بقلم: عاموس نحمياس
أقل من أسبوعين قبل انتهاء المهلة التي حصل عليها “بنيامين نتنياهو” من أجل تشكيل حكومته الرابعة ومازالت الأمور متعثرة. تشكيل الإئتلاف المستقبلي، ومبادئه الأساسية وأغلب أصحاب المناصب في هذا الائتلاف معروفين، والقاسم المشترك بين الشراكات المختلفة كبير نسبياً، ومع ذلك تدير كافة الكتل الحزبية (فيما عدا حزب “يهدوت هتوراة، الذي تم الاتفاق معه على كافة التفاصيل) معركة استنزاف ضد طاقم المفاوضات الخاص بحزب “الليكود”. وذلك على أمل أنه كلما اقترب الموعد النهائي، سيضطر “نتنياهو” إلى التهاون وأن يعطيهم أيضاً منصب نائب وزير أو رئيس لجنة. خلاصة القول هنا، أن ما يحول دون تشكيل الحكومة منذ أربعة أسابيع هي قضية الملفات.
رئيس حزب “شاس”، “أرييه أدرعي”، ليس مستعداً لقبول وزارة الداخلية ذات الميزانية المُقلصة، من دون إدارة التخطيط، التي انتقلت منه إلى رئيس حزب “كولانو” موشيه كحلون. وكانوا في الليكود قد عرضوا عليه أن يأخذ بدلاً منها ملف المواصلات. في البداية رفض بشدة، وبعد ذلك شعر بالندم على ذلك. وكان ردهم في الليكود على رفضه: “هذا غير مناسب بالمرة”. “يسرائيل كاتس” – الذي كان يلتفت بنظراته يميناً ويساراً، أدرك أنه ليس أمامه خيار أن يرتقي بمنصبه، تمسك بالوزارة ولم يبدي استعداداً لأن يتركها.
حتى مع رئيس حزب “البيت اليهودي”، “نفتالي بينيت”، الأمور لا تمضي قدماً. فقد عرضوا عليه في الليكود أن يختار ما بين التعليم وما بين الاقتصاد بالإضافة إلى وزارة الشؤون اإاستراتيجية، لكنه أبدى اهتماماً أكثر لوزارة الشتات من أجل أن يتولي أمر ظاهرة المقاطعات ضد إسرائيل.
ومع ذلك، فكل هذه المخاوف هي مجرد مشكلات بسيطة – إلا أن المشكلة الأكبر تكمن في وزارة الأديان. “إنها حقاً أزمة”، هذا ما قاله مسئول رفيع المستوى في الليكود. يتطلع كل من “شاس”، و”الحزب اليهودي”، إلى تولي هذا الملف، وطالما هذه القضية لم تُحل بعد، فلا داعي بأن تتقدم الأمور مع الآخرين. في الواقع، لم يلقى الحل الوسط الذي قدمه البيت اليهودي، ومفاده أن يبقي “نتنياهو” هذا الملف لديه، وأن يعيّن الحزبان نوّاب من قبلهم، قبولاً كبيراً. والآن ينظرون في الليكود في منح هذا الملف إلى “شاس”، وأن يتوصلوا مع البيت اليهودي إلى تسوية من شأنها أن تمنع حزب “درعي” بأن يعيّن في المجالس الدينية فقط أعضاء من شاس، إلا أن هذا الاقتراح على ما يبدو لن يحل المشكلة.
مهمة تشكيل “حكومة الشركاء الطبيعيين”، بطيئة وشاقة أكثر بكثير مما تصور “نتنياهو” مساء 16 مارس. ولا يجب الإستهانة بالمشاحنات بينه وبين “بينيت” ورئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، “أڤيجدور ليبرمان”. في الحقيقة، إن كل شئ شخصي في الاحتكاك بهم، يدور بمنتهى البطء، فليس من باب الصدفة أبقائهم “نتنياهو” في أخر الصف. وقد شهد شخص يعرف “ليبرمان” معرفة جيدة، قائلاً: “ليبرمان، يتصرف كمن فقد الاهتمام بالسياسة. فإن حصل على ملف الخارجية سيبقى في الحكومة، وإلا فسينضم إلى صفوف المعارضة. “نتنياهو”، في الواقع، قد حصل على 30 مقعداً، ولكن حتى يتجنب تشكيل ائتلاف لا يُطاق يتألف من 61 عضو كنيست سيضطر إلى منح ملف الخارجية مجدداً إلى الشخص الذي حصل فقط على ستة مقاعد، شهدت نسبتهم في العام الأخير انخفاض منحدر. ويمكننا من هذا أن نستنتج لماذا “نتنياهو” غير متحمس لأن يوّقع معه اتفاق؟.
كذلك هناك مشاحنات بين “كحلون” و “نتنياهو”، ولكن في الوقت الذي يستند رئيس الحكومة فيه إلى فرضية أن “بينيت” لن يسمح لنفسه بأن يبقى في المعارضة ويحول بذلك دون تشكيل حكومة يمين، فإن المفهوم السائد في الليكود هو أن “كحلون” ليس مجبراً بصفة خاصة على الدخول في الحكومة. لذا، سارع “نتنياهو” بأن ينهي معه معظم البنود. ومازالت حزمة القوانين التي يحاولون في الليكود وفي البيت اليهودي أن يمّررونها وأن يحجموا من نفوذ وسلطة محكمة العدل العليا مطروحة للنقاش.
