24-4-2015

بقلم عاموس يدلين

موقع معهد دراسات الأمن القومي

تنظر إسرائيل إلي إيران عندما تمتلك سلاحاً نووياً على أنها أكبر تهديد وجودي على أمنها، واليوم قبل توقيع هذا الإتفاق بين إيران والدول العظمى، حيث لا تبعد إيران سوى مسيرة شهرين أو ثلاثة عن التوصل إلى قنبلة نووية، إذا قررت أن تنتهك بنود هذا الاتفاق. لذا فإن أي اتفاق محتمل مع إيران لابد أن يسير جنباً إلى جنب مع إبعادها مسيرة عامين أو ثلاثة عن إنتاج القنبلة، واعتباراً من هذه اللحظة يجب أن يكون الشغل الشاغل لإسرائيل أن تقوم بتعديل مقاييس الإتفاق المحتمل، وعلى إسرائيل أن تعمل بالإشتراك مع الولايات المتحدة على تعزيز هذه الاتفاقيات وتنسيق خطة عمل جديدة أو حتى التوصل لتأصيل هذه التفاهمات ضمن اتفاق رسمي يستطيع أن يضمن رد فعل مناسب ضد السيناريوهات الإشكالية والمخاطر المحتملة إذا قررت إيران أن تنتهك الاتفاق النووي سواء مع تحقيق اتفاق أو بدونه.

إن الإتفاق بين إيران والدول العظمى كما هو مخطط له ووفقاً للمقاييس التي نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية في 2 أبريل 2015 وبعد جولة المحادثات التي أقيمت في لوزان، وعلى الرغم من كونه إشكالياً، إلا أنه ليس بالضرورة أكثر السيناريوهات سلبية الذي يمكن أن ينتج عن إشكالية البرنامج النووي الإيراني. وعلى أية حال فإن نقطة البداية في مقارنة هذه السيناريوهات لن يكون “صفر قدرة نووية” لإيران وإنما كيفية التعامل مع إيران كدولة على أعتاب القنبلة النووية-حتى وإن كان ذلك بشكل غير شرعي-في بداية العقد الحالي. إن بحوزة إيران من خلال بنية تحتية بنتها خلال العقد الماضي ما يُمكنها من القدرة والمعرفة من إنتاج القنبلة النووية، فإيران تمتلك حالياً 19 ألف جهاز طرد مركزي من بينها 9000 وحدة قادرة على تخصيب اليورانيوم و10 طن يورانيوم مخصب بدرجة منخفضة (هذه المادة تكفي لإنتاج من 7: 8 قنابل نووية إذا تم رفع درجة تخصيبها بشكل معين)، كما أن لديها منشأتين لتخصيب اليورانيوم تحت الأرض، ومفاعل نووي في بوشهر، القادر على إنتاج البلوتونيوم، ومفاعل مياه ثقيلة تحت الإنشاء في أراك، وكذلك لديها من البنية العلمية التحتية سراً للبحث والتطوير ما يمكنها من إنتاج سلاح نووي. ويجب أن نؤكد أن الاتفاق الذي نحن بصدد الحديث عنه هنا لم يتضمن أي سماح لإيرن بتطوير أو إنتاج سلاح نووي – ليس قبل 10 سنوات أو 25 سنة بعد التوقيع على هذا الاتفاق- على الإطلاق.إن القرار الإيراني الذي يقضى بتطوير سلاح نووي في 2025 أو في 2030 عندما يتم رفع كافة العقوبات عنها في إطار إتفاق تقوم بتوقيعه معها الدول العظمى سيكون بمثابة إنتهاك لبنود إتفاقية منع إنتشار الأسلحة النووية، وستستلزم معها رداً حاسماً من الدول العظمي.

إن أي نموذج في التفكير والذي يقوم بتوجيه القيادة في الولايات المتحدة وفي إسرائيل بأن عليهم قبول إيران دولة مسلحة بقنبلة نووية هو سيناريو غير مقبول بالمرة. وهنا السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه في أي لحظة وهو هل وصلنا إلي مفترق طرق والذي يجب فيه أن نختار بين خيارين مثيرين للمشاكل وكلاهما مثقل بالنتائج السلبية والسيئة ؟ وهما :

–       أن نقبل بإيران دولة نووية ولديها قنبلة نووية

–       أو أن نقوم بعمل عسكري ضد تسلح إيران بقنبلة نووية.

