عمير ريبابورت

الحقول على جانبي الطريق المؤدي إلى بئر السبع مخضرة هذا العام: لونت الأمطار الغزيرة في الشتاء الذي يرفض الإنتهاء، النقب.

الطريق حتى المدينة الجنوبية قصير للغاية: طريق 6 حيث الأعمال فيه لا تتوقف في إتجاه الجنوب والسيارة أختصرت وقت السفر من تل أبيب إلى ساعة واحدة فقط وربما بزيادة خمس دقائق. وعندما نصل إلى بئر السبع نلاحظ إثنين من مشروعات البناء الكبرى حيث نجد غرباً أنه تم الإنتهاء من بناء إستاد كرة القدم الجديد وشرقاً إلى جانب جامعة بن جوريون تقف المباني الأولى التابعة للقرية التكنولوجية الجديدة التي يطلق عليها اسم “سايبر تك”.

على مسافة لا تتجاوز كيلومتر من الحديقة التكنولوجية بالقرب من مساكن حي “راموت” تُحاط منطقة واسعة بلافتات مكتوب عليها: “هنا ستُقام مدرسة للتخصصات الإستخباراتية”.

تم في هذه الأيام افتتاح قاعدة التدريب والتوجيه الرئيسية الجديدة الخاصة بالجيش الإسرائيلي والتي أُقيمت بإستثمار مالي بحجم كبير كبديل لمعسكر تسريفين الأسطوري، 20 كيلومتر جنوياً بالقرب من مفترق طرق النقب إلى يروحام.

هل ستتحقق رؤية إزدهار النقب؟

إنتقال الجيش الإسرائيلي

من أجل تقدير هل هذه النشوة مبررة أم لا، يجب ان نفهم الإجراء كله والذي في اساسه “ينتقل الجيش الإسرائيلي إلى النقب”.

 ماذا يعني هذا؟

كانت مشروعات إخلاء معسكرات على أراضي غالية في وسط إسرائيل ونقلها جنوباً، قائمة لعشرات السنوات وتلقت تحفيزاً في أيام رئيس الوزراء “أريئيل شارون” (حيث أطلق اسمه على قرية التوجيه الجديدة).

بدأ الإجراء فعلاً في نهاية العقد الماضي بعمليات بناء ضخم والتي حولت قاعدة نفطيم إلى أكبر قاعدة في سلاح الجو.

ولكن، كما هو متبع في سلاح الجو ليست هناك علاقة كبيرة بين ما يحدث داخل الوحدات وبين البيئة الخارجية، ولذلك من المهم للنقب هو استنساخ المعسكرات الأخرى وخصوصاً المعسكرات التي تعتبر مراكز لتشغيل القوة البشرية التكنولوجية.

إجمالا، الحديث هنا عما لا يقل عن تسع مشروعات ضخمة والتي في إطارها سيتم نقل الغالبية العظمى من الوحدات فى شعبة الإستخبارات والتنصت في الجيش الإسرائيلي (الهيئة المسئولة عن الإتصالات والحواسيب وتشفير الأكواد الجيش الإسرائيلي وحماية الفضاء الإلكتروني (السايبر)) وأيضاً ستُقام في النقب قواعد ضخمة لشعبة التكنولوجيا والخدمات اللوجيستية. واستنساخ مدينة التدريب الموجودة فى تسرفين تحت مسئولية شعبة التكنولوجيا والخدمات اللوجيستية أيضاً، وهو فقط أحد المشروعات التسع في جدول الأعمال.

حسب بيانات وزارة الدفاع التي تقود هذه العملية الشاملة عن طريق إدارة خاصة، حجم البناء ومحاكاة أنظمة الحواسيب في إطار تلك المشروعات (والتى لم يتم تنفيذ أغلبها) يُقدر بحوالي 25 مليار شيكل (حوالي 9 مليار دولار). الأنشطة الإقتصادية في محيط القواعد ستكون 1.5 مليار شيكل (حوالي 400 مليون دولار) سنوياَ.

ستستوعب تلك القواعد حوالي 6000 فرد حيث سيتم نقلهم من وسط إسرائيل إلى النقب وسيخدم فيها حوالي 30 ألف ضابط وجندي. وسيبلغ عدد المستجدين الذين سيتلقوا الدورات التدريبية في قرية التدريب وحدها 90 ألف في العام. وعندما ينتهي الإجراء سيتم وضع جميع القواعد التابعة لشعبة الإستخبارات وشعبة التنصت إلى جانب القواعد اللوجيستية المركزية في منطقة بئر السبع. ومن المتوقع أن يكون تمويل هذه الخطوة عن طريق تسويق الأراضي التي يتم إخلاؤها في وسط إسرائيل – ويشمل هذا المناطق غالية الثمن التابعة لقواعد الإستخبارات في رمات هشارون ووحدات التنصت المختلفة وبالطبع إخلاء أراضى تسريفين وقاعدة الإدارة العسكرية الرئيسية في رمات جان.