وخلال المحادثات مع “كحلون” التي جرت هذا الأسبوع أوضحوا له في الليكود أن الأحزاب الأربع الأخرى بأكملها معنية بإحداث إصلاحات في المنظومة القضائية وأن حق الفيتو خاصتها المفروض على هذه المسألة من شأنه أن يحول دون تشكيل الحكومة. ومع ذلك، ففي الليكود يخشون أنه في اللحظة الحاسمة يتوصل “كحلون” مع “يهدوت هتوراة” إلى تسوية في مسألة ما متعلقة بالميزانية، على سبيل المثال زيادة مخصصات الأطفال، وبهذا سيجعل تأييد كل من رئيس الحزب “يعقوب ليتسمان”، و”موشيه جفني”، المخصصة له رئاسة لجنة الأموال، في إصلاح المنظومة القضائية، تأييداً عديم النفع.
فكل من “كولانو” و “يهدوت هتوراة”، قد توصلا إلى اتفاق على أغلب التفاصيل مع “الليكود”، وفي يوم الثلاثاء جرى بينهم أول لقاء عمل فعلي. حيث وصل وزير المالية الواعد إلى مكتب رئيس الحكومة في القدس بصحبة موظف رفيع المستوى سابق في المالية، والتقى هناك بـ”جفني”، و”ليتسمان”، و”ميئير باروش” من “يهدوت هتوراة”، و”زئيڤ إلكاين” من الليكود. ولم يحضر “نتنياهو” اللقاء، لكنه شارك فيه عبر الهاتف.
شهد الأطراف مطالب تلو الأخرى قدمت من قبل حزب “يهدوت هتوراة”، وحاولوا فهم قيمتها الخاصة بالميزانية. فكّر “كحلون” كثيراً في كيفية تمرير ميزانية 2015 – 2016 من دون رفع الضرائب أو رفع سقف العجز. كما أراد وزير المالية القادم أن يتأكد من أن “جفني” سيعمل معه في شراكة تامة، وإن كان الأمر كذلك، فسيرأس في نهاية الأمر لجنة الأموال. أما الحريديم، فمن جانبهم، يريدون أن يسمعوا أن “كحلون” قد تكفل بالتعهدات الميزانية التي كان يمنحها لهم “نتنياهو”.
في تلك الأثناء تحدث ظاهرة مثيرة للغاية في الليكود. ملفان كبيران – الأمن الداخلي والعدل – يقفان وحدهما من دون أن يرغب أي من الوزراء في تولي أي منهما. “نتنياهو”، بالمناسبة، أصر على أن يُبقي كلا الملفين في الليكود لأنهما يمنحان عضوية في المجلس الوزاري المصغر بموجب القانون، لكن المسئولون الوحيدون الذين أبدوا تحمس لشغل تلك المناصب هما “ياريڤ لڤين”، الذي يرغب في تولي ملف العدل، و”ميري ريجيڤ”، التي ترغب في تولي ملف الأمن الداخلي. من جانبه أوضح عضو كنيست من الليكود الشعور بعدم التحمس السائد بين الوزراء من العرض المتسم في الملفين بقوله “هذان الملفان، حالهما كحال ملف الطاقة أيضاً، ملف لا يوجد فيه حصة أرباح سياسية، وفي مقابل ذلك الأخطار المهنية فيه كبيرة”.
المحادثة المفاجئة بين لبيد ونتنياهو
أحد الإصلاحات الرائعة للكنيست الـ19، كان تقليص عدد وزراء الحكومة إلى 18 وزير، الوشيك على أن يُلقى إلى مزبلة التاريخ من دون أن يدخل إلى حيز التنفيذ. “يائير لبيد”، الذي قاد الحراك في الكنيست السابق، بادر بالإشارة أيضاً صراحة في سياق الحديث عن القانون، أن عملية التصديق عليه تستلزم موافقة ما لا يقل عن 70 عضو كنيست من أجل تعيين وزراء آخرين خلافاً للـ18 وزير.
من غير شك أن أي فحص بسيط يوضح أن القانون نفسه يمكن أن يُلغى من قبل 61 عضو كنيست فقط. وبعبارة أخرى، هذا القانون لا يضاهي في قيمته الورقة المكتوب عليها، وأول خطوة سيقوم بها الائتلاف الجديد، حينما يتم الإنتهاء من تشكيله، هو المسارعة إلى التصويت في ثلاث جلسات قراءة على إلغاء هذا البند من القانون، وذلك حتى يمكن إدلاء الحكومة لليمين بالمزيد من الوزراء. “لبيد”، بالمناسبة، أوضح أنه سيقدم التماساً بخصوص ذلك إلى المحكمة العليا، لكننا نشك في إن كان لديه دليل على ذلك. على كل حال، فمسألة أن المستشارين الذين اهتموا بضمان وجود هذا البند في القانون قد قاموا بعمل فادح، هي مسألة مخجلة.
بالمناسبة، بعد صمت متواصل، أجرى “نتنياهو” و”لبيد” محادثة أخيراً في الأسبوع الماضي. لقد كان ذلك في مراسم ذكرى يوم المحرقة. وقد قرأ “لبيد” قطعة من كتابه “ذكريات بعد موتي”، حيث ذكر ما كان يشعر به أباه “تومي” عندما جاء جندي نازي ليقبض على أبيه من دون الخروج من البيت الذي سكنت فيه العائلة. بعد المراسم وصل “نتنياهو” إلى لبيد، وصافحه وقال له: “تأثرت بشدة، لقد كان ذلك في غاية الروعة”. “لبيد”، من جانبه، “هنأ “نتنياهو” على فوزه في الانتخابات. وقال له: “لم تسنح لي الفرصة لأن اهاتفك منذ الإنتخابات”. لقد كانت هذه المرة الأولى التي يتبادل فيها الإثنان فيما بينهما أطراف الحديث، منذ اللقاء المسائي الذي تفّجر في مطلع ديسمبر الماضى وأدى إلى التوجه إلى الانتخابات.