ولكن إذا افترضنا أننا لم نصل بعد إلي هذا الإختيار الصعب وأننا لاتزال لدينا خيارات أخرى قادرة على منع إيران من إنتاج قنبلة نووية، ولا تحتوى هذه الخيارات على امتلاك إيران للقنبلة أو مهاجمة إيران عسكرياً، إذاً ما هي تلك الخيارات وهل ستمثل إتفاقاً حقيقياً ؟ فهل ستؤدي العقوبات الشديدة إلي تغيير ميزان الإعتبارات الإيرانية أو تنفيذ عمليات سرية ضد البرنامج النووي الإيراني، أو تغيير النظام الحاكم في طهران.

إن كاتب هذ السطور يرى أنه إذا وصل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلي نتيجة مفادها أننا موجودين في الوقت الذي يجب أن نصدر فيه قرارنا النهائي والتي لا تخرج الخيارات المتاحة فيها عن التوافق مع وجود إيران النووية أو إيقافها بواسطة حل عسكري سوف يفعل ما هو مطلوب منه ألا وهو الخيار الثاني! وكذلك يفترض الكاتب بأن الرئيس الأمريكي الحالي باراك أوباما أو أي رئيس أمريكي يليه أو رئيسه تأتي من بعده إذا فهموا أن الإيرانيين في طريقهم بالفعل إلي إمتلاك القنبلة النووية هل سيقوموا بتنفيذ وعود أوباما بمنع إيران من التسلح هل سيقومون آنذاك بتفضيل المنع على الإحتواء، ولكن السعي الأمريكي من أجل التوصل إلي اتفاق أضعفت إلي حد كبير موقف الإدارة الأمريكية في المحادثات لذا فإن هذه الفرضية صعبة التحقق “وهي الهجوم العسكري على طهران”. والتبريرات التي إستندت عليها تصريحات المتحدث باسم الحكومة الأمريكية كي تبرر إتفاق التفاهمات الذي تم التوقيع عليه مع إيران ومقاييس الاتفاق النهائي تُنبيء عن تآكل الإلتزام الأمريكي بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة، وما نستشفه من هذه التصريحات بأنه إذا قُدر للإدارة الأمريكية الوصول إلي مرحلة الاختيار فإن احتمالية اختيار الطريق العسكري ضعيفة للغاية.

وفيما يلي ستة سيناريوهات ثلاثة منها تُعطي فرضية فشل الاتفاق النهائي مع إيران حتى الموعد النهائي في 30 يونيو 2015، وثلاثة آخري لفرضية التوصل إلى اتفاق، وفي كل واحد من هذه التقديرات سيتم وصف التصرف الإيراني بشكل مختلف آخذين في الاعتبار صعوبة التنبؤ برد الفعل، وفي كل سيناريو سيتم تحليل الموقف الذي يصل إليه القرار بين “القنبلة – وتنفيذ هجوم عسكري” وكذلك أيضاً أفضلية هذا السيناريو –وهو إيران مع قدرة شبه نووية-عن الوضع الحالي الذي قد يكون أكثر إشكالية منها. ويستمر التحليل القائم على إفتراض أن الإتفاق الذي تم التوصل إليه سيتضمن كل المقاييس التي نشرتها وزارة الخارجية الأمريكية، ويُظهر الحاجة إلي إدخال تحسينات على عملية تقييد البحث والتطوير الإيراني في المجال النووي، هذا بالإضافة إلي الشفافية التامة فيما يتعلق بالأبعاد العسكرية للبرنامج والمراقبة التامة على سلوك إيران في المجال النووي حتى يتم توقيع الإتفاق في كل موقع وفي أي وقت.

