23-4-2015

أمير تيفون

 !

 

 

بمناسبة الإحتفالات بيوم الإستقلال الـ 67 لدولة إسرائيل، حان الوقت لكي نسأل – هل نحن فى الحقيقة مستقلين؟ هل حقيقة أن دولة إسرائيل قامت في 1948 – وهو السبب الرئيس للإحتفال – تعكس بالضرورة الإستقلال – أم أن دولتنا بالفعل مقيدة ومحدودة لقوى أكبر وأقوى منها؟ لا توجد إجابة واحدة وواضحة لهذا السؤال، ولكن من أجل توضيح الإجابات المختلفة يمكن كشف وذكر بعض الحقائق الهامة.

يقول “موشيه أرنس” الذي كان وزير الدفاع ووزير الخارجية في حكومات إسرائيل في الثمانينات “في العصر الذي نعيشه عصر العولمة لا توجد أي دولة على مستوى العالم مستقلة تماماً، وحتى دولة مثل كوريا الشمالية وهى على مايبدو الدولة الأكثر انعزالاً فى العالم، والأقل ارتباطاً بعناصر خارجية، لديها تبعية بصورة معينة للصين. والولايات المتحدة على نفس المستوى، والتي تعتبر القوى العظمى الرائدة في العالم، لديها علاقات إقتصادية هامة جداً مع الصين واليابان ودول أخرى، والتي تقيد مستوى إستقلالها”.

وحسب كلام “أرنس” هذه القاعدة صحيحة أيضا فى الحالة الإسرائيلية. ومع هذا “عندما أنظر إلى إسرائيل في عام 2015 وأقارنها بدولة إسرائيل في الفترة التي توليت فيها مناصب رفيعة في الخدمة العامة، لا شك لدي أننا أصبحنا مستقليين بشكل أكبر. وأعتقد أن مستوى إستقلال إسرائيل يزداد عاماَ بعد عام. فإسرائيل قوية جداً من الناحية العسكرية وتعتمد جزئياً على المساعدات الأمنية الخارجية. وهذا بالطبع لا يعني أننا وصلنا إلى الإستقلال التام – فلازالت المساعدات الأمريكية هامة جداً. ولكن كانت هناك فترة كان من الصعب بدون المساعدات الأمريكية التي تقدر بثلاث مليارات دولار في السنة، وضع ميزانية الأمن. اليوم إذا توقفت المساعات الأمريكية لسبب ما – وهو الأمر الذى لا أعتقد أنه سيحدث – ستتضرر إسرائيل ولكن يمكنها تحمل هذا الأمر”.

 وفى قمة السخرية أشار أرنس قائلاً “المساعدات التي حصلنا عليها على مدار السنوات الماضية جعلتنا أكثر إستقلالاً. فقد أتاحت لنا إقامة بنية تحتية تمكننا من الوصول إلي الإستقلال في المزيد من المجالات. ولازالت حزيناً على إلغائنا “مشروع لافى”* حيث نشأ وضع نكون فيه فى مجال الطائرات المقاتلة تابعين للولايات المتحدة الأمريكية حتى لو كان هذا آخذ فى الإنخفاض. وحتى فيما يخص مشروع لافي منحنا الأمريكيين ربع مليار دولار كمساعدة في وقت المشروع من أجل تطوير الطائرة – على الرغم من أن هذا سيقلل من تبعيتنا لهم في هذا المجال”.

يعتقد أرنس الذي عمل سفيراً لإسرائيل في واشنطن، أنه لازالت هناك فرصة لتقليل المساعدات الأمنية تدريجياً من جانب الولايات المتحدة إلى إسرائيل. “أنا أؤيد تقليل المساعدات حيث أنه إلى جانب الدعم وأهميته بالنسبة لنا له، هناك نتائج ليست في صالحنا. تأتي المساعدات مع تفضيل لشراء منظومات أمنية أمريكية وحين يكون هناك بدائل من إنتاج إسرائيل فنحن لا نشتري بسبب الإلتزام مع الأمريكيين. وبهذا فإنه مع كل الجوانب الإيجابية في المساعدات لها أيضاً جوانبها السلبية”.