وحسب قول وزير الدفاع “موشيه (بوجي) يعلون” فإن نقل الجيش الإسرائيلي إلى النقب هو “الرؤية التي شكلها رئيس الوزراء الأول دافيد بن جرويون ونحن نحققها في السنوات القليلة الماضية. وبشكل شخصي حظيت كرئيس للأركان بوضع حجر الأساس لقرية التدريبات منذ حوالي ثماني سنوات. ونرى اليوم المباني والحوائط تعلو وسط الصحراء وكل هذا بعد عدة قرارات حكومية تم إتخاذها في الحكومة السابقة والحكومة الحالية، من خلال الفهم بأنه يوجد هنا مشروع حيوي وتاريخي، والذي سيلبي إحتياجات الجيش الإسرائيلي والمنظومة الأمنية ويعطي دفعة قوية للنقب.

يحدث هنا تقريب بين الضواحي وبين المركز وهذا الإجراء هو بالفعل فرصة لتوزيع السكان ولزيادة النمو  الإقتصادي الكبير والذي نراه بأعيننا الآن. توجد هنا فرص إقتصادية وأنا مقتنع أن التكنولوجيا العالية لن تكون تبقى فى وسط إسرائيل فقط بل ستنتقل إلى الجنوب، إلى المكان الذي يعيش ويعمل فيه المهندسين والعلماء. وهذا سيحدث بسبب حقيقة أن الجيش الإسرائيلي نقل مركز الثقل التكنولوجي الخاص به إلى منطقة الجنوب.

سيعطي الجيش الإسرائيلي دفعة وسيمهد الطريق وهذه الطريقة ستؤدي إلى تطوير كبير في النقب. ليس لدي أي شك أننا في ذروة حدث تاريخي. فنحن نشعر به ونراه أمام أعيننا. أنا أتمنى وأثق أننا سننجح في قيادة هذا الإجراء وخلال عقد سنرى نقب مختلف، نقب آخر”

مدينة العلوم

الجيش الإسرائيلي ليس وحده: توشك الصناعة العسكرية على نقل مصانعها من رمات هشارون إلى رمات بيكع التي تقع جنوب بئر السبع (بعد عشرات السنوات من الجدال فى هذا الأمر) بل ويشترك في حلم إزدهار النقب 2015 رؤساء السلطات بقيادة رئيس بلدية مدينة بئر السبع المحبوب، “روبيك دنيلبيك”. جامعة بن جوريون لها دور أساسي في النقب، فالجامعة هي اليوم أحد أكثر الجامعات المزدهرة والمطلوبة في إسرائيل. تم إقامة قرية تكنولوجية بجوار الجامعة بجوار شركة العقارات “جاب يام” التي تمتلك حدائق العلوم الضخمة والتي تشبه هرتسليا وحيفا وأماكن أخرى في إسرائيل. وحتى الآن تم بناء أول مبنيين فى بداية الطريق لبناء ما لا يقل عن 18 مبني تكنولوجي ضخم. قال “عوزي تسافنير” أن عملية البناء والتوطين تتقدم وفقاً للمشروعات “ونحن نثق أن بئر السبع ستكون مركز تكنولوجي ضخم متقدم”.

شركة التكنولوجيا المتطورة العالمية الأولى التي وصلت إلى بئر السبع كانت المجموعة الألمانية “دفيتشا تيلكوم” التى تعمل فى مجال الإتصالات، والتي أنشأت معامل بحثية بالتعاون مع جامعة بن جوريون.

وقد جلب مديرين إسرائيليين في شركات دولية ضخمة مثل دكتور “أورنا بري” من شركة EMC و”ريك كبلان” من شركة IBM إلى النقب الأسماء الأكثر لمعاناً في هذا المجال والذين طوروا في بئر سبع مراكز تطوير فخمة (بعد وصول مديري تلك الشركات من الولايات المتحدة الأمريكية تقابلوا شخصياً مع رئيس الوزراء وسمعوا منه عن نية تحويل بئر السبع إلى مركز عالمي في مجال البحث وصناعة السايبر. ووعد نتنياهو أيضاً بحوافز كبيرة لمن يستثمر في بئر السبع).