فشل المحادثات

السيناريو الأول

لقد أصبح اتفاق التفاهمات واقعاً ولن يلبث أن يصبح اتفاق نهائي. وإن أي فشل في التوصل إلي اتفاق نهائي سيكون بسبب الخلافات بين الأطراف وتفسيراتهم المختلفة لمعايير اتفاق لوزان. كما سيؤدي الإصرار الإيراني على الرفع الفوري للعقوبات وتخفيض المراقبة واستمرار البحث والتطوير وعدم إعطاء أي إجابات فيما يتعلق بالأبعاد العسكرية للبرنامج النووي سيؤدي بالضرورة إلي عدم التوصل إلي أي اتفاق، ومع هذا فإن الفرضية التي يتأسس عليها هذا السيناريو هو أنه سواء إيران أو الدول العظمى سيكونون حذرين من خلق أي أزمة عميقة وسيعلنون إلتزامهم بروح الاتفاق الأولي (The Joint Plan of Action) الذي تمت صياغته في نوفمبر 2013 وبدأ تطبيقه في يناير 2014، وإذا إستمر سير المفاوضات في هذا الإطار فإن الاتفاق الأولى سيتم إعتباره إتفاق نهائي.

وهنا يجب علينا أن نفهم أن إيران في هذه الحالة ستجد نفسها قريبة من إنتاج القنبلة (من شهرين إلي ثلاثة أشهر) من الاتفاق الذي قد يتم توقيعه وفقاً لمقاييس لوزان ( حيث ستبعد نفسها على بعد سنة واحدة فقط من القنبلة في العشر سنوات الأولى بعد أن تقوم بالتوقيع على الاتفاق) ولن يُطبق عليها أي قيود فيما يتعلق بتطوير وتشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة أما فيما يتعلق ببناء مفاعلات أخرى فإن الرقابة عليها ستكون جزئية دون أن يُطبق عليها البروتوكول الإضافى لوكالة  الطاقة الذرية، والسؤال الجوهري هنا هو مدى القدرة الإيرانية على العمل في ظل نظام العقوبات الحالي. هذا السيناريو قابل للتحقق إذا تبنى الكونجرس توجهاً معتدلاً فيما يتعلق بسن عقوبات جديدة وإذا قرر الإيرانيون أن يستمروا في تحمل عبء العقوبات الحالية آملين في أن يؤدى مرور الوقت إلي تفادي نظام العقوبات الحالية.

وهنا يجب على الحكومة الإسرائيلية أن تسأل نفسها هل هذا السيناريو هو ما تفضله أم سيناريو الإتفاق؟ هل يقدرون بأن إيران تستطيع الإحتفاظ ببرنامجها النووي في ظل نظام العقوبات القائمة، إذا فهذا السيناريو سيكون مثيراً للمشاكل أكثر من أي إتفاق؟ في الواقع إن النشاط الإيراني في المجال النووي لم يحصل على الشرعية التي يبغاها ولن يتم رفع العقوبات عن طهران وذلك كي لا يصبح متاحاً للإيرانيين المزيد من الموارد التي تتيح لهم أفعالاً سلبية، فقد نجحوا بالفعل قبل ذلك في ظل العقوبات المفروضة والقيام بنشاطات غير شرعية في نظر القانون الدولي في تطوير برنامج نووي ذو قدرة بنيوية خطيرة، فماذا سيحدث إذا تم الأخذ بمقاييس لوزان، وفي ظل هذا السيناريو توجد صعوبة في أن الأمريكيين قد حددوا لأنفسهم بالفعل ما هي النقطة التي قد يتم إعتبارها مفترق الطريق وتوجد شكوك في أنهم قد يمارسوا ضغوطاً على إيران أو أن يقوموا بعمل عسكري ضدها، وبالرغم من قيام إسرائيل أيضاً بإدانه الإتفاق الأولي فضلت إسرائيل أن تقوم بعد مرور عام كامل بإطالة أمده وإستمرار المحادثات مع إيران، ومناقشة خيارات أكثر إثارة للمشاكل مثل العودة إلي “التقدم نحو إيران النووية” أو “الإتفاق السئ” ومن الواضح أنه من الناحية التقنية والمفهوم العميق للأمر فإن الإتفاق وفقاً للمقاييس التي تم الإتفاق عليها في لوزان هو أفضل بأي شكل من الإتفاق الأولى الذي كان سيتم إعتباره الإتفاق النهائي، وإذا إستمر سريان الـ JPOA “الإتفاق الأولي” فسوف تظل لدى إيران كمية تقدر بـ 10 طن يورانيوم مخصب بدرجة 3.5 و 19 ألف جهاز طرد مركزي وكذلك وقت صغير جداً لإنتاج القنبلة. التقدير الموجود هو أن العقوبات الحالية ستستمر في التضييق على إيران كي تتقبل المقاييس المقيدة والمقلصة لبرنامجها النووي مما يبرر المنطقية الإستراتيجة لهذا السيناريو.