“يذكرونا من هو الزعيم”

ومن بين المرشحين لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فى الجولة الحالية هنا واحد فقط وهو “راند بول” السيناتور الجمهورى، عن رغبته في تقليص المساعدات العسكرية لإسرائيل. هُوجم بول الذي يتبع القسم الليبروالى في حزبه، عقب إعتراضه العام على تحويل مساعدات خارجية من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية ولكنه أوضح أن سياسته ستكون جيدة مع إسرائيل وستمكنها من أن تكون أكثر استقلالاً وأقل تبعية للولايات المتحدة. يوافق أرنس على ما يبدو بشكل جزئي مع ذلك ولكنه يثق أنهم ليس لديهم دراسة جدوى: “من الناحية السياسية الداخلية في الولايات المتحدة الأمريكية هذا أمر ليس هناك أي رئيس ديمقراطي أو جمهوري ،لا يريد تغييره في المستقبل القريب”.

يتفق “أرييه ماكيل” وهو دبلوماسي متقاعد عمل مستشاراً سياسياً لرئيس الوزراء “يتسحاق شامير” وقنصل عام لإسرائيل في نيويورك في سنوات الـ2000 وسفير في اليونان في أعوام 2010 – 2014، مع أرنس أن إسرائيل أصبحت أكثر إستقلالية بمرور السنين ولكن يعتقد أن مستوى إستقلالها محدود للغاية. “فنحن نعيش فى موقف مختلف عن أي دولة على مستوى العالم. فمن الناحية التاريخية منذ عام 1948 وحتى اليوم كنا دائماً نتبع قوى عظمى في العالم. ومع كل القوى العظمى التي التصقنا بها مثل الإتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا، آلت العلاقات في نهاية الأمر إلى ما لا يُحمد عقباه. ولكن مع الأمريكيين كان الوضع مختلف: فكل عدة سنوات نستعرض قوتنا فتذكرنا رداً على ذلك من هو الزعيم وتعود العلاقات لما كانت عليه”.

متمسكين بالأخ الأكبر

ذكر ماكيل الصراعات الخالدة بين شامير وبين إدارة “جورج بوش” الأب في سنوات 1988 – 1992، وخصوصاً مع وزير الخارجية النشيط “جيمس بيكر” حيث قال “نعتقد دائماً أن الأزمة القائمة حالياً هي الأسوأ على الإطلاق، ولكن آنذاك كانت هناك أمور ليست بالسهلة. وفي نهاية الأمر إستقام شامير وذهب إلى مؤتمر مدريد. ولدينا توجه للعب دور “مويشا جرويس” (المغرور) . ولكن بيت القصيد أننا بعض ملايين اليهود وسط محيط من مئات الملايين من العرب ومليار مسلم والذين لا يتمنى أحد منهم لنا أي خير، ولذلك ليس أمامنا إختيار سوى التمسك بالأخ الكبير. ومن الناحية السياسية لم تكن إسرائيل أبداً مستقلة ولن تكون أبداً”.

وعلى الرغم من أن العلاقة الوثيقة مع الولايات المتحدة الأمريكية هناك من يطلقون عليها “تبعية” تحاول إسرائيل كل بضع سنوات “أن تلدغ” الأمريكان وتتقرب لإحدى القوى العظمى المنافسة. والمثال الأكثر تميزاً هو بيع منظومة “الفالكون” للصين في عام 2000 والذي تم التوقيع عليه عن طريق رئيس الوزراء آنذاك إيهود باراك” ولكنه تم صرف النظر عنه عقب الضغط الشديد والتهديدات من قبل الإدارة الأمريكية. ومثال آخر هو قرار الحكومة الإسرائيلية الحفاظ على الحياد حيال الصراع في أوكرانيا لكى تمنع الإضرار بمنظومة العلاقات مع روسيا – وهو القرار الذي أدى إلى غضب الإدارة الأمريكية في واشنطن على إسرائيل.