تتمركز في بئر السبع أيضاً شركة “لوكهيد مارتين” (التي أقامت في إسرائيل شركة لتكنولوجيا المعلومات والتي تنوي تشغيل ما لا يقل عن ألف عامل في المستقبل) وشركات إسرائيل أيضا مثل إلبيت للمنظومات وشركة باينت. وأعلن مؤخراً مدير عام شركة “نطاف” في إسرائيل أنه سيتم إنشاء مركز للشركة على الأقل في المدينة.

نفس الفكرة التي أكدها نتنياهو في لقاءاته مع مديري شركات التكنولوجيا الضخمة من الولايات المتحدة الأمريكية كانت الرغبة في إنتاج “إيكو سيستم” في بئر سبع وهو نظام بيئى يربط بين أفراد الجيش الأكفاء من الوحدات التكنولوجية (والذين يستطيعون التقدم في الدراسات الأكاديمية وأيضا تجربة صناعة التكنولوجيا العالية خلال خدمتهم). الربط بين الجيش وصناعة التكنولوجيا المتطورة والأكاديمية يمكن أن تحاكي “الإيكو سيستم” الذي أدى إلى إزدهار “السيليكون فالي” (وادى السيليكون) في كاليفورنيا. يطلقون في بئر السبع على قرية التكنولوجيا المزدهرة من باب الدعابة “سيليكون وادي”. أما الإسم الرسمي هو “سايبرس بارك”.

وأقيم أيضا في سايبرس بارك عن طريق صندوق رأس المال المسمى JVP مكان مخصص للشركات الناشئة في مجال السايبر. والدخول إلي الحديقة والصوب الزجاجية يبدو مثل المناطق التكنولوجية المتطورة في وسط إسرائيل كما حققت الصوب الزجاجية نجاحاً يفوق الخيال.

كذلك شركة CYACTIVE زادت خلال سنة من إثنين هم مؤسسيها “ليران تانكمان” و”شلومي بوتنرو” إلى 20 عامل ثم تم بيعها إلى “باي بال” العالمية بما يزيد عن 60 مليون دولار، بعد إستثمار 2 مليون دولار. والآن تقيم “باي بال” على أساس الشركة مركز تطوير عالمي. يبدو “تانكمان” في مقدمة العالم في الحفلة التي أقيمت مؤخراً في مطار تل أبيب. وقال بعد ذلك في لقاءات النصر “أنا لا أعرف “إكو سيستم” فى العالم خاص بشركة سايبر أفضل من الموجود في بئر سبع”.

قال عضو الكنيست “أريئيل مرجليت” رئيس اللوبي في الجنوب في الكنيست ومؤسس صندوق JVP، مساء العيد لموقع إسرائيل ديفنس  “أنا سعيد لإقامة الصوبة الأولى والشركات الأولى في بئر السبع أدت إلى إستثمارات أخرى وأن ترى الدولة الآن في بئر السبع عاصمة التكنولوجيا الإسرائيلية. أنا أفتخر أن هناك أكثر من 1.200 عامل تكنولوجي في الحديقة التكنولوجية.

“وإلى جانب ذلك تحتاج بئر السبع الآن إلى تشريع يؤمن للشركات الإسرائيلية ومتعددة القوميات جدوى استمرار الاستثمار في المدينة. تحتاج الحكومة إلى الإعلان عن التكنولوجيا في بئر السبع كمشروع قومي حيث أن هدفنا بالضرورة يجب أن يكون 50 ألف عامل يكنولوجي في بئر سبع خلال 7 سنوات. ومع كل عامل تكنولوجي هناك تشغيل لـ 2 – 3 عمال في مجالات عمل صغيرة والسلك الأكاديمى والخدمات إجتماعية والثقافة. وهكذا نحول قصة النجاح هذه إلى إجراء فعلي موجود على أرض الواقع في الجنوب”.

وصل “ليرن تانكمان” إلى بئر السبع في المرة الأولى في إطار عملية في مؤسسة “مجشيم” التي تهتم بتعليم الشباب فى مجال السايبر. وتركز المؤسسة مجهوداتها في بئر السبع وسيتم تعليم ما لايقل عن ألف من الشباب برامج السايبر في السنة القادمة في مشروع عملاق مشترك مع وزارة الدفاع. برامج “مجشيميم” أدت إلى زيادة حقيقية في عدد الشباب من الجنوب المنضمين إلى وحدات التكنولوجية الخاصة بالإستخبارات وذلك قبل أن تنتقل قواعد شعبة الإستخبارات إلي الجنوب (وهذا لن يحدث قبل عام 2021).