السيناريو الثاني : فشل المحادثات نتيجة إنسحاب إيران من الإتفاق الأولي وقيامها بتوسيع بنيتها التحتية النووية حتى وإن لم تصل إلي إنتاج القنبلة النووية. في هذا السيناريو ستقوم إيران بالتراجع عن الإتفاق الأولي وإستئناف برنامجها النووي بشكل كامل وموسع بل وستعمق وتطور البرنامج الحالي إلا أنها لن تنفي إلتزامها بمعاهدة منع إنتشار الأسلحة النووية. وستقوم إيران بتشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة لتصل بها إلي درجة 20 % ولن تلتزم ببنود البروتوكول الإضافي وستقوم بتشغيل مفاعل المياه الثقيلة في أراك، ونتيجة لذلك فهي قد قلصت زمن الوصول إلي القنبلة إلي -صفر- حيث سيكون ذلك في 2016 وليس في 2028 مثلما تنبأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما في المقابلة التي أجراها معه راديو NPR. إن سلوك إيراني من هذا القبيل سيؤدي إلي زيادة العقوبات المفروضة على إيران ولكننا لازال يمكننا إفتراض أن الرئيس الأمريكي لن يقوم بتعريف هذا الموقف على أنه النقطة المصيرية، فقد برهنت الإدارة الأمريكية بالفعل أنها تستطيع التعايش مع إيران ذات قدرة نووية موسعة طالما أن الوضع لم يتطور بالفعل الي الحصول على قنبلة نووية ولكن الوضع مختلف مع إسرائبل التي أعلنت أنها غير موافقة على أن تصبح إيران قادرة على التوصل وبسرعة إلي قنبلة نووية، هذا السيناريو سيصبح أكثر إشكالية إذا تحقق حيث أنه يدفع بإسرائيل إلي مفترق الطريق “المرحلة المصيرية” حيث سيصبح هذا السيناريو أكثر خطورة بالنسبة لإسرائيل من الإتفاق الذي تم الإتفاق على مقاييسه في لوزان (مع مراعاة التعديلات المطلوبة) وفي أيه حالة فإن أي نشاط إسرائيلي سيستلزم معه فحص نجاعة فرض المزيد من العقوبات على إيران، وفرص إعادتها إلي طاولة المفاوضات وفرصة التوصل إلي إتفاق أفضل من خلال إستئناف المحادثات.

السيناريو الثالث : فشل المحادثات – وقرار إيراني بمواصلة الطريق نحو القنبلة والإنسحاب من NPT “الإتفاقية الدولية لمنع إنتشار الأسلحة النووية” أو نشاط إيراني سري من أجل الوصول إلي قنبلة، رداً على الفشل في التوصل إلي إتفاق وتشديد العقوبات في أعقاب هذا، ستقوم إيران بالإعلان عن إنسحابها من NPT و وقد تقرر أن تقوم سراً بإنتاج سلاح نووي، ويجب أن نفترض أن خطوة كهذه قد يتم تبريرها بأن السلاح النووي ( هي الضمانة الوحيدة لأمن إيران ولحقها كدولة في طريقها كي تصبح دولة عظمى وأن تمتلك سلاحاً تمتلكه العديد من الدول المحيطة والمجاورة لها ” وهنا يجرى الحديث عن سيناريو خطير مثير للأزمات وسيضع كلاً من الولايات المتحدة وإسرائيل في مرحلة التقرير المصيري. والحكم سيكون هل هذا السيناريو أفضل من إتفاق مشروط بنتائج المقارنة بين النتائج المستقبيلة لأي إتفاق قد يتم التوصل إليه في ضوء (الثلاثة سيناريوهات التالية) أو فاعلية نتائج هجوم عسكري يتم تنفيذه بهدف إعاقة طهران من الوصول إلي سلاح نووي.