قال ماكيل “في فترة تولي شامير كان نصف العالم مغلق أمامنا ويشمل هذا قوى عظمى مثل روسيا والصين والهند”. “فكان توجهنا منذ سقوط الإتحاد السوفيتي هو محاولة التقرب إلى روسيا ولكن إلى حد معين – وهو الحد الذى رسمه الأمريكيين. وقد نجح هذا مع بعض رؤساء الوزارات مثل شارون الذي كان يتحدث الروسية وحظي بتقدير شخصي من فلاديمير بوتين. ومع آخرين كان النجاح أقل. والآن التصعيد في العلاقات بين بوتين والغرب يضر بقدرتنا في التقرب إليه من دون دفع الثمن. ومثلما رأينا في صفقة الـ S-300 فإن للروس مصالح أخرى في المنطقة لا تتناسب حقا مع مصالحنا”.

تعميق العلاقات في آسيا

يعتقد “دوري جولد” المستشار السياسي لرئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” ورئيس المركز الأورشليمى للشئون العامة والدولة، أن إسرائيل تقترب نحو “كتلة حرجة” من القوة الأمنية والإقتصادية والسياسية والتي ستحولها إلى دولة مستقلة. قال جولد “نحن نسير فى هذا الإتجاه”. “هناك أمرين هامين حدثا في السنوات القليلة الماضية والتي تشير إلى الطريق؛ تعزيز العلاقات بين إسرائيل ودول آسيا وهذا ما يتيح لنا إدارة سياسة خارجية متنوعة وإستغلال فرص كبيرة في الإقتصاد، والتقرب الهادئ بين إسرائيل والدول العربية على خلفية التهديد الإيراني ما يمكن أن يؤدي إلى تغييرات في وجهة النظر الأمنية خاصتنا”.

قال جولد أنه قبل حوالي سنتين تمت دعوته لإلقاء محاضرة عن الأمن الإسرائيلي في مدرسة القيادة والأركان في الجيش الصيني مع اللواء (إحتياط) “عوزي ديان”. وقال “في نهاية المحاضرة سألني أحد الضباط الصينيين – في نهاية الأمر أنتم في أي جانب، معنا أم مع الأمريكان؟ وكانت إجابتي قصيرة وواضحة: نحن حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا لن يتغير حتى لو حدثت الآن بعض التوترات في العلاقات. ولكن وبالطبع هذا لا يعني أنه لا يمكن أن تجمعنا علاقات طيبة بكم. فنحن نحتاج لأن نعرفكم أكثر والعكس فهناك الكثير من المصالح المشتركة”.

وضعت إدارة “باراك أوباما” في الولايات المتحدة الأمريكية هدفاً كبيراً لسياستها الخارجية، وهو نقل تركيز سياسة الولايات المتحدة الخارجية من الشرق الأوسط إلى الشرق الأقصى، وخاصة القوى الإقتصادية العظمى في المنطقة: الصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية. وهذا الإجراء حتى الآن تواجهه عراقيل بسبب سلسلة الأزمات غير المنتهية في الشرق الأوسط، ولكن جولد يقول أن إسرائيل تقوم بخطوة نحو تعميق علاقاتها في آسيا بوتيرة هادئة وحذرة. ويوضح “الإهتمام من جانب بعض الدول الهامة بهذه المنطقة من العالم ليس فقط إقتصادي”. “يثير الصينيين على سبيل المثال إهتمام وجهة النظر الإسرائيلية حول الحقوق التاريخية فى أرض إسرائيل لأن هذا له علاقة بجزء من صراعاتهم الحدودية. الهنود تثيرهم جداً مسألة مكافحة الإرهاب على خلفية التهديدات التي يتعرضون لها. وأصبح هذا التوجه في طريقه ليزداد قوة، كما أنه يتيح لنا تنويع سياستنا الخارجية إقتصادياً وأمنياً”.