أقامت مؤسسة “الحاخام شلومو يتسحاق” في بئر السبع متحف ضخم للعلوم باسم كارسو. تقوم هيئة السايبر القومية التي تعمل مباشرة تحت رئاسة الحكومة بدور مركزي في تحويل بئر لبسبع إلى مركز سايبر عالمي. أصدر رئيس الهيئة “أبيتار متنياه” تعليمات بإقامة مركز الحماية القومية للسايبر والذي سيقوم بتشغيل مئات العاملين داخل نطاق السايبرس بارك. وفي المقابل تعمل الهيئة بدون توقف لجذب المزيد والمزيد من الشركات الضخمة إلى بئر سبع ومؤخراً بدأت الإتصالات مع شركات لها أسماء بارزة ليست أقل من تلك التى تعمل في البارك.

قائد مدينة التدريبات: النقب تزدهر

الطريق لتحويل الرؤية إلى واقع يصاحبه الكثير من العراقيل. عرقلت المناقشات بين وزارة المالية ووزارة الدفاع حول مسألة هل المالية ستمنح دفعة مقدمة على حساب الإيصالات التي ستأتي من البيع المستقبلي للمعسكرات أم لا؟، عملية إنتقال الجيش الإسرائيلي إلى النقب أكثر من سنة. وبدأت الشركات الأمريكية في التساؤل هل أخطأوا حين أستثمروا مبالغ ضخمة في إسرائيل إعتماداً على وعد بأن الجيش الإسرائيلي سينتقل إلى الجنوب.

ولكن بيت القصيد مساء يوم الإستقلال الـ-67 هو التفاؤل. والتفاؤل خاصة سُمع من القائد الأول لمدينة  التدريبات، عقيد “داني موشيوب”.

ويقول العقيد داني “منذ وقت ليس ببعيد، ذهبت لقراءة كتابات بن غوريون في سديه بوكير”. “ووجدت من بين كتاباته قرار الحكومة منذ عام 1958 عن مدينة التدريبات في النقب. قد مر الكثير من الوقت ولكن في نهاية الأمر تحققت الرؤية. يشعر الناس بالفعل بعبق التاريخ”.

يهتم موشيوب هذه الأيام فى البدء فى الدورات التدريبية الأولى في القاعدة والتي تبلغ قدرتها 2000 فرد من أعضاء هيئة التدريس و8000 من المتعلمين.

“من أجل أن ينجح هذا الإجراء القومي لا يحتاج فقط إلى نقل الوحدات بل أيضاً الإهتمام بتشغيل قوة كاملة في الجنوب، للتعليم المتميز والبنية التحتية للموصلات بشكل جيد ونظام صحي مميز. ولا يحدث كل شئ في يوم واحد ولكن قبل أن تعمل الوحدة إرتفعت أسعار الإسكان في يروحام المجاورة ولا يمكن الحصول على أرض خالية لبنائها. فعندما ذهبت إلى مطعم في يروحام لآكل فيه سألني المواطنين ماذا سيستفيدون من كل هذا. قلت نحن نقوم بتشغيل كل المقاولين في القاعدة من بين سكان المنطقة ولن يكون الأمر قاصراً على مقدمي الخدمات الأساسية بل مئات من مسئولي التكنولوجيا الذين سيقومون بتشغيل أنظمة التدريب المختلفة”.

في ثمانينات القرن الماضي، عندما تم نقل قواعد سلاح الجو من سيناء إلى النقب، كانت هناك آمال كبيرة حيال منطقة النقب والتي إنتهت بخيبة الأمل. ألست خائفاً أن يتكرر نفس السيناريو؟

“الوضع مختلف تماماً. هذه المرة الوحدات ليست مغلقة ونحن نقوم قدر المستطاع بدمج سكان النقب في هذا الإجراء. توجد حالة من الشعور بالتغيير، وأنا متفائل، لكن كل هذه الأمور لن تحدث بين عشية وضحاها. ولن يصل غداً في الصباح آلاف الأفراد الدائمين ويشترون الشقق ويغيروا المنطقة، هنا توجد عملية إستثمارية والكثير من التفكير. بسبب أن الجيش يقود هذا الإجراء أنا أثق أن هذه المرة رؤية بن جوريون ستتحقق”.