التوصل إلي إتفاق

السيناريو الرابع : إختتام المفاوضات وفقاً للمقاييس التي تمت صياغتها في لوزان وهنا سنجد تفاعلاً إيجابياً يتطور بين إيران والدول العظمى وخلال الـ 10 :15 عاماً المقبلة سيعتدل سلوك إيران وتتوقف عن سعيها للتوصل إلي سلاح نووي، وهذا هو السيناريو الأكثر تفاؤلاً الذي تتمنى الإدارة الأمريكية أن يتحقق. في هذا السيناريو ستعود إيران تدريجياً إلي الأسرة الدولية وستحافظ على الإتفاق مع الدول العظمى بشكل حرفي على أساس من الفهم بأن حيازتها لسلاح نووي ليس كنزاً وإنما عبء عليها، وستظل إيران بعد عقد كامل بعيدة لمدة عام عن إنتاج القنبلة إذا ما قررت أن يصبح لديها سلاح نووي إلا أن المسارات لإنتاج هذه القنبلة مثل طريق اليورانيوم أو مسار البلوتونيوم أو المسار السري سيجرى مراقبتها وإغلاقها بشكل جيد وفي إطار هذا السيناريو ستقوم إيران بتوسيع البنية التحتية النووية في “ناتانز” ولكنها وفقاً للإتفاق فهي لن تقوم بتخصيب اليورانيوم لدرجة أكثر من 3.67 ولن تقوم بتخزين كميات تزيد عن 300 كجم وكذلك لن تقوم بتشغيل موقع التخصيب في “بوردو” وكذلك ستقنع العالم بأنها دولة ذات قدرة نووية مدنية تحافظ على مبادي إتفاقية “NPT”  بل وتحافظ بفاعلية على البروتوكول الموسع لوكالة الطاقة الذرية

وفي هذه الحالة ستعمل الدول العظمى أيضاَ على منع إنتشار المزيد من برامج التسلح النووي في منطقة الشرق الأوسط ولا شك في أن هذا السيناريو أفضل بكثير من الوضع الحالي الذي لا تبعد فيه طهران سوى أشهر معدودة عن القنبلة النووية، وبالطبع من الموقف الذي يصبح لها فيه بنية تحتية نووية موسعة في 2030 دون التوصل إلي إتفاق هذا السيناريو، سيجنبنا الحاجة إلي الإختيار بين خيارين سيئين وهما القنبلة أو خيار الضربة العسكرية .

السيناريو الخامس

وفيه تحافظ إيران على الإتفاق ولكنها لا تتخلى عن الهدف الإستراتيجي في قدرتها على تطوير القنبلة في وقت صغير للغاية، والإفتراض الرئيسي الذي يوجه هذا السيناريو هو عدم حدوث أي تغير في النظام الإيراني وأنه بجانب النشاطات السلبية الإيرانية في الشرق الأوسط (السعي من أجل سيطرة إقليمية- عمليات تخريب- دعم الإرهاب – السعي من أجل تدمير اسرائيل) يصاحب ذلك رغبة قادرة في أي وقت –دون أن يكون المجتمع الدولي قادراً على منعها- أن تذهب نحو خيار القنبلة النووية، ففي نهاية الـ  10 سنوات من القيود والتي سيتم فرضها على إيران في إطار الإتفاق فإن إيران ستقوم بتشغيل 13 ألف جهاز طرد مركزي قد تم تفكيكيها وهذا المسعى سيكون شرعياً آنذاك وكذلك تحدد لنفسها أن تصل في العام الـ 15 للإتفاق إلي 54 ألف جهاز طرد مركزي تتضمن العديد من الموديلات المتقدمة وتطوير شامل لمحتوى المنشأة في نانتاز. وفي هذا السيناريو تعود إيران إلي تركيب ألاف من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي قامت بتطويرها خلال سنوات الإتفاق وتقوم بإعداد 3000 جهاز طرد مركزي كي تقوم بتركيبها في بوردو عند تمام 15 عاماً على الإتفاق الأمر الذي سيجعلها تعود إلي قدرة التشغيل الكاملة في هذا الموقع المحمي بشكل جيد، وفي العام الـ 15 للإتفاق ستستطيع إيران أن تحتفظ بكميات تزيد عن 300 كجم من اليورانيوم المخصب بل وأن تزيد درجة التخصيب عن 20% وهو بالضبط ما تنبأ به الرئيس الأمريكي أوباما في لقاء إذاعى أجري معه لذا فإن المسافة التي تفصلهم عن القنبلة ستبدأ في أن تصبح صفراً في العام الـ 13 ولكنها ستتلاشي تماماً بالفعل في العام الـ 15 ففي 2025 سيكون كل من الرئيس الأمريكي ورئيس الوزارء الإسرائيلي قريبين للغاية من النقطة المصيرية في أن يتركوا النظام العدو المثير للمشاكل في إيران كي يقوم بتطوير القنبلة أو أن يخرجوا في هجوم ضده .