دعمنا يضمن استقلالنا

يرى البعض أن الإستقلال الإسرائيلي يزداد في عدة قضايا وطنية مثل الحصول على الماء. وذكر “ابينوعم بر يوسف” رئيس معهد سياسات الشعب اليهودي “بحثت الحكومة الإسرائيلية بشكل جاد منذ حوالي عشر سنوات إستيراد المياه من تركيا في إطار إتفاق مكلف ومعقد”. “أنا فقط أحاول تخيل الموقف الذى يكون فيه سوق الماء خاصتنا متعلق بإرادة أردوغان. وكم أنا سعيد لقرار الحكومة تغيير إتجاهها بكل قوة نحو منشآت تحلية المياه وهكذا قامت إسرائيل بنفسها بحل أزمة المياه خاصتها بشكل كبير”. وحسب قول بر يوسف “نحن معتادين على الحديث عن الإستقلال والأمن بمصطلحات أكثر دراماتيكية تشمل الطائرات والدبابات ولكن في العالم الذي نعيش فيه الآن الإستقلال في مجال الماء هو أمر غير تلقائى في كثير من الدول – مثل جارتنا الأردن حيث جزء كبير من إقتصاد المياه الخاص بها يعتمد على إتفاق السلام مع إسرائيل”.

ومع هذا، يحذر بر يوسف من النتائج التي يمكن أن تحدث لإسرائيل نتيجة “للإستقلالية الزائدة” والتي ستظهر في صورة أزمة وعزلة دولية حيث قال “راينا في العقود القليلة الماضية كيف أن دول قوية وكبيرة وأكثر إستقلالاً تضررت عندما اصطدمت بحالة من العزلة الدولية. تقع إسرائيل في منطقة معادية جداً، تسعى أجزاء كبيرة منها إلى تدميرها. هي تحتاج دائماً إلى شركاء أقوياء على الصعيد التكنولوجي والعسكري وأيضاً السياسي لأنها إذا كانت منعزلة سيكون وضعها غير محتمل”.

ذكر بر يوسف فيما يخص العلاقة بأمريكا أنه في المفاوضات الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين والتي أجراها وزير الخارجية “جون كيري” وضع الجانب الأمريكي إحتمالية وضع جنود أمريكيين على الحدود الجديدة بين إسرائيل والدولة الفلسطينية ولكن إسرائيل رفضت الفكرة. وقال “منحتنا الولايات المتحدة المساعدات على مدار السنوات بشكل يتيح لنا إستقلال فعلي بمعنى الدفاع عن أنفسنا بقوتنا. وهذا أفضل للطرفين لأن الأمريكيين أيضاً لهم مصالح متشعبة في المنطقة”. “فنحن لا نريد أن تكون هنا قوات أمريكية تدافع عنا لأن هذا يحد من حريتنا في العمل. وهذا هو مثال ممتاز على القيود المفروضة على وضعنا. فالدعم الأمريكي لنا يضمن إستقلالنا ببساطة، لكن الأهم ان نكون مستقلين بالفعل ولا نعتمد على هذا الدعم”.

“مشروع لافى”* هو مشروع إسرائيلى فى الثمانينيات من القرن العشرين لإنتاج طائرة مقاتلة بمحرك واحد متعددة المهام رخيصة الثمن وحديثة، وتم تنفيذ المشروع فى الصناعات الجوية الإسرائيلية، ومر المشروع بجميع مراحل التخطيط ووصل إلى 3 نماذج من الطائرة طار اثنين منها فى سماء إسرائيل وفى هذه المرحلة قررت الحكومة الإسرائيلية وقف المشروع.