التي تجري في المجالات الرئيسية. ينبغي أن يكون المواطنون جريئون في سعيهم إلى مجتمع أكثر عدلاً ومساواة، يستمر في أن يمثل مركز جذب للعديد من الذين سيقاتلون من أجل مستقبله. ينبغي الاستعداد للتغيرات السريعة في سوق العمل، ومكافحة الفساد السياسي، وإحداث تغيير راديكالي في التعليم، توفير مستقبل للشباب وبقاءهم هنا، والعمل على القضاء على العنف والعنصرية التي تنخر فينا كمجتمع وزيادة الثروة الاجتماعية.

لن أخفيكم سراً أيضاً في يوم الاستقلال، أن لدى أسباب كثيرة تدعو للقلق بخصوص المستقبل، وبشكل رئيسي، من عجزنا عن حسم المسألة المصيرية المتعلقة باستمرار حكم شعب آخر. تلك المسألة تقسّم المجتمع الإسرائيلي وتهدد مستقبلنا كمجتمع وشعب. مرتبط بنا بشكل كبير، لكنه، بقدر مساو، ليس مرتبط بنا فقط. تحدث في الشرق الأوسط إجراءات إقليمية وعالمية ليس لنا سلطان عليها. ممنوع الإضطراب-حينما وقّع “إسحاق رابين” على اتفاقية أوسلو، أراد السلام، وكانت نواياه حسنه. وقام “عرفات” والفلسطينيون بهدم ثقة الإسرائيليين في السلام. حينما انسحبت إسرائيل من غزة، توقعت أن يؤدي ذلك إلى حسن الجوار وليس لإقامة دولة حماس المظلمة. صناعة السلام مهمة طويلة المدى تبدأ بتقارب الأفئدة وليس بالمستوطنات على كل تل.

لا يملك أغلبية الإسرائيليين، ولن يكون لهم، أرض أخرى غير ذلك القطاع الضيق على امتداد البحر المتوسط. لقد ولدنا هنا وهنا الأسرة والأصدقاء وهنا لن نشعر بأننا غرباء أبداً. ينبغي السماح للإسرائيليين المؤهلين، على قطعة الأرض تلك، أن يكونوا شركاء في بلورة عالم العولمة ومستقبل الإنسانية.

الرابط