إن قرار العمل العسكري آنذاك سيكون صعباً للغاية وذلك لأن الإيرانيين لم يخترقوا أي إتفاق وخلال هذا الوقت سيكون من الواضح أن عدم قيام الدول العظمى بالعمل سيكون معناه حصول النظام في طهران وقتما يشاء وفي وقت قليل للغاية، على القنبلة النووية.

والسؤال الأهم على الإطلاق هل ستقوم الإدارة الأمريكية التي تأمل متفائلة بتحقق السيناريو الرابع سوف تقوم قادرة على مقابلة السيناريو الخامس المثير للمشاكل بالعمل ضد إيران في موقف لم يتم فيه خرق الإتفاق ولم يتم تعديه من قبل إيران إلي إنتاج القنبلة فقط سيتم رفع نسبة التخصيب وتطوير منظومة السلاح. على العكس من ذلك ستكون إسرائيل حرة في أن تقوم بالعمل المناسب وذلك لأنها ليست طرفاً في الإتفاق وتجدر الإشارة إلي أنه على النقيض مع التوقعات في هذا السيناريو بأن عملية عسكرية ضد البرنامج النووي الإيراني في 2025 لن تكون أكثر تعقيداً كما هو مُعتقد من الهجوم العسكري في 2015. فقبل التوسع في البنية التحتية النووية الإيرانية بعد فترة الإتفاق بين عامي 2025 و2030 سوف يكون البرنامج مقلصاً بشكل أكبر مما هو عليه اليوم وستكون المعلومات الإستخبارية أفضل مما هي عليه اليوم وإيران ستكون أقل حصانة مما هي عليه اليوم ومن ناحية أخرى ففي خلال من 10 إلي 12 عام من المحتمل أن يكون الإيرانيين قد قاموا بتطوير قدرات الدفاع الجوي لديهم وزيادة قدرات التدريع مما يصعب أي هجوم إسرائيلي محتمل.

السيناريو السادس :

تقوم إيران فيه بنشاط سري خلافاً للإتفاق وبذلك تقترب بشكل كبير من القنبلة النووية وفي هذا السيناريو قبل أو بعد فترة الإتفاق تتكشف خديعة إيران والنشاط الإيراني بما يتعارض مع إلتزماتها تجاه إتفاقية منع إنتشار الأسلحة النووية بما يتعارض مع بنود الإتفاق والتقدم نحو الحصول على قنبلة نووية وتطوير منظومات سلاح أو تخصيب اليورانيوم بدرجات كبيرة سراً أو علانية. وفي هذه الحالة ستجد كلاً من إسرائيل والولايات المتحدة أنفسهم في مفترق الطريق كي يقوموا بإتخاذ القرار في أن يُسلموا بوجود إيران مع سلاح نووي أو أن يخرجوا في عمل عسكري ضدها، في أن يبلوروا موقفاً واحداً في تصريحاتهم بأن كل الخيارات مطروحة على الطاولة وألا يسمحوا بوجود إيران نووية، هذا السيناريو سيمنحهم الشرعية في العمل في أي وقت تقريباً قبيل 2027 ( أقصي تقدير قد تكون إيران قد إستعادت فيه قدرتها التي كانت لديها في 2015) . ومن المحتمل أن يكون العكس تماماً هو الصحيح ألا وهو أن يكون البرنامج النووي الإيراني واضحاً للعيان ومقلصاً عما هو عليه اليوم بينما تكون القدرة المخابراتية والهجومية لكل من إسرائيل والولايات المتحدة أفضل مما هي عليه اليوم.

الخلاصة :

إن السيناريوهات الستة التي تم تحليلها تشير إلي أن وجود إتفاق بين إيران والدول العظمي فيما يتعلق بالشأن النووي الإيراني وفقاَ للمقاييس التي تم الإتفاق عليها في لوزان، مع بعض التغييرات الضرورية ( إتفاق أكثر حسماً وتعديلاً فيما يخص موضوع البحث والتطوير، والرد المناسب فيما يتعلق بـالجانب العسكري من البرنامج النووي والإشراف على كافة المواقع في أي وقت) هو أفضل بكثير من الوضع الحالي .

فلو لم تكن هناك صفقة جيدة فإن بديل ” إتفاق لوزان مُحسن ” هو عقوبات مشددة وناجعة قادرة على تحقيق إتفاق أفضل ولكنها قد تؤدي أيضاً إلي تحقيق الأخطار الكامنه في فشل المحادثات في أن تستمر النشاطات النووية الإيرانية بل وفي إمكانية أن يُعلن النظام في طهران عن مضيه في طريق القنبلة النووية. وفي مقابل هذا يسمح الإتفاق بفحص النظام الإيراني بعد فترة من 10 إلي 12 سنة كي يتم الفصل فيما إذا كان النظام الإيرانى قد إعتدل وغير من توجهه أم لازال يسعى نحو السلاح النووي وإذا ثبت ذلك سيكون من الممكن إتخاذ إجراءات أكثر فاعلية وأكثر شرعية ضد النظام الإيراني، لذا من الممكن أن نفحص إمكانية عقد إتفاق دفاع مشترك بين إسرائيل والولايات المتحدة خاص فقط بالشأن الإيراني وبذلك يتم تجنب العقبات التي تحول دون توقيع إتفاقات حماية شاملة بين الدول.

إن أسوأ السيناريوهات على الإطلاق في حالة التوصل إلي إتفاق وفقاً لمقاييس لوزان لن يكون بالضرورة هو السيناريو الذي ستقوم إيران بمقتضاه بإنتهاك الإتفاق أو أن تسعي من أجل القنبلة، وإنما سيكون السيناريو الذي ستقوم فيه إيران بالحفاظ على بنود الإتفاق ولا تعطي شرعية للولايات المتحدة لمنعها من الإقتراب إلي منطقة الصفر من إنتاج القنبلة إستناداً إلي خطة نووية موسعة أكثر تقدماً وأكثر قدرة على المقاومة وفي هذه الحالة ستكون الحكومة الإسرائيلية التي لم تكن طرفاً في الإتفاق هي التي ستقوم بإتخاذ القرار الصعب الذي تعيشه أيضاً في الوقت الحالي وتقوم بتحقيق مالم يتم التوصل إليه بواسطة الإتفاق.

ومن هنا لم يعد لدى إسرائيل الكثير من الوقت كي تبلور سياساتها حتى يتم توقيع الإتفاق أو في أن تفشل عملية التوقيع، وتوصية كاتب هذه السطور لرئيس الوزراء هو مناقشة إستراتيجيات العمل المطلوبة في كل واحد من هذه السيناريوهات المطروحة وأن يبلور وبسرعة إتفاق جانبي مع الولايات المتحدة يتضمن تفاهمات وفقاً لكل واحد من هذه السيناريوهات هذه التفاهمات لابد أن تتطرق لتوضيحات لمقاييس لوزان وكذلك تأكيداً بأنه لن يكون هناك أي مساعي أخرى للإستجابة للمطالب الإيرانية وذلك مثلما تمت الإشارة له علناً بعدما تم التوقيع على مذكرة التفاهم الأساسية في لوزان، موضوع أساسي آخر ذو أهمية ملحة هو كيفية التعامل مع البرامج النووية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط وكيف ستتم مراقبتها والتصرف معها والتي تمثل تهديداً إستراتيجياً جديداً في أعقاب التوقيع على إتفاق مع إيران وفقاً للمقاييس التي تم الإعلان عنها في لوزان .

إن السيناريوهات التي تم تناولها في هذا المقال ستكون أساس الحوار المهني الإستراتيجي الشامل الذي من شأنه أن ينعقد خلال هذه الأيام بين الولايات المتحدة وإسرائيل، حيث أن تحليل الدلالات المعقدة كما شرحنا سلفاً سيتيح بلورة مكونات الإتفاق الأساسية لإتفاق نهائي مستقبلي وبناء إستراتيجية ثنائية مستقبلية مناسبة للسيناريوهات المثيرة للمشاكل والأزمات التي من شانها أن تحدث في أعقاب التوصل إلي إتفاق بين الدول العظمي وإيران في عدة سياقات فيما يتعلق ببرنامجها النووي.